الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 8399تاريخ التسجيل : 25/12/2009الابراج :
موضوع: حليب السباع وما أدراك ماهو حليب السباع السبت 11 ديسمبر 2010 - 1:53
المقال دسم بمعلوماته التاريخية والاجتماعية يضاف لذلك طرافة اسلوبه وخفة روحه لذلك انصح بقرائته: صحتكم
--- حليب السباع وما أدراك ماهو حليب السباع
مقال رائع، لا اعرف من كتبه
ما طول بالنخلة تمر
ما جوز من شرب الخمر
العرق في العراق
شرب أهل العراق الخمرة منذ أقدم الأزمان - منذ أكثر من 5000 سنة ، حيث عرفه السومريون والآشوريون والبابليون ومن بعدهم ...
وأشهر أنواع العرق اليوم هي العرق بنوعيه المستكي والزحلاوي ، ويقول فؤاد ميشو في مقال له بعنوان ( بغداديات ) " كان العرق المستكي يُقطر بأجهزة التقطير الخاصة ويُحفظ في قزانات ( جمع قزان ) وهو خزان إسطواني معدني ، وكانت أصناف العرق ذات حقتين أو أربعة حقق وإلى حد 12 حقة ، وكل حقتين مستكي تعادلها حقتين سكر نبات ، وعادة كان بائع العرق يشتري ( قرابة ) وهي حاوية معدني بعدة أحجام مثل 24 قنينة زجاجية ( بطل ) ، أو 36 قنينة ، وحسب حاجة الزبون من أصحاب محلات العرق . وكانت كل حقتين مستكي ومثلها سكر نبات تخلط مع 260 لتراً من الـ ( سبيرتو او الكحول) الذي كان يُحصل عليه من تخمير التمر الزهدي في أحواض كثيرة ثم تقطيره في المراجل الخاصة" .
عرق الحقتين كان يتحول إلى اللون الأزرق الفاتح بعد إضافة الماء له ، وعرق ال 12 حقة كان يتحول إلى لون حليبي بعد إضافة الماء . بعض الناس كانوا يوصون على عرق 16 حقة أو 24 حقة ، وكانوا يضيفون عليه أحياناً بعض الفواكه مثل السفرجل والتفاح وأحياناً بعض الدجاج ، وكل ذلك طلباً للنكهة الخاصة واللذيذة للعرق ، وكان هذا العرق الخاص يكلف أكثر بكثير مما يُكلف العرق التجاري ، وغالبية الناس كانوا يُقطرون هذا العرق الخاص في مواسم ومناسبات معينة كأعياد الميلاد وعيد الفصح وأيام جمعة الأموات حين يشرب الرجال عند زيارتهم وعوائلهم لأمواتهم في المقابر ، وكانت العائلة تُقضي أوقاتاً سعيدة في المقبرة !!!
أثناء الحرب العالمية الثانية توقفت اليونان عن تصدير مادة ( المستكه ) إلى العراق وبقية الدول ، فراح معمل العرق يقطر عرقاً بـعلكة الماء ، بدلاً من المستكه ، وسمي هذا النوع بالزحلاوي لأنه عُرف في زحلة ، وهو العرق المقطر بمادة ( الأنسون) ، ومنذ ذلك الوقت بدأ العراق يُنتج النوعين : المستكي والزحلاوي .
في العراق كان الناس يسمون العرق بـ ( حليب سباع ) .. والسبع هو الأسد ، لأن العرق بعد إضافة الماء له يصبح بلون الحليب ، والبعض أحب أن يعتقد بأنه من مظاهر الرجولة وشراب الشجعان والسباع ، وإلى وقت قريب كانوا يسخرون من شارب البيرة والنبيذ ويعتبرونهم مُبتدئين ويسمونهم ( لحيمية ) وهي من تسميات فراخ الطيور عندما تكون لحماً بلا ريش .
لأغلب العراقيين آيين وطقوس خاصة للشرب وحتى قبل الشرب ، تبدأ بتحضير ( المزات ) النقل والمقبلات مثل ( اللبلبي ) الحمص المسلوق ، واللوبياء والباقلاء المسلوقة ، والخيار والجزر والخس والطماطم ، والجرزات - المكسرات ، والفواكه ، والطرشي والمخللات والمتبلات وأنواع لا تُحصى من الزيتون ، والمشاوي من تكة وكباب وكفتة وعصافير وزرازير وطيور وأجنحة دجاج وجلاوي وكبد وبيض غنم ومعاليق وفشافيش وحواصل وقلوب ، وبابا غنوج وتبولة وحمص بطحيني وغيرها الكثير مما لا يحضرني الأن . أما ملك المزات البغدادية فكان ( الجاجيك ) على الدوام ، وهو خليط من اللبن الخاثر مع مكعبات الخيار المقطع والثوم المقطع أو المهروس .
