هل العرب بحاجة إلى عصر تنوير؟ منذ 5 ساعات مثنى عبد الله
كاتب الموضوع
رسالة
Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61358مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: هل العرب بحاجة إلى عصر تنوير؟ منذ 5 ساعات مثنى عبد الله الثلاثاء 11 يوليو 2023 - 2:52
هل العرب بحاجة إلى عصر تنوير؟
منذ 5 ساعات
مثنى عبد الله
حجم الخط
0
يقينا لقد خرج الواقع العربي من التاريخ المعاصر، وأصبحت القدرة في العودة إليه مشكوكا فيها، على الأقل في المدى المنظور. فعلى سبيل المثال تبدو مراجعة مسارات التعليم في بلادنا، والتمحيص في قائمة براءات الاختراع المُعلنة، والمشاركة في المجلات العلمية المُحكّمة ومراكز البحوث الرصينة، ومراقبة تطوير المخترعات والاكتشافات الحديثة، والنظر في مستويات المعيشة وأُسس الحياة الكريمة، كلها تُبين بشكل واضح أننا في مرحلة متأخرة جدا في قائمة الأمم. وهي مؤشرات موثوقة، تدل على أننا آخذين في التراجع، وليس التوقف عند النقطة التي وصلنا اليها، بل إن واقع بعض الدول العربية ذهب إلى مستويات لا تُلبى فيها حتى الحاجات الاساسية للحياة، والمثال الأبرز على ذلك هو ما يحدث من هجرات لمئات الآلاف من الشباب العربي من سوريا، ومعاناة مئات الآلاف من العراقيين، وما يحدث في ليبيا والسودان ولبنان وغيرها، فهل نحن بحاجة إلى عصر تنوير على شكل ثورة ثقافية تُعيد لنا الوعي؟ وهل تسبق هذه الثورة الثورتان الاجتماعية والسياسية؟ وقبل هذا وذاك ما هي الثقافة؟ قد يظن البعض أن الثقافة هي منظومة العادات والتقاليد والقوانين والفنون فحسب، التي تُميّز مجتمع ما عن المجتمعات الاخرى. لكن هذا مفهوم ساكن لانه يقتصر على وصف للثقافة. بينما نحن بحاجة إلى مفهوم آخر، ينظر إلى الثقافة والفعل الثقافي على أنهما نشاط نوعي للإنسان، يظهر في الصيرورة والتغيير والإبداع. من هنا فإن المفهوم التجديدي للثقافة، الذي يفهم الثقافة كما لو إنها حركة أو فعل أو نشاط، يظهر أثره في الواقع وفي الوعي كذلك، هو ما يجب أن نتبناه كعرب. لكننا في الواقع العربي ما زلنا آسارى المفهوم الساكن للثقافة، لذا لا بد من أن يحصل تغيير وتجديد في هذا المفهوم، وشرط هذا ينحصر في نقطتان أساسيتان: أولهما أن نعتبر الثقافة فعلا في هذا العالم وليس مجرد سكن فيه. والثاني هو أن يرتبط المثقف أكثر بالفعل، وألا يصبح مثقفا نظريا فقط، فالسكن في الجوانب النظرية لن يغير الواقع ولا يؤثر فيه، ولا يستطيع رسم ملامح لتحولات تاريخية. وحتى نصل إلى هذه المرحلة من الفعل الإيجابي، يجب على المثقف أن يبدأ بالأفعال لا بالتنظيرات، وأن يشرع في نشر الحكمة على المجتمع، وأن يُراهن ويُكابد ويصبر حتى يُغيّر الأبنية الثقافية والاجتماعية السائدة، وإذا لم يتغير المثقف، وإذا لم يخرج من كهفه الأفلاطوني الموروث، وإذا لا يعانق ولا يشتبك مع تحديات الواقع، فإن الثقافة ستبقى كما هي كتلة جامدة، كتلة فقط مرتبطة بالوصف الذاتي. بينما الثقافة الحقيقية والحية هي التي تنخرط في سياق نقدي تجاوزي، تهدف إلى بناء رؤية جديدة إلى العالم، وهنا يبرز السؤال التالي وهو، ما الذي يمنع من الانطلاق إلى هذه المرحلة؟
اقتباس :
جرّب الوطن العربي الثورات الاجتماعية والثورات السياسية لكنها فشلت جميعا، لأن وقودها الحقيقي وهما الثقافة والوعي كانا ضعيفين
