كيف نفسر تحمس يونادم كنا لتنفيذ حكم الأعدام بطارق عزيز ؟
بقلم : حبيب تومي / اوسلو
habeebtomi@yahoo.noبعد نيسان 2003 سطع نجم الأستاذ يونادم كنا حينما أفتى الحاكم الأمريكي بول بريمر بتهميش تمثيل الشعب الكلداني واختيار مسؤول حركة آشورية ليمثل مسيحيي العراق ، ومن جانبه الأستاذ كنا يطرح نفسه في مناسبات كثيرة كممثل لمسيحيي العراق ، وإن رضخنا للامر الواقع وقبلنا به ، فكان يجب ان يتسم رابي يونادم بقسط من العدالة والمساواة بين ابناء شعب يفترض انه شعب واحد ، وكان ينبغي عليه ان لا يعمل على محو القومية الكلدانية العراقية وأعلاء القومية الآشورية ، لكن وسوف لا اذهب بعيداً بل ساحاول ان ابقى في عنوان الموضوع .
اقول :
اعترف بأن موقف طارق عزيز لم يكن مشرفاً من حقوق المسيحيين يوم كان يفترض ان له نفوذ في الدولة العراقية ، ولكن ننطلق من اليوم فطارق عزيز ( 74سنة ) مسيحي كلداني مستعرب ، وكان له مسؤولية سياسية رفيعة ، وزير الخارجية ثم نائب رئيس الوزراء في الحكم السابق ، ومسؤوليته على العموم دبلوماسية ، ومع ذلك لنعترف انه انه كان يتحمل شئ من المسؤولية الحكم السابق وقراراته السياسية ، ومثله كثيرون كان لهم مناصب مرموقة بمستوى طارق عزيز وهم طلقاء اليوم باعتبار لم يشاركوا بشكل مباشر بارتكاب تلك المجازر الذي نفذت اثناء الحكم ، ونحن لا نريد الدفاع عن طارق عزيز الذي قدم الى محاكمات علنية وصدر بحقه حكم الأعدام . وأرجو عدم التسرع في اتهامي بأنني من انصار النظام السابق حيث ان اربعة شهداء شباب من عائلتي كانوا من ضحايا النظام إن كان نتيجة أحكامه الجائرة او بسبب حروبه .
.... لكن نتكلم عن تلهف واندفاع (ممثل الكوتا المسيحية ) السيد يونادم كنا في ضرورة تنفيذ حكم الأعدام بطارق عزيز . وسأتناول الموضوع في نقاط :
اولاً :
بابا الفاتيكان يستجيب لنداء المحامي بديع عارف في ايقاف تنفيذ حكم الأعدام بحق طارق عزيز بدعوى كبر سنه ومرضه . في نفس السياق يقول هوشيار زيباري وزير الخارجية ان العراق تلقى طلبات من دول جنبية وعربية ومنظمات دولية من اجل إصدار عفو او تخفيف حكم الأعدام بحق طارق عزيز .
ثانياً :
كان على رابي يونادم ان يتعامل مع مسألة طارق عزيز من هذا المنطلق ، لقد صرح يونادم كنا تصريحات في عدة مناسبات حول طارق عزيز وهو مهتم جداً بتطبيق القانون على طارق عزيز وهو يصرح لموقع فيحاء الألكتورني :
(ان المتهم لا علاقه له بالطائفة المسيحية بل هو عراقي وعلى اساس ذلك يجب ان يحاكم ... ) .
ثالثاً :
يونادم كنا لا يكتفي برفض كل الدعوات الأوروبية بالعفو عن طارق عزيز او على الأقل تخفيف حكم الأعدام ، بل ويوجه ( يونادم كنا ) مشورته ونصائحه للدول الأوروبية بالكف عن مطالبتهم وعن تدخلهم بالشأن العراقي ، بل يعدها تلك المطالبات خروجاً عن القيم الأوروبية .
رابعاً :
في نفس السياق نقرأ على موقع براثا :
( يونادم كنا يرفض دعوات دول غربية لإلغاء حكم إعدام طارق عزيز ويؤكد انه مجرم
اكد النائب سكرتير عام الحركة الديمقراطية الآشورية (الرافدين) يونادم كنا عن المكون المسيحي اننا نرفض الدعوات التي تطلقها دول غربية لإلغاء حكم إعدام طارق عزيز معتبرا إياها تدخلا بالشؤون الداخلية للعراق .
واوضح كنا في تصريح صحفي اننا لاعلاقة لنا بطارق عزيز وهو مواطن عراقي حكم عليه مثل باقي اعوان النظام المقبور ..) .
إلا يعني هذا التصريح بأن رابي كنا ملكي اكثر من الملك نفسه .
