الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61346مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: تقطيع اوصال العراق حتى اشعار آخر : هيفاء زنكنة السبت 9 يوليو 2011 - 1:26
تقطيع اوصال العراق حتى اشعار آخر هيفاء زنكنة
2011-07-08
ان خطة أي مشروع إستعماري واضحة، وهي ابقاء ما يسميه 'البلد المضيف'، ضعيفا، تسوده الفرقة، لتسهل الهيمنة على مصادر ثروته وابقائه كقاعدة نفود له وبكل الطرق الممكنة. وقد طبقت امريكا سياستها هذه في عدد من البلدان مما ادى الى تقسيمها كما في فيتنام وكوريا. ومقص التقسيم ماض فيما يخص العراق، البلد الذي تريد امريكا البقاء فيه مهما كان السيناريو الذي يتوجب عليها اتباعه، سواء كان التقسيم جغرافيا أم بشكل ناعم، حيث تتمتع الادارة الامريكية بانفتاح ذهني فيما يخص السيناريوهات التي تسهل عملها وسياستها في حماية امنها القومي ومصالحها الاقتصادية. ويمثل تقسيم العراق واحدا من الخيارات وليس الخيار الوحيد. فضمن الادارة الامريكية هناك اتجاهات متعددة حول كيفية ديمومة السيطرة على العراق وموارده النفطية بأقل تكلفة اقتصادية، وبشرية خوفا من استثارة الرأي العام الامريكي الذي لايزال من الضروري تجنب غضبه خاصة في مواسم الانتخابات. من الناحية الاقتصادية، كادت المقاومة العراقية ان تقصم ظهر امريكا. فها هي ادارة اوباما تطلب من الكونغرس تخصيص ميزانية جديدة مقدارها 5.2 مليار دولار ودعمت طلبها برسالة مناشدة وقعها اربعة سفراء امريكيين خدموا في العراق سابقا هم جون نيغروبونتي، زلماي خليل زاد، رايان كروكر وكريستوفر هيل، قائلين: 'ان عدم تمويل هذه العملية من شأنه أن يهدد ما استثمرته الولايات المتحدة بالفعل لجعل الحكومة العراقية ديمقراطية ومستقرة اقتصاديا'! وقد نشرت جامعة براون الأمريكية مؤخرا دراسة قدرت تكاليف حربي العراق وأفغانستان بما يقل قليلا عن 4 تريليون دولار، أي 4 آلاف مليار، مع حساب تكلفة رعاية الجرحى الى عام 2020، أي بما يكلف الفرد الأمريكي الواحد طفلا أو بالغا حوالي 13 ألف دولار، كلها صرفت للتدمير، عندنا وعنهم. في حين اعترفت ادارة اوباما فقط بان تكلفة غزو العراق واحتلاله قد بلغت تريليون دولار فقط حتى الآن وان تكلفة الجندي الواحد تساوي 400 ألف لكل عام واستمرار بقاء القوات سيكلف 12 مليار دولار شهريا. كل هذا يجري في وقت تعاني فيه امريكا من ازمة اقتصادية خانقة يتم الصراع فيها على الغاء أجزاء من الضمان الصحي ومصروفات التعليم والرعاية الإجتماعية. وحتى في مجال الوقود ساءت الأمور بحيث دفعت اوباما الى السماح ببيع نسبة من احتياط النفط الامريكي الإستراتيجي. غير ان التكلفة العالية والازمة الاقتصادية لا يعنيان ان أمريكا ستتخلى قريبا عن العراق. اذ انها لاتزال تبني اوهامها على 'نجاحات' تسوقها بين جنود الامبراطورية لتدفعهم نحو المزيد بذريعة بناء الديمقراطية في البلدان 'المتخلفة'. وكما يقول العريف ويليامسون المتواجد في قاعدة طارق في الانبار، غرب العراق، في 23 ايار/مايو 2011، وهو ينظر حوله متفاخرا بما فعلوه: 'فكر كم من الرائع ان تغير بلدا بأكمله!'