الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61345مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: التخدير السياسي وخداع الشعوب : قاسم محمد داود الخميس 10 أغسطس 2023 - 0:19
التخدير السياسي وخداع الشعوب
قاسم محمد داود
التخدير السياسي وخداع الشعوب
أتفق الفلاسفة على أن الطبيعة البشرية تدفع الناس إلى الاجتماع السياسي، حيث أن لكل فرد من أفراد المجتمع حاجات ذاتية يهدف إلى إشباعها، وهذا الإشباع لا يمكن تحقيقه بشكل فردي، الأمر الذي يدفع الأفراد (المواطنين) إلى التعاون فيما بينهم. وبرزت الحاجة إلى ما يعرف عند علماء الاجتماع بـ (العقد الاجتماعي)، وهو بأن الأفراد يقبلون بشكل ضمني أو صريح أن يتخلوا عن بعض حرياتهم ويخضعوا لسلطة الحاكم مقابل حماية بقية حقوقهم. ثم صار من الضروري وحسب أبن خلدون، وجود ما ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكومين، حيث أكد أن وجود السلطة يعتبر من الضرورات الاجتماعية، إلا أنه رأى أن شهوة السيطرة والطغيان غالباً ما تتملك من هم في الحكم، وبناءً عليه وللحد من هذه الشهوة فإن افراد المجتمع يرغبون دائماً في تنظيم السلطة السياسية، التي تجتمع في يد شخص واحد يطلق عليه "الرئيس"، لذلك وُجدت الحاجة لإقرار الحقوق المدنية للمواطنين، التي تنظمها الدساتير والتشريعات وتُفصّل بقوانين واجبة الاحترام والتنفيذ. واستناداً إلى ما تفرضه كلمة (عقد) التي تعني هنا أن يكون على كل طرف أي الحاكم والمحكوم واجبات وله حقوق، كما تشمل الكلمة معنى ضمني آخر، وهو الثقة المتبادلة بين طرفي العقد طوال مدة سريانه، الأمر الذي يعني أن أياً من الطرفين لا يحق له خداع الطرف الآخر، أو تظليله أو حتى إخفاء الحقائق عنه. لكن هذا وعلى ارض الواقع صار ضرباً من الخيال، فقد أبتكر الحكام طرق وأساليب مختلفة للتحايل على هذا العقد وجعله مجرد أحلام في اذهان الشعوب. يتحدث بعض القادة عن التغيير والإصلاح لكنهم في الواقع لا ينفذون تلك العهود، مما يؤدي إلى فقدان ثقة الشعب في حكوماتهم. وبما أن السياسة تحتل جزءاً مهماً وأساسياً من حياة الإنسان، خاصة في أيامنا هذه، حيث تنتشر الحروب والخلافات والتنظيمات الإرهابية في كثير من دول العالم. لكن ما لا يعرفه البعض أن السياسة لعبة أصعب وأخطر مما نتوقع، فليس كل ما نراه صحيحاً وليس كل ما نسمعه صادقاً وحقيقياً. فرجال السياسة يستخدمون طرقهم الخاصة لإقناع مناصريهم بأفكارهم والتأثير على خصومهم وخداع شعوبهم حتى ولو عبر طرق "التوائية ومشبوهة" واستخدام طرق وأساليب عديدة واستغلال ما يمكن أن يمرر مشاريعهم السياسية. وبحسب مجلة علم النفس الاجتماعي Journal of Personality and Social Psychology فأن من أبرز هذه الطرق التي يستخدمها السياسيون لخداع الشعب هي:
تكرار الأكاذيب، تقسيم الجمهور والنقاش، إلقاء اللوم والمشاكل، تدفق المعلومات والاخبار، المبالغة والتعقيد، تأليه النفس، نشر الأوهام، العدو القوي، اللعب على المشاعر، التعظيم. "تكرار الكذبة حتى تصبح حقيقة" مبدأ أستخدم منذ القدم ولا زال يمتلك مفعولاً قوياً. كلما كرر السياسيون الكذبة سيقتنع بها الشعب لاحقاً. لأن الحكام الطغاة "المخادعين والمظللين" نادراً ما تكون لديهم أيديولوجيا متناسقة إلا أنهم يستخدمون الدعاية ليتظاهروا بأنهم نبلاء وأن خصومهم أشرار. كما أن الطغاة يلجؤون في كثير من الأحيان إلى ترهيب شعوبهم بالقتل والاغتيالات، لكن الموازنة بين الكذب والقتل قد تغيرت، فبالنسبة للحكام المستبدين المعاصرين فإن الأهم هو الكذب. تحويل النقاش إلى جانبين، فمن الصعب أن يركز شخص ما على قضية عندما يركز أيضاً على الكراهية للحزب السياسي الآخر أو الطائفة الأخرى وتوظيف الخرافة في خداع الشعب واستخدام الأكاذيب والتظليل لإقناع الناس بشيء ما غير حقيقي أو غير مثبت علمياً، وتعتمد هذه