البيت الآرامي العراقي

الاختلافات اللاهوتية وتعدد الكنائس  Welcome2
الاختلافات اللاهوتية وتعدد الكنائس  619888zqg202ssdr
البيت الآرامي العراقي

الاختلافات اللاهوتية وتعدد الكنائس  Welcome2
الاختلافات اللاهوتية وتعدد الكنائس  619888zqg202ssdr
البيت الآرامي العراقي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

البيت الآرامي العراقي

سياسي -ثقافي-أجتماعي


 
الرئيسيةالرئيسيةبحـثس .و .جالتسجيلarakeyboardchald keyboardدخول

 

 الاختلافات اللاهوتية وتعدد الكنائس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الدكتور كامل فريد السالك
عضو جديد تازة
عضو جديد تازة
الدكتور كامل فريد السالك


الاختلافات اللاهوتية وتعدد الكنائس  Usuuus10
الاختلافات اللاهوتية وتعدد الكنائس  8-steps1a
الدولة : انكلترا
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 26
تاريخ التسجيل : 28/08/2021

الاختلافات اللاهوتية وتعدد الكنائس  Empty
مُساهمةموضوع: الاختلافات اللاهوتية وتعدد الكنائس    الاختلافات اللاهوتية وتعدد الكنائس  Icon_minitime1الثلاثاء 30 أبريل 2024 - 16:24

الاختلافات اللاهوتية وتعدد الكنائس 

عرفت العقيدة المسيحية منذ ظهورها اختلافات لاهوتية حول كثير من القضايا الايمانية، وأكثر القضايا التي كانت موضوع الخلاف كانت تدور حول مفهوم الثالوث المقدس، وبشكل خاص حول طبيعة السيد المسيح وطبيعة الروح القدس. 

الثالوث المقدس:
فالايمان في المسيحية يقوم على مفهوم الثالوث المقدس الذي  يعبر عن الاعتقاد في وحدة الله وتجليه بثلاثة أقانيم: أقنوم الآب و أقنوم الابن و أقنوم الروح القدس. يُصوّر الآب أي الذات الإلهية كمصدر الوجود، بينما يُفهم الابن أي يسوع المسيح ككلمة الله المتجسدة والمخلص للبشرية، و يُعتقد أن الروح القدس هي وهبة من الله للمؤمنين لتوجيههم وإلهامهم وتعزيتهم. ومن المهم التأكيد على أمرين في الايمان المسيحي، غالبا ما يساء فهمهما عند الحديث عن مفهوم الثالوث المقدس:

 ⁃ الأمر الاول هو أن بنوة الابن يسوع المسيح لله هي بنوة فكرية تماما مثل بنوة الفكر للعقل، فالعقل يلد فكرا مساويا له في الجوهر، والعقل الالهي يلد فكرا الهيا. ومفهوم بنوة المسيح لله بعيد كل البعد عن البنوة التي تحدث بفعل تزاوج رجل و امراءة، فالله في الإيمان المسيحي لم يلد ولم يولد.  وما يميز هذه البنوة الفكرية ليست خروجها من العقل فقط، بل عدم انفصالها عن العقل أيضا. فالفكرة التي تخرج من العقل لا تنفصل عن العقل ولا تستقل عنه رغم انبثاقها من العقل، لأنها تبقى موجودة في العقل. فخروج الفكر من العقل لا يعني انفصالها عن العقل،  بل مجرد خروج دون مفارقة ودون انفصال. هذا التشبيه مهم جدا لفهم ما يعنيه المسيحيون حين يقولون أن المسيح أبن الله، تماما مثل القول أن الفكرة وليدة العقل أو ابنة العقل. أو عندما يقولون أن المسيح إله كامل، ناهيك عن كونه إنسان كامل، لان علاقة المسيح بالله، كعلاقة الفكر بالعقل. فالفكر واليد العقل وله خصائص العقل، فالعقل الإلهي يلد فكرا إلهيا، والعقل الإنساني يلد فكرا إنسانيا. 