خامساً :
هذا الحماس المنقع النظير الذي ابداه رابي كنا لتنفيذ حكم الأعدام بـ (مسيحي كلداني) ونؤكد دائماً ان (الأستاذ كنا استلم مسؤوليته في البرلمان عن طريق الكوتا المسيحية وليس الإسلامية او الإيزيدية ) هذا الموقف يذكرني بموقف امير الأيزيدية تحسين بك في اوائل الستينات حيث كان شاب أيزيدي موقوف في احد مراكز الشرطة في الموصل ، ومن اجل ذلك توجه الأمير الى مبنى المحافظة للتوسط لاطلاق سراحه ، وفي حضور الأمير مع المحافظ جلبت اضبارته التي تبين للمحافظ انه شيوعي ، لكن الأمير كان صريحاً بقوله للمحافظ : استاذ هذا الشاب هو ايزيدي قبل ان يكون شيوعي او بعثي او بارتي ، إنه ايزيدي قبل كل شئ وأنا معني بالدفاع عنه وأطلاق سراحه ، كما ان هذا الشخص صاحب عائلة مسؤول عن إعالتها ، وفعلاً استجاب المحافظ لطلب الأمير.
هل ثمة مجال للمقاربة بين هذا الموقف ، وموقف يونادم كنا الذي يطرح نفسه في مناسبات عديدة بأنه يمثل المسيحيين في البرلمان ؟
سادساً :
لطارق عزيز منصب سياسي مرموق في زمن البعث ، وهو لم يكن عنصر امن او مخابرات او عسكر ، وهنالك الألاف من الذين تعاملوا مع النظام السابق . فاقول ان الآلاف المؤلفة قد جرى احتوائهم ومنهم من عاد الى الجيش او الى الأجهزة الحكومية ، ومنهم من يتعامل معهم اليوم رابي كنا وهم يتمتعون بأعلى المناصب ، فلماذا يتغاضى كنا عن هؤلاء جميعاً ويتلهف لتنفيذ حكم الأعدام بطارق عزيز ؟
سابعاً :
ألا يعلم رابي كنا جيداً بأسماء كانوا على لائحة الأجتثاث وجرى غض النظر عنهم وهم اليوم يمارسون حياتهم ويحتلون مختلف المناصب ؟
ثامناً :
هل الدول الأوروبية بحاجة الى نصيحة رابي كنا حينما يحثهم على العدول عن مطلبهم ؟
تاسعاً : هذا الحماس يوحي الى الأعتقاء وبعض الظنون ، وكأن في جعبة طارق عزيز من الأسرار ما يفضح ماضي البعض ، كمن يلجأ لحرق مؤسسات بغية حرق مستندات ووثائق لتغطية اسرار ، لا يراد لها ان ترى النور .
تاسعاً :
ألا يحس رابي كنا بنوع من الأحراج حينما يصرح الرئيس طالباني بأنه سوف لا يوقع على امر تنفيذ حكم الأعدام بطارق عزيز ؟ ومن المؤكد انه انطلق من دوافع انسانية ودينية ، ورأى فيها مناسبة في التضامن مع هذا الشعب المظلوم . فنقرأ :
( ذكر ان رئيس الجمهورية جلال طالباني ذكر في وقت سابق في مقابلة أجرتها معه قناة (فرانس 24)، انه “لن يوقع على أمر إعدام نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي في النظام السابق طارق عزيز الذي حكم عليه بالإعدام الشهر الماضي بعد ادانته في قضية تصفية الاحزاب الدينية”.) .
ألا يرى السيد كنا انه لو دافع ، او على الأقل لو اتخذ موقف معتدل ومحايد كانت تسجل له نقطة ايجابية فهو مسيحي والمجتمع سيكون معه حينما يدافع عن بني قومه فلم يكن ذلك محرجاً او معيباً بل كان يعزز مكانته باعتباره يدافع عن بني قومه .
عاشراً :
ماذا كان موقف رابي يونادم لو ان طارق عزيز آشورياً وكان عضواً في حزبه ، هل كان يستعجل في تنفيذ حكم الأعدام بحقه كما يطالب اليوم بتنفيذ حكم القانون ؟
بالأمس اتهم احد اعضاء حزبه ( الحركة الديمقراطية الآشورية ) بالأختلاس ، والذي كان يشغل عضوية مجلس محافظة ، ووصف يوم خروجه من السجن بأنه انتصار باهر لشعبنا . فلماذا الكيل بمكيالين ؟
حادي عشر :
يؤكد رابي يونادم كنا على الأوروبيين بضرورة احترام القضاء العراقي والكف عن تدخلهم في العراق ، ألا يرى كنا تناقضاً في دعوته حينما يناشد الرأي العام الأوروبي والعالمي بمساندة مسيحيي العراق ؟ كيف يطالبهم من هنا ومن الجانب الآخر ينصحهم بعدم التدخل في شؤون العراق .
وماذا يقول رابي يونادم حينما تجري صفقات بين الأحزاب الحاكمة ( شيلني وأشيلك ) فيطلق سراح مسجونين بموجب تلك الصفقات فأين اصبح حكم القضاء رابي يونادم ؟
ثاني عشر : لماذا لم يكن حماسك بنفس المستوى حينما قتل الأرهابي ذلك الطفل وهو يبكي في حضن والده في كنيسة سيدة النجاة ؟ اين القضاء العراقي وأين حكم القانون وأين حماسك ؟
رابي يونادم لا تنسى انك ممثل الكوتا المسيحية وليس الكوتا الآشورية او الزوعاوية .
حبيب تومي / اوسلو في 12 / 12 / 10