آثار نينوى او تاريخ تلكيف ـ كتاب للشماس يوسف هرمز جمو
2 مشترك
كاتب الموضوع
رسالة
الشماس يوسف حودي مشرف مميز
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 7042مزاجي : تاريخ التسجيل : 02/01/2010الابراج :
موضوع: آثار نينوى او تاريخ تلكيف ـ كتاب للشماس يوسف هرمز جمو الخميس 24 مارس 2011 - 15:52
آثار نينوى أو تاريخ تلكيف كتاب للشماس يوسف هرمز جمُو يستحق القراءة والتقدير الكبير
أبرم شبيرا توطئة: قد يكون القارئ مستغرباً بعض الشيء لتناول عرض كتاب سبق وأن نشر منذ أكثر من سبعة عقود ثم أعيد نشره بعد 56 سنة وتحديداً في عام 1993 وهي فترة طويلة حدثت فيها تغييرات كثيرة وتطورات كبيرة خاصة ما يهم أمتنا بمختلف مكوناتها الكلدانية والسريانية والآشورية والتي أثرت عميقاً في عقول وتوجهات الكثير منهم بحيث أمست متجاوزة للكثير من الحقائق الموضوعية خاصة المذكورة في هذا الكتاب الموثق بحقائق جغرافية وديموغرافية لا تقبل النفاش والإختلاف حولها كثيراً إلا في حدود المنطق الذي تسمح الموضوعية بهذه الحقائق.
ولكي نخفف من هذا الإستغراب أو إزالته، أود أن أشير إلى ظاهرة ثقافية فكرية في مجتمعنا "الكلداني السرياني الآشوري" تعبر بشكل ما عن تخلف ثقافي وفكري تتمثل هذه الظاهرة في قلة صدور الكتب الخاصة بأمتنا في السنوات القليلة الماضية في مقارنة مع السنوات المنصرمة، لا بل والأكثر من هذا فقد تعلمنا من العرب عادة قبيحة وهي إننا قلمنا نقرأ كتاب ثقافي أو علمي أو سياسي يضيف إلى مداركنا معارف جديدة رغم إن الكثير منًا عاش ويعيش في المجتمعات الغربية منذ فترة طويلة ولم نتعلم منهم ظاهرة حب المطالعة والنهم في القراءة. بربكم ... هل شاهدتم يوماً عربياً، ولنكون أكثر قرباً، كلدانياً أو سريانياً أو آشورياً يقراْ كتاباً وهو جالس في القطار أو الباص أو يأكل في مطعم كما يفعل الكثير من الأوربيين والأمريكيين وغيرهم من شعوب المجتمعات الغربية المتقدمة؟ طبعاً الجواب هو بالنفي وحتى إذا صادف عكس ما نقوله فأن ذلك سيكون حدثاً غريباً لا بل تاريخياً. ولماذا نذهب بعيداً.... أنظروا إلى موقعنا الألكتروني "عنكاوه دوت كوم" أليس هو "ملتقى أبناء شعبنا كلداني آشوري سرياني"؟؟ ولكن لو قارنًا المواضيع التي تهم أمتنا مع المواضيع العامة الأخرى لنرى بأن نسبتها قليلة جداً وحتى هذا القليل ليس إلا مواضيع آنية خالية من عملية إغناء الفكر والثقافة التي من الممكن أن تفيدنا في دفع وعينا القومي نحو التوجهات الصحيحة في التنمية والتطور السياسي والفكري. واللوم طبعاً لا يقع على عنكاوه دوت كوم وإنما على المجتمع نفسه. فهذا الفقر الثقافي والفكري هو السبب الرئيسي الذي يدفعنا إلى أن نبحث في الرفوف العالية وفي زوايا مكتباتنا الفقيرة والمنسية عن كتاب أو موضوع يفيدنا في إنماء فكرنا ووعينا. وقد كنت محظوظاً عندما عثرت على هذا الكتاب في المكتبة الجانبية الصغيرة لأحدى الكنائس الكدانية الكاثوليكية في ديترويت في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء أعياد الميلاد ورأس السنة الأخيرة وهو الكتاب الذي سمعت عنه كثيراً وكنت متلهفاً لإقتناءه وقراءته. من الملاحظ بأن كاتب أو كاتبين قد أشار إلى هذا الكتاب وأعتمد عليه في بناء أفكاره وأراءه ولا أدري إذ كانت إشارته إلى هذا الكتاب بعد الإطلاع عليه مباشرة وقراءته أو إقتناء المعلومات منه بشكل غير مابشر ومن جهات أخرى، ولكن حتى هذه الإشارة لم يكن غرضها التحليل والتقيم للجهود التي بذلها الؤلف في تأليف هذا الكتاب والمغزى المستنتج منه بل كان الغرض منه توجيه التهم والنقد لبعض الأفكار التي جاءت في هذه الأيام مخالفة لما أورده الشماس يوسف هرمز جمًو في كتابه هذا.
