كان قد مضى نحو ثلاثين سنة منذ ولادة يسوع، وهنا نجد يوحنا المعمدان يظهر في المشهد، وموضوع كرازته : "توبوا عن خطاياكم ... ارجعوا إلى الله". ومعنى هذا أن نحول وجوهنا إلى الجهة المقابلة، أن تتحول 180 درجة، من حياة التركيز على الذات، الذي يؤدي إلى تصرفات خاطئة مثل الكذب، والخداع، والسرقة، والنميمة، والانتقام، والفساد، وخطايا الجنس، إلى إتباع طريق الله كما هي مدونة في كلمته. وأول خطوة في طريق العودة إلى الله، هي الاعتراف بالخطية، كما أكد يوحنا. وعندئذ يقبلك الله ويعينك على أن تحيا كما يريدك هو أن تحيا. اعلم أن الله وحده هو الذي يستطيع أن يخلص من الخطية، فهو لا ينتظر منا أن نطهر نفوسنا قبل أن نأتي إليه.
1- ملكوت السموات . اقترب ملكوت السموات عندما دخل الله نفسه إلى تاريخ الجنس البشرى كإنسان. فالمسيح يسوع يملك الآن في قلوب المؤمنين، لكن ملكوت السموات لن يتحقق تماما إلا بعد إدانة كل الشر الذي في العالم وإزالته. فقد جاء المسيح إلى الأرض أولا كالعبد المتألم، ولكنه سيأتي ثانية كالملك والديان ليملك ظافرا على كل الأرض.
2- النبي اشعيا و العهد الجديد . النبي الذي يقتبس عنه هنا هو النبي إشعياء (40: 3)، أحد الأنبياء العظام في العهد القديم، وأكثر الأنبياء الذين اقتبس عنهم في العهد الجديد. وكان يوحنا المعمدان نبيا، مثل إشعياء، حث الناس على الاعتراف بخطاياهم، والعيشة لله. وعلم كلا النبيين بأن رسالة التوبة هي خبر طيب لمن يصغون إليها ويطلبون غفران محبة الله ليشفوا، ولكنها خبر مخيف للذين يأبون الإصغاء ويرفضون مصدر رجائهم الأبدي.
3- يوحنا المعمدان يعد الطريق للرب يسوع . أعد يوحنا المعمدان الطريق للرب يسوع. والناس الذين لا يعرفون الرب يسوع، قد يحتاجون إلى إعدادهم لمقابلته. ونستطيع أن نعدهم بأن نوضح لهم حاجتهم إلى الغفران، وأن نظهر تعاليم المسيح في حياتنا، وأن نخبرهم كيف يستطيع المسيح أن يعطي حياتهم معنى. نستطيع أن نجعل السبل مستقيمة بتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تعطلهم عن الاقتراب إلى المسيح. قد يكون أحد معارفك منفتحا للتعرف على المسيح، فماذا تفعل لإعداد الطريق أمامه؟
4- يوحنا المعمدان و القادة الدينيين . لاشك أن يوحنا كان يختلف تماما عن غيره من القادة الدينيين في أيامه. فبينما كان الكثيرون منهم طماعين وأنانيين، مهتمين بأن ينالوا المديح من الناس، كان هم يوحنا أن ينال المديح من الله، وإذ فصل نفسه عما كان سائدا في أيامه من رياء، عاش حياة مغايرة للآخرين، ليبرهن أن رسالته رسالة جديدة، فلم يكرز يوحنا بناموس الله، لكنه عاشه.
5- مظهر يوحنا المعمدان . لابد أن مظهر يوحنا المعمدان كان غريبا! فقد كان يلبس ثيابا غريبة ويأكل طعاما غير المألوف. ولعل البعض جاءوا ليسمعوه من باب الفضول، وإذ استمعوا إلى رسالته القوية، تابوا عن خطاياهم. وقد يدفع الفضول الناس لمعرفة أسلوب حياتنا المسيحية وقيمنا، ونستطيع أن نستخدم هذا الفضول كنافذة يعرفون منها كيف غير المسيح حياتنا.
6- لماذا جذب يوحنا الكثيرين إليه؟ لقد كان أول نبي حقيقي على مدى أربعمائة عام. لقد شن هجوما عنيفا على الملك هيرودس والقادة الدينيين، وكان هذا جسارة منه فتنت عامة الشعب. كانت كلمات يوحنا للشعب قوية، إذ كانوا هم أيضا خطاة في حاجة إلى التوبة. لقد كانت رسالته قوية وصادقة، وكان الشعب في انتظار نبي مثل إيليا (ملا 4: 5)، وبدا أن يوحنا هو هذا النبي!
