استمرت لـ٤٦ يوماً .. ماذا تعرف عن "معركة الفلوجة" التي يحذر بايدن من تكرارها في غزة؟
السومرية نيوز:بينما تستعد قوات الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ هجومها البري على قطاع غزة، تتصاعد التحذيرات الأمريكية من احتمال مواجهة الجيش الإسرائيلي مخاطر كبيرة دون اتخاذ خطة واضحةٍ لهذا الهجوم؛ إذ يخشى الجانب الأمريكي الداعم لتل أبيب أن يتحوّل الهجوم البري التي تنوي إسرائيل القيام به في إطار حربها على غزة إلى التسبب في خسائر بشرية كبيرة لجيش الإحتلال؛ لذا يحاول مسؤولون عسكريون أمريكيون إبعاد إسرائيل عن ذلك النوع من القتال في المناطق الحضرية الذي شاركت فيه الولايات المتحدة خلال غزوها للعراق.
وخلال مساعدة جيش الاحتلال الإسرائيلي على وضع عدد من الاستراتيجيات المختلفة من أجل الانتصار على المقاومة الفلسطينية في غزة، يستشهد المستشارون العسكريون الأمريكيون في إسرائيل بالدروس المستفادة على وجه التحديد من معركة الفلوجة في عام 2004، وهي واحدة من أكثر المعارك دموية للجيش الأمريكي أثناء غزوه العراق.
هذا التخوف الأمريكي الواضح من شكل المعركة البرية في غزّة عبّر عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي عبّر لنتنياهو أنه يريد أن يكون الغزو الإسرائيلي لغزة أقرب إلى ما حدث في الموصل عام 2016، وليس الفلوجة عام 2004.
ومن أجل تجنّب الكارثة التي قد تحصل بسبب معركة الفلوجة، أرسل بايدن الجنرال جيمس جلين الذي ترأس سابقاً العمليات الخاصة لمشاة البحرية الأمريكية (المارينز) في معركة الفلوجة، من أجل تقديم المشورة لجيش الإحتلال الإسرائيلي بشأن تخطيطهم العسكري للمعركة البرية في غزة، فما هي معركة الفلوجة التي تخشى أمريكا وإسرائيل أن تتكرّر في غزة؟
معركة الفلوجة الأولى.. حين فشل الجيش الأمريكي في دخول الفلوجة
بعد سقوط بغداد في أبريل 2003، توجه الكثير من كبار ضباط الجيش العراقي إلى مدينة الفلوجة التي تمركزوا فيها، وقاموا بعقد اتفاقٍ مع الجيش الأمريكي، بالتعاون مع القوات الأمريكية مقابل عدم دخول الجيش الأمريكي إلى مدينة الفلوجة، لذا كانت الفلوجة واحدةً من المدن العراقية القليلة التي لم يحدث بها نهب وسلب وانفلات عند احتلال العراق.
استمر وضع المدينة على هذا الشكل إلا أنّ تمركزت قوات أمريكية في إحدى مدارس المدينة الأمر الذي أدى إلى وقوع احتجاجات لأهالي الفلوجة، نتج عنها مقتل 17 مدنياً في قمع القوات الأمريكية لهذه الاحتجاجات.
تصاعد الأمر ووصل إلى ذروته حين اختطفت مليشيا بلاك ووتر الأمريكية عروساً عراقية في حفل زفافها، الأمر الذي أدى بأهالي الفلوجة والمقاومة العراقية المتمركزة في المدينة إلى الهجوم على دورية لمليشيا بلاك ووتر وقتل 4 عناصر منها وسحلهم وتعليق جثثهم في مركز المدينة.
لم يمض أقل من 24 ساعة على مقتل الأمريكيين الأربعة، حتى حاصرت القوات الأمريكية الفلوجة من جميع الجهات، بهدف معلن هو تسليم الأشخاص المسؤولين عن الحادث، وبعد مناوشات محدودة بدأ الهجوم الأمريكي في الخامس من أبريل/ نيسان بقصف مدفعي وجوي من المروحيات قبل أن تتقدم الدبابات من الجهة الشرقية للمدينة حيث مدخلها الاعتيادي، وبدا لأول وهلة أن مهمة مشاة البحرية لن تكون صعبة في السيطرة على المدينة خلال ساعات أو أيام، وذلك قبل أن يواجه المهاجمون مقاومة شرسة، أعطت المعركة بُعداً مختلفاً، ووضعت الأمريكيين في خضم حرب حقيقية لم يحسبوا لها حساباً.
في البداية دارت المعركة في الحي الصناعي، لكن قوات أمريكية أخرى حاولت التقدم من الشرق في حي نزال المجاور، وفي المنطقتين ركز المقاتلون العراقيون على تدمير الدبابات ومحاولة تحييدها، وخلال الأسبوع الأول لم تتجرأ الدبابات الأمريكية على التقدم داخل الفلوجة بسبب المقاتلين العراقيين الذين اصطادوا الآليات والدبابات الأمريكية بقاذفات (آر بي جي).