نبذة عن مؤلف الكتاب:
يقول السيد يوسف ناظر في مقدمته عن الكتاب بأن الشماس يوسف هرمز جمو هو "وجه مشرق من وجوه الإعلام الكلدان الذين كرسوا جل حياتهم – إن لم يكن كلها – لخدمة شعبهم ووطنهم بحرص وتجرد ونكران ذات حتى وافاهم الأجل ليكونوا قدوة حسنة لنا وللأجيال القادمة ولكي لا يغيبوا عن ذاكرتنا بعد أن واراهم التراب، إعترافاً بجميلهم، طيب الله ثراهم... وهو أشرق وأعطر الوجوه التي إنجبتها الأمة الكلدانية في عصرنا الراهن.. فهذا الأبن البار للشعب الكلداني الذي بدأ حياته ملاحاً في السفن – الدوب – التجارية فوق مياه دجلة بين بغداد والبصرة دفعه طموحه الشخصي وعصاميته الفذة ومواهبه الفطرية إلى إقتحام الميدان الثقافي فأصبح مربياً فصحافيا فمؤلفاً فأستاذا لأبناء الأمراء، رحمة الله عليه... ص9.
هذا الإطراء الجميل للكاتب الشماس يوسف جمو الذي ولد في بلدة تكليف في 19.03.1892 لم يترك لنا الإستاذ يوسف ناظر مجالا للتفصيل في سعة مواهبه وقدراته، إلا أن نقول بأن الشماس يوسف لم تكن ظروفه الشخصية تؤهله للحصول على الشهادات الأكاديمية العالية، فبإصراره ومثابرته وإعتماده على قدراته الشخصية والتثقيف الذاتي أصبح فعلاً من أبرز كتاب الكلدان في زمانه. فبمجرد أن أستقرت الظروف المعيشية به في البصرة أخذ يبحث عن آفاق جديدة في عالم الثقافة والأدب والصحافة. ففي عام 1920 كان مراسلا لجريدة العراق وكتب العديد من المقالات في مجلة المقتطف المصرية. وفي عام 1924 أسس نادي التهذيب في البصرة وكان سكرتيرا له. ومن أبرز مآثره هو تأسيسه مطبعة الأمة، وهي اول مطبعة تؤسس في البصرة فأقام بإدارتها مع أصغر أخوته أحسن إدارة. كان أيضا من المساهمين النشطين في تأسيس مدرسة كلدانية سريانية في البصرة ومديراً لها، وخلال تلك الفترة نشط نشاطاً منقطع النظير في عقد إجتماعات ثقافية وسياسية وإلقاء المحاضرات ثم دخل المعترك السياسي فرشح نفسه لعضوية المجلس النيابي ممثلاً للمسيحيين إلا أنه لم يفز بالمقعد بحكم الظروف السياسية في تلك الفترة. غير أن هذا لم يثني عزيمته للإستمرار في معترك السياسة والثقافة، ففي عام 1934 حصل على إمتياز لإصدار جريدة يومية سياسية بأسم "صوت الشعب"، ويكفي أسم هذه الجريدة لتعبر عن مواقفه السياسية والوطنية فكان يشن حملات على الفساد الإداري والسياسي وتزوير الإنتخابات في تلك الفترة مما عرضه ذلك إلى مضايقات من أطراف رسمية وغير رسمية بحيث وصلت إلى درجة محاولة إغتياله عام 1937 بعد أن أغلقت صحيفته الجريئة من قبل السلطات الرسمية، وفي هذه الفترة تسنة له الفرصة والوقت ليؤلف كتابه هذا. ثم بعد أعادة إصدار الصحيفة وفتح المطبعة أعيدت غلق المطبعة والصحيفة عدة مرات إلى أن أضطر بيعها. كل هذا النشاط السياسي والثقافي لا يمكن أن نتجاهله وأن لا نربطه بحادث السيارة في 18.11.1965 الذي أودى بحياته للحد من نشاطه السياسي والثقافي والقضاء عليه، وهو الأسلوب المعروف في تاريخ العراق السياسي في إغتيال الشخصيات البارزة المعارضة لفسادة السلطة.
