مشهد يَحير الإنسان كيف يفسره، وكيف يتفاعل معه؛ رئيس وزراء العراق المنتهية ولايته والمتمسك بالترشح للولاية الثانية نوري كامل المالكي يتلقى مباركة ولي أمره، الفقيه الولي، مرشد الجمهورية الإسلامية، الدولة الشرعية للإسلاميين الشيعة.
هل بعتمونا حقا لإيران؟ هل بعتم أحلامنا لخامنئي وأحمدي- نژاد؟ (حسفة) يا مالكي، (حسفة) يا حزب الدعوة، (حسفة) أيها الشيعسلاميون العراقيون. في الثمانينات أثناء الحرب العراقية الإيرانية، حيث كنا مغفلين وبالتالي مخدوعين بالنظام الإيراني، على أنه يمثل الدولة الشرعية واجبة الولاء والطاعة، وأن النظام الإيراني إنما يريد فيما يريد تحرير الشعب العراقي من ديكتاتورية صدام، كنا نتابع باهتمام وتفاعل كبيرين يوميات الحرب، أملا في تخليص الشعب العراقي على يد (الخمينية الإيرانية). ولكننا كموالين ناقدين، آنذاك، كنا من جهة أخرى متأذين ومنزعجين من ممارسات الإيرانيين تجاه المهجرين والمهاجرين العراقيين اجتماعيا من جهة، وتجاه القوى العراقية المعارضة الإسلامية بمصادرة إرادتها لصالح القرارات الإيرانية التعسفية والمتسمة بروح الاستعلاء على العراقيين بل بعض منا (في حزب الدعوة) كان ناقما على الجمهورية الإسلامية، بسبب سوء المعاملة وروح الاستعلاء. أقول في تلك الفترة، التي تمنيت لو تشطب من فلم قصة حياتي، وأثناء إحدى زياراتي لإيران، سألت مرة - معبرا عن قلقي وتذمري - أحد قياديي حزب الدعوة، الذي ترك الحزب في وقت لاحق، عما إذا كان الإيرانيون – كما يبدو عبر سلوكياتهم – يريدون أن يحكموا العراق بأنفسهم، إذا ما أسقطوا نظام صدام، فأجابني جوابا دقيقا، فيه تهكم وتذمر في آن واحد، إذ قال لي: لا، إنهم سيدعون العراقيين هم الذين يحكمون العراق بأنفسهم، لكنهم سيقومون هم بتنصيب من يريدون في مفاصل الدولة العراقية، من أعلى منصب لغاية مدير الناحية في أي زاوية من العراق. واليوم يسيل لعاب الإيرانيين، وهم يشهدون بوادر نجاح مشروعهم في احتلال العراق احتلالا غير مباشر، وهنا أذكّر بمقالتي في 11/10/2007 التي عنونتها بـ «أيها العراقيون احذروا خطر الاحتلال الإيراني»، وقلت حينها أن «أدوات هذا الاحتلال أحزاب وعمائم وميليشيات وذيول للاطلاعات»، وقارنت في المقالة بين الاحتلالين، الأمريكي الذي قلت أن البعض قد يعتبره «احتلالا فعليا وواضحا»، وبين الاحتلال الإيراني الذي «يتصوره أو يدعيه البعض احتلالا أو استعمارا وهميا»، أو هو «استعمار غير واضح». فقلت «هنا – أي بسبب عدم وضوحه كما هو الحال مع الاحتلال الأمريكي -؛ هنا بالذات مكمن الخطر، فالاحتلال الواضح مآله إن لم يكن عاجلا فآجلا الانتهاء والرحيل، أما الاحتلال الخفي، لاسيما الإيراني بحكم الجيرة والتأثير عبر العلاقات الاجتماعية والدينية، هو الأشد خطرا والأقدر على البقاء من الاحتلال الظاهر». ولذا بينت آنذاك أن «المطلوب من مخلصي السنة ومخلصي الشيعة ومخلصي أتباع سائر الديانات العراقية، وكذلك من مخلصي العرب ومخلصي الكرد ومخلصي أتباع سائر القوميات العراقية أن يدركوا الخطر الجدي للمزيد من تغلغل وتجذر النفوذ الإيراني في عراقنا الحبيب، لما يختزن هذا النفوذ من عوامل تدمير لكل ما هو وطني عراقي». أرجع إلى زيارة المالكي إلى طهران، سعيا