تقارير عدة تشير إلى أن الأمريكيين المسلمين الذين منحوا ترامب أصواتهم يعبرون اليوم عن مشاعر الغضب و«الإحباط»، بعدما أعلن ترامب ترشيحاته لفريق السياسة الخارجية والأمن القومى فى إدارته الجديدة، بل قال أحد مؤسسى حركة «تخلوا عن هاريس»، التى قامت بحملات تعبئة لتشجيع المسلمين على التصويت لترامب: «يبدو أننا تعرضنا لخدعة». فخلال الحملة الانتخابية، كان طبيعيًّا أن يغضب الديمقراطيون من الأمريكيين العرب والمسلمين من موقف هاريس من الإبادة الجماعية فى غزة، وبالتالى تصر نسبة معتبرة منهم على حرمانها من أصواتهم. وقد وجد ترامب فى ذلك فرصة ذهبية، فرتبت حملته لقاءات عدة مع الأمريكيين المسلمين قال لهم فيها مساعدوه إن ترامب «مرشح السلام»، وذهب ترامب بنفسه إلىى مدينة ديربورن، معقل الأمريكيين العرب بولاية ميتشيجان الحاسمة، وصرح بأنه «يعشق المسلمين» وأضاف: «ستحصلون على سلام فى الشرق الأوسط»، بل ذهب إلى مدينة بتسبرج بولاية بنسلفانيا، الحاسمة هى الأخرى، ووصف حركة المسلمين لحشد الأصوات لأجله بأنها «حركة جميلة تسعى للسلام»!.
لكن بمجرد إعلان فوزه، إذا بترامب يختار فريقًا للسياسة الخارجية والدفاع والأمن القومى، هو، فى تقديرى، ليس فقط الأكثر صهيونية، وإنما الأكثر فجاجة وصراحة فى عدائه للعرب والمسلمين من أى فريق سبقه، فـ«بيت هيجسيث»، مثلًا، مرشح ترامب لمنصب وزير الدفاع، يدعم بقوة هدم المسجد الأقصى وبناء المعبد. ومايك هاكابى، الذى عيّنه ترامب سفيرًا فى إسرائيل، ينتمى إلى المسيحية الصهيونية، وينكر أصلًا وجود «ما يسمى بالفلسطينيين»، على حد قوله. والسيناتور ماركو روبيو، المرشح لمنصب وزير الخارجية، اعتبر فلسطينيى حماس «حيوانات بشرية»، تمامًا كما فعل وزير الدفاع الإسرائيلى. وتلك مجرد عينة من الشخوص والمواقف لا كلها بالتأكيد.
والحقيقة أن أغرب ما فى الحكاية السابقة هو شعور الأمريكيين المسلمين الذين منحوا أصواتهم لترامب «بالخديعة»، فالرجل لم يكن فى حملة ٢٠٢٤ مرشحًا لا يعرفه أحد، فهو خاض معركة الرئاسة ثلاث مرات متتالية (٢٠١٦ و٢٠٢٠ و٢٠٢٤)، وأدلى خلالها بعشرات التصريحات، بل إنه حكم الولايات المتحدة أربع سنوات اتخذ خلالها قرارات وأدلى بتصريحات. وهو الأمر الذى يعنى بالضرورة أن المسلمين بالولايات المتحدة لم يكن لديهم فقط تعهداته لهم فى اجتماعات تقتصر عليهم وأغلبها بعيد عن التغطية الإعلامية، بل كان لديهم أيضًا سجل ضخم لابد أنهم أخذوه فى الاعتبار عند اتخاذ قرار بدعمه ومنحه أصواتهم، فترامب الذى قال لهم، مثلًا، إنه «يعشق المسلمين»، لم يعتذر عن حظر دخول المسلمين من سبع دول حين كان رئيسًا. والرجل الذى تعهد لهم بإحلال السلام هو نفسه الذى قال لنتنياهو قبل أسابيع من الاقتراع العام: «افعل ما ينبغى لك فعله» فى غزة، وهو نفسه الذى اعترف بالقدس كلها عاصمة لإسرائيل!.
أفهم أن يرفض الأمريكيون المسلمون التصويت لهاريس باعتبارها ضالعة فى جرائم الإبادة الجماعية فى غزة، كونها طرفًا رئيسيًّا فى إدارة بايدن وبسبب رفضها أن تتخذ مواقف تختلف عنها طوال الحملة. وأفهم أن يقول بعض المسلمين الأمريكيين إنهم منحوا أصواتهم لترامب لأسباب داخلية أمريكية تتعلق، مثلًا، بمواقفهم المحافظة تجاه قضايا اجتماعية حيوية، وهم وحدهم أصحاب الحق فى اتخاذ قرار التصويت لمرشح دون آخر. لكن ما يثير الاستغراب هو أن يمنحوا أصواتهم لترامب لمعاقبة الديمقراطيين على موقفهم من غزة، ثم يشعرون بأنهم تعرضوا لخدعة، خصوصًا أن معاقبة الديمقراطيين كانت تتحقق بالتصويت لمرشحة حزب الخضر اليهودية المناصرة بقوة لفلسطين، أو ببساطة الامتناع عن التصويت أصلًا كرسالة احتجاج لكل مَن يهمه الأمر.