 ⁃ الأمر الثاني أن مفهوم الثالوث المقدس لا يعني تعدد الالهة، أو وجود ثلاثة آلهة، بل إله واحد في ثلاثة أقانيم هي الذات الالهية والكلمة المتجسد من الذات الالهية، والروح القدس المنبثق من الذات الالهية أو بتعبير أخر الأب والابن والروح القدس. فالحديث عن الثالوث المقدس هو حديث يتعلق بجوانب عن الله الواحد، عن ذاته الالهية وعن عقله وعن روحه، وليس حديثا عن تعدد آلهة، كما يظن بعض الناس من غير المطلعين. فكما أن الانسان بذاته وعقله وروحه واحد، والشمس بذاتها وحرارتها ونورها واحد، والنار بذاتها وحرارتها وضوءها واحد، كذلك الله بذاته الالهية وبكلمته يسوع المسيح وروحه القدوس واحد. فالفهم المسيحي للثالوث المقدس لا يمس وحدانية الله الذي تجسد بالابن ويحيا بروحه القدوس. فالله واحد موجود بذاته الالهية، ناطق بكلمته يسوع المسيح، حي بروحه القدوس. ومما لا شك فيه أن مفهوم الثالوث القدوس صعب الاستيعاب، و لم يكن من السهل فهمه بهذه الصورة عند كثير من المسيحيين، ناهيك عن غير المسيحيين. وهذا ما أدى إلى الاختلاف وسوء الفهم بين المسيحيين أنفسهم وبينهم وبين غير المسيحيين. وقد وصل الأمر إلى حد نعت المسيحيين بالكفر، لانهم يؤمنون بالثالوث القدوس. فكثير من المسلمين يظنون إلى يومنا هذا بأن المسيحيين كفارا لأنهم يعتقدون أن المسيحيين يؤمنون بتعدد الآلهة، وليس بالله الواحد. ويبدو أن هذا الظن تسرب إلى المسلمين من خلال بعض النصارى العرب اللذين كانوا يعيشون في شبه الجزيرة العربية، ولم يستوعبوا مفهوم الثالوث القدوس على حقيقتها، وتأثروا بديانات قديمة تؤمن بالتثليث وتعبد ثلاثة آلهة. ولا غرابة أنهم فهموا عقيدة الثالوث المقدس على أن الله الآب تزوج من ملكة السماء مريم وأنجبت منه المسيح. ولذلك نعتهم القرآن الكريم بالكفر: "لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ" المائدة ((73، مع العلم أن هذا يخالف إيمان المسيحيين تماما، كما تقدم فتعدد الأقانيم، لا يعني تعدد الآلهة.
 
الاختلافات اللاهوتية:  
إن سوء أو عدم  فهم عقيدة الثالوث المقدس لم يقتصر على غير المسيحيين، بل طال بعض المسيحيين أنفسهم. وقد تسبب في ظهور آراء بين المسيحيين أنفسهم و داخل الكنيسة تجافي المقصود من الثالوث المقدس. وهذه الآراء بدأت تبرز بعد إصدار قسطنطين الملك مرسوم ميلانو عام 313 ميلادية الذي أباح الحرية الدينية  لجميع الناس ومن ضمنهم المسيحيين، فأصبح بمقدور المسيحيين التحدث عن عقائدهم بحرية ومناقشتها في العلن، وذلك بعد سنيين قاسية من مرحلة الاضطهاد التي عاشتها الكنيسة الأولى منذ فجر المسيحية حتى اعلان الحرية الدينية. فظهرت بعض الاراء الشاذة أو ما يسمى في الفقه الكنسي البدع والهرطقات، نتيجة عدم فهم  الثالوث المقدس بصورة صحيحة. ومن أبرز هذه الاراء ما يلي:

