منذ نشاة المسيحية وإنتشارها في الشرق وحتى يومنا هذا توالت الإضطهادات والمضايقات ضد شعبنا المسيحي رغم إنتمائه لدين كله سلام ومحبة وتسامح ، فاضطرّ الى الهجرة والترحال قاصدا أماكن و بلدانا آمنة خوفا من ظلم الولاة والملوك والحكام وهربا من الغزوات والفتوحات ،وتحاشيا من الأرهاب والتعصب الديني، وأحكام اهل الذمة وهربا من الحروب والحصار.
يشهد التاريخ أن ارض الرافدين بطولها وعرضها ، من البحر حتى النهر ، شرقا وغربا من أراضي روسيا وحتى الخليج شمالا وجنوبا كانت ملك شعبنا المسيحي أبا عن جد ، لكنه تعرض للسيف والإضطهاد فهرب وهُجّر قسرا مرارا عديدة .
آثار بقايا مئات الأديرة في العراق فقط ، وحدث ولا حرج عن الأديرة في البلدان المجاورة كلها تشهد أن الشرق كله كان وطنهم ألأم .
في الأخير اضطرّ شعبنا الى الهجرة نحو بلدان الغرب – أوربا والولايات المتحدة الأمريكية ، إستقر فيها ،عمل وإشترى وبنى وغرس جذوره عميقا إذ إنه شعب ذكي مجتهد مكافح يكد ليل نهار في الثقافة و البناء والتعمير ، تعلم اللغة الإنكليزية سريعا و بطلاقة ،عرف قوانين البلد ونظامه ، فدخل معترك الحياة يعمل ويدرس معا ، مندمجا مع اهل البلد في كل مجالات الحياة حتى وصل بأن لا تفرقه من إبن البلد الأصيل .
رغم كل هذا يبقى إبن جاليتنا المسيحي محتفظا بخصوصيته المسيحية الشرقية ألأصيلة ، له تقاليده وقيمه وأخلاقه وعاداته ، احتفظ بها رغم تواجده وإندماجه في وسط امريكا بلد الحرية والتمدن والتطور.
بقي إبن جاليتنا محافظا ايضا على إيمانه وقيمه الإنجيلية ومتمسكا بتراث دينه وكنيسته الرسولية الكلدانية الشرقية ، يمارس طقوسه الليتورجية من خلال الأسرار التي تواكب مسيرته وحياته الإيمانية .
بقي لنا ان نفكر ماذا سيبقى لأولادنا واحفادنا ولأولاد احفادنا من كل ما قلناه أعلاه بعد عشرين او ثلاثين او خمسين سنة . اليوم نحن المعاصرون لنا على عاتقنا مسؤولية فلذات اكبادنا حاضرهم ومستقبلهم والعمل بكل ما اوتينا من إمكانيات للحفاظ على ايمانهم واخلاقهم وقيمهم وتراثم والسعي الحثيث لمنع إنصهارهم في المجتمعات الأمريكية ،والحفاظ على هويتهم المميزة .
المطلوب منا ان يكون لنا بدل العينين اربعة عيون مفتوحة وبدل عقل واحد عقول كثيرة مفكرة لترى وتدرس وتفحص وفي النهاية تقرر وتخطط لترى :
أين كنا؟ وماذا كان لنا ؟ واين نحن ؟ وماذا بقي لنا ؟ وماذا سيبقى لنا ؟
– أين كنا ؟: نعرف جيدا بلدنا الأم وكم هو عزيز على قلوبنا فيه كل ماضينا وتراثنا، فيه عظام آبائنا واجدادنا وشهدائنا وقديسينا ولا زالت فيه آثار كنائسنا وأديرتنا ، فيه قرانا وأراضينا التي فيها ترعرنا وتربينا ومن هناك اخذنا إرثا كبيرا وقِيَما لا تُنسى. كنا في بلد (واحد يعمل وعشرة يأكلون) كنا اسياد اراضينا وعملنا .
كنا في محيط شرقي ، بعيدين عن الحضارة والتقدم ، تربينا في محيط ضيق الآفاق والرؤية ،مرتبطين بتقاليد قديمة متوارثة منها بالية وخرافية . متخلفين عن قطار العلم السريع ،كثير منا ظلوا قابعين في متاهات الجهل والتخلف بعيدين عن الحضارة والثقافة والعلم ، نعيش في بلد تلاطمه امواج السياسة وتمزقه انياب الطائفية والتعصب .
- ماذا كان لنا ؟ : من كل ما هوإيجابي فهو إيمانا القويم وديننا الحق وكنيستنا الرسولية وأخلاقنا العالية وقيمنا الثمينة وعاداتنا الحلوة وتراثنا الجميل وتقاليد آبائنا العريقة .
