جبل سنجار

جبل سنجار

ذكر الرحالة الفرنسي دوبريه(1) في رحلته إلى العراق بين عامي (1809-1807) بأن: هذا الجبل (المعروف باسم سنكارديس Sangardes عند الأقدمين) يبلغ طوله اثنتي عشر فرسخا, وينتصب في وسط الصحراء على الجنوب من نصيبين بين نهر الخابور والموصل, على بعد خمسة عشر فرسخا من هذه المدينة, وهو وعر المسالك وتكثر فيه الكهوف التي صنعتها الطبيعة وسقتها يد الإنسان, فأصبحت موضعا حسنا لاختباء السكان عندما يداهمهم الخطر, ويكاد هذا الجبل أن يكون كله مغطى بأشجار البلوط, وهناك بعض التلال المتناثرة. والمسافة التي تقدر بفرسخ ونصف التي تفصل هذه التلال عن سفح الجبل فهي مزروعة كلها بالكروم وأشجار التين والتوت. وتجري جداول تسقي تلك الأراضي, ويبيع السكان منتوجاتهم في الموصل.

بينما يذكر جون س.كيست(2): "عندما يكون الجو صحوا يتمكن المرء من ماردين مشاهدة سلسلة تلال تمتد جنوبا مع الأفق, إنها سلسلة جبل سنجار التي تبلغ (60) ميلا طولا و (4914) قدما ارتفاعا (تغطي قممها الثلوج في الشتاء) وتبرز في الصحراء على هيئة هضبة منعزلة تعيد إلى ذاكرة المراقب الألماني قمم جبال هاليكولاند (Heligoland) العارية في بحر الشمال. الجانب الشمالي لجبل سنجار ذو حواف حادة تتقطعه وديان مغطاة بغابات البلوط, وبساتين الكروم والتين والرمان, أما الجانب الجنوبي فتدفق منه جداول مياه عذبة عبر أراض سهلة صوب بلدة سنجار عاصمة المنطقة, ثم تتجه جنوبا نحو السهول. وماء سنجار الذي يمر عبر أنفاق تحت الأرض (كهاريز) كان ذات يوم يستخدم في ري بساتين النخيل والبرتقال والليمون, ثم يمضي ليصب في الثرثار (نهر ميسوبوتاميا المفقود) إلا أنه منذ قرون تحولت سهول جنوب جبل سنجار إلى صحراء مجدية تتبخر فيها مياه الجداول من شدة الحر أو تختفي".

ويضيف, يشترك الايزيديون مع سكان الطوائف الأخرى في شمال العراق في الذكرى التي لا تنسى عن الفيضان, وبناء سفينة نوح والرحلة البحرية المحفوفة بالمخاطر عبر وادي دجلة الذي فاض, وثقب بدن السفينة بواسطة القمة الناتئة(لسن القلوب) في جبل سنجار, ثم إنقاذها من قبل ثعبان التف حول نفسه وسد الثقب, وأخيرا النهاية السعيدة برسو السفينة على سفح جبل جودي.

بينما وصف أوليا جلبي (3) جبل سنجار وساكنيه , حيث قال:

"بأنه فردوس خارج عن القانون , يرويه سبعون ينبوع ماء , مأهول برجال ذوي أجساد قوية ممتلئة وقصار القامة نسبياً , مع شعر وعيون مستديرة سوداء , يرتدون ألبسة صوفية ملونة , وأحزمة وعمائم من الحرير , وأحذية ثقيلة من الخيزران , مسلحين بالخناجر والسيوف المعقوفة وفؤوس الحرب والبنادق , إنهم ماهرون إلى درجة أنهم يستطيعون إصابة البرغوث في عينه , ونساؤهم يدعن شعرهن ينمو ليطول ويتدلى حتى يبلغ الكاحل , غذاؤهم اليومي يتألف من خبز الدخن , مع لحم الضأن , وأحياناً لحم طائر السمان , ولديهم المن والعسل والزبيب والحرير وكلها بضائع ذات قيمة عظيمة لدى التجار في ماردين وبغداد".

----------------------------------------

الهوامش

1- رحلة دوبريه إلى العراق (1809-1807): ترجمها عن الفرنسية وعلق عليها الأب د.بطرس حداد , بيت الوراق للنشر , ط1, بغداد-2011, ص56.

2- جون س.كيست: (الحياة بين الكرد..تاريخ الايزيديين)ترجمة:عماد جميل مزوري, دار سبيريز , ط2 , دهوك- 2011, ص23-24-83.

3- أوليا جلبي: سياحتنامة(جودت وعاصم), منشورات المجمع العلمي/ بغداد, 1998, ص .71-61

الكاتب والباحث : خلدون سالم