 ⁃  انكار لاهوت المسيح: أنكر أريوس والذي كان قسيسا مسيحيا في الإسكندرية، ألوهية المسيح، وأدعى أن الابن أو الاقنوم الثاني ليس متساويا بالطبيعة مع الآب الاقنوم الأول، وهو ما أثار جدلا كبيرا، وأدى إلى عقد المجمع المسكوني الأول في عام 325 ميلادي في مدينة نيقية (تسمى اليوم إزنيك في تركيا) للتعامل مع تعاليم أريوس. وقد ناقش الحاضرون وعددهم  318 بطريركا و أسقفا من رؤساء الكنائس وممثليها من جميع أنحاء العالم في ذلك الوقت، رأي أريوس. وقد كانت أهم أهداف المجمع المسكوني الأول وضع تعريف واضح للعقيدة المسيحية بشأن الثالوث المقدس، والتصدي للاراء المثيرة للجدل، بما في ذلك رأي أريوس الذي كان يشكك في الطبيعة الإلهية للسيد المسيح. وبعد نقاشات مستفيضة خرج الحاضرون بنتيجة تؤكد ألوهية المسيح و حقيقة التجسد الإلهي، فالله صار جسدا وحل فينا وتساوي في الجوهر بين الاقنوم الأول الاب و الاقنوم الثاني الابن. ورفضوا رأي أريوس، وأصدر المجمع قانون الأيمان الذي يردده كل المسيحيين في العالم في صلواتهم والذي يؤكد على الايمان بالله الواحد بأقانيمه الثلاثة. 

 ⁃ انكار لاهوت الروح القدس: أنكر مقدونيوس الذي كان أسقفا في القسطنطينية، لاهوت الروح القدس ودعا إلى فكرة أن الروح القدس هو مخلوق من الله كسائر المخلوقات، واعتبر أن الروح القدس شخصية مستقلة ومنفصلة، و رأى أن الثالوث المقدس مؤلفًا من ثلاثة أشخاص متميزين. ومن الجلي أن هذا التفسير يختلف عن مفهوم الثالوث المقدس الذي يقوم على وحدة الله مع اختلاف الاقانيم. وهذا ما استدعى انعقاد المجمع المسكوني الثاني، الذي عُقد في العام 381 ميلادي في مدينة القسطنطينية (اليوم اسمها إسطنبول). وحضره  150 اسقفا. كان أحد أهم أهداف المجمع المسكوني الثاني هو ترسيخ العقيدة المسيحية،  فقرر المجمع وحدة الثالوث المقدس والمساواة الكاملة بين الأقانيم الثلاثة من حيث اللاهوت، وعلى أساسه أضيف إلى قانون الايمان الجزء المتعلق بالروح القدس الذي يقول:  "ونؤمن بالروح القدس، الرب المحيي، المنبثق من الآب، الذي هو مع الآب و الإبن، يسجد له ويُمجّد، الناطق بالأنبياء" 