7- نهر الاردن . يبلغ طول نهر الأردن نحو سبعين كيلومترا، ويمتد الجزء الرئيسي منه ما بين بحر الجليل والبحر الميت، وتقع أورشليم على بعد نحو عشرين كيلومترا إلى الغرب منه. وكان هذا النهر هو الحد الشرقي لإسرائيل. وقد وقعت هناك معظم الأحداث الهامة في تاريخ الأمة. فعند نهر الأردن جدد بنو إسرائيل عهدهم مع الله (يش 1، 2). ودعاهم يوحنا المعمدان في نفس المكان أن يفعلوا نفس الشيء.
8- يوحنا يستخدم عملا رمزيا . عندما تغسل يديك القذرتين، تظهر النتائج فورا، لكن التوبة تحدث في الداخل، ولا يظهر التطهير في الحال، لذلك استخدم يوحنا عملا رمزيا يستطيع الناس أن يروه، وهو المعمودية. وكان اليهود قد استخدموا المعمودية علامة لقبول كل من يعتنق اليهودية، لذلك كان المستمعون ليوحنا على معرفة بهذا الطقس، الذي استخدمه يوحنا علامة على التوبة ومغفرة الخطايا. والتوبة معناها "الرجوع"، مما يعنى تغييرا في السلوك، إنها التحول عن الخطية إلى الله. فهل تبت عن الخطية في حياتك؟ هل يستطيع الآخرون أن يروا ما أحدثته التوبة فيك من تغيير؟ إن الحياة المتغيرة مع السلوك الجديد الذي يختلف عما مضى، يجعلان توبتك واضحة جلية.
9- انقسام قادة اليهود الدينيون . انقسم قادة اليهود الدينيون إلى فرق عديدة، وكان أشهر هذه الفرق الفريسيين والصدوقيين. وكان الفريسيون ينعزلون عن كل ما ليس يهوديا، ويتبعون بالتدقيق شرائع العهد القديم والتقاليد الشفوية التي تسلموها على مدى قرون طويلة. أما الصدوقيون فكانوا يؤمنون بأسفار موسى الخمسة (من التكوين إلى التثنية) باعتبار أنها هي وحدها كلمة الله. وكانوا ينحدرون في الغالب من عائلات كهنوتية عريقة، بينما كان الفريسيون ينحدرون من كل الطبقات. وكان الفريقان يكره أحدهما الآخر بشدة، ولكن كان كلاهما يقاومان الرب يسوع. وقد انتقد يوحنا المعمدان الفريسيين لناموسيتهم وريائهم، إذ كانوا يتمسكون بحرفية الناموس، لكنهم يتجاهلون مضمونه الحقيقي. وانتقد الصدوقيين لأنهم كانوا يستخدمون الدين لتأييد موقفهم السياسي.
10- يوحنا المعمدان يدعوا الناس الى اكثر من كلمات و طقوس . كان يوحنا المعمدان يدعو الناس إلى ما هو أكثر من مجرد كلمات أو طقوس، فقد طلب منهم أن يغيروا حياتهم، فالله ينظر إلى ما هو أبعد من أقوالنا ونشاطاتنا الدينية، ليرى ما إذا كانت حياتنا تؤيد أقوالنا، وهو يحكم على أقوالنا بما يصاحبها من أفعال، فهل تتفق أفعالك مع أقوالك؟ كما ينتظر من شجرة فاكهة أن تعطي ثمرا، هكذا يجب على شعب الله أن يعطوا محصولا من الأعمال الصالحة، فليس الله بحاجة إلى من يدعون أنفسهم مسيحيين ولكنهم لا يفعلون شيئا يدل على ذلك، مثل الكثيرين من الناس الذين كانوا في أيام يوحنا، فلم يكونوا شعب الله إلا بالاسم. ولا فائدة منا إن كنا مسيحيين بالاسم فقط، فإن لم يستطع الآخرون أن يروا إيماننا في طريقة حياتنا، فقد لا نكون أبدا شعب الله.