- أين نحن ؟ : نحن ألآن في بلد غريب يفصلنا عن بلدنا الأم آلآف الأميال ، أسمي هذا البلد بحرا هائجا تعلو فيه الأمواج صعودا ونزولا تلاطم من فيه، وألقينا وسط هذا البحر بدون مراكب ولا سفن ولا وسيلة إنقاذ ، كل واحد مسؤول عن إنقاذ نفسه، وكل الإعتماد على السباحة الذاتية ، والطامة الكبرى هناك من أبناء الجالية لا يعرفون السباحة ، وهم اصلا يهابون البحار والماء ، فغرقوا ولم يكن من ينقذهم ويسعفهم وبكل أسف اقولها المئات اليوم في السجون . فتصور ايها القارىء العزيز الخطر الكبير المحدق بنا .
نحن في بلد فيه تطور كبير تكنولوجيا وعلميا ، يسيّره نظام وقانون صارم ، تختلف لغتهم عن لغتنا وتختلف عاداتهم وتقاليدهم عن عاداتنا وتقاليدنا .طريقة تربتهم لأطفالهم مغايرة عن طريقة تربيتنا لأطفالنا ، لا يظرب الطفل بتاتا عندهم ، حر في ما يعمل ، يترك الولد والديه بعد الثامنة عشر من العمر ليأخذ مسؤوليته في الحياة ، من الطبيعي في مجتمعهم أن يكون للمراهق صديقة وللمراهقة صديق، ليس لهم مفهوم الحفاظ على الشرف عند الفتاة ، نلاحظ التفكك العائلي قد طغى في مجتمعم، ترى الطلاق 75% متفشيا بين العوائل ، بلد (يسمح الأجهاض ) ، وأولاد (الحرام ) كما نسميهم كثيرون ومسموح به . نحن في بلد (عشرة يعملون ولا يكفي للمعيشة ) إذا الكل يعمل الأب وألأم وحتى الأبناء ، وإذا عمل الأب وألأم فهناك إهمال في تربية الأطفال ومعنى ذلك أن لا دفىء في العائلة .
- ماذا بقي لنا ؟ : رغم أن كثيرين خسروا كل شيء ، ولكن هناك أشخاص من شعبنا يشرفوننا وهم فخرنا وعزتنا حافظوا على كل ما كان لنا في بلدنا ألأم من قيم وإيمان وأخلاق عالية وهو إرث ثمين وغال إذا خسرناه خسرنا كل شيء .
- ماذا سيبقى لنا ؟ : بعد عشرة أو عشرين او خمسين عاما اتسائل هل ستكون قيمنا وإيماننا واخلاقنا وتقاليدنا وتراثنا وطقوسنا باقية ؟ أتفائل وأقول (إن شاء الله) نامل ذلك . لكن لا نعمل كالنعامة عندما يداهمها الخطر تخفي رأسها في الرمال وتتصور انها تحاشت الخطر ، وتنسى أن جسمها الكبير كله أمام الخطر .
خطر كبير سيداهم ابناء الجالية العزيزة شئنا أم أبينا . كلنا على علم أن اولادنا في إنصهار بطيىء وذوبان كبير في المجتمع المريكي . كثيرون اليوم ذابوا وخسرناهم لأنهم عن جهل قلدوا ألأمريكان وأخذوا الأسوء منهم . ماذا اقول عن أحفادنا واولاد أحفادنا ، بحر أمريكا سيبتلعهم لا محالة إن لم نتدارك الأمر منذ الآن .
وهنا أناشد كل الخيرين من الآباء والأمهات المثقفين والمربين ، اناشد الكنيسة برمتها أن تعد العدة لمجابهة الخطر واقترح ما يلي :
- إعداد كهنة شباب من ابناء الجالية نفسها فيهم روح الله وحاصلين على ثقافة دينية كبيرة .
- إعداد راهبات قديسات همهم التعليم والتربية فقط .
- فتح روضات ومدارس إبتدائية ومتوسطة وإعدادية وحتى الكليات .
- أن تفكر الكنيسة بفتح مراكز التعليم المسيحي فيها ملاعب وساحات اللعب ومسابح وتوفر لهم كل الألعاب التي يهواها الشباب وتبني لهم دور سينما تعرض فيها كل الأفلام الهادفة والتربوية والدينية وتنمي فيهم مواهب التمثيل والمسرح .
- فتح نواد تجمع فيها الشباب مع الإشراف عليهم .
- إقامة سفرات روحية وترفيهية للشباب .
أخيرا اتمنى أن تلقى كلمتي البسيطة والمتواضعة صدى عند من يهمه الأمر.