 ⁃ طبيعة السيد المسيح:  قام راهب أسمه نسطور، كان بطريرك القسطنطينية في ذلك الحين بالدفاع عن فكرة أن المسيح لديه طبيعتين مختلفتين و منفصلتين، طبيعة إلهية وطبيعة إنسانية، وأن هاتين الطبيعتين لا يمكن دمجهما بشكل كامل، بل هما طبيعتان منفصلتان، ولذلك أعتبر نسطور أن السيدة العذراء هي والدة المسيح بطبيعته البشرية، وليس والدة المسيح بطبيعتة الالهية، وبالتالي لا يصح نعت السيدة العذراء بوالدة الاله، فالعذراء مخلوقة ولا يمكن لمخلوق أن يلد الخالق. وقد أدى جدل نسطور إلى عقد المجمع المسكوني الثالث في العام 431 ميلادي، المعروف باسم مجمع إفسس، في مدينة إفسس في آسيا الصغرى (اليوم تركيا)، وحضره 200 أسقفا من روؤساء وممثلي الكنائس. هدف المجمع المسكوني الثالث كان التعامل مع الجدل حول فكرة نسطور، وبعد المداولات قرر المجمع  رفض تعاليم نسطور وأكد على وحدة المسيح في طبيعتين: طبيعة الهية كاملة وطبيعة إنسانية كاملة، وأن هاتين الطبيعتين غير منفصلتين. وإن السيدة العذراء هي والدة المسيح بطبيعته الإلهية والإنسانية معا، ولذلك يصح نعت العذراء بولادة الإله، لأن طبيعتي السيد المسيح الإلهية والإنسانية متحدتين. فالله الذي تجلى بالكلمة يسوع المسيح تجسد أي اتخذ جسدا وتأنس أي أصبح إنسانا عن طريق السيدة مريم العذراء، ولذلك  فالسيدة العذراء هي ولادة المسيح الإله المتجسد، كما هي والدة المسيح الإنسان.  فالكتاب المقدس يشير إلى ذلك بوضوح «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ." (لوقا 1: 35).  وفي الجدل اللاهوتي، برز خلاف أخر حول كيفية توحيد الطبيعتين في المسيح: الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية. فهل يعني وجود الطبيعتين البشرية والالهية معا في شخص السيد المسيح تجعل منه أقنوم من طبيعة واحدة تجمع خواص الطبيعتين، أم أن وجود الطبيعتين في السيد المسيح تجعل منه أقنوم له طبيعتين متحدتين كاتحاد الروح بالجسد. وهذا أدى إلى انعقاد المجمع المسكوني الرابع في عام  451 في مدينة خلقدونية (تسمى الآن قونيا في وسط تركيا)، الذي يسمى ايضا مجمع خلقدونية. وتم إصدار قرار يؤكد على أن المسيح له طبيعتان إلهية وإنسانية في شخص واحد دون اندماج أو تغيير في الطبيعتين.  وغير خاف أن هذا الخلاف هو خلاف لفظي، يدور حول الوصف الذي يمكن أن يعطى للسيد المسيح الذي اتفق الجميع على أنه يحمل الطبيعتين معا الطبيعة البشرية والطبيعة الالهية المتحدتين دون اختلاط بينهما أو امتزاج أو تغيير. ومع ذلك  قرر الاساقفة ورؤساء الكنائس المجتمعين في خلقدونية، وكان عددهم 165 ونيف، بنفي وإدانة ديسقورس بطريرك الأسكندرية وسابيريوس بطريرك انطاكية (السرياني) بسبب عدم حضورهما المجمع وقبولهما بمقرراته. وعلى هذا الأساس جرى اضطهاد الكرسي الرسولي الاسكندراني والكرسي الانطاكي (السرياني) مع عدد من الكنائس الأخرى، لأنهم يقولون أن وجود الطبيعتين في شخص السيد المسيح، تجعل منه شخصا ذي طبيعة فريدة لها خواص الطبيعتين، على الرغم أنه يؤدي نفس المعنى الذي قال به أصحاب الطبيعتين،  فالطرفان يتفقان على وجود الطبيعة البشرية (الناسوت) جنبا إلى جنب مع الطبيعة الالهية (اللاهوت) في السيد المسيح. 

ورغم هذه الاختلافات اللاهوتية وأبعادها الإيمانية العميقة، بقيت الكنيسة موحدة وجامعة، ولم تفض إلى انقسام الكنيسة، أو تشتت المؤمنين، ولو أن الكنائس القليلة التي لم تقبل مقررات مجمع خلقدنية قد تمايزت منذ ذلك الحين عن الكنائس التي أيدت مقررات مجمع خلقدونية.  ومن الملاحظ أن المجامع المقدسة مارست للأسف أساليب منها النفي والطرد والحرمان وأحيانا الاضطهاد بحق اللذين خالفوا هذه المجامع أو رفضوا الخضوع لقراراتها، بصورة لا تتوافق في بعض الأحيان مع تعاليم السيد المسيح التي تقوم على المحبة والمسامحة والغفران والبحث عن الخروف الضائع والابن الضال.