كان ( الشرّابة ) يتبادلون أول الأنخاب بكلمة ( جرْيو ) أو ( إبصحتك ) ، وكلما حكى أحدهم نكتة أو طريفة أو بيت شعر أو إنتهوا من سماع مقطع موسيقي رائع ، كانوا يتبادلون الأنخاب بكلمة ( عليهة مصة ) أو ( جُقَة خاجيك ) ، وجُقة هو صوت إصطدام الكئوس والأقداح ، وخاجيك شخصية نادلٌ أرمني في إحدى المسرحيات الكوميدية . كذلك كنتَ تسمع هذه العبارة دائماً : ( راس اللي ما بي كيف ... كُصة وذبة بالزبل ) !! ، ومعناها : الرأس الذي ليس به طرب وفرفشة إقطعه وإرميه في المزبلة !! وطبعاً لا يقصدون هنا المعنى في قطع الرأس ، بل المعنى في عدم صلاحية من لا يُحب السعادة والسرور .
العراقي يميل إلى الطرب أثناء الشرب ، ولم يكن آيين الشرب يكتمل بدون دورة إسطوانة لأم كلثوم ، وبصورة خاصة أغنية : أنتَ عمري .
في نهاية السهرة ينقلب البعض إلى المشاكسة والعربدة ويتحولون إلى ( أبو جاسم لر ) - الفتوة أحياناً والأشقياء أحايين ، وذلك حين يتمكن منهم حليب السباع ، ومن حِكَمْ المعاتبة للمشاكسين : إذا لم تكن تستطيع أن تشرب كرجل .. فلا تشرب مع الرجال.
البعض كان يتظاهر بالسكر والشراسة والعربدة وإقتحام المواقف ، ويروح يُحارش الناس ويستفزهم ويتحداهم ويعتدي عليهم أحياناً ، وغالباً ما كان تصرفُ كهذا يعودُ وبالاً ونقمةً على المُتحرش ، وينقلب السحر على الساحر فيتحول السبع إلى ( طِلي ) خروف . وقد إشتهر من هؤلاء ( خلف إبن مين ) وهو ( دون كيشوت ) بغداد بلا مُنازع في زمانه ، كان ( خلف ) ب ( اللام المُعَطشة ) من محلة قنبر علي ، وكانت تستهويه أعمال البطولة والفتوة ، وكلما وقعت حادثة سطو أو مقابلة بالرصاص بين (الجاندرمة) واللصوص ، كان خلف إبن مين يُغبش في الحضور إلى مقهى الطرف ويسأل الأخرين مُتهامساً : خوما جابوا طارِيْي ؟ ومعناها : عساهم لم يذكروا إسمي ؟ .
كان من عادة خلف إبن مين أن يشرب مقدار ( كشتبانة) ويصب بعض العرق على ملابسه لتفوح رائحته ويروح يطلب المشاكل إلى أن يُلقى القبض عليه ، حينذاك كان يُعطي الشرطة مبلغاً من النقود كي يقيدوه بالكلبجة ويطوفون به أمام المقاهي الشعبية بعد أن يرمي غترته على أكتافه ويُنَكِس عرقجينه ويرسم تقطيبة رهيبة على وجهه ويرفع رأسه بكل عنجهية ، بينما الناس يتهامسون : لك شوفوا خلف شلون مكلبج !! أكيد سوا مكسورة اليوم !!!. وبعد أن عرفت كل بغداد بأنه فشوش ، قال له صاحب الشرطة ذات يوم : ولك خلف حتى لو أشوفك دتقتل مراح القي القبض عليك .
لم يكن خلف شريراً أبداً ، بل كان يعشق الفتوة والرجولة ، عمل صفاراً ، وكان مُولعاً بتربية الحمام ( مطيرجي ) ، وبعد أن كبر وشاخ أصبح قهواتياً ، وتوفي بعد الإحتلال البريطاني للعراق ، وكان قد تجاوز السبعين ، وللرجل حكايات ظريفة وكثيرة.