المشكلة الأساسية هي أن العرب ما زالوا ينظرون إلى الثقافة على أنها وصف للذات وحسب، وليست أداة فعل، أيضا يوجد سيادة وتسيّد لأنماط من المثقفين أبرزهم المثقف البوق، الذي يجهد نفسه في التنظير والتزويق اللفظي لما يقوله السياسي، ولا يزال يرى نفسه امتدادا له لا أكثر، إذن شكل المثقف أو دوره الحالي يساهم في تعطيل الدور الحي للثقافة، ويحول دون قيام الثورة الثقافية، فالتغيير الحقيقي للمجتمعات العربية ليس مسألة سياسية خالصة، وإن القول بأن تغيير أنظمة الحكم يعني تغييرا حقيقيا للمجتمعات العربية فيه مغالطة كبيرة، لان التغيير الحقيقي والعميق هو التغيير الروحي، الذي يُسكن قيما جديدة مثل قيمة الحرية في المجتمع وتصبح واقعا ملموسا. وأن تسكن قيمة العدالة وتصبح واقعا مُعاشا في المجتمع أيضا. يقول ابن خلدون إن (الظلم مؤذن بخراب العُمران). فإذا لم تتحقق الثقافة بهذه المعاني الخلقية في الواقع العربي، فإننا لن نتغير ولن نكون قادرين على بناء عالم جديد كما بناه أجدادنا من قبل، أيضا هناك معوقات حكومية ومعوقات شعبية ومعوقات منهجية، تمنع الانطلاق إلى الثورة الثقافية، فالحكومات تريد أن يكون التغيير من داخل إطار المنظومة الحاكمة، وليس من الأسفل للأعلى، وأن يكون زمام المبادرة والتوجيه وقيادة الثورة الثقافية بيدها، كما أن أحد المخاطر هو، أن الحكومات قد تدفع جهات معينة لإدخال المال السياسي في هذا التحرك. أما المعوقات الاجتماعية فتتمثل بأن المجتمع قد أدمن المناهج التعليمية المتخلّفة، والقيم البالية والأفكار الرثة والعقليات المعطوبة، التي أخرجته من منظومة الحياة الإنسانية عبر أكثر من نصف قرن. بالتالي من الطبيعي أنه يصبح غير راغب في إعادة النظر في كل ما حوله، لاسيما وأنه كان دائما تحت تأثير حملات التثقيف الحكومية، التي تؤكد أن، أي تغيير يضر بمناخ الاستقرار وبالثوابت الأساسية، وأن ليس بالإمكان أفضل مما هو موجود الآن، لذلك رأينا كيف أن الكثير من المُصلحين والمفكرين في الوطن العربي، تم رجمهم معنويا من قبل مجتمعاتهم، لأنهم طرحوا أفكارا تصب في الثورة الثقافية، ومرد ذلك أن بعض الجماهير التي تعاني من الأمية، يصعب عليها قبول التغيير في المفاهيم الاجتماعية السائدة، إضافة إلى أن هناك شرائح لديها مصالح مرتبطة بالواقع القائم، وهم حريصون جدا على استمراره، فبعض زعماء القبائل ورجال الدين يرفضون أي تغيير في المفاهيم القائمة لأنها مصدر نفوذ لهم. إن التخلف الثقافي الذي نعانيه اليوم يتمثل في ثلاثة معاني.. المعنى الأول أننا متخلفون بما تأمرنا به رؤيتنا إلى العالم. فرؤيتنا إلى العالم كفضاء ثقافي عربي إسلامي يأمرنا أن نكون بمستوى الوجود الحضاري العالمي، بينما نحن لم نحقق هذا الهدف. المعنى الثاني أننا متخلفون بالنسبة لموروثنا الثقافي، فهذا الموروث كان ناصعا وأنتج العلوم وأثّر في الثقافات الأخرى. والمعنى الثالث نحن متخلفون بالنسبة لواقعنا، لأن الغرب استطاع أن يتسيّد بالعقل والتقنية، ونحن ما زلنا لم نحسم نقطة انطلاقنا بعد، وما زلنا نعيش نوعا من الفوضى والضبابية في نقطة الانطلاق. لا نعرف من أين ننطلق، وإلى أين نتجه، لذلك لا بد لنا من أن نحسم نقطة الانطلاق حتى تنضج الرؤية، وحتى يكون الفعل الثقافي فعلا نوعيا. لقد جرّب الوطن العربي الثورات الاجتماعية والثورات السياسية لكنها فشلت جميعا، لأن وقودها الحقيقي وهما الثقافة والوعي كانا ضعيفين، بالتالي جاء الوقت لإحداث تغيير حقيقي في نمط تفكيرنا، وفي منظومة إدراكنا. كما يجب علينا إعادة النظر في المفاهيم الأساسية، التي تنبثق منها المفاهيم الفرعية، التي تؤثر تأثيرا مباشرا في سلوكياتنا. بمعنى إعادة النظر في الذات بكل ما تشتمل عليه من موروث وواقع، وهي مراجعة يجب أن تمس كل التصورات التي تمثل عقبات أمام التحضر وتطور المجتمع. إننا بحاجة إلى عصر تنوير كي تشع أنوار العقل من حيث تأملاته، تجاربه، وتفسيراته العقلانية والعلمية على قضايا المجتمع كافة، بحيث يكون هناك المزيد من الحريات، التي تقود إلى الاعتراف بالآخر والتفاعل معه من أجل المجموع، كما يجب أن يكون عصر التنوير هذا فيه اعتراف بحقوق الإنسان، ومحاربة الجهل والخرافة، وإيمان بالمواطنة، والابتعاد عن تقديس الحاكم، ورفض الأفكار المتعصبة والطائفية. كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية
هل العرب بحاجة إلى عصر تنوير؟ منذ 5 ساعات مثنى عبد الله