صراع الاستراتيجيات في الشرق الأوسط : الدكتور هيثم غالب الناهي
كاتب الموضوع
رسالة
البيت الارامي العراقي الادارة
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 10384تاريخ التسجيل : 07/10/2009
موضوع: صراع الاستراتيجيات في الشرق الأوسط : الدكتور هيثم غالب الناهي الإثنين 20 ديسمبر 2010 - 6:06
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
صراع الاستراتيجيات في الشرق الأوسط
شبكة البصرة
د. هيثم غالب الناهي
من أشهر بنود استراتيجية أوباما أثناء حملته الانتخابية عام 2006-2007م كانت إيجاد صيغة حلّ لمعضلة الشرق الأوسط. فالشرق الأوسط بأطرافه المتناهية الطويلة الابعاد والمتعددة الحروب والمناطق الساخنة لا تعني أنّها الأولوية التي قصدها أوباما؛ بل ما يعني بالسياسة الدولية واستراتيجياتها الطويلة والقصيرة الأمد هو إيجاد حلّ للقضية الفلسطينة التي يعتقد حسب آراء الأمريكيين؛ هي التي جعلت من نجمهم يأفل في المنطقة لدعمهم إسرائيل. فاوباما منذ اليوم الأوّل لحملته الانتخابية كان يطمح لإيجاد حلّ للقضية الفلسطينة دون رسم معالمها. ولم يكن أوباما الوحيد الذي يرى ضرورة إيجاد استقرارا في العالم يعزز من الخطط الاقتصادية وسهولة انسياق بيع الطاقة ووصولها إلى مصانعهم هو الوحيد الذي يؤكّد على القضية الفلسطينة وحلها؛ بل نرى حتّى تقرير بيكر-هاملتون عن وحدة الحلّ الكونكرسية للعراق في نيسان/أبريل 2007م قد جاء في بنوده أنَّ الحلّ في العراق لا يمكن أنْ يكون إذا لم توجد صورة حلّ لقضية الشرق الأوسط (القضية الفلسطينية) واعتبار قضية العراق وقضايا الشرق الأوسط وأطرافها وحدة واحدة. وبتقديرنا ان الذي لفت انتباه أوباما قبل أنْ يعتلي دفة الحكم للولايات المتحدة الأمريكية في يناير/كانون الثاني 2008م للفضية الفلسطينة وشباكها المعقدة هو وعود الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن. فهذا الأخير كان قد وعد مع حرب أفغانستان عام 2001 أنّه عام 2003م ستكون هناك ولادة جديدة لدولة فلسطينة جنب الدولة العبرية. إلا أنّه لم يحقق ما قاله لنجاح الاستراتيجية الإسرائيلة بعرقلة المشروع الأمريكي في المنطقة وحصار الفلسطينيين حصارا كارثيا مازال ليومنا هذا؛ جعل من العالم يتفرج فحسب. وحين جاء جورج بوش للدورة الثانية صرح ناطقاً بأنه سيسعى لتكون دولة فلسطينة مع نهاية عام 2006م؛ ففشلت استراتيجيته رغم اقتناعنا أنّه يصرح فقط دون رغبة. هذا الفشل الثاني لإعلان مخاض ولادة الدولة الفلسطينة جاء طبعا فشله بشن حربين قاتلتين مدمرتين للقضية أولها حرب لبنان في تموز/يوليو 2006 وثانيها حرب غزة في نيسان/أبريل 2008.
