الأنبار قلعة التصميم لا التقسيم يا دعاة الإقاليم : الدكتور عمر الكبيسي
كاتب الموضوع
رسالة
Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61370مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: الأنبار قلعة التصميم لا التقسيم يا دعاة الإقاليم : الدكتور عمر الكبيسي الإثنين 20 ديسمبر 2010 - 5:29
الأنبار قلعة التصميم لا التقسيم يا دعاة الإقاليم د.عمر الكبيسي
2010-12-19
كنت قد كتبت اكثر من مقال حذرت فيه من مغبة الترويج لقضية الأقاليم والفيدرالية والتقسيم في عراق ما بعد الاحتلال، واعتبرت ان الرضوخ لهذا الهدف يعد من أشنع وأقذر مواقع الخيانة. العراق الذي كان مهد سبع امبراطوريات حكمت تاريخه العريق لا يمكن لمواطن عنده ذرة من نبل ووفاء ان يقبل او يعمل على تقسيمه الى دويلات طوائف وعرقيات ومدن او كانتونات. إن الإدارة الأمريكية والنظام الايراني والدولة الصهيونية في إسرائيل تتصارع من أجل الهيمنة على العراق ولا يجمعها شيء تتفق عليه الا قضية الترويج للمشروع الطائفي من أجل التقسيم، وأن الادارة الأمريكية لم تعهد بالسلطة للأحزاب الدينية والكردية إلا بسبب جاهزية هذه الأحزاب لتبني مشروع احتلال بهذه الصيغة. هذه الحقيقة بدت جلية من خلال ما اثبتته الأحداث لثماني سنوات مضت على الاحتلال تكاد تشكل مجمل ما يتفق عليه المحللون والمتابعون لمجريات الأحداث في العراق، وهي حقيقة جاءت بشكل موثق في تصريحات المحافظين الجدد الذين تبنوا مشروع قانون تحرير العراق، ابتداء من برنارد لويس وريشارد بيرل ورامسفيلد وبول وولفويتز ودوغلاس فيث، وانتهاء بجون بايدن. لقد تجرع نظام ولاية الفقيه حرب ثماني سنوات ضروسا ودامية من أجل اقتطاع البصرة والتأسيس لدويلة العراق الاسلامية فيها، وبدا ذلك جلياً حين تمكنت قواته من التقدم باتجاه البصرة في معارك نهر جاسم ومن ثم احتلال الفاو، ولم يتراجع الخميني ويتجرَّع في حينها السم بوقف الحرب في 8 آب/اغسطس عام 1988 الا بعد اندحاراته العسكرية في هذا القاطع الذي كان يطمع باقامة دويلته فيه. جاء احتلال العراق لينفذ لإيران ما لم تحققه لها حربا الخليج، من دون ان يراق لها دم جندي واحد فيه، وعوَّضت عن خسائرها المادية جراء حربها الطويلة بما درَّت لها اسعار النفط المرتفعة من أموال، والتي غطَّت أيضاً كل تكاليف توغلها ونفوذها من خلال دعم وتجهيز وتكليف أحزابها الطائفية المتحكمة في سلطة الاحتلال. أما إسرائيل التي اسقط مشروع الاحتلال أكبر امكانية عسكرية وعلمية تهددها في المنطقة متمثلة بالعراق وجيشه وكفاءاته، مما استدعى ان يقدم رئيس وزرائها في حينها الشكر والتقدير الى بوش الابن لحسن ما فعله بالعراق لصالح إسرائيل. يكاد يجمع المراقبون ووثائق ويكيليكس التي سرَّبت مؤخراً ان التوغل الصهيوني في العراق بعد الاحتلال لم يقتصر على شمال العراق فحسب، بل تجاوزه ليشمل هذا الوجود العراق بأكمله من خلال أجهزة المخابرات والتدريب وعناصر التنفيذ في مسلسل الاغتيالات والقتل والتدمير المستمر، ناهيك عن انشطتها التجارية الواسعة. من هذا المنطلق كرَّس بريمر حاكم العراق المدني في قانون إدارة الدولة ومن بعدها في دستور الاحتلال الخبيث، مصطلحات التشظي، كالاتحادية والفيدرالية والأقاليم وتسبب هذا في كل الصراعات السياسية التي أسست لها نظرية الفوضى الخلاقة خلال سنوات الاحتلال المنصرمة واللاحقة، التي أججت لدمار مهلك وصراع دامٍ وملتهب، من أجل فرض مشروع التقسيم وإذعان المتضررين وإغراء الحالمين والطامعين بالمناصب والمصالح بحيث يبدو هذا المشروع هو الحل الذي لا