 انشقاق الكنيسة:
بدأت السياسة تتغلغل إلى الكنيسة  ابتداءا من المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية. وقد ظهر ذلك جليا من خلال تقديم الكرسي الرسولي في روما على بقية الكراسي الرسولية التي لها الأسبقية الدينية مثل الكرسي الاورشليمي والكرسي الاسكندراني والكرسي الانطاكي، على اعتبار روما هي عاصمة الامبراطورية الرومانية الغربية. ثم اصرار الملك قسطنطين وهو الذي أسس مدينة القسطنطينية وسميت باسمه، المدينة التي انعقد بها المجمع، على تقديم كرسي القسطنطينية على غيره، على اعتبار أن القسطنطينية هي عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية. فاصبح لروما الكرسي الأول و للقسطنطينية الكرسي الثاني، كونهما كانتا عاصمتان للامبراطورية الرمانية الشرقية والغربية، وتراجع الكرسي الاسكندراني إلى المرتبة الثالثة والكرسي الانطاكي إلى المرتبة الرابعة. ومن وقتها تغلغلت السياسة في الكنيسة وأصبحت الكراسي الرسولية تقاس بمكانتها السياسية، وليست بمكانتها الدينية. ومنذ ذلك الحين أخذت الكنيسة تخضع شيئًا فشيئا للاعتبارات السياسية الدنيوية. ومما زاد في انغماس الكنيسة في السياسية، التعليم الكتابي الذي يوجب الخضوع للحكام. فاصبحت الكنيسة تخضع للتأثيرات السياسية، مستندة إلى تفسير نص مقدس ورد في الانجيل وتحديدا في رسالة بولس الرسول إلى كنيسة رومية يقول: "لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ. حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً." (رومية 13: 1-3).

وفي القرن الحادي عشر الميلادي كانت الاعتبارات السياسية التي تراكمت بعد تغلغل السياسة في الكنيسة العامل الرئيسي في حدوث الانشقاق الكبير عام 1054، الذي أدى إلى انقسام الكنيسة إلى قسمين الكنيسة الكاثوليكية (الغربية) والكنيسة الأرثوذكسية (الشرقية). ومن بين القضايا الرئيسية التي أدت إلى الانشقاق الكبير كان الخلاف حول سلطة بابا روما وتطور مفهوم البابوية في الغرب بصورة عامة، فأصرت الكنيسة الكاثوليكية في الغرب على السلطة المطلقة للبابا، لا بل على عصمته أيضا، في حين بقيت الكنيسة الأرثوذكسية في الشرق تؤكد على السلطة الكنسية المشتركة ودور الأساقفة كمعلمين للكنيسة بدون السلطة المطلقة لبابا روما.  وعلى الرغم من وجود عوامل أخرى لعبت دورا في هذا الانشقاق بين الكنيسة في الغرب والشرق، مثل الاختلافات الثقافية بين الشرق والغرب، وبعض القضايا اللاهوتية، والتي تمثلت بإضافة بابا روما (بابا ليون التاسع)  كلمة واحدة على قانون الإيمان تفيد على انبثاق الروح القدس، ليس من الآب وحده، بل من الآب والأبن أيضا، إلا أن سبب الانشقاق كان  سببا سياسيا بامتياز يتمثل في سعي بابا روما للانفراد بالسلطة على الكنيسة في المسكونة على حساب رؤساء الكنائس الأخرى، والضرب عًرض الحائط بالشراكة الرسولية. لقد أدى مسعى بابا روما في أن يحتل موقعًا مركزيًا في الكنيسة المسكونية وأن يمتلك سلطة أعلى على رؤساء الكنائس الشرقية، وليست سلطة متساوية معهم، إلى هذا الانقسام المخزي.