الطريقة على استخدام العواطف والمشاعر المتواجدة في عقول الناس، مثل الخوف والغضب والانتماء الجماعي، لإقناعهم بأن يؤيدوا شيئاً لا يمت للواقع بصلة، ومن خلال استخدام الأعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يتم نشر هذه الأكاذيب والتظليل بشكل واسع لجذب مزيد من الناس. تقسيم الجمهور إلى قسمين مؤيد ومعارض في كل قضية يضمن السيطرة عليهم، طريقة استخدمت على مر العصور من قبل الساسة والزعماء والمتطرفين والمحتالين لتحقيق أهدافهم الخاصة على حساب الناس. أسهل طريقة يستخدمها السياسيون هي القاء اللوم على الطرف الآخر في كل القضايا، مثل اتهامهم بعرقلة المخططات. أي بمعنى صناعة عدو لأن وجود هذا العدو حتى وأن كان عدواً وهمياً فأن له دور اجتماعي وسياسي يؤديه في المجتمعات القديمة والمعاصرة وهو حاجة ماسة بشكل دائم ومستمر، فالعدو هو الآخر، الشر، التهديد، ولا يمكن فصله عن الحياة، كما المرض، وسوف يصدقك مناصروك لأنهم أصلاً يكرهون هذا الآخر، كما يمكن لصناعة العدو أن ترسخ الأواصر الجمعية، ويمكنها أن تكون مخرجاً بالنسبة إلى سلطة تواجه مصاعب على الصعيد الداخلي، ويجد لها مبرر منطقي للعنف؛ إذ أنه يعيد بناء وحدة الجماعة السياسية أو الهوية القومية، أو الدينية، أو المذهبية، وتصبح الجماعة المعادية هي الكيان المضحى به، طالما أنه يمكن لصناعة العدو أن توطد الأواصر ضمن الجماعة الأكبر أو الأقوى والأكثر تماسكاً، مهما كان الخطر الحقيقي. وقد يصنع العدو لحاجة معينة تمنحه لقب العدو حسب (أميل دوركهايم عالم الاجتماع الفرنسي):" حين يعاني المجتمع يشعر بالحاجة لأن يجد أحد يمكنه أن يعزو أليه ألمه ويستطيع أن ينتقم لخيبات أمله". إقناع الشعب بأن أي كلمة لا تصدر مباشرة من الزعيم السياسي هي خاطئة ومفبركة، وهذا الأمر يهدف لتكذيب المعلومات التي ينشرها الصحافيون فوراً، لتجنب الفضائح وعدم السماح بإبراز الحقيقة. ومن اللافت أن الأمر لا يقتصر فقط على المجتمعات الشمولية، بل حتى المجتمعات الديموقراطية الليبرالية كالمجتمع الأمريكي تقع ضحية للدعاية، لكنها ليست دعاية مباشرة وتقليدية كالتي تشهدها المجتمعات المغلقة، بل دعاية معقدة مستترة قائمة على إيهام الجماهير أنه لا يجري التلاعب بهم، وأنهم يتعرضون لرسائل واقعية ومتوازنة، كما حدث عند تبرير عملية غزو العراق عام 2003. من خلال التحكم في وسائل الأعلام والمعلومات الضعيفة القادمة من مكان الحدث، قد تعمل بعض الحكومات على تضليل وإخفاء الحقائق. كلما كانت الرسالة أكثر تعقيداً وتتضمن عدة تحليلات كلما كان من الصعب على الشعب فهمها، وهذا هو المطلوب. بحيث يتعمد السياسي عدم تبسيط أفكاره والتحدث بكلمات علمية وسياسية عميقة وطرح عدة تساؤلات عن طريق تضليل الجماهير وتجهيلها بماكنة دعاية ضخمة حتى لا يفهم الشعب شيئاً، ليكون أسلس قياداً، وتزدهر الدعاية في أجواء القمع، وتخاطب الناس بوصفهم جماعة لا أفراداً، فهي تستميل الروح الجماعية، وتتجنب مناشدة الفرد. أي استخدام الدعاية كـ (آلية ضبط اجتماعي)، ولذا فهي تعتمد على العاطفة لا المنطق. ويمكن أن تعتمد بعض الحكومات على القمع والتعذيب والاعتقال التعسفي لكبح حرية التعبير والتجمع، مما يؤدي إلى ترهيب الشعوب وتقوية سيطرتها عليهم. يميل العقل البشري للانجذاب نحو التفكير بأشخاص ذوي شهرة ونجاح وسلطة أكثر من الأشخاص البسطاء والعاديين، لذلك يعمد السياسيون إلى تأليه أنفسهم وتكبير الحاشية حولهم وإعطاء أهمية أكبر لأنفسهم حتى يلاحقهم الشعب. وأحياناً يصاب الحاكم بمرض العظمة، فهو يختزل كل شيء في شخصيته ويرى العالم من خلالها فقط، هو المركز وكل ما يدور حوله ينطلق من وجوده. لذلك يترسخ في الشعور الجمعي للمجتمع وخصوصاً المتخلف، أن بقاء الدولة مرهون ببقاء الحاكم وتخليده في الحكم، لأن أمن الدولة معلق بالرئيس وجوداً وعدماً. وهو