الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61370مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: العراق : نهب ومصادرة ومفاصلة الخميس 11 فبراير 2010 - 21:05
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
العراق : نهب ومصادرة ومفاصلة
شبكة البصرة
بقلم توجان فيصل
أحجمت لفترة طويلة عن الكتابة عن الأوضاع في العراق بعد تولي من أتوا للحكم على ظهر الدبابات الأمريكية، أو لاحقا في شاحناتها، عملا بمثل شركسي يقول "تحريك المياه العادمة لا يفيد سوى إطلاق روائحها".
ولكنني عدت لأكتب، ليس فقط عن غياب "المنطق" السياسي البدهي عن الجنون الجاري في العراق باسم "العملية الديمقراطية"، بل عن عمليات تصفية أو بتر بالمعنى الحرفي الجسدي يراد لها أن تتحول لبتر الفكر على طريقة "محاكم التفتيش"، وحملات "حرق الساحرات" التي دخلت التاريخ من أسود وأسوأ أبوابه.
والقضية هنا تهمني من باب الحرص على العراق العظيم، ولكن أيضا من باب احترام العقل الذي يميز البشر عن بقية المخلوقات. وما يستفزني للكتابة ثانية عن نفس الموضوع أن مسؤولا في سدة الحكم في العراق خرج علينا ليصرح من على الفضائيات، مبررا ما يجري من إقصاء سياسي وموضحا الحكمة منه بقوله إنه "يجب التفريق بين حكم البعث وفكر البعث.. نحن لا نوافق على فكر البعث لأنه فكر استبدادي.. الخ"!!.
صدق أو لا تصدق، الرجل يؤكد كل ما ذهبنا إليه في مقالتنا "نذر القيامة" من أن ما يجري "اجتثاث للفكر" بالمبضع، وليس حتى اعتراض على سياسة تطبقه قد يملك أي متضرر أن يصفها بأنها استبدادية.
بل إن غياب المنطق عن طريقة تفكير هؤلاء، إن قول الرجل(وصدقا لا اذكر من هو لأن جمعا من الكمبارس ظهروا فجأة على المسرح العراقي المستباح من قبل مرتزقة الجيش الأمريكي)يؤكد أن لا عيب، ناهيك عن جرم، يمكن إلصاقه بممارسة النهج البعثي في الحكم يبرر عقوبة نزع حقوق مواطنية اساسية كالترشح او الانتخاب، وهو ما لا يجوز إلا في حالة جرائم فادحة تحددها القوانين بدقة كما تحدد بدقة وتمحيص أعلى وسائل إثباتها وآليات الطعن في قرار حجب الحق المواطني الدستوري.. هذا بالطبع في أي دولة قانون، وحسب "منطق" القانون وليس حيث قانون ولا منطق ولا اشياء كثيرة جعلتنا ننفر من مجرد التعامل مع هكذا وضع.. لولا الصدمة التي يستشعرها عقلنا المجرد، والألم الذي يعصر قلوبنا كوننا نعرف أن شعب العراق العريق يستحق حتما غير هذا.
ولا يتوقف فقيه الحكم عند هذا، بل هو يضيف (غير مؤكد أن هذا يضمن إعادة السماح لمن تم إقصاؤهم بالترشح) أنه كان بإمكان هؤلاء ان يخرجوا على فضائية- او منبر آخر- ليقولوا نحن ارتكبنا جرائم في حق الشعب العراقي ونعتذر!!!
هو لا يملك دليل فعل جرمي بعد كل ما جرى باسم محاكمات لكل رموز الحكم السابق بحيث شهد قانوني والعالم كله أن هذه المحاكمات مهزلة وجريمة استعمار في حد ذاتها، لا بل ولا دليل على "استبداد بالرأي "كان يمارسه الحكم البعثي، بديل أن المتحدث ربط الإستبداد بالفكر البعثي ذاته، وليس بالتطبيق كما قيل في شأن ايديولوجيات كثيرة اخرى منها الإسلام السياسي ذاته.
ولهذا فالمتحدث يريد اعترافا طوعيا وعلنيا، وعلى مجموعة جرائم وليس جريمة واحدة، هي حتما القائمة التي حملت للمحاكمات الهزلية تلك ولم تقدم فيها بينة واحدة دامغة ولا صمدت أمام استجواب منطقي.. والأرجح ان المتحدث يتذاكى ويعتقد انه قادر على استخلاص هكذا اعتراف بتوقيع "على بياض"، تقوم مجموعة الحكم بملئه بكل هذا السواد الذي تدفق مع مجيئهم على متن دبابات الاحتلال بحيث نفرنا من مجرد تناول حقبتهم حتى بالتحليل العلمي السياسي.. ولكنه سيحفز العراقيين حتما من المحاسبة عليه في محاكم تستحق هذه التسمية.
وهذا يعيدنا ثانية لما يسمى "بالقضاء العراقي". الذي يفترض ان ما اسمي بـ"هيئة التمييز" جزء منه، لننظر في درجة مهنيته واستقلاله، كما تتبدى من أحاديث حكام العراق الجدد. فقبل بضعة ايام سمعنا مقولة لحكام العراق، ولا يستبعد أن يكونوا جزءاً مما يسمى هيئاته القانونية، كون المتحدث يتيح لنفسه إطلاق أحكام "تمييزية" مفادها أن من قامت كتلهم واحزابهم باستبدالهم بمرشحين آخرين في قوائمها لايحق لهم الطعن في منعهم من الترشيح!!