نبذة عن أهم ماورد في الكتاب: الكتاب طبع في مطبعة الأمة في بغداد عام 1937 وأعيد طبعه وتنقيحه وزيادته من قبل أبناء المولف طيبوا الذكر في المطبعة الشرقية في ميشيكن في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1993. يقع الكتاب في 140 صفحة من القطع المتوسط ويحتوي على إهداء المؤلف للكتاب إلى "الشبيبة النبيلة من أبناء مدينة تكليف فخر المدن المسيحية" ثم تقريظ الكتاب من قبل الأستاذ يوسف غنيمة وزير المالية سابقاً فمقدمة المؤلف ثم كلمة عن المؤلف بعنوان "من روادنا الإعلام: يوسف هرمز جمو" للأستاذ يوسف ناظر، والتي سبق وأن نشرت في مجلة الرواد الصادرة في أميركا بعددها المؤرخ في تشرين الأول من سنة 1985. إضافة إلى ذلك يحتوي الكتاب على مجموعة من صور ورسوم عن شخصيات تلكيف وأهلها وعن ممارسة تقاليدهم وتراثهم. فهرسياً، الكتاب مقسم إلى قسمين، الأول يشمل على ستة فصول وهي تاريخ مدينة تلكيف وجغرافيتها، طبيعة أراضيها وآثارها الباقية، أصل المدينة، سكانها وخصائصهم، أخبار رجال تكليف ورؤسائها، أوضاعها الدينية، أشهر كهنتها وأدبائها وأخيراً الزواج والعادات الإجتماعية. أما القسم الثاني فيتضمن أهالي تكليف في الخارج وأسباب تنقلهم وهجرتهم، تاريخ الهجرة وأوضاع المهاجرين، الجالية التلكيفية في بغداد، تلكيف في عهدها الحالي وأخيرا ملحق الكتاب الذي يتحدث عن أهم شخصيات تكليف وهو الرئيس داود سيسي.