في العراق تسمية أخرى لنوع من العرق ( عرق هبهب ) !! ، وهبهب هي قرية في شمال بغداد على ما أظن ، أهلها يُقطرون العرق سراً ، ويبيعونه بثمن أقل من ثمن العرق المُقطر بإشراف الحكومة ، لأنهم لا يدفعون رسماً ( ضريبة ) ، ولكي يُعجلوا في إختمار العرق يُضيفون له مادة ( الزنجارة ) وهي كبريتات النحاس ، ولهذا كان عرق هبهب إذا صُبَ عليه الماء يتحول إلى اللون الأزرق ، وكان لشدة إسكارهِ يُعادل مفعول قدحه ، قوة ومفعول عدة أقداح من عرق الحكومة .
كذلك شاع بين الفقراء من الناس إسم نوع آخر من العرق : ( أبو الكلبجة ) ، وهو من أرخص وأحقر أنواع العرق ، حيث كان يَسطل شاربه من أول قدح ، وغالباً ما كان ينتهي شاربه في موقف الشرطة !! ، لذا سُمي بعرق أبو الكلبجة !!.
من خلال مراقبتي الشخصية لمن يشرب الخمرة من الناس ، رأيتُ كما قد يرى غيري ، بأن للخمرة تأثيرات مُختلفة على شاربيها ، فالبعض يبتهج ويضحك ويُفرفش ، والبعض الآخر يكفهر ويستشرس وتُصيبه حالة نفسية عدائية ، وآلبعض يَبكي ويذكر موتاه ومشاكله وحبه الأول أو الفتاة التي لم يستطع أن يحصل عليها ، والبعض يلجأ إلى المبالغة وإدعاء ما ليس فيه أو لهُ .. وغالباً ما يُمثل ذلك أحلامه التي أخفق في نيلها ، وآخرون يرقصون بخفة ويقبلون ويحتضنون من في المكان وكل عابر سبيل ، وآخرون يبحثون عن الخلاعة في كل مكان يعتقدون أن فيه إمرأة ، وغالباً ما يقضون ليلتهم في مركز الشرطة ، وآخرون تعلوا عقيرتهم بالمقام البغدادي ويتصورون بأنهم ناظم الغزالي أو محمد القبنجي أو يوسف عمر أو حتى مايكل جاكسون !! ، والبعض يعود إلى بيته ليضرب أولاده ويُطلق زوجته عدة مرات قبل طلوع الفجر ، والبعض القليل جداً يبقى هادئاً طوال السهرة ولا يسكر مهما شرب ، وهم أعجب أنواع الشاربين !!.
الخمرة تُعطي شاربها الجرأة والإقدام والشجاعة بحيث يتصور أن بإمكانه مواجهة الدنيا كلها ، ولهذا كان أغلب العراقيين يرفضون الحشيشة ، لأنها وعلى عكس الخمرة ، تُطفيء جذوة الرجولة والفحولة وتهبط بالنفس إلى الدرك الأوطأ .
عرف العراقيون القدماء في زمن سومر وبابل وأكد وآشور النبيذ والخمور والجعة ( البيرة ) ، وأعتقد بأن السومريين كانوا أول من توصل إلى صناعة البيرة ، حيث كان عندهم سبعة أنواعٍ منها ، وكانوا يصنعونها من الشعير وزهر نبات الهبلون . وفي قصة الخلق نجد الآلهة تسكر أثناء إحدى الولائم ، وتصبح ثرثارة ومُهتاجة !!!
وفي ملحمة كلكامش نجد أن الرجل المتوحش أنكيدو .. رفيق كلكامش ، يتم تقديمه إلى الحضارة من لدن عاهرة المعبد ، وإن أحدى الممارسات الجديدة التي تعلمها ، هي تناول الشراب المُخمر ، ويقول النص : لقد تناول الجعة ( البيرة ) سبع مرات ، مما أدى إلى تحرر روحه ، وراح يهتف بصوت عالِ وقد إمتلأ جسمه بحسن التكوين ، وأشرق وجههُ !!.
العراقيون القدماء عرفوا المشروبات المصنوعة من الشعير والخمر المستخلص من تمر النخيل ، وكان يتم توزيع الشراب بمعدل يزيد على الغالون للفرد الواحد ( بينما تمنعه وتصادره وتُحرمه حكومة وأحزاب اليوم في العراق !! ) ، وكان هذا الشراب المخصص للشعب يتألف من البيرة وخمرة عصير النخلة الذي يتم الحصول عليه بشق أعلى جذع النخلة ، وجمع العصير الناتج عنها ، وبعد تخميره لمدة يومين أو ثلاثة ، يصبح مُسكراً قوياً .