منع الترشح والطعن في هذا المنع، كلها إجراءات يفترض أنها قانونية. والقانون علم وله فقهه ومنطقه وليس حديث هوى ومصالح إلا في حكم قراقوش. ومن مستلزمات عدالة الإجراءات، بل ومجرد "قانونيتها" أن يتاح للمتضرر الطعن فيها. والحقوق هنا فردية أساسا، حتى وإن كانت تطال جماعة أيضا (كحزب أو جمعية او غيرها) ، فإن حق المجموعة لا يتناقض مع حق الفرد.
ومن حق الحزب او التيار أن يضع بدلاء لمرشحيه أثناء قيامه بالطعن في استثناء هؤلاء المرشحين، وذلك كي لا يفقد حقه في كامل المقاعد التي يحق له الترشح لها ضمن أية تقسيمات إدارية في قانون الانتخاب.. خاصة حين يكون استبعاد بعض المرشحين جرى كيديا بقصد اللعب في الوقت المتبقي بخلق أمر واقع وتثبيته، كما يحدث في الانتخابات العلمثالثية عادة مما لا يقع توصيفها لا في خانة الديمقراطية ولا حتى في خانة سيادة القانون أو حتى فقهه.
وإذا أنتج الطعن استرداد المبعدين حقهم في الترشح، فمن حق الحزب او التيار إعادة أسمائهم للقائمة، بل ومن حق هؤلاء على حزبهم ان يعيدهم.. تماما كما ان كامل حقهم الفردي في الطعن في استبعادهم لا يلغيه لا استبدالهم في قوائم حزبهم ولا قيام او عدم قيام الحزب بالطعن باعتباره متضررا هو أيضا كهيئة اعتبارية من القرار.. فالحق الشخصي في كل قوانين العالم لا يملك أن يسقطه أحد غير الشخص نفسه.
أمر ثالث ورد في تصريحات "فقهاء" الحكم هؤلاء، وهو مما نقلوه عن "الهيئة التمييزية".. هيئة قضائية يتاح لأي كان في السلطة التنفيذية التصريح باسمها وبهكذا فحوى ولا تفعل شيئا!! طبعا تبين الأحداث الصريحة أن الحكم أنذر وهدد الهيئة التنفيذية علنا ووضع لها سقوفا زمنية من عنده، ناهيك عما فعله بها بالسر.
التصريح يقول إن الهيئة التمييزية غيرت قرارها لأنه تبين لها أن" أعداد مَن كان جرى إقصاؤهم لم تكن كبيرة كما ظنوا في البداية"!!! الأعداد التي أعلنت في البداية كانت تراوح حول ألف وثلاثمئة ممنوعين من الترشح، ثم نزلت إلى خمسمئة، وبعد آخر "مفاصلة" قد تكون رست على ثلاثمئة ونيف.. والمفاصلة ليست على رؤوس غنم، بل على رؤوس قيادية تترشح لمنصب لا يقل عن النيابة، المفضي بدوره للوزارة بل ولتشكيل حكومات في البلدان الديمقراطية. وهؤلاء ممنوعون بالذات لأن فرص فوزهم قوية بل وشبه مؤكدة كما رشح من أقوال مانعيهم وفي تسبيب المنع.. والنتيجة ان "هيئة قضائية تمييزية"، لا أقل، تعتبر أن زائد أو ناقص ثلاثمئة مرشح قد يخرج من بينه مئتان او مئة أو حتى عشرات النواب لشعب وبلد يقف على اخطر مفصل في تاريخه منذ قرون، لا يحدث فرقا.. ونحن لا نتحدث فقط عن حقوق ألف وثلاثمئة او ثلاثمئة مواطن مما يخجل صبي من التفريط بها لو حكّم في نزاع صبية في ملعب على قارعة الشارع، بل عن حقوق وطن!! وفي أمريكا ذاتها التي شحنت هؤلاء القيمين على العراق كعمال التراحيل ليقوموا عنها بالمهام التي تريد ان تغسل يديها منها، خسارة الحزب الديمقراطي لمقعد واحد في الكونجرس هزت هذا الحزب الحاكم، بتاريخه الذي يشمل أقوى رؤساء أمريكا وأكثرهم كارزماتية وحضورا يتجاوز حدود بلادهم ، انتهاء بأوباما الخارق لكل صعوبات الانتخاب التاريخية في أمريكا.. والسبب ليس فقط الخسارة المعنوية للحزب، وليس فقط لخسارتهم للأغلبية في مجلس الشيوخ، بل لأن هؤلاء يعرفون أن صوتا واحدا في الكونغرس يحدث فرقا.. بل إن صوت ناخب واحد يحدث فرقا لديهم.
اكتفي بهذا، ولكنني آمل من السادة القانونيين العراقيين والعرب وكل من يحترم القوانين في العام كله ، وكل من يحترم عقله، أن يدلوا بدلوهم كي نفرغ العراق من تلك المياه العادمة، بدل أن تضطر القلة التي تعرف غضبة الحق كما تعرف غضبة العقل والمنطق حين يجري التجرؤ عليهما بهذا الشكل الفاضح، أن تضطر لما لن يزيد على تحريك تلك المياه وزكم الأنوف.