إنَّ أولى الخطوات في استراتيجية أوباما لحلّ قضية الشرق الأوسط كانت واضحة حين عين ميشل في اليوم الأوّل من استلامه للسلطة عام 2008م؛ ممثلاً له في الحوارات والمباحثات لغرض إيجاد حلّ للقضية الفلسطينة. وعلى الرغم من رحلات ممثله المكوكية في عهد أولمرت إلا أنّها لم تجد نفعاً ولم تحقق قصداً وفشلت في جعل الأطراف الفلسطينة المتناحرة أنْ تجلس معاً تارة؛ وفشل في جعل الفلسطينيين أنْ يجلسوا مع إسرائيل تارة أخرى. حيث استمر الحصار واستمر الاستيطان واستمر القصف العشوائي على غزة واستمرت إسرائيل في اعتقال الفلسطينيين دون سابق إنذار. فميشل وأن كان يضغط على الفلسطينيين للاستجابة عن طريق مصر وبعض الدول العربية الأخرى إلا أنّه كان غير مرحب به في إسرائيل وكثيرا ما تنتهي مباحثاته بالاستجابة إلى مطالب إسرائيل على الرغم من ضعف شخصية أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي وضعف إدارته أيضاً. وهو ما يبين لنا أنَّ الشخصيات المسؤولة في إسرائيل لا تعني التغير في استراتيجية البلد بل لربما إيقافها لفترة معينة ريثما تتحقق الفرص المناسبة. فأوباما بالرغم من إصراره بالضغط على إسرائيل لإقرار استراتيجيته الجديدة في الشرق الأوسط؛ إلا ان أنّه لم يجد بداً إلا تنفيذ بعض البنود الاستراتيجية الإسرائيلية والمتعلّقة بالضغط على الفلسطينيين بالقبول بأفل ما يمكن؛ تفعيل المبادرة العربية للاعتراف بإسرائيل؛ والضغط من خلال استمرار محكمة الحريري باتهام حزب الله وتجديد العقوبات على سورية وعلى السودان وغيرها من الدول العربية التي مازالت لا تجد مفرا الا بالتزام موقفها ضدّ إسرائيل.
حين انتخب نتنياهو رئيسا للكيان الصهيوني؛ تغيرت حدة الاتصالات الإسرائيلية الأمريكية؛ ويبدو أن كلاهما أراد أنْ يثبت وجوده وقوته وضرورة أنْ تستمر استراتيجيته في المنطقة. فأوباما على أبواب انتخابات تشريعية للكونكرس في نوفمبر عام 2010م ويريد أنْ يبقى الكونكرس ديمقراطيا ليتمكن من إقرار ميزانيات وقوانيين مشروعه السياسي. في حين أنْ نتنياهو كان يريد أنْ يعيد الثقة لدولة إسرائيل وكيانها العسكري بعد فشله في معركتين صارمتين على حزب الله وحماس. ففشل أوباما بالضغط على نتنياهو دفع الأول إلى الايعاز لبعض اصداقائه بإرسال بواخر السلام لكسر حاجز الحصار على غزة وكان أكبرها ما فعلته بواخر السلام التركية التي انتهت بالهجوم الإسرائيلي عليها ونجاح إسرائيل في إبقاء الحصار على الرغم من الصياح التركي الذي أراد لعب دورا وما هو الا امتداد لما تريده سياسة أوباما. حينها التجأ اوباما إلى الضغط على إسرائيل للجلوس في مفاوضات سلام مع الفلسطينيين وحل القضية. إلا أنْ تعنت نتنياهو وإصراره على الاعتراف بيهودية إسرائيل قبل الجلوس افقد اوباما صوابه واعلن بأن على إسرائيل الموافقة بالمفاوضات المباشرة خلال شهر وإلا سأدعوا لمؤتمر دولي في خريف عام 2010م (تشرين الأوّل (أكتوبر)/تشرين الثاني (نوفمير) وتكون قراراته ملزمة لإسرائيل الفلسطينيين. فكالعادة فرحت الأطراف الفلسطينية زكالعادة فكرت الأطراف الصهيونية؛ فقبلت بشروط إيقاف الاستيطان والجلوس المباشر في آب/أغسطس 2010 لأنّها كانت تتوقع أنَّ المؤتمر سوف لا يعقد لانشغال أمريكا بانتخابت الكونكرس؛ وإن تمّ عقده فليس قبل ربيع عام 2011م؛ أي أنَّ إسرائيل كانت تراهن على الوقت وسقوط الديمقراطيين في انتخابات الكونكرس؛ في حين اوباما كان يراهن على كسب الانتخابات والأطراف الفلسطينية تراهن على تناحرها واختلافها.