يظهر من مواضيع أقسام الكتاب تناول معالم ديموغرافية وجغرافية وأنثروبولوجية مهمة وشيقة قلما نراها في الكتب الأخرى. فالكثير منُا سمع عن تلكيف ولكن القليل يعرف عن أهلها وعاداتها وتراثها ومعالمها الجغرافية والتاريخية والأحداث والحوادت التي مرت عليها، لا بل الكثير من أبناء تلكليف نفسهم لا يعرفون عن مثل هذه المعالم التي تشكل جزء أساسي من وجودهم القومي والتراثي والفكري. صحيح أن الكثير من هذه المعالم والعادات المختلفة لأهالي تكليف قد تتشارك أو تتشابه مع غيرها من أهالي القرى والقصبات الأخرى المنتشرة في سهل نينوى إلا أنها تبقى لها خصوصية معينة تصل إلى حدود يمكن من خلالها أن نميز التلكيفي عن الألقوشي أو التلسقوفي ..وهكذا. يقول المؤلف في المقدمة " تلكيف مدينة أو بلدة صغيرة في شمال العراق يسكنها الآن (وقت تأليف الكتاب) نحو عشرة آلاف من النفوس. وهي البلدة الوحيدة الباقية من آثار نينوى العظيمة في تلك البقعة. والذين هجروها من سكانها ويعيشون خارج بلدتهم هم أكثر من الذين فيها. وهم منتشرون في مدن العراق وغير العراق لكنهم لا زالوا ينتسبون إلى تلكيف حتى الذين هجروها منذ قرن أو أكثر فهي مسقط رأس آبائهم وأجدادهم وأغلبهم حافظ على لغتهم (سورث) وهي الأرامية الحديثة دخلتها كلمات كثيرة من اللغات العربية والكردية والتركية ولكن أهلها لا يتكلمون إلا بها مع إتقانهم لغات أخرى، وخاصة العربية". ص 7. ولكن الواقع غير ذلك إذ الكثير من أهل تلكيف الذين سكنوا في المدن الكبيرة سواء في العراق أم في المهجر، خاصة الأجيال الجديدة لم تعد تعرف الكثير عن بلدة أباءهم وأجدادهم ولا تتكلم غير العربية أو الأنكليزية، وهي الظاهرة التي أدركها المؤلف نفسه عندما ذكر ذلك في مقدمة الكتاب. واليوم يعتبر أهالي تكليف أقلية صغير في بلدتهم وذلك بسبب كثرة الهجرة إليها والإستقرار فيها من قبل الكثير من الطوائف المسيحية لكونها بلدة قريبة من مدينة الموصل وسهولة الوصول إلى القرى الأخرى المنتشرة في سهل نينوى ولا يضاهيها في هذه الأيام إلا بلدة عنكاوة في كثرة المهاجرين والمستقرين فيها.
وبخصوص أبناء بلدة تكليف والقرى العديدة المنتشرة في سهل نينوى يقول الشماس يوسف "يبلغ عدد الذين ينتسبون إلى بلدة تكليف نفسها نحو 30 ألفاً وليس هؤلاء فقط كل بقايا نينوى أنما هناك قرى عديدة في تلك البقعة أكثر سكانها هم من بقايا الشعب الآشوري.إنما أقتصرت على تاريخ تلكيف في هذا الكتاب لأنها البلدة الوحيدة الخالصة التي تمثل نينوى في بعض التقاليد الموروثة لأهالي تلك المدينة العظيمة... ص 7. قيل "الكتاب تعرفه من عنوانه". هذا القول ينطبق بحذافيره على هذا الكتاب والذي من عنوانه يعطي القارئ إشارات واضحة بأن تاريخ تكليف هو جزء من آثار نينوى وحتى الشعوب التي سكنت البلدات الأخرى في سهل نينوى ما هي إلا جزء أو ضواحي من نينوى فالكثير منها لها إمتدادات تاريخية طويلة تصل إلى ما قبل المسيحية، وهذا ما يؤكد الكاتب نفسه. في الفصل الأول من القسم الأول "تاريخ مدينة تلكيف" يقول " في سنة 