علي السقا - في «القوافل/ رحلات الإرسالية الأميركية في مدن الخليج والجزيرة العربية 1901 ـــــ 1926» لا يبتعد خالد البسام عن موضوعه الأثير في عرض تاريخ البحرين والخليج عموماً. الكاتب البحريني يعدّ ويترجم هنا، مجموعة نصوص ومراجع قيّمة كتبها المبشرون في بلدان الخليج، وصدرت طبعتها الثالثة عن «دار الأمل» أخيراً. نصوص تكشف عن السيرورة التاريخية لما قبل الحداثة في منطقة البحرين والخليج العربي. فقد تجاوزت طموحات الإرساليات الأميركية «مجرد بيع الإنجيل في الأسواق»، لتشهد منطقة الخليج «تحدياً حضارياً بين مبشرين أطباء تقف وراءهم مؤسسات تدعمهم مادياً ومعنوياً، وبين شعوب بسيطة أميّة متواضعة تقدِّس معتقداتها». الرحلة التبشيرية التي قام بها بيتر زويمر إلى جدة عام 1891، ستكون فاتحة لأخريات شملت منطقة الخليج، ليحذو حذوه جيمس مويرديك عام 1901. في أحد نصوص الكتاب، يعرض مويرديك مشاق رحلته التي انتهت «ببيع 218 نسخة من الإنجيل». ويظهر من قصص المبشرين أنّ عدداً منهم كان على علم بطبيعة البلاد التي سيزورونها، حيث القبائل المتحاربة في ظلّ سلطنة عثمانية آخذة في التآكل، وتفشي الأميّة، وغياب الرعاية الصحية. لكن كيف تعاطى أهل البلاد مع الإرساليات؟ من روايات المبشرين نستخلص أن ردود فعل السكان كانت متفاوتة، وأنها غالباً ما عبّرت عن حميّة دينية تقليدية. فها هو الطبيب شارون توماس يذكر كيف طلب إلى مرافقه في الشارقة أن يقرأ على مسمع حشد بالقرب من العيادة «مختارات من الإنجيل بصوت عال حتى يتأثر هؤلاء الناس ويخرجوا من الظلمات إلى النور». وللمفارقة لم يُعق أحدهم حركة توماس التبشيرية تلك! كان هذا المبشر تماماً كالذين سبقوه قد حكم سلفاً على مجتمعات لا يعرفها: «فوجئنا في الشارقة بأشياء توقعنا وجودها ولم تكن موجودة. الأوضاع ليست كما كنا نتصورها في أميركا». من جهتها ترسم المبشرة إليانور تايلور صورة قاتمة للنساء في المنامة عام 1910 بقولها: «ذهبنا إلى العيادة وشاهدنا أكواماً سوداء جاثمة على الأرض، فتساءلنا هل هن نساء؟ انتظرنا ثواني كثيرة قبل أن يختلسن النظر من وراء حجابهن الأسود ليتأكدن من أننا نساء لا رجال... وبغير المرض فإن المرأة من الصعب أن تظهر جمالها هنا. فهي تبدو كبيرة في السن، وإن كانت صغيرة جداً، وفي معظم الأوقات تبدو كأنّها بائسة ومريضة».
القوافل : رحلات الأرسالية الأمريكية في مدن الخليجوالجزيرة العربية 1901 - 1926