لم تأتي الانتخابات الأمريكية بالنتائج التي أرادها أوباما؛ بل جاءت وفق ما توقعته إسرائيل واستلم سلطة الكونكرس الجمهوريين المواليين للخطط الإسرائيلية في المنطقة؛ مما اعتبر نجاحا باهرا للاستراتيجية الإسرائيلية المبنية على حساب تمرير الوقت وتغيير السياسات. فلذا عادت اسرائل تدعو الان ليهودية إسرائيل واستمرار البناء الاستيطاني ومنحها مساعدات عسكرية غريبة المنال. ناهيك حتّى الطلب الأمريكي بإيقاف الاستيطان لمدّة ثلاثة أشهر قد سحبته الان وفقد الجانب الفلسطيني جلّ التوقعات التي كان يطمح أنْ تكون؛ فعادوا يستنجدون بالآخرين لدعمهم والآخرون نيام دون استراتيجية. على آية حال لم تقف الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة إدارة اوباما موقف المتفرج فشلت سياسته في الشرق الأوسط وإنهاء الاستراتيجية التي عمل على تنفيذها منذ اعتلائه منصب الرئاسة؛ بل بدأ مصرا عليها. هذا الإصرار بدا واضحاً من إصرار محمّود عباس بضرورة عدم الجلوس مع إسرائيل بمفاوضات مباشرة ما لم توقف إسرائيل استيطانها وتحديد ملامح المفاوضات ونقاطها قبل الجلوس. ناهيك عن قرار عباس الشجاع بحل السلطة الفلسطينية إذا لم يكن هناك حلالا للقضية؛ شاملا ومبدئيا ومبنيا على ما أتفق عليه في السابق. هذه النقطة في الواقع أربكت إسرائيل تماما لأنّها سوف تعيدها لما بعد أوسلو وهي قد رسمت استراتيجيتها على أساس حصرالفلسطينيين ببقعة أرض والتلاعب بأشلاء شعبهم وفق وعود ومتناقضات. وباعتقادنا ما قاله عباس كان ضمن ما وضعته الاستراتيجية الأمريكية للضغط على إسرائيل. ناهيك عن بروز أكبر ثلاثة دولة في أمريكا اللاتينية (البرازيل والارجنتين والاورغوي) واعترافهم بالدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967م وضمن ما قرره القرار الأممي الصادر عن مجلس الأمن 242. فاستراتيجية الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود وكيان شعب تغيّر مفاجيء وصراع استراتيجيات في المنطقة؛ مما يؤكّد إصرار إدارة أوباما على تفعيل استراتيجيته بإقامة الدولة الفلسطينة خلال فترة حكمه؛ خصوصا ان إعلان هذه الدول الثلاثة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية قد جاء مباشرة بعد لقاء مبعوثي اوباما برؤسائها.
الملفت للنظر أنَّ الدول العربية واصدقائها لم تحذو ما راحت إليه الارجنتين والبرازيل والاورغواي بالاعتراف بالدولة الفلسطنية على حدود 1967م ولم تطلب بأغلبيتها من الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالاعتراف بفلسطين كدولة على حدودها ضمن القرار 242؛ بل التزمت الصمت وحاربت المسار إعلاميا؛ لتبقى القضية الفلسطينة مادة ترويجية وقمعية بأيديهم ما دام حكمهم مبارك بقادة بني صهيون.
شبكة البصرة
السبت 12 محرم 1432 / 18 كانون الاول 2010
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
صراع الاستراتيجيات في الشرق الأوسط : الدكتور هيثم غالب الناهي