الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 1028تاريخ التسجيل : 07/01/2010الابراج :
موضوع: النقّار مهنة انقرضت / مع صور الإثنين 30 مايو 2011 - 16:08
النقّار مهنة انقرضت
:: ازهر العبيدي ::
تعد مهنة النقّار من المهن المنقرضة التي اختصت بها مدينة الموصل، والنقّار هو الشخص الذي يقصّ وينحت ويزخرف الرخام لغرض تهيئته للبناء، وسمّي النقّار قديماً بالغسّال والغاسول وهي كلمة عربية فصحى، وفي اللهجة العامية الموصلية يسمّى (النقّاغ). وهذه المهنة تتطلب قوة عضلية ولياقة بدنية عالية يجب توفرها لدى الشخص الذي يمتهنها، فضلاً عن الكفاءة والذوق الفني الذي يمكنه من رسم ونحت الزخارف التي تزين واجهات الدور والغرف والأواوين. وقد برع في هذه المهنة عدد من أفراد الأسر المسيحية وتناقلها أولادهم من بعدهم، منهم: أيوب رحيمو، وسليمان ملكون، وفرمان دوز، وتوفيق الدهين، وابلحد بلو، وجرجيس هندوش، وعبدالأحد ساعور، وابلحد معمار باشي، وبهنام حنا شموني، وخضر عبادة، وعزيز دمار، وخضر أيوب، وبتي نعيسي. هناك ثلاثة أنواع من النقارين الأول يسمّى (نقّار مقطع) يعمل في مقالع الرخام التي كانت في قضيب البان وباب سنجار والزنجيلي وحاوي الكنيسة، ويستخرج الرخام من قبل النقارين وعمّالهم بكتل كبيرة تدعى (القد) باستخدام أدوات الحفر والتفجير بالبارود. ويقوم نقّار المقطع بتهذيب (القد) وتكسيره إلى كتل حسب الطلب، ويساعده (حمّال الفغش) القوي البنية الذي يقوم بنقل الكتل الثقيلة وتحميلها في عربة النقل. والنوع الثاني يسمّى (نقّار ولايي) أي نقّار يعمل في المدينة (الولاية)، وهو الذي يقوم بتقطيع وتهذيب (القد) والكتل الكبيرة على وفق قياسات خاصة، ويصقل سطح القطع ويزخرفها حسب المطلوب، ثم يساعد البناء في تثبيتها في مكانها. والثالث يسمى (شقّاق فغش) وهو الذي يشقّ الرخام بالمنشار. وكان رخام الموصل من نوعين أبيض مسمرّ ويسمّى (الحلاّن) ومرمر أزرق ويسمّى عامياً (الفغش)، يستعمل الأبيض في الأرضيات والأماكن المكشوفة المعرضة للأمطار، فهو يتحمل ويزداد صلابة عند ملامسته للماء. أما الرخام الأزرق أو المرمر الأزرق فإنه لا يستعمل في أرضيات فناء البيت لكونه يتآكل ويذوب تدريجياً عند تعرضه للأمطار والمياه، ويستخدم في أرضيات الغرف والرهرة والسرداب ,والحيطان والأبواب والشبابيك التي لا تتعرض للمياه باستمرار. كان دور النقار يبدأ بعد إكمال الأسس في بناء البيت الموصلي القديم، فيقوم بتهيئة المرمر الذي يكسو أسفل الجدران (الإزار) لحمايتها من الماء والتآكل ومنع دخول الفئران إلى داخل المنزل، والمرمر الخاص بالحيطان والأبواب والشبابيك والدواليب (الخزانات الجدارية) والقبّالات. ويتطلب هذا شقّ (القد) بواسطة منشار كبير خاص إلى ألواح رقيقة بمساعدة (شقاق الفغش). يهذب النقّار سطوح القطع بالشوكة وينحت سطوحها بالقدوم بمهارة فائقة وكأنه ينحت قطعة من الخشب، فتصبح مستوية أو محدبة، وقد يصقلها بعد ذلك بالمبرد إن طلب منه ذلك. ويقوم نقار ماهر بنقش أحد سطوحها بأدوات النقش بحفر أخاديد طويلة ونتوءات بارزة وتسمى هذه العملية (التقحيف). ويقوم بزخرفة أعلى الباب الخارجي برسوم قد تتشابه في الكثير من البيوت الموصلية، مثل رسم أسدين متقابلين أو عقرب تمنع العين الحاسدة أو خطوط عمودية بارزة. يعدّ النقّار بعد ذلك الألواح التي تركّب فوق ركني الأبواب والشبابيك المصطلح على تسميتها (قاغيش) ويزخرفها حسب الطراز المطلوب من قبل صاحب البيت: (قسّامي – نابين ومفتاح - دور - عدل – رومي – قاخمة). ويعد الأعمدة (الدنك) والأقواس بين الدنك التي قد تكون بسيطة بدون زخرفة، أو بزخرفة تشبه ورقة العنب تسمّى (قندلة). ويستعمل النقّارون آلة رفع خاصة تسمّى (البزوني) لرفع الألواح الثقيلة وتركيبها في البناء، وهذه الآلة ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، وتتكون من سلك معدني طويل يلفّ بعتلة على بكرة كبيرة وفي رأسه كلاّب (جنكال) حديدي ترفع به الأثقال بعد إمراره فوق بكرة سحب معلقة في ثلاث أعمدة خشبية قائمة فوق مكان البناء. يُعمل من الرخام الأبيض فضلاً عن استخدامه في البناء المزمّلة والانجانة، وسندانات الزهور، وجاون دقّ الكبّة، وشواهد القبور، ولعبة الحالوسي وأحجار الغسيل القديمة. ومن الرخام الأزرق فرشة تدوير الخبز، ومنابر ومحاريب المساجد والجوامع، والسلالم (الدرج) في البيوت، والكوة أو (الغوزني/ الطاقة)، والكبش الذي يبنى في مقدمة الإيوان وتحت الكوشك البارز على الطريق. وقد زودني الأخ العزيز سالم ايليا مشكوراً بأسماء عدد آخر من النقارين وأصحاب المقالع وهم: الأخوة بطرس ويوسف وعبّو (عبدالله) ومتي من عائلة النقّار وكُنيتها السابقة عائلة " أبو لحي". وولدي متي النقّار جمال وغانم النقّار (أبو لحي) وكان غانم النقّار قد شارك في العمل كل من: نايف هندوش وفضيل عبّو السمعان ونوغي وكان للشركاء الأربعة مقلع في باب سنجار مجاور لمقبرة الإنكليز وبمساحة 47 دونم استخدمه الإنكليز بعد ذلك كمستشفى !! وبجانب هذا المقلع كان هنالك مقلع آخر لأغوات باب البيض. هنالك أيضاً النقّار إبراهيم عبد الأحد (المكنى بابن أمينة) وأولاده سعيد وفضيل ولطيف وكان لديهم مقلع مسطّح بعد باب سنجار، ولإبراهيم عبد الأحد أخ نقّار أيضاً اسمه يعكوب عبد الأحد (والمكنى بابن أمينة أيضاً) ـ كذلك من النقارين المعروفين حينها فتوحي عجعوج وولديه غانم وبهنام عجعوج، والنقار يوسف كبّي وولده أدور وكان يوسف فناناً يحفر الرسوم والصور وكذلك يخط على المرمر. وهنالك النقارين يوسف توما المختار ونجيب كلـّو وحازم كلـّو ونعيم كلـّو وفتوحي كلـّو ونوئيل حودي. أبدع النقّارون الموصليون في عملهم الذي بقي شاهداً على اجتهادهم وإبداعهم في كثير من أبنية الموصل القديمة من مساجد وجوامع وكنائس ودور تراثية، على الرغم من كون معظمهم من الأميين. وانقرضت مهنتهم بعد ظهور الأبنية الحديثة ومعامل قطع الرخام، وراح الكثيرون يزينون واجهات عمائرهم ودورهم بالمرمر الملوّن (لصق) الذي لم يجرّب لفترة طويلة ولا يعرف أحد مدى مقاومته للتقلبات الجوية.
المراجع 1. بطرس بهنام، صنعة نحت المرمر في الموصل، مجلة التراث الشعبي، العدد4، دار الحرية للطباعة، بغداد،1976، ص68. 2. أسحق عيسكو، صناعة الرخام في الموصل، مجلة التراث الشعبي، العدد9، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1971، ص73.