612 قبل المسيح سقطت نينوى عاصمة مملكة آشور وفي سقوطها تلاشت آخر قوة للشعب الآشوري الذي شيد إمبراطورية عظيمة حكمت العالم المعروف في ذلك الزمن مدة ستة قون. وبعد سقوط نينوى عاصمة الآشوريين قلما يذكر التاريخ عن ذلك الشعب الباسل الذي كانت فرائص الجبابرة في العالم ترتعد فزعا من مجرد ذكر إسمه، او ذكر أسم الجنود الآشوريين. فقد آلت تلك الإمبراطورية إلى الدمار وأصبح مابقى من آشور عبارة عن ولاية أو أمة ضمن الأمم التي حكمتها الإمبراطورية الفارسية، ولم يرد أسم الجنود الآشوريين إلا نادر. وقد ذكرهم هيرودتس في تاريخه عن ذكر الحرب بين الفرس واليونان حينما وصف أبطال آشور الذين حاربوا تحت راية الفرس، بأزيائهم المهيبة وأسلحتهم البديعة وخوذهم الجميل. وما عدا هذا الخبر الذي جاء عرضا في تاريخ المؤرخ اليوناني لم يرد ذكر الآشوريين في سالف الأزمنة. وكان سقوط نينوى أمراً عظيماً لم يحدث مثله في تاريخ العالم فهو عبارة عن إنهيار حصون إمبراطورية معظمة تغير بسقوطها وجه البسيطة وأتجه التاريخ على أثرها إتجاها جديداً... ص 19. وهنا أود أن أشير بالتمام والكمال إلى ما ذكره هيرودتس في كتابه "التاريخ" بخصوص جنود الآشوريين بعد سقوط إمبراطوريتهم بحدود ثلاثة قرون حيث يوصف ملابس الجنود الآشوريين الحربية الذين كانوا من ضمن جيش داريوس الفارسي إذ يقول "ذهب الآشوريون إلى الحرب وهم يضعون خوذة مصنوعة من النحاس لها ضفيرة بأسلوب غريب يصعب وصفه وكانوا يحملون الدروع والرماح والخناجر… أضافة إلى ذلك كانوا لهم هراوات لها رؤوس حديدية ورباط من القطن ... هذا الشعب الذي يلطق عليه الإغريق أسم سريانس Syrians فإن البرابرة - ويقصد الشعوب غير الإغريقية – يطلق عليه أسم أسريانس Assyrians .." ص 146 من كتاب تاريخ هيرودتس ترجمة العلامة جورج رولنسون – المجلد ، المملكة المتحدة، ط 5 لسنة 1924. ومن الجدير بالذكر إن وصف هيرودتس لجنود الجيش الآشوري يعني بأنه كان هناك دويلات، صغيرة كانت أم كبيرة، متحالفة أو تابعة للأمبراطورية الفارسية تملك جيوش حاربت إلى جانب جيش داريوس ضد الإغريق. وليس هذا فحسب فهناك العشرات من المراجع التاريخية التي تشير إلى الآشوريين بعد سقوط إمبراطورتهم وليس لنا مجالاً لذكرها تجنباً للإطالة والخروج عن موضوعنا الأساسي.
أما بخصوص أسم المدينة فيقول الشماس يوسف : "المدينة ضاحية من ضواحي نينوى كما سيجئ وأسمها مأخود بعد ذلك من أسم التل الذي اختطت المدينة بجانبه والتل المذكور حصن قديم شيد أيام دولة آشور كباقي الحصون التي كانت تشاد دفاعا عن العاصمة نينوى. وهو إصطناعي كانت جوانبه مرصوفة بحجارة ضخمة فسمي تل كيف أو "تلكيبا". و"كيبا" بالياء الفارسية بمعنى الحجارة كما يقال تل عفر، أي تل التراب، وتل "يمشه" أي تل البحيرة ونحو ذلك – ص20. وفي مكان آخر يؤكد الكاتب بأن تلكيف كانت قلعة من قلاع نينوى فيقول "إذا كانت قرية نمرود وسلامية، كما يقول العلامة لايادر عباة عن محلتين ضمن نينوى... فلا يمكن حسبان نينوى إلا أن تكون تلكيف من مشتملاتها". ص21.
