‚‘الصورة التي لدينا عن أنفسنا، هي التي ستحدد مسار حياتنا. السعادة التي نسعى إليها مدفونة في أذهاننا، والأمر متروك لنا للعثور عليها. ان تقدير الذات هو تأثير الفضائل الأخلاقية. اما الأوهام المفقودة، فهي نتيجة تجاوز الذات والتوقعات المبالغ فيها والتي يستحيل تحقيقها. كما يؤدي الافتقار لاحترام الذات، إلى الانغماس في حالة من الفوضى العميقة التي يصعب التعافي منها.
. من أنا، ما هي قيمي، ما هي اهدفي وهل هي مطابقة للواقع الذي اعيشه؟ من منا لا يطرح مثل هذه الأسئلة لفهم ذاته، وما الصورة التي نرغب في الحصول عليها للحصول علي الرضاء الذاتي ورضاء العالم الخارجي؟ تهدف هذه الأسئلة إلى الكشف عن مرآتنا النفسية، وطريقتنا في فهم العالم من حولنا بالإضافة إلى صورته المتميزة مع الطبيعة والفكر العام والوجود. بالنسبة لأفلاطون، تمثل الصورة "اكتشاف العالم والفكر الداخلي، والمرآة تتيح للمرء أن يرى نفسه يرى" العالم الخارجي وتصرفاته إزاء العالم المحيط به. مما يفسر لماذا يجب على البشر، أن يأخذ عبرة من دروس الحياة، وأن يعرف كيف يجد توازنه في الحياة ويحافظ على كيانه امام العالم الخارجي. المعرفة هي أساس التعلم وهي التي تجعلنا نلغي الاوهام، وتبعدنا من الهلوسة والاضطرابات النفسية. كما انا يقظة الفكر تجلب للإنسان القدرة على التمييز، والتأكد من الحقائق حول ما يراه وما يسمعه. اما الانسان الذي يتعرف على صورته في تفاصيلها، يعتبر انسان حر وقابل لاستمتاع بالفرص التي تتاح له. بالنسبة لجون لوك (1697)، "ما يجعل الفرد يظل نفس الشخص يكمن في وعيه لنفسه". ويؤسس جون لوك ثلاثة مبادئ، وهي: -ما يجعل الإنسان هو وعيه أو وعيه بذاته؛ الشخص هو كل ما يعتقده هو، ما يسميه لوك الذات أو "أنا"؛"- -ما يجعل الفرد هو نفسه، هو الوعي الذي يمتلكه هذا الفرد لنفسه على أنه نفس الشخص؛ كما يواصل لوك كتاباته عن الوعي، ويذكر: "النشاط العقلي الذي يمكن وصفه مجازيًا بأنه فعل النظر إلى الداخل النفسي"، من خلال شكل من أشكال الاهتمام الذي يوجهه المرء إلى أحاسيسه أو حالاته أو أفكاره" (لوك 1690، الفصل 1، الفقرة19) إن الامر يتعلق بمدي الإدراك والعواطف والمعرفة، التي لا يمكن لأي شخص من الخارج ان يراها. على سبيل المثال، يشرح نموذج "الجبل الجليدي" لعالم النفس فرويد كيف يتواصل الأفراد مع بعضهم البعض بنسبة 10-20٪ فقط. مما هو مرئي للشخص، تمامًا مثل الجبل الجليدي المدفون في الماء، والذي يمكن رؤية ما هو على سطح الماء فقط. ويشرح «نموذج الجبل الجليدي" مدي تواصل البشر مع بعضهم البعض، مع تعقيدات في شرح السلوكيات المختلفة للأفراد. ويستعمل هذا النموذج في تطوير مبادئ الاتصال في المؤسسات من اجل تطويرها، ويتم ذلك من خلال تطبيق النظام الموجه نحو الحلول. وفي العقل الباطني، نخفي معلومات اخري لأنها تؤلمنا، أو ببساطة لا تتوافق مع الصورة التي نريد أن يراها العالم الخارجي. وتحدد فكرة فرويد "الجبل الجليدي"(1896)، كجزء من أذهاننا حيث يتم تخزين الذكريات والاوهام، والرغبات. تتحكم آليات العقل الباطني في معظم سلوكياتنا، وخياراتنا، وعواطفنا، وقراراتنا. لذلك سيكون الأدراك فقط ما يظهر من قمة "جبل الجليد" فوق الماء، وما يمكن ان نراه من مستويات التفكير عند المرء. تكمن المشكلة في الجزء غير المرئي من حقيقة الانسان، تمامًا مثل الجبال الجليدية تحت سطح المياه. وفقًا لهذه النظرية، فإن الجزء الواعي من الكائن البشري يعادل قمة جبل الجليد: وهو الجزء الصغير المرئي والذي نبني عليه تفسيرات غير ذات الصلة، بسبب اعتبارها على أنها تمثل فكر الانسان. ومع ذلك، يوجد أسفل هذا الفكر مستويات أخرى أقل وضوحًا وغير مرئية للأخرين. لماذا الصورة الذاتية مهمة لنا؟ إنها طريقة إدراك أنفسنا لاكتساب الثقة بالنفس، والمضي قدمًا في حياتنا بقناعة وتصميم.. يمكن لأي شخص ان يعاني من النقص في احترام الذات، والاغراق في الاكتئاب إذا ما حقق أهدافه مثلا، وان يشعر بالذنب والاغتراب، والإحباط، وسوء الحظ. وفوق كل هذا، ان الشعور بالضرر هو الذي يمكن أن يؤثر على إمكاناتنا، ويقلل من أدائنا في العمل. يمكن لعدم الثقة بالنفس على المدى الطويل، ان تغرقنا في خطر القلق والمشاكل السلوكية مثل، العصبية الزائدة والشك، والعزلة الاجتماعية، والشعور بانعدام القيمة في المجتمع. بهذه الطريقة، يمكننا أن نصبح أشخاصًا نفسيا جامدين، مع إرادة مبالغ فيها في التحكم بكل شيء حتى ان نطمع في الحصول على كل ما نرغب به
غالبًا ما يغمغم هؤلاء الأشخاص بأوامر مثل: "هذا هو الحل الأفضل ولا يوجد غيره"، وكل ما يقولونه يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار. في هذه الحالة، يمكن التشكيك في الصورة الذاتية، لأن الافتقار إلى الوضوح يمكن أن يغير جوانب عديدة من الشخص بما في ذلك التصميم واحترام الذات وقلة الذكاء. ليس من قبيل المصادفة أن نشعر بالخيانة أو الرفض، لأن قد تسبب توقعاتنا غير الواقعية نفرة كل من هم من حولنا. لماذا وضع صورة ذاتية مثالية لأنفسنا؟ على سبيل المثال، مقارنتنا بالأخرين والشعور بأنهم أفضل منا (بالجمال، والقدرات الجسدية والعقلية، والكاريزما). في الواقع، إن التصورات الذاتية السلبية، هي التي يمكن أن تضعف شخصية الانسان لأنها تفقده الثقة بالنفس والقدرة على التفكير بشكل صحيح. ما نحتاج أيضًا إلى معرفته، هو أن احترام الذات يبنى خلال مرحلة الطفولة ويستمر في التطور من خلال التجارب الحية مثل النجاح والفشل. في حالة التصورات الذاتية الإيجابية، تعزز الصورة الذاتية مهارات الاتصال عالية وكذلك صورة منطقية لرؤية العالم والمكان الصحيح الذي ننتمي اليه. في هذه الحالة، تتشكل المعتقدات لدينا وفق قواعد الاندماج الاجتماعي. هناك جماليات الهوية التي يهتم بها معظم الناس، والمحرمات، والنموذج الذي يجب اتباعه ليكون مظهرنا الخارجي مطابق للرضاء الخارجي، والهوس بالرغبة ان نعجب المحيط من حولنا، وأن نكون الأفضل في كل شيء، والأكثر دهاء، للحصول على مكانة عظيمة في المجتمع. من المحتمل أن تؤدي هذه الهواجس إلى تشويه تفكيرنا، وان تجعلنا نعتقد أن تغيير مظهرنا أمام الآخرين أمر صحيح. في الواقع، المبالغة في التوقعات تعني زيادة في التحديات والاحتمال الكبير عدم امكانية مواجهتها دائمًا. يمكن أن تؤدي الي العوائق التي يصعب للمرء التغلب عليها، وإلى تضليلنا وإحباطنا والشعور بالركود. كما تساهم هذه التوقعات الغير واقعية الي تحطيم ثقتنا بأنفسنا والاعتقاد بأن الجميع ضدنا، بما في ذلك الأقارب والأصدقاء والمجتمع بأكمله. يكفي أن نصدق أنه يمكننا الحصول على كل شيء، وأن نغرق في الخداع والاجترار. على سبيل المثال، قد يؤدي الانخراط في دراسة او مهنة لا تطابق مهاراتنا، إلى فشلنا على المستوى المهني وعدم القرة على إيجاد عمل. والعكس صحيح أيضًا، إذا اعتقدنا أننا غير مؤهلين. إذا كانت تطلعاتنا لا تتوافق مع الواقع، يمكن لأفكارنا أن تغرقنا في الوهم، والفوضى. من الضروري أن نستعين بجهة الاختصاص، والنصيحة من حولنا والتعرف على الصورة التي نعكسها للآخرين وكيف يجيدوا سلوكنا، وطريقة تفكيرنا. وذلك يساهم في مساعدتنا علي العمل على انفسنا، لتبني صورة ذاتية إيجابية وفقًا لواقع الحياة والبيئة التي نعيش فيها.