وكانت أعنف المعارك تلك التي وقعت في حي الجولان الواقع غربي الفلوجة، الذي امتاز بالكثافة العددية لسكانه، وكذلك ضيق شوارعه التي تجعل من السيطرة عليه أمراً شديد الصعوبة.
كما دار القتال في المدينة بصفة وحشية فقد استطاع قادة المقاومة بالاستناد إلى التنظيم المحكم بفرض السيطرة على أرض المعركة وإحداث إرباك للقوات المهاجمة وكان هذا باستعمال أسلحة بسيطة مع تكتيك حرب العصابات القائم على نصب الكمائن واللجوء إلى تقنية الكر والفر؛ مما أحدث خللاً في الخطة الهجومية للجيش الأمريكي، ولم يستطع الجيش الأمريكي فهم تكتيك المقاومة العراقية في الفلوجة وأدى هذا إلى اعتماد القصف العشوائي للبيوت مما أدى إلى مقتل عدد كبير من المدنيين.
كما زادت الضربات التي تلقتها القوات الأمريكية في المدن العراقية الأخرى والتي نفذها جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر من الإرباك والرعب في معركة الفلوجة، ليقرر الجيش الأمريكي الانسحاب من المعركة، وترك اللواء العراقي لإدارة المدينة.
معركة الفلوجة الثانية.. الجريمة الشنيعة التي لم يحاسب أمريكا عليها أحد
بقيت الفلوجة مدينة خارج الإدارة الأمريكية في العراق طيلة 6 أشهر، ومن أجل إخضاع المدينة، قام الجيش الأمريكي بإطلاق عملية الفجر، والتي تعرف بـ معركة الفلوجة الثانية.
كانت هذه العملية هي ثاني أكبر عملية في الفلوجة، بعد معركة الفلوجة الأولى في أبريل 2004، وكانت أكثر المعارك دموية في حرب غزو العراق بأكملها للقوات الأمريكية، وقد اشتهرت بكونها أكبر اشتباك في حرب غزو العراق ضد الفصائل المسلحة بدلاً من قوات الحكومة العراقية البعثية السابقة التي أطيح بها في 2003.
بدأت معركة الفلوجة الثانية في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، وانتهت في 23 من ديسمبر/كانون الأول 2004، خلال هذه المعركة قاد كلٌ من الجنرال اللفتنانت والجنرال جون ف. ساتلر واللواء ريتشارد ف. ناتونسكي 15 ألف جندي أمريكي وجندي في قوات التحالف في مواجهة ما يقرب من 5 آلاف مقاتلٍ من المقاومة العراقية والعربية بقيادة كلٍ من عبد الله الجنابي وعمر حسين حديد.
بدأت المعركة بحصارٍ أمريكي خانقٍ على المدينة لمنع خروج المقاتلين منها، مع ذلك تم السماح بنزوح أكثر من 300 ألف مدني من الفلوجة، ليتسنى للجيش الأمريكي الهجوم بدون ضغوطٍ على المسلحين بداخلها، ثم شرعت الطائرات الأمريكية في قصف المدينة بقصف مكثف وغارات غير مسبوقة وأسلحة محرمة دولياً خلال أيام المعركة.
وقبل أن تشرع قوات التحالف في هجومها البري في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، اعتمدت التضليل والإشارة إلى أن هجوم التحالف سيأتي من الجنوب والجنوب الشرقي كما حدث في معركة الفلوجة الأولى في شهر أبريل/ نيسان. وبدلاً من ذلك، قامت قوات التحالف بالهجوم على المدينة من الشمال عبر كامل عرضها.
كان القتال بالنسبة للجيش الأمريكي وقوات التحالف في المناطق الحضرية عنيفاً، فقد كانت مواقع القناصة المخفية والأفخاخ المتفجرة تشكل خطراً شديداً على الجنود الأمريكيين.
اضطر الجيش الأمريكي خلال المعركة إلى القتال من منزلٍ لآخر، وذلك من خلال إحداث ثقوب في جدران المنازل خوفاً من المخاطرة باحتمال تفخيخ الأبواب.
وبعد عدة أيام من القتال في الشوارع، تم تأمين وسط المدينة، لكن جيوب المقاومة استمرت لعدة أسابيع، مع مقتل آلاف المدنيين بسبب عشوائية القصف الأمريكي.
اعترفت قوات التحالف في النهاية بمقتل حوالي 110 من عناصرها وجُرح حوالي 600 آخرين، بينما قُتل أو أُسر حوالي 3 آلاف عنصر من المقاومة العراقية.
وتخليداً لهذه المعركة، قامت البحرية الأمريكية بإطلاق اسم "الفلوجة" على إحدى سفنها الهجومية البرمائية، وذلك بعد أن لقيت في المدينة العراقية مقاومةً تاريخية.