الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61370مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: أ. د. سيّار الجميل :قباطنةٌ وقراصنةٌ السبت 15 يناير 2011 - 3:53
أ. د. سيّار الجميل :قباطنةٌ وقراصنةٌ
10/01/2011
القراصنة الجدد : طلاب الولاية
دعوني أتساءل : لماذا انتظر العراقيون وكل العالم ولادة تشكيلة وزارية بعد ولادة قيصرية في بغداد طول هذا الزمن ؟ لماذا خرج الأمر عن مخاض عسير من الترضيات والصراعات خالي الوفاض باعتراف اغلب العقلاء ؟ هل كانت التشكيلة الوزارية التي لم تكتمل حتى يومنا هذا معّبرة عن أمنيات كنّا ولم نزل ننتظرها .. أم أنها جاءت لترضي الأحزاب الحاكمة التي غدت سيدة العراق بلا منازع ؟ لماذا أهينت الديمقراطية أكثر من مرة وتجاوز الجميع على الدستور الذي صنعوه بأنفسهم وعلى مقاساتهم ؟ هل أتيتم بالرجل المناسب في المكان المناسب ايها القباطنة في الأحزاب الحاكمة .. علما بأن إقصاء متعمدا قد مورس ضد كلّ الأكفاء والمؤهلين لحمل المسؤولية من قبلكم ، حتى تضمنوا السيطرة على البلاد والعباد ، وانتم تدركون جيدا إن من سعى لكم من قريب أو بعيد هم من طلاب المناصب والولاية ، وكل هؤلاء يحشرون في السطح من القراصنة الذين عرفوا كيف السبيل الى نهب العراق وخرابه . كنت أراقب الحدث على شاشة التلفزيون وهو ينقل من مجلس النواب العراقي ، كي يتم التصويت على تلك التشكيلة غير الرشيقة التي دام الصراع من اجلها أكثر من ثمانية أشهر على الانتخابات العامة .. وبدا أنها اكبر تشكيلة من الوزراء في تاريخ العالم ! وقد اشترك فيها أناس غير معروفين الا من خلال ارتباطاتهم الحزبية .. كانت الأحلام كبيرة أن تنبثق وزارة ذكية ومتخصصة تجمع اكبر قدر من الفنيين والمختصين والخبراء والعلماء المستقلين بتوجهاتهم السياسية مع قوتهم العلمية وإرادتهم الوطنية .. ولكن بدا أن كل الأحلام قد تبخرّت وذهبت أدراج الرياح .. كان العراقيون يحلمون بتأسيس سلطة تنفيذية عراقية يجتمع فيها كل الأذكياء والخبراء والانقياء والنزهاء والأكفاء والمستقلين .. وأصحاب المواهب والتجارب والمعرفة بشؤون العراق ومشكلاته وما أكثرهم .. ليكونوا عونا له ولشعبه في فتح صفحة جديدة من تاريخه ، وليعملوا مثل خلية نحل ويسابقوا الزمن للأخذ بالبلاد نحو الإصلاح والتقدم السريع .. ولكن لا هذا حدث ولا ذاك حصل . القباطنة : أرادهم الشعب نعم ، كان العراقيون يتطلعون منذ سنوات طوال وعهود مضت إلى تشكيلة وزارية من أناس جدد لم تعرف الأوكار السياسية إشكالهم ولم تعرف الحياة الحزبية ولا الطائفية ولا الانقسامية أسماءهم .. نعم ، كان العقلاء من العراقيين ، وما اكثرهم ، ينتظرون ان تتألف الحكومة من شخصيات مستقلة عن الأحزاب والتكتلات والتيارات التي فرضت نفسها في الميدان باسم الديمقراطية منذ سقوط العهد السابق .. بل غدت بديلا عن الحزب الواحد الذي كان يقبض على أنفاس العراق ، جاءتنا اليوم عدة أحزاب يمسك الآن زعماؤها بعنق العراق .. هؤلاء الزعماء هم الذين انتخبهم الناس من دون انتخاب احزاب .. وعليه ، فليس من حقها ابدا ان تبقي نفسها ممثلة في البرلمان وبقائها في السلطة التشريعية ! الصدريون يتكلمون باسم السيد مقتدى ، والسيد المالكي جرف كل الأصوات باسمه بحيث أصبح اكبر من حزبه .. العراقية مّثلت عدة أسماء كبيرة جدا ممثلة باياد علاوي والنجيفي والهاشمي والمطلك والعيساوي.. انتخبتها الناس ولم تنتخب كتلة أو تحالفا ، وهذا ما حصل للحزبين الكرديين من قبل زعيميه الاثنين طالباني وبارزاني .. وعليه ، فان من حقق أعلى النسب في الانتخابات العامة هم ثمانية أو تسعة أشخاص فقط يتولون الآن أعلى المواقع في الدولة .. وكان المفروض أن تجتمع هذه " المجموعة " العليا على مبادئ جديدة لتقرر لها إستراتيجية معينة إن كانت فعلا راغبة في خدمة العراق وتخليصه من الأزمات ، وتشكّل وزارة تكنوقراط من مستقلين ومختصين ، كي تبدأ مرحلة جديدة بحيث تبعد الوزارة وهي أجهزة تنفيذية صرفة عن معادلات السياسة الداخلية وإيديولوجياتها ؟ وان تبعد المحاصصات بأنواعها العراقية عن تلك الوزارة .. وان تبعد كل إرادة غير عراقية في التدخل بشأن تشكيل الوزارة ! إن العراق سوف لن تنقذه هذه الأحزاب من مشاكله بكل ألوانها وارتباطاتها .. وسوف لن تخلصّه أبدا من الأزمات التي تحفل بها حياته .. وسوف لن تأخذه إلى الطريق السوي الذي يتطلع إليه كل العراقيين . إن التشكيلة الوزارية الجديدة التي ضمّت أسماء كلها مرتبطة بهذا الحزب أو ذاك التكتل والتحالف ، أجد أن اغلبها مع كل احترامي لها ، غير مؤهلة أبدا لشغل الحقائب الوزارية ، وان الرهانات كانت بائسة منذ اللحظة الأولى ، إذ أن من غير اللائق أن يجلس أصحابها على كراسي لم تعد لهم أصلا ! مع وجود استثناءات نادرة في هذا الجانب أو ذاك ! ومن المفجع أن التصويت الذي جرى عليها في مجلس النواب كان اغلبه بالإجماع وبالأغلبية الساحقة ! كان هناك احد الأصوات يعترض بقوة ، ولكننا لم نسمع ما الذي كان يقول .. لماذا هذه الديماغوجية العراقية ؟ هنا أسأل الأخوة النواّب: أليس من الاستخفاف بالعراق والعراقيين أن يكون إجماعكم بهذه الطريقة المضحكة على أناس غير مؤهلين أبدا لشغل هذه المناصب الوزارية ؟ أليس من المعيب أن تجمعوا على أشخاص انتم تدركون جيدا بأن هناك من هم أفضل منهم خبرة ونزاهة وذكاء وثقافة ؟ وان هناك من العراقيين المؤهلين حقا لإدارة شؤون العراق وقدرتهم الفذة في إعادة إصلاحه والانطلاق به نحو التقدم .. انتم تدركون جيدا ان هناك من العراقيين الذين لهم نظافتهم ونزاهتهم وقوة ثقافتهم وخبراتهم المتراكمة .. ولكنكم صفقتم لبعض لا يمتلك أي تجربة ولا أية خبرة ولا اية شخصية يمكن الخروج بها على العالم ! هل من الصواب أن يأتي إلى وزارة معينة شخص لا يمت بأية صلة إلى ميادينها وأجهزتها ومرافقها ولا يدرك كل تفاصيلها ؟ هل من الإنصاف أن تمنح وزارة خدمية أساسية في البلاد إلى شخص لا يمتلك شهادة ثانوية ؟ أليس من المعيب حقا أن تغّيب إرادة المثقفين العراقيين لاختيار من يمثلهم من اجل أن يرضى هذا او ذاك من السياسيين الذين يستحوذون على إرادة العراق اليوم ؟ لماذا كيلت كل الوعود من قبل هذا أو ذاك وهما يتنافسان على منصب رئاسة الوزراء.. ؟؟ وسمعنا خطبا ووعودا ، وقرأنا تصريحات بأن الوزارة ستكون قوية وستضم شخصيات مناسبة .. ولكن خاب ظننا وخاب ظن اغلب العراقيين ، عندما وجدنا كلّ من الاثنين يصفقان لوزارة أسموها بوزارة الشراكة ، أي بمعنى أن الكل مشارك في صنعها ، وما يجنيه هذا سيدافع عنه ذاك .. وسوف لن يحاسب الذين قصّروا في حكم العراق خلال المدة المنصرمة ! أو قل عنها اليوم أنها وزارة ترضية سياسية ومحاصصة طائفية ! وزارة لم تأت من اجل العراق والعراقيين ، بل من اجل إشباع رغبات حزبية أو شخصية .. إن الديمقراطية التي استخدمت مطية للوصول إلى السلطة ، للتحكّم بها ! فهل يعقل أن تقوم الدنيا ولا تقعد باجتثاث واستئصال احدهم باعتباره رجس من أتباع العهد السابق .. وفجأة ومثلما يزعل الأطفال ويتصالحون ، أو تتخاصم المومسات وتتراضين .. يأتي من اجتثوه على أيديهم ، ليغدو نائبا لرئيس الوزراء على أيديهم أيضا ؟ فإذا كان الجميع يتحرك وفق إرادات ، فالوزراء ستحكمهم أيضا ارتباطاتهم بالرؤوس الكبيرة ، ومثلما النواب محسوبون على أطراف معينة ، فالوزراء محسوبون ايضا ، فكيف سيقومون بتنفيذ سياسة برنامج وزاري موحّد ، وهم يسيّرون من قبل من يتحكم أصلا بهذه الدفة أو تلك الوجهة ، وفي قارب يكثر فيه القباطنة والقراصنة ، وهو تائه في بحر من الديماغوجية ؟ واخيرا : استحقاقات اخرى والمرأة العراقية تتساءل وبحرقة شديدة عن سر تغييبها عن تسنّم وزارات معينة ؟ ونحن نعلم بأن ثمة كفاءات نسوية عراقية كبيرة باستطاعة أي واحدة منهن أداء مسؤوليتها على أحسن ما يرام . هل يعقل أن العراق كان أول بلد في الشرق الأوسط يختار وزيرة في حكومته قبل خمسين سنة .. كي يغدو الأمر اليوم حكرا على الذكور ؟ صحيح أن كل الذين يتواجدون على الساحة ، هم من طّلاب المناصب والسلطة والنفوذ والمصالح الخاصة .. وأصبح أي منصب وزاري يباع ويشرى ضمن صفقة يتفق عليها هذا أو يساوم عليها ذاك .. بل ووجدنا أن هناك من تخّلى عن مبادئه السياسية وحزبه أو مجموعته وذهب إلى الخصم من اجل حصوله على منصب وزاري معين أو مصلحة بذاتها .. ولكن باءت جهوده بالفشل ، فالساحة العراقية اليوم يتمكّن فيها من يمتلك القوة والمال والميليشيا والارتباطات الخفية بأطراف معينة تحكم المعادلة .. ولم يلتفت احد أبدا إلى المبادئ أولا ولا إلى أصحاب المؤهلات الحقيقية والكفاءات المناسبة لهذا المنصب أو ذاك ثانيا ! أتمنى مخلصا على القباطنة الكبار ، أن يتخلصوا من القراصنة تماما .. وان لا يجعلوا العراق صنيعة بأيديهم .. إننا اليوم أمام تشكيلة وزارية عراقية أتمنى مخلصا أن تقدم جهودها من اجل العراق وإصلاحه وتقدمّه ، وان تحقق عشر معشار البرنامج الذي سمعناه على لسان رئيسها ، فهي محظوظة .. نتمنى أن تكون بأفضل من تلك التي غادرت ، وان لا تعود إلينا نفسها بملابس أخرى ! نشرت في الجديدة ، 8-9 يناير / كانون الثاني 2011 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل www.sayyaraljamil.com