لا يختلف أكثر المتابعين للمشهد العراقي في تأشير ظاهرة إتساع إقامة الطقوس العزائية في المناسبات الدينية بشكل يخرج عن المألوف أحياناً، ويبدي مثقفون استغرابهم من تعاظم المشاركة الجماهيرية التي تتسبب في إغلاق الشوارع وتشل الحياة الاقتصادية قبل أسبوع تقريبا من موعد المناسبة، إذ غالباً ما تتعطل المراكز التجارية، ويتوقف العمل أحيانا حتى في مؤسسات الدولة التي تنتشر على جدرانها وأبوابها الرايات والصور مثلما تنتشر في الشوارع الرئيسة، ويمنع سير السيارات على الخطوط السريعة والشوارع المهمة من اجل تأمين الوضع الأمني للزائرين المتوجهين إلى المراقد الدينية كما يحصل هذه الأيام في زيارة الأربعين.
ويقول الباحث والإعلامي مازن لطيف إن من واجب الدولة تنظيم هذه الممارسات بشكل لا يجعلها تؤثر على الحياة العامة، مشيراً الى ان في كل مناسبة دينية تغلق المحال التجارية وتتوقف الحياة لأكثر من أسبوع، وما في ذلك من مردودات سلبية على حركة أعمار البلاد. ويؤكد لطيف على ضرورة تدخّل المراجع الدينية لأجل نشر ثقافة تنظيم إقامة تلك العزاءات، أو السير على الأقدام إلى المراقد بعشوائية أخذت تربك حركة السير، ولفت الى ان من المهم التذكير باحترام توجهات وحريات الآخرين ومعتقداتهم الدينية والثقافية.
ويجد الكاتب والباحث توفيق التميمي إن من الضروري دراسة هذه الظاهرة للزحف المليوني من الناس والتي تخرج من مدن ومناطق فقيرة، بإعتبارها ظاهرة اجتماعية ونفسية وليست حالة استذكار وجداني فقط، مؤكداً على على ضرورة ان يتعمق المثقف العراقي في البحث في تلك الطقوس المتعاظمة وسط حالة فقدان الأمن وغياب الخدمات وانعدام وسائل الراحة. ويلفت التميمي الى ضرورة أن يجري التثقيف بلعب دور مهم واستثمار طاقة هذه الجموع من اجل احتجاج منطقي ومدروس ضد الظلم وغياب العدالة ونقص ابسط الخدمات، لا من اجل سكب الدموع والحزن على ابطال استشهدوا في معارك مصيرية قبل قرون من الزمن.
ويعزو الباحث الإسلامي احمد القبنجي رئيس ملتقى الفكر الإسلامي المعاصر، سبب إتساع هذه الظاهرة إلى تأثير الأحزاب الدينية المتنفذة التي يرى أنها تحاول تسييس حتى الشعائر والطقوس الدينية من اجل تجهيل الناس كي يكونوا في حالة غياب عن مطالبهم المشروعة وكي يصبحوا بمعزل عن العقل في تدبير أمورهم، بشكل يخدم مصالح تلك الأحزاب ومسك زمام الدولة بلا معارضين جادين، وبلا متابعة حقيقة من قبل شعب واعٍ يعرف قيم الدين ويسير على نهج الأولياء المنتصرين للحق من خلال استلهام أفكار الثورة الحسينية وليس الركون الى طقوس شكلية يسود فيها الجانب العاطفي على استخدام العقل.