لمباركة ودعم ولي أمر الشيعسلامويين العراقيين علي خامنئي، الذي لاقى العراقيون في إيران منه الأمرّين، وحزب الدعوة كان من أكثر المتذمرين من تولية خامنئي على شؤون العراقيين من لم يكن يحب العراق ولا العراقيين، ولا ينظر إلى العراق إلا كجزء من الإمبراطورية الفارسية، التي تحولت إلى إمبراطورية ولاية الفقيه الإسلامية الشيعية الإيرانية. [b]وبالمناسبة لا بد من القول أن زيارة ما يسمى بمرشد الثورة، أو كما يصطلح الإيرانيون المنتمون للنظام قائد الثورة الإسلامية، وكما يصطلح عليه حزب الله اللبناني «ولي أمر المسلمين»، أو «السيد القائد»؛ أقول إن زيارة خامنئي مخالفة للپروتوكولات، لأن خامنئي يمثل موقعا قياديا دينيا شرعيا، وهذا ملزم للدولة القائمة على أساس ولاية الفقيه، ولكن لا علاقة له بالعلاقات الدولية، لأن الضيف لا شأن له بلوازم ولاية الفقيه. وهذا لا يخص زيارة المالكي، بل كل الزيارات السابقة للمسؤولين العراقيين وغير العراقيين، ومنها زيارة رئيس الجمهورية. ومن الطبيعي عندما يذهب رئيس وزراء العراق إلى خامنئي، فإنه إنما يقول له بلسان الحال، إن تدخلك في كل خصوصيات وتفاصيل الشأن العراقي أمر مقبول منا بل ومطلوب ويتمتع بكامل الشرعية، حسب نظرية ولاية الفقيه، التي رفعناها من النظام الداخلي لحزبنا (حزب الدعوة) تقية، كما وضعناها آنذاك تقية. نعم خامنئي يتدخل ويقدم تصورات وتوجيهات وتعليمات وأوامر ولائية، فيدعو العراق للإسراع في عملية تشكيل حكومته الجديدة. بل لا يتردد من بيان ترجيحه للمالكي رئيسا لوزراء العراق للأربع سنوات المقبلة، فيقول «يتعين على كافة المسؤولين العراقيين تركيز جهودهم للإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة لتعزيز أمن البلاد وبدء عملية مصالحة». فتصوروا كم هو حريص على المصالحة الوطنية بين القوى السياسية العراقية، أو بين ما يسمونه بالمكونات، وكم هو حريص على أمن واستقرار العراق، وكأن جمهوريته الإسلامية واطلاعاته (المخابرات) وحرسه الثوري وجيش القدس أبرياء من كل ما مورس إيرانيا من زعزعة لأمن واستقرار العراق منذ نيسان 2003. ثم يتابع ولي الأمر كلامه بقول: «على الرغم من أن العراق أصبح أكثر أمنا عما كان عليه من قبل، إلا أنه لا يزال مفتقدا للأمن في جزء منه، بسبب وجود القوى الدولية هناك»، يعني الوجود الأمريكي، ثم يتطلع إلى خروج الأمريكان عاجلا ليخلو الجو للاحتلال الإيراني فيقول «لعل الله يخرج أمريكا من العراق في أسرع وقت لوضع حد لمشاكل الشعب»، أي لوضع حد للمشاكل التي تعترض أطماع الاحتلال الإيراني، أوليس الأمر كذلك بأن الفئران لا تستطيع اللعبأفضل من اللعب عند غياب القطط. ثم راح خامنئي وبدون أدنى مراعاة للأعراف الدولية يتحيز ليس تحيز تأييد فقط، أي بتأييد المالكي، بل ليمارس أيضا تحيز اعتراض ورفض، لمن وصفهم بأنهم «يحاولون زعزعة استقرار العراق» من القوى السياسية الرافضة لترشيح المالكي، وبكل تأكيد يعني هنا «العراقية»، والتي تصر إيران على إبقاء الڤيتو ضدها، وليس هناك تدخل أكثر وقاحة من هذا النوع من التدخل، وإن كان خامنئي يتعامل مع الملف العراقي ليس إلا كملف داخلي وشأن إيراني داخلي. وفي الوقع لا يهم إيران، ولا يهم الولي الفقيه أن يقال أن كلامه هذا هو تدخل سافر في أخص خصوصيات الشأن العراقي، مما يعتبر مساسا بسيادة العراق، لأنه يرى هذا التدخل ليس فقط جائزا (شرعا)، بل هو واجب، أو ما يصطلحون عليه أنه «تكليفه الشرعي»، كما يعتبر الماكي تمسكه بالترشح أنه يمثل «تكليفه الشرعي»، وكما كان سلفه الجعفري يتكلم عن «تكليفه الشرعي» آنذاك. و«التكليف الشرعي» عند الإسلاميين لا يحتاج إلى موافقة وفق الآليات الديمقراطية، ولا إلى مطابقة دستورية، لأن مشيئة الله تتقدم على مشيئة الشعوب ومشيئة الدساتير الوضعية، وحاكمية الله لا تلغيها حاكمية الشعب، فيما تعنيه الديمقراطية، مما يمس مبدأ التوحيد في جانبه السياسي، ولأنهم أي الإسلاميين يعتقدون أنهم هم الذين يستطيعون تشخيص مشيئة الله، وبالتالي تمثيل هذه المشيئة والتعبير عنها وفرضها على الواقع، ولو إن الديمقراطية (طِلعَتِلهُم صَفُح)، ولذا يحاولون هم أيضا بدورهم أن (يْطِلعولْها صَفُح) بغطاء شرعي واحتيال دستوري. [b]وراح نائب وزير الخارجية الإيراني رؤوف شيباني يفسر أقوال الولي الفقيه بقوله «إن اختيار المالكي كرئيس للوزراء هو أحد الخيارات المناسبة بالنسبة إلى العراق»، ويقصد أحد الخيارات المناسبة بالنسبة لإيران، وهذا يعني أن المالكي من حيث المبدأ لم يكن يمثل الخيار الإيراني، لكنه أفضل الممكنات بالنسبة لهم، أو كما يعبر عنه ربما بـ«أسوأ السيئين» بحسب معايير إيران. فعلل شيباني هذا ترجيح إيران لاختيار المالكي كونه «يتمتع بخبرة طويلة في قيادة البلاد»، وكونه كما يعبر شيباني أنه أي المالكي «يبدو الأفضل من أجل العراق»، أي الأفضل في ضوء الأجندات الإيرانية ومصالح القوى الشيعسلاموية العراقية. وكان هذا في سياق ما أعلنت الحكومة الإيرانية عقب لقاء المالكي وأحمدي نژاد في بيان رسمي، فجاء تأييدها لترشيح المالكي موقفا رسميا لشأن (داخلي إيراني؟). [b]ومن غير شك لا بد أن يدلو بدلوه أيضا رئيس جمهورية إيران الإسلامية محمود أحمدي- نژاد، ليبحث مع المالكي ما يصب في مصلحة الشيعسلاموية في العراق، والذي يصب بالضرورة في مصلحة الاستعمار الولايتفقيهي الإيراني. فأحمدي- نژاد قد أعرب عن أمله في أن «تنتهي المرحلة الصعبة بالنسبة للشعب العراقي مع تشكيل الحكومة العراقية»، ويعني من غير شك انتهاء المرحلة الصعبة بالنسبة لنظام إيران وللشيعسلاموية العراقية. [b]ولو إن النتائج النهائية قابلة للمفاجآت، ولا يمكن استباقها بالكلام عن نجاح للمالكي، إلا أننا يمكن أن نتكلم عن ثمة نجاح حققه، فأقول قد تكلل نجاح المالكي بمباركة مهمة ألا هي مباركة مقتدى الصدر، وكما تناقلت وسائل الإعلام بدفع من كاظم الحائري، المعروف بولائه المطلق للجمورية الإسلامية ولولاية الفقيه، والذي كان لسنوات طوال متوئا لموقع (فقيه الدعوة)، وذلك في الثمانينات، وقبل حذف مادة فقيه الدعوة من النظام الدخلي لحزب الدعوة واستبدالها بمادة ولاية الفقيه التني جرى بموجبها اعتماد حزب الدعوة للارتباط بفقيه الأمة (الخميني) بدلا من فقيه الدعوة أي فقيه الحزب، وفعلوا ذلك في وقتها تقية درءا لشبهة أن الدعوة ضد ولاية الفقيه، أو غير مندكة بما فيه الكفاية وما يوجب براءة الذمة الشرعية، ولكن في نفس الوقت خلاصا من الحائري الذي كان يربك عمل الحزب عبر