المغزى التاريخي والقومي للكتاب: الربط التاريخي القومي الذي يربطه الكاتب بين أهل تلكيف والقرى الأخرى المنتشرة في سهل نينوى بالآشوريين القدامى يترك أهمية لها أكثر من مغزى قومي في فهم الوجود القومي لأهالي هذه البلدات العريقة التي لها تاريخ يمتد أبعد من تاريخ المسيحية. وحتى لا ندخل في متاهات التسميات القومية المنتشرة في هذه الإيام والأصول الثقافية والتراثية والإختلاقات الشكلية والسياسية بين أهالي هذه المناطق، وحتى نكون أكثر منطقيين وموضوعيين فإننا يجب أن نعالج هذا الموضوع مجردين من كل التوجهات والإنتماءات السياسية لهذه الفئة أو تلك. كما يجب أن نعالج موضوع من خلال إستنتاج المغزى القومي والسياسي لهذا الكتاب منطلقين من ظروف المرحلة التي عاش فيها الكاتب وليس من ظروف مرحلتنا الحالية، ويمكن إستخلاص المغزى القومي والسياسي لهذا الكتاب بما يلي:
1. الكتاب صدر عام 1937، وهي الفترة التي كانت المسألة الآشورية، خاصة بعد مذبحة سميل في آب 1933 قد طغت على السطح السياسي العراقي وتركت إنطباعات ونتائج سلبية جداً على الآشوريين وتحديداً على أتباع كنيسة المشرق المعروفة حينذاك بـ "النسطورية" خاصة بعد نفي بطريرك كنيسة المشرق، المثلث الرحمات مار شمعون إيشاي من قبل السلطات العراقية إلى خارج العراق وتجريده من الجنسية العراقية والذي أرتبطت الحركة القومية الآشورية في تلك الفترة بأسمه. ففي تلك الفترة ساد هلع بين معظم الطوائف المسيحية من التدخل في المسائل السياسية أو المطالبة بحقوق قومية أو سياسية خوفاً من النتائج المدمرة التي قد تصيبهم من جراء هذه المطالبة كما أصابت الآشوريين من أبناء طائفة كنيسة المشرق. فالبرقيات والرسائل التي كانت تنهال على الحكومة العراقية حينذاك إستنكاراً بالحركة القومية الآشورية والمطالب القومية التي طالبوا بها وتأييداً للحكومة في قمع حركة الآشوريين لم تكن صادرة فقط من غير أبناء طائفة المشرق بل أيضا من بعض أساقفة هذه الطائفة ورؤساء عشائرها. فالموضوع الذي كان يثير غضب وهيجات السلطات العراقية حينذاك ومؤرخيها وكتابها هو الربط التاريخي القومي الذي كان يربطه الآشوريون الثائرون حينذاك بالآشوريين القدامى وبالدولة الآشورية القديمة. في حين نرى عظمة وشجاعة الشماس يوسف جمو تتجاوز هذا الخوف من دون أي تردد أو مجاملة إلى حدود أبعد عندما ربط أصل أهل تكليف والقرى المسيحية الأخرى المنتشرة في سهل نينوى بالآشوريين القدامي. ولا نشك إطلاقاً بأن الشماس يوسف جمو، وهو ناشطاً سياسياً وعلماً من أعلام الثقافة والصحافة، في كونه ملماً بالحياة الساسية حينذاك وبكل مجريات الأمور التي كانت تعصف بالعراق ومنها المسألة الآشورية التي كانت قد طغت على سطح الساحة السياسية العراقية وأنه كان مدركاً كل الإدراك بما كان يكتبه ويؤمن به. كل هذا يعكس مدى "ثورية" هذا الكاتب وعدم خشيته من إستبداد السلطات حينذاك. وهي شجاعة لا يضاهيه فيها إلا المفكر والكاتب يوسف ماليك والذي كان هو أيضا من أبناء تلكيف الذي كتب وعمل الكثير في هذا المجال ومنها كتابه المشهور "خيانة بريطانيا للآشوريين". 