من صور اعتلال الحياة السياسية في المجتمعات الواهنة أنها تختصر كيان الدولة في شخص الرئيس المخلّص، وتتفانى في تكريس وتمجيد صورة الزعيم وتعليقها في الشوارع والمباني وعلى الشرفات وفي الطرقات وطبعها في الكتب المدرسية، وإضفاء هالة قدسية على حياته ومساره وأحياناً تنسج الأساطير حوله، حتى تُحْفَر فكرة المنقذ الذي لا بديل عنه في المتخيل المجتمعي العام، بل كلما سقط صنم بشري استُبدل بآخر بصفة لا شعورية وعفوية لتَرَسُّخ طبع القابلية للاستعباد والوهن النفسي والعجز الذاتي في نفوس الشعوب التي لا تطمئن إلا لكاريزما المنقذ الذي تُعلق عليه آمالها وطموحاتها، فتشرئب له الاعناق، وتنقاد له بكل وفاق، وهذه الحالة المرضية نجدها في أحوال بعض شعوبنا العربية بعامة. وقد تكونت عبر تجاربها التاريخية وتحولاتها الاجتماعية والسياسية ونوعية الموروث الثقافي الحاكم على نظم التفكير لديها، والعادات السلوكية لهذه الشعوب. خداع الشعب عن طريق نشر الأوهام أنجح طريقة ممكنة وذلك بالاستعانة طبعاً بالدين والقومية العنصرية، كإقناع أنه لولا وجود الحزب الحاكم لكانت الطائفة انتهت، أو إقناعهم مثلاً بأن لديهم قضية محددة ويجب القتال من اجلها حتى ولو كانت القضية وهمية، مثل تبرير أمريكا غزوها العراق واحتلاله بادعاء امتلاكه أسلحة دمار شامل. أو عندما اختار الأوربيون الذين قاموا بحملات عسكرية على بلاد الشرق العربي، في أواخر القرن الحادي عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر، أسم "الحملات الصليبية" كتوصيف لحروبهم التوسّعية من أجل تبريرها أمام شعوبهم بالادعاء أنها من أجل الوصول إلى القدس، مهد السيد المسيح، وأدرك العرب آنذاك بطلان هذا التبرير الأوربي فأطلقوا اسم "حروب الأفرنجة"، خاصة أن قبائل عربية مسيحية عديدة قاتلت ضد الغازين الأفرنج إلى جانب المسلمين العرب. كذلك أيضاً جرى خداع شعوب عديدة في مراحل زمنية مختلفة من خلال تبرير حروب كثيرة أخرى جرت على مدار التاريخ، حيث أبتدع لها أسماء وصفات لا تُعبّر عن حقيقة أهداف هذه الحروب ألم تكن حرب أدارة بوش على العراق تحت أسم "الحرب على الإرهاب"؟! ثم ألم يُشوه الأوربيون معنى كلمة "الاستعمار" فاستخدموها لتبرير احتلالهم لبلدان عديدة في آسيا وإفريقيا؟! وألم تفعل ذلك أيضاً الحركة الصهيونية باستغلال اسم "إسرائيل"!(1) لتبرير مشروعها الاستيطاني على أرض فلسطين؟! كما تستغل بعض الحكومات الدين والقومية لتشجيع الانقسامات وتوجيه الشعب بطرق تخدم اجنداتها. جعل الشعب مشتتاً باستمرار حول وجود أعداء أقوياء يتربصون بالدولة والطائفة والجماعة ويحيكون لها المؤامرات، وكذلك استخدام النبوءات الدينية من الكتب المقدسة لدى الشعوب التي تمنح الدين مساحة كبيرة من العقل والتفكير لاسيما الشعوب الشرقية والعربية منها خاصة. فإشعار المناصرين بالخوف دائماً من العدو يجعلهم يتمسكون بالحزب للحفاظ على حياتهم ومستقبلهم، مثل كلام أمريكا الدائم عن روسيا وكوريا الشمالية والإرهاب العالمي. عندما تغلب المشاعر على العقل تتمكن من التحكم بالشخص، انطلاقاً من هذه الحقيقة يلعب السياسيون على مشاعر الشعب ويخاطبون قلوبهم والقول ما يريدون سماعه وليس الواقع. مثل الكلام عن الماضي ومآسي الحروب والضحايا والشهداء والنضال. حيلة شعبية وقديمة لكنها نافعة، وهي التركيز على الهوية وتعظيمها، فيجب إشعار الجماعة بقوتهم حتى ولو كانت وهمية وغير موجودة، ويجب تعظيم الحزب أو تعظيم الدولة والدين. كلما تغنى السياسي بعظمة الوطنية أو قوة الدولة كلما أقنع شعبه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 – إسرائيل هو لقب يطلق على النبي يعقوب أو (ياكوف) بالعبرية (معناه ماسك كعب القدم) ويُعرف أيضاً بإسرائيل أي (مصارع الله) ... حسب القصة الواردة في سفر التكوين 32 "عندما صارع يعقوب الإله...".