لقد أصبح لحم الشهداء القربان الحقيقي الذي يُمثل الخبز (البرشانة) في ذبيحة القداس ، وأصبح الدم الحقيقي البشري الشراب النقي الصافي بدلاً من الخمر الذي يوضع في الكأس ، وهكذا أختلط الماء والدم واللحم مع بعضها البعض بوصفة لا مثيل لها في التاريخ القديم والحديث في الكأس الموضوع على المذبح والصحن (البيلاس) المُهيئ لوضع الخبز ، فقد تم قبول هذه الوصفة من قبل الرب على المذبح المُقدّس الزكي لتصبح غُفراناً لذنوبنا جميعاً وعطيّة ذهبية للخالق الذي يعطينا رجاء القيامة من الموت ويوعدنا بالحياة الأبدية الجديدة مع الملائكة والقديسين والقديسات وجميع الذين أحبّهم الرب ، انه مُخطط الرب المُدهش والعجيب وكما يقول الكاهن في القداس " على هذا التدبير العظيم العجيب الذي حققته لنا نحمدك ونُمجدك دوماً في كنيستك المفتداة بدم مسيحك الكريم ، بألسنة مُطلقة ووجوه سافرة ، ونُصعد المجد والأكرام والشكر والسجود لأسمك الحي القدوس ..." . كنيستنا الآن مُفتداة بكل قطرة دم أريقت من كل مسيحي والشواهد كثيرة كما تحدّث بها الناجون من المذبحة حيث وصل الأمر أن تُنظّف الأخت فَمِ أخيها من الدم واللحم المُتطاير الذي أصبح بين شفتيه ، وأخذت الأم الأخرى تسحب الشضايا المخلوطة باللحم والدم من جراح ابنها وهي غير مُصدقة لما تشاهده ، أما الأطفال والشباب خاصة الذين بُترت أجزاءً من أجسادهم وهم يصرخون الى باريهم ومُنقذهم رافعين عيونهم وأياديهم وهم في قلوبٍ صافية فقد أغتسلت أجسادهم الطاهرة بدمائهم وهم لا ذنب لهم ولا قوّة . هل يذكر التاريخ ذبائح متنوعة أكثر مما شاهدناه في الكنيسة وبين جدرانها وسقوفها وأوانيها المُعدّة للأحتفال الرهيب ؟ لقد أخذ الجلادين الرب في المساء وحاكموه في الليل ودفنوه ومرّ على شهدائنا الفيلم نفسه وبدلاً من المسامير التي دخلت أيادي وأرجل يسوع والحربة التي طعنت جنبه ، جاء الجلادين الجدد وغرزوا الطلقات والشضايا في أجساد الأحبة وقد جعلوهم يموتون في الليل ويُنزفون الدم والماء ويُدفنون مثل سيدهم المسيح ، الخزي والخذلان لكل الجلادين والمجرمين لأن المسيحية سمادها وبذورها أجساد ودماء هؤلاء الشهداء ، كما انتشرت المسيحية بعد المسيح ، هكذا سوف يصبح نورها ساطعاً أكثر بالرغم من كل المحن والمآسي وليعلم من لا يفهم بأن نور المسيحية لا ينطفئ أبداً . المسيحية علّمتنا أن لا نقتل ولا نُعادي أحداً وأن نُصفح عن زلاتِ إخوتنا ولكن بنفس الوقت تُعلّمنا أن نهتف بصوتٍ عالٍ لنقول االى الظالمين كفى ظُلمكم لأن الظلام الذي هو سلطان الموت قد ألغاه الرب عندما أعطى لكل من يحمل اسمه الحياة الأبدية التي لا تزول وبذلك أصبح الشهداء أحياء عند الخالق يشهدون على التألم وقوى الظلام والشر والشياطين أينما كانوا . برحمته الواسعة استقبلهم الرب مع أم النجاة الطاهرة ليدخلوا الهيكل المُقدس بكل فخر واعتزاز والى الأبد . باستمرار يعيش المؤمنون الرموز التي يقوم بها رجل الدين داخل الكنائس المختلفة وعلى المذبح قدام عرش الرب ، هذا المذبح الذي يوصف بالغافر الذي نصبه أمر الرب لأنه مقر حلول مجدهِ كما يوصف في فقرات القداس بهِ تستنير نفوس الشعب لمعرفة الحقائق والتي بواسطتها يلاقي المؤمن جلالة الرب في السماء . القداس يتكون أساساً من فقرتين رئيسيتين ، الأولى التعليمية والتي تخص القراءآت المُتعددة والثانية الذبيحة والتي تعطينا رموز موت الرب ودفنه وقيامته كي نتعرّف على سر الآلام العظيم الذي علّمنا أياه الرب . الرب هو باعث الأجساد ومُخلّص النفوس كما نقول في صلاة إياك يا رب الكل (لاخو مارا) وبهذ الصلاة وترانيم الأسرار هناك دعوة واضحة لنا لنشكر الرب لأنه نزل الى الأرض وخلّصنا بصليبه ومنحنا جسده أي القربان الذي نتناوله وأعطانا دمه كي نشربه ونفرح به ونهتف له بانه هو القدوس وهكذا يستمر الأحتفال أمام المذبح وعليه وكأن الجميع يصبحون مع الشهداء والأبرار القديسين . يقول الكاهن في القداس بأن المسيح أخذ الخبز وشكر وبارك وكسر وأعطى تلاميذه وقال : خذوا كُلوا منه كُلكم هذا هو جسدي الذي يُكسر من أجلكم لمغفرة الخطايا . ويضيف الكاهن ، بأن الرب بعد العشاء أخذ كأساً طاهرة وشكر وبارك وناول تلاميذه قائلاً : خذوا اشربوا منها كلكم هذا هو دمي دم العهد الجديد الذي يُراق عنكم وعن الكثيرين لمغفرة الخطايا . المذبح يتوسط عادة قُدس الأقداس الذي هو أقدس مكان في الكنيسة ، هذا المذبح الذي يُمثل عندنا شكل القبر الذي يتم عليه ذبح الرب بصورة رمزية عند كسر الخبز وبعدها الصاقه وقيامه من الموت ، هذا المذبح كان يُستخدم بنفس المعنى في العهد القديم عند تقديم الذبائح واحراقها بدلاً من الدفن ، المذبح هو التعبير الرمزي لقبر ربنا يسوع ومجده العظيم وقيامته . هكذا أصبح شهدائنا حيث أصبحت الكنيسة كلُها مذبحهم ومجدهم العظيم الذي سيبقى نوراً حقيقياً لكل الأجيال المؤمنة بالمسيح الرب . الشهداء يقولون لنا مثل اقوال المسيح هذه أجسادنا ذُبحت من أجلكم وهذه دمائنا سُكبت وسالت من أجل الكثيرين ، كونوا أمينين الى اقوال الرب ولا تخافوا لقد تحققت كل النبوءآت بقتلنا نحن المسيحيين منذ ايام بزوغ نور المسيحية وفي جميع الأجيال والى هذا اليوم بدون توَقّف. الآباء الكهنة الشهداء أعطوا أجسادهم مع إخوتهم في قُدس الأقداس وقد كُسِر الخبز (البرشانة) باياديهم المباركة وأعطوا لنا دروسا في الشهامة والقوة لا مثيل لها عبر الأزمنة ، انهم مع يمين الرب يُهلّلون ويُسبِّحون باريهم ويشكون المجرمين الظالمين . الرب يحفظ الشعب المظلوم والمتألم والمفجوع الذي عاش الذبيحة الحية ، والشفاء السريع الى جرحانا كي يعودوا الى كنيستهم ويُمجّدوا الرب. وأخيراً نحن بحاجة الى الصلاة والسهر حتى لا ندخل في مثل هذه التجارب لأن هناك من يُسلّمنا للذبح كما سلّم البعض مسيحنا للصلب من قبل . مسعود هرمز النوفلي 10/11/2010