2. كما سبق وأن ذكرنا في أعلاه بأن الكتاب أعيد نشره في عام 1993 من قبل أبناء المؤلف الطيبوا الذكر في مدينة ميشكين في الولايات المتحدة والتي تجمع أكبر جالية في المهجر من تكليف والقرى الكلدانية الأخرى. قد يكون لإعادة نشر الكتاب مغزى شخصي نابع من إعتزاز الأبناء بمنجزات وشجاعة والمكانة السامية للأب في المجتمع وهو حق مشروع لكل إنسان. كذلك قد يكون الحنين إلى بلدة الأباء والأجداد حافز آخر على إعادة نشر الكتاب وتعميم تراث تلكيف وتاريخها وثقافتها بين أبناء أمتنا. فالإنسان بطبيعته يحن إلى مسقط رأسه ويستمتع في إسترجاع ذكراته فيه. ولكن من جانب آخر نرى بأن اعادة نشر الكتاب يأتي في مرحلة يتصاعد فيها الوعي الكلداني القومي والدعوة إلى النهضة الكلدانية القومية بعيداً عن الطائفية والكنيسة قائمة على إستقلال قومي للكلدانية لها خصائصها القومية المتميزة. لا بل والأكثر من هذا ففي السنوات القليلة الماضية نشأت أحزاب سياسية وتجماعات كلدانية تطالب بحقوق سياسية وقومية خاصة بالكلدان وترفض أن تشارك سواء في التسمية المركبة "الكلدان السريان الآشوريين" لأمتنا أو في الحقوق القومية أوفي الإقرار الرسمي للتسمية المركبة من قبل برلمان إقليم كردستان العراق وتعتمد على تاريخ الكلدانيين القدماء ووجودهم الحضاري كأساس لدعواتهم القومية المستقلة عن الآشورية والسريانية. إن مثل هذه الدعوات حق مشروع لكل إنسان وأن يسمي نفسه بما يشاء ويسند وجوده القومي إلى حضارة أو شعب معين فلا حق لأحد أن ينكره أو ينفيه ولكن بالمقابل يجب أن تكون هذه الدعوات قائمة على موضوعية وعلى أسس تاريخية وواقعية. فكتاب الشماس يوسف جمو يقوم على مثل هذه الحقائق التاريخية والواقعية التي تثبت إنتماء أبناء تكليف والقرى المسيحية الأخرى في سهل نينوى إلى الحضارة الآشورية. فالحقيقة الموضوعية التي لا تقبل الشك والجدال هي أن تكليف وبقية بلدات سهل نينوى كانت جزء ومكون أساسي للدولة الآشورية وكان أبناؤها يشكلون جزء من شعب هذه الدولة منذ تلك الأيام ولا يزال يشكلون جزء أساسي من المكون الجغرافي والديموغرافي لبلاد آشور. قد نختلف حول تسمية لغتنا فيما إذا كانت أرامية أم آشورية أم كلدانية أم سريانية ولكن لا يمكن لأحد إطلاقاً أن يقول بأن تلكيف تقع في وسط أو جنوب العراق بينما هي تقع في قلب مدينة نينوى، والحال نفسه مع بقية بلدات سهل نينوى التي يقطها غالبية كلدانية منذ أقدم الأزمنة. ففيضان نهر دجلة وروافده وتدمير نينوى وغزوها من قبل الغرباء كل هذا لم يغير من حقيقة وجود هذه البلدات في قلب آشور منذ أقدم الأزمنة ولحد هذا اليوم. هذه الحقيقة الموضوعية التاريخية هي التي تجعلنا أن نقول بأن أهل تكليف وبقية البلدات هم آشوريون أكثر من أهل حكاري وأرومي وطور عبدين لأن هناك عامل موضوعي صلد يقوم على الجغرافيا ويقع في قلب آشور وليس في الحواشي يؤكد هذه الحقيقة خاصة عندما تقر هذه الحقيقة من قبل شخص يعتبر من أبرز كتاب الكلدان الذي له صولات وجولات في مجال السياسة والثقافة والتاريخ. فالجغرافيا أصبحت اليوم كما كانت في السابق عاملاً مهماً في تحديد هوية شعب ما رغم تشابه بقية العوامل الفكرية والذاتية كاللغة والعادات مع شعب أو شعوب أخرى. فالمكسيكي يثور غضباً عندما يوصف بأنه إسباني اللغة والعادات والإنتماء بل هو مكسيكي من المكسيك وهكذا الحال مع الأرجنتين وبقية دول أميركا اللاتينية. والحال نوع ما يشبه حال العرب، فبالرغم من وحدة اللغة والدين والتقاليد والتاريخ إلا إن الأرض والأدق الحدود الجغرافية الإقليمية تجعل من العراقي مختلف في تطلعاته السياسية القومية عن المغربي وهكذا مع بقية الأقطار العربية تبقى هذه االحدود الإقليمة الصلدة عامل إساسي في عدم التوحد السياسي القومي. ولو حاولنا إستقراء تاريخ الإمبراطوريتن الآشورية والكلدانية نرى بأن الجغرافيا لم يكن له أثراً في عقلية ملوكهم بل كانوا عالميوا النظرة لأراضي إمبراطوريتهم وكانت سياسة ترحيل الشعوب ونقلهم من أوطانهم تطبيقاً لهذه العقلية. واليوم يظهر بأن أصحاب دعوة النهضة الكلدانية قد ورثوا عن أجدادهم هذه الخصلة في عدم إعطاء أية أهمية للجغرافيا في تحديد هوية الشعوب خاصة عندما تكون الجغرافيا مرتبطة بتواجد يمتد من أعماق التاريخ إلى يومنا هذا وببقية المقومات الفكرية والذاتية لوجودهم القومي. من هذا المنطلق نقول بأنه حتى تكون الدعوات الكلدانية القومية دعوات منطقية وموضوعية يجب أن تنطلق من الموضوع والمنطق في فهم الواقع والجغرافيا والتاريخ لكي تكتسب مشروعية مقبولة من غالبية الكلدان وغيرهم. إن أقرار الشماس يوسف جمو في كون تكليف والبلدات الأخرى في سهل نينوى وأهاليها جزء من الدولة الآشورية وشعبها لم يغير من شيء في أن بقى هو كلدانياً ومن أبرز مثقفيها وسياسييها في تلك الفترة لا بل وأن ينجب أبناء يعتبرون في هذا اليوم من الشخصيات الكلدانية البارزة في مجتمعنا.
أن التنوع الحضاري والفكري هو إغناء فكرياً وقومياً وسياسياً للأمة إذا نظرنا إليه بنظرة منفتحة وحضارية وتبقى التنظيمات التي تمثلها أكثر تقدماً وإزدهاراً. والعكس صحيح أيضا فإذا نظرنا إلى هذا التنوع بنظرة ضيقة مغلقة فهو إفقار فكري وقومي وسياسي للأمة وتبقى التنظيمات التي تمثلها أكثر إنغلاقاً وتأخراً. فالواقع القومي السياسي لأمتنا يؤكد هذه الحقيقة. فالإنتخابات في العراق سواء في أقليم كردستان أم في عموم العراق معيار بسيط في هذا السياق. فالتنظيمات التي أستمدت وجودها من التنوع الحضاري الكلداني السرياني الآشوري هي أكثر شعبية وإنتشاراً وأكثر إستجابة لعقلية وطموحات أبناء شعبنا من التنظيمات المنغلقة على الآشورية أو الكلدانية التي حشرت نفسها في زاوية ضيقة تحد من حركتها وتعجز عن الإنتشار والتقدم وبالتالي تبقى تراوغ في مكانها وتنشط على الأوراق والمواقع الألكترونية عاجزة عن تمتلك مقومات الحركة على الواقع العملي. هناك مثل يقول "الصانع المهمل يلقي باللائمة على أداوته" واللبيب يكفيه إشارة أو كلمة لا مثل أو بيت قصيدة أو خطاب طويل لفهم الحقيقة. عن موقع عينكاوا كوم
مسعود هرمز النوفلي عضو فعال جداً
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 606تاريخ التسجيل : 12/03/2010الابراج :
موضوع: رد: آثار نينوى او تاريخ تلكيف ـ كتاب للشماس يوسف هرمز جمو الجمعة 25 مارس 2011 - 4:52
تسلم أخي الشماس يوسف لوضعك هذه المقالة المهمة جدا والمفيدة من نوابع افكار اجدادنا رحمهم الله ، باركك الرب ويحفظك مع أعطر تحياتي.
آثار نينوى او تاريخ تلكيف ـ كتاب للشماس يوسف هرمز جمو