ومريم لمن لا يعرفها، هي صبية اسكندرانية ودّعت عام 2010 وهي تدعو الله أن يقف بجانبها ويساعدها، لكن قبل دقائق من بداية العام الجديد تحوّلت هي واختها وأمها وخالتها، إلى أشلاء على يد أعداء الله والانسانية. اعذروني، أشعر بالقرف، قبح من نوع خاص يتلبسني، سواد بلا ملامح يملؤني، وقذارة تفوح رائحتها تلطخني.. اعذروني، أكتب بحبر له لون الدم، وربما طعمه. اعذروني، فالكلمات أيّ كلمات تبقى قزمة. لا أدري من أين أبدأ، أمن العمليات الانتحارية في باكستان وأفغانستان والعراق ضد حسينيات ومساجد (كانت) آمنة، أم من تفجيرات الكنائس وذبح القساوسة والتهجير الذي يعانيه المسيحيون العراقيون، أم من كنيسة القديسين في الإسكندرية والجريمة البشعة التي راح ضحيتها أبرياء كل ذنبهم أنهم كانوا يتعبدون ربهم ليلة عيد؟ كتبوا، وشجبوا، وندّدوا! ألقوا خطباً رنانة، كرروا «الكليشيهات» الممجوجة في شجب ما حصل ويحصل، وقفوا دقائق صمت، وأعلنوا الحداد. ثم ماذا؟ من نلوم؟ فلنعترف.. كلنا ملامون، وكلنا مجرمون، وكلنا ملطخون بدماء الأبرياء. نعم.. كلنا إرهابيون.. كل أمّ لم تربّ. ابنها على قبول زميله المختلف عنه مذهبيا أو دينيا او عرقيا. كل أب نبس بكلمة تحقير بحق أبناء الديانات والمذاهب الأخرى. كل مدرس علّم تلاميذه التزمّت والتطرّف. كل تربوي وضع مناهج تعليمية إقصائية تنبذ الآخر. كل مسؤول قبل وسكت عن التعصّب الديني. كل إعلامي حرّض على التفرقة المذهبية والدينية عبر وسيلته الإعلامية. كل كاتب لم يفضح مآرب الإرهابيين والمتطرّفين من جميع الأديان والمذاهب. نعم.. كلنا إرهابيون.. كل مجتمع عامل المسيحيين كلاجئين وليس كمواطنين وأصحاب حق. كل شيخ دين أخفى أحاديث الرسول وآيات القرآن التي تحضّ على التعايش المشترك. كل شيخ آخر دعا أتباعه لكره أهل الذمة وبغضهم ومحاربتهم. كل نائب في مجلس الشعب رفض بناء كنيسة أو حسينية أو مسجد. كل جهاز أمن تقاعس عن حماية شعبه بمختلف أطيافه. كل مسؤول قبل بالهوس الديني لأي جماعة أو مذهب أو دين. كل من صمّ آذانه عن دعوات المسيحيين للمحبة. كل فضائية تدعو إلى التطرف والتشدد الديني. كل مجتمع سمح بإراقة دماء المسيحيين لأغراض سياسية ودينية. كل سياسي ساهم في تهجير المسيحيين من أوطانهم. كل دولة عاجزة عن توفير الأمن والأمان لمواطنيها بمختلف مشاربهم. كل من علّق كوارث وطنه على شماعة «الجهات الخارجية والصهيونية». وبالتأكيد كل من تناسى قوله تعالى: «من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين». فلنعترف.. كلنا مجرمون، وكلنا إرهابيون.