وقد كان من نتائج سعي بابا روما  للاستئثار بالسلطة المطلقة على الكنيسة في العالم، نتائجه الكارثية على الكنيسة ليس في الشرق فحسب، بل في الغرب أيضا. فلم يقتصر الأمر على انفصال الكنيسة الكاثوليكية في الغرب عن الكنيسة الارثوذكسية في الشرق، بل أدى إلى نتائج كارثية على الكنيسة الكاثوليكية نفسها في الغرب.  فبعد عدة قرون انفصلت الكنيسة الإنكليزية عن الكنيسة الكاثوليكية وخرجت عن  سلطة البابا. وقد بدأ هذا الانفصال رسميا في عام 1534 تحت حكم الملك هنري الثامن الذي أعلن الانفصال عن سلطة البابا في روما وإنشاء الكنيسة الإنجليزية الوطنية، والتي أصبحت معروفة باسم الكنيسة الأنغليكانية. وكان السبب الرئيسي للانفصال هو رغبة الملك هنري الثامن في الحصول على الطلاق من كاثرينا أراغون، زوجته الكاثوليكية الأولى، لعدم إنجابها لوريث ذكر يرث العهد. لكن البابا رفض الطلب، مما دفع الملك هنري الثامن إلى إعلان الانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية وتأسيس كنيسة أنغليكانية مستقلة، من أجل أن يتمكن من الزواج بامرأة أخرى. لقد ضاق الملك هنري الثامن ومعه كثير من الانكليز ذرعا بسلطة البابا المطلقة في الشؤون الدينية والسياسية. فقرر الملك هنري الثامن عدم السماح للبابا بالتدخل في الشؤون السياسية والقانونية في إنجلترا، وأصبح الملك نفسه يدعي السلطة المطلقة في الشؤون الدينية داخل الإمبراطورية البريطانية، وبذلك نشأت الكنيسة الأنغليكانية، ككنيسة وطنية مستقلة عن الكنيسة الكاثوليكية. 

وفي القرن السادس عشر الميلادي قاد الزعماء الدينيون البروتستانتيون مثل مارتن لوثر وجون كالفن وهوليريش زوينغلي، حركات إصلاحية تهدف إلى إصلاح وتجديد الكنيسة الكاثوليكية والعودة إلى تعاليم الكتاب المقدس. وقد بدأت هذه الحركة بشكل رسمي في عام 1517 مع نشر مارتن لوثر وثيقة الـ 95 مقالة، وهي وثيقة انتقدت بشدة ممارسات الكنيسة الكاثوليكية  في ذلك الوقت. ومع مرور الزمن، تطورت هذه الحركات إلى فصائل دينية منفصلة تشكلت خارج سيطرة الكنيسة الكاثوليكية، وأدت في النهاية إلى تشكيل الكنيسة البروتستانتية (الانجيلية) كما نعرفها اليوم، والتي تتضمن العديد من التوجهات المختلفة التي تتنوع في العقيدة والممارسات الدينية. ومن بين الكنائس البروتستانتية الأكثر شهرة وأهمية يمكن ذكر الكنيسة اللوثرية التي تأسست على يد مارتن لوثر في القرن السادس عشر في ألمانيا، والكنيسة الاصلاحية (الريفورمد) التي تأسست في سويسرا بقيادة هوليريش زوينغلي وجون كالفن، والكنيسة الميثودية التي تأسست بواسطة جون وتشارلز ويسلي في إنجلترا، والكنيسة البابوية الأنابابتية التي تأسست في هولندا بواسطة مجموعة من المهاجرين الدينيين الذين هربوا من الاضطهاد الديني في القرن السابع عشر. وفي الوقت الحاضر يوجد كنائس انجيلية لا حصر لها أبرزها الكنيسة المشيخية، والكنيسة المعمدانية، والكنائس الانجيلية الحرة وغيرها الكثير. اضافة إلى مجموعات غير مسيحية تنسب نفسها للمسيحية مثل شهود يهوا و المرمون و السبتيين وغيرهم. 