وكان للسومريين عدة آلهة ، لكل واحدة منها إختصاص مُعين ، ( كما هم الوزراء اليوم ، ولكن بإختلاف واحد ، هو أن آلهة السومريين لم يكونوا حرامية) !!، ومن ضمن هؤلاء الآلهة كان إله العربدة ( سيريس ) ، وهو الإله المسؤول عن تحويل الشعير إلى بيرة ، وهو الشراب القومي يومذاك ، ( وكم نحنُ بحاجة إلى وزير كهذا ، اليوم !!؟
أما عن خدمة الآلهة في معابد بابل فيقول كتاب ( الحياة اليومية في بلاد بابل وآشور - جورج كونتينو ) : [ في كل يوم من السنة ، وفي وجبة طعام الصباح الكبيرة ، كانوا يهيئون أمام تمثال الآلهة ( آنو ) 18 إناءً على مذبحهِ ، 7 عن اليمين ، 3 منها لبيرة الشعير ، و4 أخرى من البيرة المسماة ( لَبكو ) ، و7 أواني عن اليسار ، 3 من بيرة الشعير ، وواحداً من بيرة ( لَبكو ) ، وواحداً من بيرة ( ناشو ) ، وواحداً من بيرة ( الجرة ) ، وإناء آخر من الجص للحليب ، وبالأضافة لكل ذلك كانوا يضعون 4 آنية مصنوعة من الذهب للخمر المعصورة ] !!.
نلاحظ هنا أن الخمر المعصورة قد تم إعطائها أهمية وقيمة أكثر من الحليب والبيرة ، وذلك بوضعها في أواني ذهبية ، وهذا دليل على أن العراقيين كانوايعشقون ويقدرون الخمر الجيدة !! ، ونِعمَ الأجداد .
نفس الكتاب يذكر أن تأثيرات الثمل - السُكر بالخمور كانت شائعة ومعروفة ، وكان الطب عندهم يعالجُ حالات السُكر كما لو كانت حالات مَرَضِية أو تسمم حقيقي !!، وكتاباتهم المُكتشفة تُعلن وبكل أهمية : [ إذا ما تناول شخص ما ، كمية كبيرة لخمر قوية ، وإذا ما إضطرب رأسه ، ونسي كلامه ، وأصبح حديثه هذراً ، وتشتتت أفكاره ، وتزججت عيناه ، فإن علاج ذلك هو أن يأخذ - تعقبُ ذلك قائمة تضمُ 11 دواءً - وأن يُمزج الدواء بالزيت والخمر عند إقتراب الآلهة ( غولا ) في المساء Gula وهي آلهة الصحة عند السومريين ( وتُصَوَر دائماً مع كلب هو تابعها أو رمزها ) ، وفي الصباح وقبل شروق الشمس ، وقبل أن يقوم أهل المريض بتقبيله ، فدعوه يتناول الدواء ، وسَيُشفى حتماً .
وعن الخمر في نفس الكتاب ، تقول معلومةٌ أخرى : يعتقد المؤرخون بأن أسوار بابل الشهيرة ، والتي تُعتبر من أمنع الأسوار المُحصنة عبر التأريخ ، كانت قد سقطت بيد الفرس بسهولة ، بسبب خيانة ( غوبارو - غوبرياس ) محافظ بابل ، وليس بسبب التفوق والعمليات العسكرية للفرس . حيث ورد في الأخبار القديمة أن غوبارو هذا كان على إتصال بالفرس ، وإنه تآمر معهم ضد بابل ، وإقترح عليهم أن يُهاجموا أسوار المدينة بعد مُنتصف ليلة رأس السنة البابلي ، حيث أباح وسمح لأفراد حامية بابل أن يغرقوا حتى آذانهم في مشارب الخمر تلك الليلة ، حتى إذا طلع الفجر كان الفرس قد إحتلوا المواقع الحصينة من بابل وأسوارها دون علم أهلها .
وبهذا أُسدل الستار عن واحدة من أعظم الممالك في التأريخ البشري ، وبسبب الخيانة والخمر !! ، وكم يُذكرني كل ذلك بخيانة ( عراقيي الجنسية ) ( الغوباريون - من غوبارو ) ، والذين فتحوا أسوار العراق للفرس مرة أخرى ، ولم يستعملوا الخمرة لتخدير الحرس هذه المرة ، بل الدين !! وسكارى الخمر قد يُفيقون خلال ساعات ، ولكن سكارى الدين لن يفيقوا حتى النفس الأخير