11- رسالة الله . لا تتغير رسالة الله منذ أيام العهد القديم، فسوف يدان الناس لأجل حياتهم غير المثمرة، فالله يريد منا أن نكون فعالين في طاعتنا. وقد شبه يوحنا الناس الذين يدعون أنهم يؤمنون بالله لكنهم لا يعيشون له، "بالأشجار غير المثمرة" التي يجب أن تقطع. ولكي نثمر لله يجب أن نطيع تعاليمه ونقاوم التجربة، وبكل نشاط نخدم رفقاءنا من البشر ونساعدهم ونخبرهم بما نؤمن به. فما مدى إثمارك لله؟ حبة القمح هي الجزء النافع من النبات، أما التبن فهو قشرة خارجية لا قيمة لها فلذلك يحرق التبن، أما القمح فيجمع إلى مخازن. وسيدان الناس غير التائبين ويلقى بهم خارجا إذ لا فائدة منهم في عمل الله، أما من يتوبون ويؤمنون فسيخلصون ويستخدمهم الله.
12- يوحنا يعمد الناس . كان يوحنا يعمد الناس علامة على أنهم التمسوا من الله أن يغفر لهم خطاياهم وأن هدف حياتهم قد أصبح الحياة حسب قصده. كانت المعمودية علامة خارجية، أما العلامة الحقيقية لتوبة الناس، فكانت تغيير حياتهم إلى الأفضل. ولم يكن ماء المعمودية هو الذي غير حياتهم، بل موقف قلوبهم في الباطن. وقال يوحنا إن الرب يسوع سيعمد بالروح القدس ونار، وفي هذا إشارة إلى ما حدث في يوم الخمسين (أع 2)، عندما أرسل الرب يسوع الروح القدس كألسنة من نار، ليمنح أتباعه القوة للكرازة بالإنجيل، كما أن ذلك رمز لعمل الروح القدس في إنزال دينونة الله على من يرفضون التوبة، فكل إنسان سيتعمد في يوم ما، سواء الآن بروح الله القدوس، أو في المستقبل بنار الدينونة.
13- يوحنا يعلن معمودية الرب يسوع . كان يوحنا قد أعلن أن معمودية الرب يسوع ستكون أعظم من معموديته، وإذ به يفاجأ بيسوع يقف أمامه ليعتمد منه! فلم يشعر يوحنا بأنه أهل لذلك. كان يريد أن يعمده الرب يسوع، ولكن لماذا يحتاج يسوع للمعمودية؟ لم يكن ذلك للتوبة عن الخطية لأنه لم يخطئ قط، لكن يسوع اعتمد للأسباب الآتية : (1) كان يعترف بخطية الأمة مثلما فعل نحميا وعزرا وموسى ودانيال. (2) كان يدعم ما كان يوحنا يفعله. (3) كان على أهبة الشروع في خدمته العامة. (4) كان يوحد نفسه مع عامة الشعب، وليس مع الفريسيين المتزمتين الذين كانوا يراقبونه. (5) كان يصور خدمته القادمة في الموت والقيامة .
14- تعليم الثالوث . إن تعليم الثالوث معناه أن الله ثلاثة أقانيم، ولكنه واحد في الجوهر. وفي هذا الفصل نرى الأقانيم الثلاثة موجودين وعاملين. فالله الآب تكلم، والله الابن اعتمد، ونزل الله الروح القدس على يسوع. فالله واحد ولكنه في نفس الوقت ثلاثة أقانيم. وهذا أحد أسرار الله التي لا تدرك. ويذكر الكتاب المقدس الأقانيم الثلاثة معا في (مت 28: 19 ؛ يو 15: 26 ؛ 1كو 12: 4-13 ؛ 2كو 13: 14 ؛ أف 2: 18 ؛ 1تس 1: 2-5 ؛ 1بط 1: 2).
15- هل نستطيع ان نفعل ما فعله يوحنا ؟ ضع نفسك في موقف يوحنا، فعملك يسير على ما يرام، والناس يلاحظون ذلك، وكل شيء ينمو، ولكنك تعلم أن الهدف من عملك هو إعداد قلوب الناس لقبول الرب يسوع (مت 3: 11 ؛ يو 1: 36)، وها قد جاء يسوع، ومعه الاختبار الصادق لأمانتك، فهل ستستطيع أن تحول أتباعك إليه؟ لقد فاز يوحنا في الاختبار بتعميده الرب يسوع علنا، وقال بعدها : "لابد أن يزيد هو وأنقص أنا" (يو 3: 30)، فهل نستطيع أن نفعل ما فعله يوحنا، بأن نلقي بذواتنا وعملنا النافع جانبا، لنقود الآخرين ليسوع؟ هل نحن على استعداد أن نفقد شيئا من وضعنا لفائدة الآخرين؟
حبيب حنا حبيب عضو فعال جداً
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :
موضوع: رد: متي (03 / 01 - 17) يوحنا المعمدان و معمودية يسوع المسيح الثلاثاء 28 ديسمبر 2010 - 20:16