سبيل غيره للخلاص، كما روَّج له الكثير من المحللين والمعنيين بمستقبل العراق كالسفير كالبريث واندرسون وستانسفيلد وهولز وسبرنكبورج في كتبهم وتحليلاتهم المنشورة منذ وقت مبكر بعد الاحتلال. عندما كاد مشروع المقاومة الوطنية أن يسقط بمشروع الاحتلال وينهيه أواخر عام 2006، انطلق مشروع الصحوات الخبيث في أقوى قلاع المقاومة فعلا وصمودا، في محافظة الأنبار، للتصدي للمقاومة في حاضنتها بذريعة تصفية تنظيم القاعدة، وكانت زيارة بوش المباشرة الى المحافظة قاصدا ديوان مؤسس صحوتها (ابو ريشة) ليلتحق به، في ما بعد، اركان حكومته المنصبة في بغداد، زيارة مدروسة ومخططا لها ان تكون بمثابة تنصيب رسمي لأمير الأنبار وإشهارا رسميا وايذانا معلنا لمشروع التقسيم اللاحق، وقد تم بعدها تعميم مشروع الصحوات في جميع معاقل المقاومة الوطنية، تمهيداً لاقليم الوسط الذي اختاروا له عن قصد مصطلح المثلث السني المقاوم، خبثاً، لكنَّ صمود المقاومة وتحملها بمرارة وقساوة وضراوة نتائج هذا المشروع الخبيث (الذي طوق فعلها لفترة وجيزة) ونجاحها في تجاوزه أسقط فرضية واقع التقسيم وبرهن بوضوح على ان المقاومة مشروع التصميم للتحرير، فيما تساقط وتهاوى مشروع الصحوات بشكل متسارع، بحيث لم يعد لقادتها من مصير غير الموت أو الهزيمة في النهاية، وانهارت وسائل الاحتلال العسكرية المتعاقبة المتمثلة باقامة الحواجز والفواصل والجدران الإسمنتية وسيطرات المنافذ في أحياء العاصمة بغداد، وفشلت في تعميق فرضية التقسيم ولم تحظ شواخص الجدران بقبول جماهيري واجتماعي واحتسبت سجونا جماعية، من دون ان تحقق هدفا منشودا، وسرعان ما تمَّ ايقاف تنفيذها بل إزالتها. حين تتعثر امكانيات وابداعات عقليات قادة الاحتلال العسكرية بعزم المقاومين وفعل المناهضين وتقحم امريكا نفسها بحروب وصراعات عسكرية متعددة تكلفها معنويا وماديا خسائر جسيمة بسبب مقاومة الشعوب لتحدياتها، تضطر لتقليص وجودها العسكري كما حدث في العراق، وتعلن جدولة انسحاب نوعي لقطاعاتها، لا تجد من سبيل لإبقاء مشاريعها إلا من خلال التركيز على الصفحة السياسية المدعومة بقواعدها العسكرية وبالقوى العميلة التي تبنت عمليتها السياسية الخرقاء. لذا أصبح لا بد للادارة الأمريكية من التأكيد على ضمان طائفية المشروع وتفعيل عناصر الفوضى والارهاب فيه كي يعهد لهؤلاء المنتفعين دور تنفيذ مراحل التقسيم بخطوات سياسية خبيثة ومدروسة قبل تنفيذ موعد انسحابها، وهكذا تزامن موضوع الانتخابات الأخيرة والصراع على تشكيل الحكومة ومن ثم إضفاء دور المصالحة والتوافق لتشكيلها للقيادات الكردية المتحكمة مع سيناريو التقسيم وتصريحات مسعود البارزاني (مبتكر مبادرة تحقيق المصالحة والشراكة الوطنية) في اجتماع موسع لحزبه بالاعلان عن مرحلة تقرير مصير الشعب الكردي المستقبلية وحقه في تشكيل دولته الانفصالية، مما يشكل حالة ازدواجية واضحة في الربط بين حالتي الشراكة التي حققها وحتمية تقرير المصير بالانفصال. وفي الوقت الذي تشهر فيه سلطة الكرد مشروع تقرير المصير، تنشط دعوات التأسيس للأقاليم لتمتد الى محافظات السنة حتى لا تبدو الفكرة حكرا على الاحزاب الدينية الشيعية التي فشلت في تأجيج أقليم البصرة والجنوب. ولا غرابة ان يتبنى الحزب الإسلامي والصحوات وشيوخ وأكاديميون حالمون وطامعون من الذين رفضهم الشعب في الانتخابات الأخيرة ترويج التثقيف لإقليم الأنبار او إقليم الوسط في محافظات يسودها المكوِّن السني. لقد خسر الحزب الاسلامي قواعده وناخبيه في جميع المحافظات التي كانت له فيها سطوة وقواعد بسبب أدائه السيئ في توفير الخدمات وتبعيته بالفكر والتطبيق لإرادة المحتل، وأخيرا وضوح نواياه التقسيمية سعياً وراء تفرده بالسلطة والحزب وقيادته مخطئة ان كانت تحلم بذلك. كما عرَّت نتائج الانتخابات تشكيلات الصحوات وفشلها الذريع في تحقيق ما كانت تصبو اليه في مناطق تشكيلها من نتائج، فيما انحسرت في الجنوب مقاعد المجلس الأعلى ومنظمة بدر والفضيلة بسبب تطلعات قياداتها للتأسيس لإقليم الجنوب، على الرغم من محاولة التنصل من المناداة به قبل الانتخابات مما يعكس ردة الفعل القوية لدى الشعب العراقي من شماله الى جنوبه ضد التقسيم ودعاته. الذين يكشفون اليوم عن اطماعهم وتشبثهم بمصالحهم والذين تنكشف مصادر دعمهم وتمويلهم وتجنيدهم من خلال التثقيف لمشروع اقليم الأنبار أو إقليم للسنة متشبثين بشتى الذرائع الواهمة والخبيثة كفقدان الاعمار والأمن وحجم التضحيات وعمق المعاناة، يراهنون على مستقبلهم السياسي وانحدارهم الاجتماعي والعائلي ويرتكبون في فعلهم هذا أكبر جريمة في تاريخ العراق. في رسالة خاطب بها المؤرخ العراقي الراحل أ. د عبد العزيز الدوري العراقيين يحذرهم فيها من ثقافة التقسيم، يقول انها ظاهرة مستحدثة لا أساس لها في تاريخ العراق القديم والحديث سواءً كان فيها العراق قويا او حتى في حالات تعرضه للاحتلال، حيث كان العراق ينهض بكله ويحتل بكله ويتحرر بكله، كما أطلق الفقيه الاستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان فتواه الواضحة والصريحة بتحريم تبني الفيدرالية كنظام لإدارة العراق، ولعل العالمين الجليلين هما أبرز عالمين في التاريخ والفقه في العراق المعاصر من الذين يسمع خطابهم ولمقولتهم حكمة وصولة، يا ترى على أية قاعدة شرعية يستند الحزب الاسلامي بتبني الدعوة للفيدرالية وتأسيس الأقاليم؟ ووفق أي مشروعية تولى وبارك مشروع الصحوات الخطير، وما زلت أذكر جيدا كيف احتد الدكتور عبد الكريم زيدان في امسية بداري بداية عام 2007 في وجوه قياديين من الحزب على حرمة قتل اي انسان تحت مظلة اي واجهة، ان لم يكن القتل دفاعا عن النفس لفعل مشهود ومقصود، وكيف تصدى لشرعية قيام الصحوات وتبرير فعلها بقوة وبنبرات رادعة وصارخة، محذرا ومنبها، وما زالت نصوص ما نطقه من عبارات لدي مكتوبة وموثقة بشهود في تلك الأمسية. للأنبار بشكل عام وللفلوجة الباسلة سجلها المقاوم والمناهض للاحتلال سطرته الاحداث بأحرف المجد والفخارن كان فيه لأبناء العشائر والمساجد فعلهم ووقفتهم الجهادية الرائعة واحتسبت الفلوجة واحدة من اشهر مدن المقاومة صمودا في تاريخ المقاومات، ومازالت قبور شهداء الفلوجة والانبار تعبق برياحين الاستشهاد والاستبسال التي تعطر الانوف؛ فبأي سابقة وتحت أية ذريعة يذعن اليوم شذاذ الافاق ممن يتلقبون بالشيوخ والساسة والأكاديميين في محافظة الانبار لخطاب الاحتلال التقسيمي في التثقيف لمشروع اقليم الانبار او مشروع تشظي الانبار او مشروع اقليم الوسط السني؟ ان لكل ذرة تراب من ارض العراق من شماله الى جنوبه حرمة وقدسية الوطن الواحد الذي لا ينبغي التفريط بها لا فرق بين حفنة تراب يلوثها محتل في اربيل عن تلك التي تتلوث في البصرة او القائم. وحدة العراق وتحريره من الأدناس واجب وطني مقدس يستوجب الصمود والتحدي لا الخنوع والتخلي او الاستسلام والتشظي. مشروع الفيدرالية والتقسيم والأقاليم مشروع احتلالي صهيوني هدفه التركيع والتخنيع وتبنيه عمل خياني وضيع؛ فمتى سيدرك الجميع ان التقسيم داء فظيع به يتشظى العراق ويضيع؟
' كاتب عراقي
الأنبار قلعة التصميم لا التقسيم يا دعاة الإقاليم : الدكتور عمر الكبيسي