من المؤسف أن يصل الحال بالكنيسة إلى هذا الوضع الشاذ، بحيث يصعب الآن على أي كنيسة مهما أدعت الاستقلال أن تخرج من محيطها السياسي والظروف التي تعيش في ظلها، إلى موقعها الطبيعي في الفضاء المسكوني والإنسا. وقد يصعب عليها المحافظة على الإيمان كما ورثناه من الرسل. وإذا كان هناك من درس يمكن أن نتعلمه من تاريخ الكنيسة فهو أن  تغلغل السياسة في الكنيسة وانخراط الكنيسة في الماديات أفقدها وحدتها وكثير من جمالها و بهائها ونقائها.

 ورغم كل هذا الظلام الذي يحيط بنا، فإنه مازال هناك مسيحيون يؤمنون  (برَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ - أفسس 4:5 )، وما زالت عقولهم وقلوبهم وأبصارهم تتوق إلى الكنيسة الجامعة الموحدة الرسولية، ولديهم الرجاء والأمل أن تعود الكنيسة إلى منابعها الأصيلة والأصلية، فتعود كنيسة واحدة لرب واحد يسوع المسيح. لقد عبر البابا بيندكتوس السادس عشر (جوزيف رانتسنغر) عن هذا الواقع وذلك الرجاء بقوله "سيبدو كل شيء ضائع، ولكن في اللحظة المناسبة وفي أكثر مراحل الأزمة صعوبة، ستولد الكنيسة من جديد. ستكون أصغر، أفقر، شبه سراديب، لكنها ستكون أكثر قداسة، لأنها لن تكون بعد ذلك كنيسة أولئك الذين يسعون إلى إرضاء العالم، بل كنيسة أولئك الذين هم أوفياء لله وناموسه الأبدي. ستكون الولادة الجديدة من عمل البقية الباقية الصغيرة التي تبدو غير مهمة، لكنها ستكون البقية التي لا تُقهر والتي مرت بعملية تطهير، لأن هذه هي طريقة عمل الله ضد الشر، سيكون هناك قطيع صغير يقاوم. مستقبل الكنيسة، وكما هو الحال دائماً، سيتم إعادة تشكيله من قبل القديسين، من قبل الرجال والنساء الذين يرون أكثر مما يراه الآخرون، لأن حياتهم تحتضن حقيقة أوسع. يبدو لي بشكل أكيد بأن الكنيسة ستواجه أوقاتاً صعبة للغاية، وأن الأزمة الحقيقية قد بدأت للتو، وسيتعين علينا الاستعداد لاضطرابات هائلة، لكنني متأكد أيضاً بنفس القدر أن الكنيسة ستبقى في النهاية. لن تكون كنيسة الطائفة التي ستموت، ولكن كنيسة الإيمان. ربما لن يكون لها القوة الاجتماعية المهيمنة بالقدر الذي كانت عليه، لكنها ستشهد ازدهاراً جديداً وسيُنظر إليها على أنها المنزل الحقيقي للإنسان حيث سيجد الحياة والرجاء بعد الموت.”

أخيرا تمنياتي لكل المحتفلين بعيد القيامة بفرح عظيم يفوق رجاءهم وايمانهم بالحياة الأبدية وقيامة الأموات. المسيح قام … حقا قام. 

لندن الأحد الموافق 2024/04/28
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الاختلافات اللاهوتية وتعدد الكنائس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
البيت الآرامي العراقي :: المنتديات الروحية Spiritual forums :: منتدى حوار الأديان والثقافات الدينية المختلفة Forum dialogue of various religious faiths & cultures-
انتقل الى: