وضرَبَ أَيضًا هذا المَثَلَ لِقَومٍ كانوا مُتَيَقِّنينَ أّنَّهم أَبرار، ويَحتَقِرونَ سائرَ النَّاس: «صَعِدَ رَجُلانِ إِلى الهَيكَلِ لِيُصَلِّيا، أَحَدُهما فِرِّيسيّ والآخَرُ جابٍ. فانتَصَبَ الفِرِّيسيُّ قائِمًا يُصَلَّي فيَقولُ في نَفْسِه: «الَّلهُمَّ، شُكرًا لَكَ لِأَنِّي لَستُ كَسائِرِ النَّاسِ السَّرَّاقينَ الظَّالمِينَ الفاسقِين، ولا مِثْلَ هذا الجابي. إِنَّي أَصومُ مَرَّتَيْنِ في الأُسبوع، وأُؤَدِّي عُشْرَ كُلِّ ما أَقتَني». أَمَّا الجابي فوَقَفَ بَعيدًا لا يُريدُ ولا أَن يَرَفعَ عَينَيهِ نَحوَ السَّماء، بل كانَ يَقرَعُ صَدرَه ويقول: «الَّلهُمَّ ارْحَمْني أَنا الخاطئ!» أَقولُ لَكم إِنَّ هذا نَزَلَ إِلى بَيتِه مَبرورًا وأَمَّا ذاكَ فلا. فكُلُّ مَن رَفَعَ نَفْسَه وُضِع، ومَن وَضَعَ نَفْسَهُ
تعليق على الإنجيل القدّيس أوغسطينُس (354-430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) وملفان الكنيسة
"اللّهمّ ارحَمني أنا الخاطئ"
"أمِلْ يا ربّ أذنك واستجب لي فإنّي بائس مسكين" (مز86: 1). إنّ الله لا يميل أذنه نحو الغنيّ، بل نحو الفقير والمسكين، نحو المتواضع الذي يعترف بخطاياه، نحو الذي يتضرّع إلى الرحمة الإلهيّة، وليس نحو الذي أشبع رغباته وارتفع وتفاخر كمَن لا يحتاج إلى شيء ثمّ قال: "اللّهمّ شكرًا لك لأنّي لست مثل هذا العشّار". لأنّ الفرّيسيّ الغنيّ كان يتغنّى بمزاياه؛ أمّا العشّار الفقير، فكان يعترف بخطاياه...
كلّ مَن يرفض التكبّر يكون فقيرًا أمام الله، ونعرف أنّه يميل أذنه نحو الفقراء والمساكين. فقد أيقنوا أنّهم لا يستطيعون وضع أملهم في الذهب ولا في الفضّة ولا في الخيرات الأرضيّة التي قد تزخر لديهم في فترة معيّنة... عندما يحتقر الإنسان في نفسه كلّ ما يستطيع أن يجعله يتفاخر من الكبرياء، فهو فقير بالنسبة إلى الله. لذا، يميل الله أذنه نحوه لأنّه يدرك عذابات قلبه...
فتعلّموا إذًا أن تكونوا فقراء ومساكين، سواء كنتم تملكون أم لا تملكون شيئًا في هذا العالم. يمكن أن نجد متسوّلاً متعجرفًا وغنيًّا يسكنه الإحساس ببؤسه. يرفض الله أن يُظهِر ذاته للمتكبّرين، سواء ارتدوا الحرير أو الملابس الممزّقة؛ فهو يعطي نعمته للمتواضعين، سواء لَمَعوا في هذا العالم أم لا. فإنّ الله ينظر إلى الداخل: هو يَزين الداخل ويتفحّصه. أنتَ لا ترى ميزان الله؛ هو يضع فيه أحاسيسك ومشاريعك وأفكارك... إذا وجدتَ من حولك أو فيك شيئًا تميل إلى جعله ضمانة لك، تخلّص منه. فليكن الله كلّ ضمانتك؛ كونوا مساكين أمام الله ليملأكم منه.
حبيب حنا حبيب عضو فعال جداً
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :