استنساخ حكومات الاستعمار الجديد وحتمية المقاومة في العراق : هيفاء زنكنة
كاتب الموضوع
رسالة
البيت الارامي العراقي الادارة
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 10384تاريخ التسجيل : 07/10/2009
موضوع: استنساخ حكومات الاستعمار الجديد وحتمية المقاومة في العراق : هيفاء زنكنة الأحد 14 نوفمبر 2010 - 0:47
استنساخ حكومات الاستعمار الجديد وحتمية المقاومة في العراق
هيفاء زنكنة
2010-11-12
بعد مخاض تسعة أشهر، تمت المحاصصة على مناصب ' الحكومة' العراقية المستنسخة عن مناصب 'الحكومة' السابقة مع اضافة بعض أحمر الشفاه على الوجنتين. أحمر الشفاه التزويقي هو استحداث مركز لدراسات او مخططات استراتيجية ليحتله رئيس القائمة العراقية المدعية تمثيلها 'السنة وحسب استحقاقها الانتخابي'. وبلغ المنصب من الضآلة والغموض حدا ان البرزاني، رئيس اقليم كردستان، عجز عن تذكره وهو يعلن نجاح عملية الاستنساخ لحكومة لو استمرت كما كانت قبل تسعة شهور، بدون مسخرة الانتخابات ' الديمقراطية'، لجنبت الشعب ثمنا باهظا وبقيمة لاتعوض هي آلاف الضحايا من الشهداء والمعتقلين والمهجرين. وكانت حكومة المالكي السابقة قد كرست نتائج عمليات التهجير **ئفية بملايينها، وشرعنت نتائج اقتتال الميليشيات الحزبية تحت حماية الإحتلال، وقننت نهب النفط وعقوده الجديدة، وحمت استشراء القوات الخاصة ذات التدريب الأمريكي، وقامت بتطبيع الفساد الاداري وانهيار التعليم والثقافة. وليس أمام حكومته الجديدة الا مساومة أطراف جديدة عراقية وأقليمية لتوسيع الطبقة السياسية الجديدة قليلا، وبما لا يغير شيئا في الواقع الفعلي لغالبية الشعب. انه تدريب على 'الديمقراطية' كعملية خداع واصطناع التراضي. ان الصورة التي هلل لها ساسة الاحتلال صباح يوم الخميس، هي ذاتها التي عاشها المواطن ايام ما بعد الغزو. صورة قاتمة تنذر بالويل. وستستمر كذلك مادام النظام الكولونيالي الجديد قد أصبح بديلا عن سيادتنا واستقلالنا، ومادام نفطنا يتكرس أساسا وحيدا لاقتصادنا، بعد انهاء الصناعة والزراعة الوطنية وغياب الانتاج واليد العاملة المنتجة، ومادام الوطن بات مستباحا بمساعدة ساسة تجذرت مصالحهم السياسية والطبقية و**ئفية بمعزل عن الوطن والمواطنين. ولن اتوقف هنا عند ما أرتكب في ظل الاحتلال وحكوماته المتعاقبة ضد كل المواطنين، غير انني سأتوقف عند باب اللغة ومفرداتها، باعتبارها اداة التواصل والتفاعل، وبالتحديد المفردات المستحدثة في الاعلام ووسائل الاتصال الرسمية وتكرارها من قبل الناس. وأعني، بشكل خاص، المفردات المستحدثة اثر الغزو تحريفا لكل ما هو نبيل وجميل في تفكيرنا وتطلعاتنا ومبادراتنا لبناء الوطن، وترسيخا لواقع هجين. أملا ان يساعدنا البحث فيها على فهم الحاضر واستشفاف المستقبل بعيدا عن التضليل الاعلامي وآنية الزيف السياسي. يولي اللغوي الامريكي نعوم تشومسكي الربط ما بين اللغة وتشكيل الرأي العام أهمية كبيرة وخاصة في مجال الاعلام الغربي والهيمنة على العقول. ويعتبر انه ليس من المستغرب، نشوء محاولة الهيمنة على الرأي العام في المجتمعات الاكثر ديمقراطية، مثالها امريكا وبريطانيا، وليس كما كان كان شائعا في النظم الديكتاتورية والشيوعية، سابقا. فقد تم تأسيس أول وزارة للدعاية في بريطانيا، سميت وزارة الإعلام، خلال الحرب العالمية الأولى وكانت مهمتها، كما أعلن وقتها بصراحة، السيطرة على عقل العالم. كانت تهدف الى السيطرة على عقول المثقفين الامريكيين لاقناعهم بنبل الحرب ومن ثم دفع الشعب الامريكي الى الاقتناع بمشاركة امريكا في الحرب (التي أصبحت تعرف فيما بعد بالأولى). وقد نجحت الحملة بشكل مذهل خاصة بين المثقفين الليبراليين الذين شنوا الحملة الدعائية والترويج للحرب الى حد وانه للمرة الأولى في التاريخ، حسب تشومسكي، خلقت حالة تعصب، ليس من قبل القادة العسكريين والسياسيين ولكن بشكل مدروس من قبل افراد، ذوي مسؤولية أكثر خطورة في المجتمع، وهم المثقفون. وكان تنظيم حملة الدعاية ناجحا بحيث انه، في غضون بضعة أشهر، تم تحويل موقف الشعب الأمريكي السلمي، نسبيا، الى هذيان متعصبين ضد الألمان يريدون تدمير كل ما هو ألماني. ودفعت البلاد إلى حالة من الهستيريا بحيث وصلت الى نقطة منع الفرقة السمفونية لمدينة بوسطن من تقديم معزوفة كلاسيكية للموسيقار الالماني باخ. عند قراءتنا للمثال اعلاه وغيره من الامثلة التي يحللها تشومسكي عن تأثير الدعاية في صياغة المواقف وتشكيل الوعي، بضمنه الجماعي، في فترات الازمات والحروب بشكل خاص، هل يدهشنا ما يجري الآن في العراق، من صراعات سياسية طائفية وعرقية تدفع فيها كل جهة باتجاه تعصبها تكريسا لسياسة المستعمر الازلية 'فرق تسد'، ثم تغلفها باسم الديمقراطية، متهمة ابناء الشعب بانه طائفي وعنصري وميال الى العنف؟ في هذا الاتجاه، كتب أدوارد بيرنيز، مؤسس نظريات العلاقات العامة، في عشرينيات امريكا، بأنهم تعلموا من عمل لجان الدعاية، اثناء الحرب، كيفية السيطرة على الرأي العام وكيف ان بامكان : ' الأعضاء الأكثر ذكاء في المجتمع دفع بقية السكان إلى تنفيذ كل ما يريدون'، مستخدما مصطلح 'هندسة الموافقة أو الرضا' معتبرا اياه 'جوهر الديمقراطية'. وقد تطور فن تشكيل الرأي العام او صناعة الرضا في العقود الاخيرة بشكل مذهل وبعد توفير ميزانيات ضخمة له جعلته جزءا لايتجزأ من الدراسات الاكاديمية والبحوث الجامعية واجهزة الاعلام من جهة ووزارة الدفاع والخارجية الامريكية والمؤسسات التابعة للحزبين الجمهوري والديمقراطي من جهة ثانية. وقد رمت هذه الجهات، كلها، بوزنها في الساحة العراقية قبل وبعد الغزو. وهي ناشطة في مرحلة الاستعمار الجديد مع الوجوه العراقية المنفدة لسياساتهم بالوكالة. ولعل القاء نظرة سريعة على مفردات حقبة الاحتلال المستحدثة سيعطينا لمحة عن كيفية الهيمنة على عقول المثقفين الليبراليين الجدد (معظمهم من الشيوعيين السابقين او شيوعيي الحزب الحالي) وبالتالي تجنيدهم للترويج للواقع الاستعماري الجديد، المسمى 'العراق الجديد'، استنادا الى مفهوم البراغماتية أو القبول بالامر الواقع. من بين المفردات المستخدمة، بشكل يومي: تحرير، ديمقراطية، سنة، شيعة، مسيحيون، كرد، تركمان، يزيديون، آشوريون، **ئفية، العرقية، الشفافية، الشراكة الوطنية، تحالفات، كيانات، ائتلاف، قوى سياسية، صولة الفرسان، حفظ القانون، دولة القانون، الميليشيات، حضرة السيد، سماحة الشيخ، آية الله، المتطرفون السنة، السنة الوهابيون، ***هابيون الاجانب، لواء الذئب، ميليشيا بدر، المحاصصة، قوات الصحوة، ابناء العراق، بنات العراق، دامت بركاته، الخطة الامنية. تسليم السيادة. اجهاض العملية السياسية. ايران. مثلث الموت، جيش المهدي، قدس سره، مدينة الصدر، شهيد المحراب. عصائب الحق. العرس البنفسجي. الاصبع البنفسجي. الشعب المظلوم. الاختلاسات. دول الجوار. دعم اقليمي. السعودية. سورية. العملية الديمقراطية الجديدة. مجالس العشائر. الفيدرالية. اقليم كردستان. عقود النفط. التدخلات الخارجية، السجون السرية، اغتصاب الرجال، اغتصاب أئمة الجوامع، تفجير الجوامع، تفجير الكنائس، الفساد، النزاهة، منظمات المجتمع المدني، المنظمات النسوية، زيارة العشرين مليونا، المظاهرة المليونية، الجماعات ***هابية، الصداميون، القاعدة، بقايا البعث، التكفيريون، الظلاميون، المرجعية. قدس سره، الجدران الكونكريتية، نقاط التفتيش، الاسوار حول المدن، بصمة قزحية العين، العملية الديمقراطية. الانتحاريون. السيارات المفخخة. العبوات. العبوات اللاصقة. مسدسات كاتمة الصوت. طيارات بلا طيار. قنابل صوتية. فسفور ابيض. الكلاب البوليسية. كانتونات طائفية، اغتيال العلماء والاكاديميين، النواصب، الروافض، الاجتثاث، التهجير القسري، النزوح، مخيمات النازحين. هذه هي بعض مفردات 'العراق الجديد' التي تصف واقعه منذ الاحتلال في عام 2003 الى يوم استنساخ حكومة الاحتلال الرابعة التي سترسخ، فضلا عما سبق، همجية قوات العمليات الخاصة الامريكية بحجة محاربة ***هاب، وهمجية الفرق الحكومية الخاصة وميليشيات الاحزاب التي جددت بقاءها في غياب المساءلة القانونية العراقي والدولية. في الوقت نفسه، علينا التأكيد بأن هذه الفترة المظلمة وجرائمها قد أنتجت نقيضها في وعي العراقيين وبقية العالم. فبالاضافة الى الوشائج الإجتماعية التاريخية، بدأت خدع الأعلام والمثقفين المنسلخين عن شعبهم، ازاء وضوح الواقع المرير، تنجلي. ويبقى الأمل مرتبطا بحتمية مواصلة المقاومة وتحشيد قواها واستخدامها كل الاشكال الممكنة وبكافة مستوياتها.
' كاتبة من العراق
استنساخ حكومات الاستعمار الجديد وحتمية المقاومة في العراق : هيفاء زنكنة