تدخله بكل التفاصيل (السياسية والجهادية والمالية والتنظيمية) من موقع الإيمان المطلق بالولاية المطلقة للفقيه. ولم يحصل المالكي على مباركة وتأييد الصدر من غير ثمن، بل بكل تأكيد مع وعود وضمانات بـ(تصحيح) كل ما أفرزته (صولة الفرسان) المالكية، لتعود (الصولة) للتيار ولجيش المهدي على سابق عهدها. [b]وأخيرا فإننا سمعنا فليپ كراولي (Philip J. Crowley) المتحدث باسم الخارجية الأمريكية يدعو لعدم المبالغة في تفسير زيارة المالكي لإيران. وهذه ربما إشارة لما أشرت إليه في مقالتي السابقة في إمكانية أن يكون المالكي مرشح التوافقية (الأمريكية/الإيرانية)، إذا ما رأى الخصمان اللدودان أن من مصلحة كل منهما أن يتوافقا على رئيس وزراء للمرحلة المقبلة في العراق يمثل لكل منهما أفضل الخيارات السيئة، ولا أقصد بلفظة (السيئة) إساءة شخصية، ويمكن التعبير عن كونه يمثل لكل منهما رغم التناقضات الخيار الممكن الأقل لامقبولية. [b]وملاحظة أخرى جديرة بالاهتمام، ولو أنها شكلية، لكنها تنم عن ثم معنى لا يخلو من أهمية، وهي إن المالكي تدارك هذه المرة ما سبب له في زيارة سابقة لولي الأمر من حملة انتقادات لاذعة، كونه تأدب – مع الاعتذار عن المصطلح - آنذاك بين يدي الولي الفقيه وفكّ عن رقبته ربطة العنق، ليبدو في مظهره كالموالين لأعراف الإسلام السياسي الإيراني الذي يحرّم لبس ربطة العنق، بدعوى أن ذلك يمثل تشبها بالغرب الكافر، على رأي (الأطروحة الخمينية)، أو على رأي آخر بدعوى أن ربطة العنق رمز للصليب، يلبسه المسيحيون تعبيرا عن تمسكهم بعقيدتهم التي يمثل الصليب محورها فيما يرمز إليه من صلب للمسيح (الرب الابن)، الذي ضحى به أبوه في السماء (الرب الأب)، ليخلص به المؤمنين (المسيحيين)، فيما تشكلت منه كل من عقيدة التثليث وعقيدة الخلاص، اللتان تمثلان ركيزتين أساسيتين للاهوت المسيحي، وكأن المسيحيين مضطرون لممارسة التقية، فلا يلبسون الصليب بشكل صريح، بل ما يرمز له بشكل خفي، وهو ربطة العنق. ثم لو كانت ربطة العنق تمثل الصليب، لما رأينا يهوديا يضعها حول عنقه. المهم، هذه المرة تدارك المالكي ما وضعه في المرة السابقة في مرمى سهام النقد، ولكنه لم يفته أن يصطحب معه فريقا من السياسيين الشيعسلامويين المعروفين لدى الإيرانيين بالولاء للجمهورية الإسلامية ولمرشدها وفقيهها الولي، ومن يستطلع وجوه الجالسين بين يدي ولي الأمر من المواكبين لعلاقات العراقيين المقيمين في إيران من 1980 لغاية 2003، لعرف دقة ما أعنيه هنا، وإذا ما رافقهم واحد من (دعاة الداخل) السابقين، فهو إنما حضر ممثلا عن الأمين العام لتيار الإصلاح الوطني المنشق عن الدعوة، والذي يتمتع بعلاقة حميمة جدا جدا بالولي الفقيه، مما جعل الأخير يصدر التعليمات إلى كل مؤسسات الجمهورية الإسلامية لرعاية تيار الإصلاح عند اتخاذ قرار بتشكيله في قم؛ لرعايته بالتأييد على جميع الأصعدة. وهو سلف المالكي الذي أشرت إليه، فتوهم أحد الرادّين على مقالتي السابقة بأني أعني صدام، فانبرى يدافع عن القائد الضرورة، واعتبر الإشارة على كونه كان قد أحاط نفسه بالصنميين، أنه إشارة للشعب العراقي الذين يعترض الرادّ على وصمي إياه بالصنمية، وكأنه يريد أن يقول أن الشعب العراقي كله كان مؤيدا