لحسن الحظ ،لا تدين الطبيعة أحداً ولا تفرّق بين هذا وذاك
كاتب الموضوع
رسالة
الشماس يوسف حودي مشرف مميز
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 7006مزاجي : تاريخ التسجيل : 02/01/2010الابراج :
موضوع: لحسن الحظ ،لا تدين الطبيعة أحداً ولا تفرّق بين هذا وذاك الجمعة 2 يونيو 2023 - 6:19
شمعون كوسا بعيدا عن هموم الساعة واحاديثها ، سياسة ، أحزاب ، حكومات ، قوميات وحتى عقائد وطوائف ، مواضيع شغلت الكثيرين وادخلتهم في نقاش حاد يؤدي الى الكثير من الغضب والافتراق وحتى التربص بانتظار فرصة الثأر. وبعيدا ايضا عن المفارقات الخاصة بالأديان التي ، بالرغم من ولائها لخالق واحد يُفترض ان يكون نفسَ الإله، فان رُعاتَها وحتى بعضَ رعاياها تعتبر الاختلاف والخلاف ، والنقاش والفرقة، والخصام وحتى العداء تعتبرها ممارسات تفرضها تقاليدها وشرائعها . واشخاص عاديون آخرون يتخذون مواقف ، وينظرون شزرا الى بعضهم البعض ، بسبب اختلاف افكارهم ، وآخرون يكرهون فلانا لعدم انسجام طباعهم معه ، وآخرون يتجنبون فلانا ولا يطيقون رؤيته لأنه ثقيل الدم ، دون ان يكون لهم أية فكرة عن وزن دمّه !! وآخرون يحتفظون بحكم مسبق عن اشخاص لم يلتقوا بهم أصلا ، وإلى آخره من سلسلة التجافي والافتراق والتخاصم ، وفي اغلب الاحيان لأسباب عرضية واهية . نحكم على بعضنا البعض، فنلتقي ، ونبتعد عن بعضنا البعض ، وننفر أحيانا من أشخاص لمجرد رؤيتهم ، وننفعل ونصدر احكامنا ، حضوريا أم غيابيا واحيانا ، لمجرد اشاعة. إن الانسان أرقى مخلوق أوجدته الطبيعة . ومما لا شك فيه أن البشر كلهم متشابهون ، مهما تغيّر لونهم او اختلف أصلهم ، لانهم يحملون نفس العقل ، ولهم نفس الحواس ، وتكوينهم متشابه ويخضع كل منهم الى نفس العوامل ، ويتفاعلون جميعهم وينفعلون بصورة مماثلة إزاء الفرح، والالم، والحزن، والخوف، والغضب ، والقلق، والحيرة. احتجتُ الى كل هذه المقدمة الطويلة كي انتقل الى شرح بديهيات عن مخلوقات اخرى للطبيعة ، تختلف عن الانسان ، بردود افعالها وبتعاملها مع الانسان . هذه المخلوقات لا تفرّق بين هذا وذاك ، جميلا كان او قبيحا ، صالحا او شريرا ، ثقيل الدم أو خفيفه ، ثريّا او فقيرا . هل الزهرة مثلا ، تبخل بجمالها ، بألوانها وعطرها الزكي ، على الناظرين اليها ، معجبين كانوا ام لا ، ذوي مزاج كانوا أم لا ، جذابين كانوا أم مقرفين ؟ هل تسمح الزهرة لنفسها بالقول ، حتى في سرّ نفسها ، بان هذا يستحقني وذاك لا . الزهرة لا تغادر موقعها ، ولا تختفي ، ولا تتبرقع أو تتحجّب ، ولا تتصنّع لان قاصدها شخص لا يحبه الناس او هو مجرم مطلوب للعدالة . كلّ شخص يأخذ منها ما تروم اليه نفسه ، فهناك من يكتفي بنظرة بسيطة ، وآخر ينحني لاستنشاق عطرها ، وآخر يقف مشدوها امام الوانها الزاهية ، وآخر يُمعن النظر، ويلج عالم الخيال ، كي عِبر انظاره وصَبرِ الزهرة عليه ، ينسجَ قصيدة او يرسمَ لها لوحة جميلة ، او يؤلفَ منها قصة ، وآخر لشدة ولعه بها ولمعرفته التامة بعدم تبرّمها منه ، يعود ثانية وثالثة لأنه يكون قد وجد الراحة التي تنشدها نفسه والتي تجعله في منأى عمّن يلومونه او يستهزؤون به ، أو يسألونه أو يطالبونه ويلاحقونه . واذا انتقلنا الى ابناء الطبيعة الاخرين من غير البشر ، نقول : هل الشمس ، هذا المصباح الذي يَبعث الحياة في الطبيعة والبشرية جمعاء ، بضوئه وحرارته منذ مليارات السنوات ، هل تحكم الشمس على منطقة معينة فتغيبَ عنها وتحرمها من ضوئها وحرارتها ؟ هل تحكم الشمس على شعب او تهجر بلدا ، لان قاطنيه متخلّفون او لا يجيدون فنون الكلام والكياسة؟ هل تغضب من فلان او تعاقبه ، او تميّز بين مجموعة واخرى او قارة واخرى أو تضمر لها الشر لايّ سبب كان ؟ وهل النهر يغيّر مساره لان هذه المنطقة قد اخطأت بحقة وخصّته بكلام بذئ ؟ او هل ينقطع عن الجريان لان الساكنين على ضفافه من الدين الفلاني أو الطائفة الفلانية ؟ إنه يجري غير آبه اذا كان المنتفع منه طويلا او قصيرا ، صالحا ام شريرا . وهل الحديث عن الطيور والعصافير يحتاج الى وصف من هذا النوع ؟ متى غادر طير غصنه أو خفّف من شدوه ، لان المُصغي إليه فلان وهو لا يستحق سماع صوته الجميل أو لأنه سيّئ السمعة ؟ العصفور يطير، ويحطّ ، ويشدو باللحن الذي حبته به الطبيعة ، فيُطرب كافة المارين دون تمييز عنصري . والحديث نفسه يتكرر عن الغيوم ، فان انحباسها عن بلدة او وهطولها في منطقة أخرى ، ظاهرة تخضع لعناصر الطبيعية الاخرى كالحرارة والرياح ، فاذا لم تستقر في مكان وهجرت غيره ، فليس هذا لأنها تعاقب او تكافئ ، فهي تهطل وتوزع خيرها وأمطارها على الجميع دون تمييز. واذا تناولتُ الخلائق كلها سيطول بي الامر ، ناهيك عن تبرّم القارئ ، فما ذنبه في الصبر عليّ في سماع حديث مملّ كهذا. خلاصة القول ان الطبيعة ، دائمة الخير والعطاء ، بخلاف الانسان . هذا الكائن السامي بعقله ، الذي حباه الله دون كافة الخلائق بمعرفة الخير والشر ، والتمييز بين ما هو صالح وما هو طالح ، وما هو حقيقي وما ليس كذلك، هذا الانسان الذي له امكانية الرؤية والتحليل والاستخلاص واتخاذ القرار ، هذا الانسان الذي يعرف جيدا بانه يجب ان يكظم غيضه ، وأن يجنح للحب ، لسوء الحظّ ، هذا الكائن السامي ، يفضّل احيانا الانحدار والتخلي عن سموّه ، فيركض وبإرادته ، وراء مصلحته وأنانيته ، فيحكم على فلان ، ويسيئ الى آخر ، ويشيح بوجه عن فلان ، يبتسم بوجه فلان ، ويعبس بوجه غيره ، والأنكى من كل ذلك فانه يحقد ويحتفظ بحقده ويلذّ له تطويره لحد الانتهاء بارتكاب الشرّ . أين صاحبنا من الزهرة ومن الشمس والطيور والغيوم وغيرها ؟ لقد تحدثتُ وأطلت الكلام في موضوع غريب وبديهي جدا، وفعلتُ ذلك بصورة ساذجة. كانت مجرد فكرة راودتني ، ولا اعرف لماذا تسلسلتُ بها بحيث كنت كالشخص الذي تتقطع سلسلة افكاره ، فينتقل متخبّطا من فكرة الى اخرى دون أي ارتباط . على اية حال ، إن كان حديثي لا يرقى الى المستوى المطلوب ، فانا اقول بان العبرة أحيانا في تكرار ما هو بديهي وساذج ، لان البديهي لا يجلب الانتباه كثيرا ، ولكن إعادته ، حتى اذا كانت بصورة ساذجة ، تدعو بعض القراء للتوقف والاستفهام . كخلاصة، أودّ الاختتام بهذا القول : هل يحتاج الانسان الى المبالغة في سموّه وتفكيره كي يجنح دوما للخير ، او التخلي احيانا عن عقله كي يُحرم ن إمكانية الابداع في شره ؟!!
لحسن الحظ ،لا تدين الطبيعة أحداً ولا تفرّق بين هذا وذاك