للقائد الضرورة، بينما قصدت الفريق الخاص الذي كان يحيط برئيس الوزراء الأسبق (سلف المالكي ورفيق دربه في الجهاد الدعوي)، والذين كانوا – أي الذين أسميتهم بالصنميين - على نوعين، نوع صادق في صنميته لإيمانه بقائده وانبهاره به حتى الذوبان والعشق والوله، ونوع نفعي يتصنع الصنمية تزلفا لقائده قائد تيار الإصلاح حاليا. [b]وفي الختام أود أن أجدد دعوتي لـ(العراقية) بأن تتحلى بشجاعة الضلوع بدور المعارضة، إذا ما نجح المالكي حقا بتجديد الولاية لأربع عجاف أخرى. وعندما أطلب ذلك من العراقية، فلا لأني ألتقي معها كليا، لأني أنتمي – أقول أنتمي ولا أقول أمثل - إلى التيار الديمقراطي العلماني الليبرالي، ولكن لكون العراقية هي الأقل بعدا عن ثوابت هذا التيار، ولكون خطاب رموز وشخصيات هذه القائمة - باستثناء بعض الشحطحات للبعض منهم - ومنذ انتخابات السابع من آذار كان متسما على النحو العام بالوطنية وبعراقية التوجه والابتعاد كليا عن ** وتسييس الدين والعنصرية، وإن يؤخذ عليهم مغازلة بعض أطراف التيار الشيعسلاموي، لا لشيء إلا لمعارضتهم لترشيح المالكي، وقد عاد منهم من عاد إلى دعم هذا الترشيح، وهو الطرف الأكثر تأثيرا من حيث عدد المقاعد والتواجد في الشارع العراقي. [b]والآن يطرح سؤال نفسه تلقائيا: هل سنمر بحقبة شيعسلاموية تطول لعقود من الزمن، كعقود النظم السابقة التي غيبت الديمقراطية منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة، باستثناء بعض الإشراقات المحدودة في العهد الملكي، والتي كانت – صحيح – محدودة، إلا أنها كانت قابلة للنمو باتجاه ترسيخ الديمقراطية الحقيقية مع الزمن، وكذلك باستثناء بعض الإشراقات المحدودة أيضا في العهد الجمهوري الأول، الذي كان وطنيا، لكنه لم يكن ديمقراطيا، مع تناقض العهدين، إلا أن لكل منهما إيجابياته التي غابت في عهد البعثيين بشكل خاص، ثم مع بعض الانفراج في عهد عبد الرحمن عارف التي مر العراق فيه بديكتاتورية مخففة وضعيفة، لم تستثمرها القوى الوطنية، وكما غابت هذه الإيجابيات في ما بعد التاسع من نيسان. فهل سنمر بثلاثة عقود شيعسلاموية قبل أن ينبعث جيل جديد من سياسيين لا يحملون أمراض الطبقة السياسية الحالية؟ أم سيكون الوعي الديمقراطي قد بلغ في الانتخابات القادمة مستوى يفوّت الفرصة على مواصلة القوى غير المؤمنة بالديمقراطية والدولة المدنية والممارسة للفساد المالي والإداري والمسيسة للدين والمعتمدة للطائفية السياسية والفاسحة المجال أمام الاحتلال الإيراني ليبسط نفوذه على كل مِلّيمتر مربع من أرض العراق وثروته وسياسيته وثقافته وأمنه، فينتخب الدولة المدنية الحديثة بدلا من أن يكون العراق ضيعة مستباحة من إمبراطورية ولاية الفقيه؟ [b]ملاحظات حول بعض المصطلحات الواردة: [b]- الشيعسلاموية: كلمة مركبة من لفظتي (الشيعة) و(الإسلام)، إشارة إلى الإسلام السياسي المقترن بالتشيع السياسي الذي يعتمد مقولة أن الديمقراطية تعني حاكمية الأكثرية، مع تفسير الأكثرية بالأكثرية ** بدلا من الأكثرية السياسية، وبالتالي يقول ببداهة حكم الشيعة للعراق. وتلفظ بفتح العين أو كسرها، فمع الفتح تكون الفتحة حركة لفظ (شيعَة)، ومع كسرها تكون الكسرة منقولة من همزة القطع للكلمة (إِسلام)، أي (شيعَسْلامَوِيّة) أو (شيعِسْلامَوِيّة). وإضافة (الواو) تعبيرا عما يضاف للإيديولوجيات الشمولية غالبا، والتي يقابلها بالإنگليزية تذييل الكلمة بـ (ism) وبالألمانية بـ (ismus). ولو إن هذا الاستعمال للواو شاع خطأً، لأن الواو تضاف في صياغة النسبة من الاسم، إذا كان منتهيا بتاء مقصورة أو بحرف من حروف العلة. ولكن استخدام (إسلاموي) هو الأصح، بالرغم من عدم انتهاء لفظ (الإسلام) بحرف علة، ولكني أقول هو الأصح لأنه مأخوذ من (الإسلامي)، وليس من (الإسلام). والإسلاميون يميزون بين ما هو (مسلم) وما هو (إسلاموي)، ويعتبرون المجتمعات المسلمة مجتمعات مسلمة ولكنها غير إسلامية، أي لا تعيش الإسلام فكرا وسياسة وثقافة والتزاما وقاعدة للدولة وتشريعات، ومن هنا جاءتهم فكرة أسلمة المجتمع المسلم أي تحويله من مسلم بالهوية إلى إسلامي. بل راح الإخوان المسلمون في بداية تشكلهم يوصمون المجتمع المصري وأكثر المجتمعات المسلمة بأنها مجتمعات جاهلية، وراحوا ينظرون لما أسموه بالجاهلية الحديثة، ومن هنا قال مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني أن من الواجب تحويل كل شيء في إيران إلى إسلامي (همه چيز بايد در إيران إسلامي باشد). وأسمى حزب الدعوة مهمة أسلمة المجتمع بالعملية التغييرية على أربعة مراحل، فكرية سرية، سياسية تجمع بين سرية التنظيم وعلنية الإعلان عن وجود الحزب وأهدافه، ثم جهادية او ثورية، ثم حكمية بإقامة الدولة الإسلامية. [b]- الدعوي: نسبة من (دعوة)، والتصحيح لما كان لعقود طويلة يستخدم خطأ جاء مني، بعدما كانت أدبيات حزب الدعوة تستخدم كلمة (دعوتي)، وهي النسبة المستخدمة في الفارسية، كما يقولون (ولايتي) بينما الصحيح عربيا (ولائي). والذي اعتمد ترويج هذا التصحيح هو الجعفري، وإن كان الكثير من الدعويين (الدعاة حسب مصطلحهم) ما زالوا يستخدمون ما ألفوه، أي (دعوتي) بدلا من دَعَوي أو دَعْوَوي. [b]- أحمدي نژاد: لقب مركب من كلمتين، كما هو مألوف في الكثير من القاب الإيرانيين، واسمه الأول (محمود) فيكون اسمه الكامل (محمو أحمدي نژاد) المتكون من الاسم الأول واللقب، فهم لا يستعملون الأسماء الثلاثية بإضافة اسم الأب والجد، بل يستخدمون كما هو الحال في أورپا الاسم واللقب فقط. وحرف (ژ) هذا موجود في الفارسية والكردية، وهو حرف وسط بين الجيم والشين، أو هو يشبه الجيم الشامية المستعمل في العامية السورية واللبنانية. وهذا يذكرني عندما أصبح السياسي الكردي روژ شاويس نائبا لرئيس الوزراء، كان عرب العراق يسمونه تارة روج، وأخرى روش، وثالثة روز، بينما يفترض أن يكون من السههولة معرفة أن اللغة الكردية (الرسمية الثاني حسب الدستور) فيها حروف غير متوفرة بالعربية مثل (گ) و(پ) و(ژ)، مع العلم أننا في اخمسينات كنا نستعمل في العراق حرف الـ (چ) و(گ) في بعض كلماتنا العامية أو بعض الأسماء والألقاب مثل (حاچم)، و(چاسب)، و(گاطع)، و(الخانچي)، وكلمات عامية مثل (الپاچه)، و(الچاملغ)، و(الگونية)، وغيرها، لكن البعثيين منعوا استعمال هذه الحروف لكونها من حروف اللغة الفارسية، وتنتمي إلى ما أسموه بالشعوبية أي معاداة القومية العربية، كما ألغوا الألقاب من الأسماء لأسباب يعرفها الجميع.كتابات - ضياء الشكرجي