. الا ان هناك خلافا حول كيفية احكام القبضة على العراق لتمديد البقاء اولا وللحصول على مردود اقتصادي يبرر التمديد ثانيا. في السيناريو الاول، يرى الجنرال دافيد بترايوس (الآمرالعسكري في العراق سابقا ورئيس وكالة الاستخبارات الامريكية حاليا)، بان افضل خيار هو سياسة 'العنف المستديم' أي العنف بدرجة منخفضة يسهل التحكم بها لابقاء 'البلد المضيف' ضعيفا وتسهل السيطرة عليه (كالمصاب بمرض مزمن يضعفه ويجعله معتمدا على الاخرين ولكن لايقتله). وهذا ما يجري تطبيقه في العراق وله علاقة وثيقة بالتفجيرات والمفخخات في الاماكن العامة. اذ انها باتت اقل عددا وكثافة من السابق الا انها مستمرة. وبطبيعة الحال تناسب هذه السياسة الزيادة في اعداد المتعاقدين الأمنيين (المرتزقة) الذين يشكلون العمود الفقري للجيش الامريكي (في سياسة خصخصة الحرب) وبعثاته الدبلوماسية مع العلم ان منظمات الامم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى هي الأخرى تعتمد على المرتزقة لحمايتها. اما السيناريو الثاني فهو اللجوء الى الخيار الدبلوماسي وتفعيل القوة الناعمة لتسهيل الانتقال من الاحتلال العسكري المباشر الى الاستعماري الجديد (النيو كولونيالي) مع ابقاء بعض القواعد العسكرية الاساسية واحكام السيطرة الجوية (الطائرات بلا طيار ومنع تجهيز جيش البلد المضيف بالطائرات المقاتلة) بالاضافة الى التغلغل المجتمعي عبر منظمات المجتمع المدني، بانواعها، التي تعتمد على الدعم المادي المباشر وغير المباشر من قبل امريكا والغرب مع ضمان التغطية الاعلامية الممجدة ببقاء المستعمر والصامتة، في آن، على جرائمه. ولا يتناقض السيناريو الثاني مع الاول بل يمكن النظر اليه باعتباره مكملا له. ما هو موقع ساسة الاحتلال / المستعمر الجديد من العراقيين في هذه الخيارات؟ هناك ثلاثة مواقف متداخلة فيما بينها، وقد يتقدم احدها على الاخرين حسب التوقيت السياسي او تبعا لمسار 'العملية السياسية': الاول هو الموقف الصريح المباشر المطالب بالحماية ونراه بشكله الاوضح في اقليم كردستان بقيادة البارزاني والطالباني. الموقف الثاني هو المبطن. ظاهره تسويق الوطنية والسيادة وباطنه استجداء بقاء قوات الاحتلال بحجة عدم جاهزية البلد لمواجهة الارهاب وعدم استتباب الأمن أو لحماية طائفة من طائفة أخرى كما في التصريحات المنبعثة من المالكي وعلاوي والمطلك والنجيفي والهاشمي وحاشيتهم من النواب. وفي ظل السور المحيط بهم يجلس التيار الصدري وميليشيا المهدي. فبينما يدعي 'السيد القائد المجاهد اعزه الله' بانه هو 'المقاومة الشريفة'، نسمعه يصرح يوم الثاني من حزيران / يونيو لقناة 'المسار'، اثر الاستعراض 'المليوني' الذي دعا اليه لميليشيا المهدي في مدينة الصدر، بأن ' هدف الاستعراض هو نقل رسالة الى قوات الاحتلال بأن الشعب مع الحكومة وليس ضدها' . والموقف الثالث هو تحييد الاصوات في المجتمع الأهلي والمدني بحجة حمايتها من 'التسييس' او 'الارهاب الاسلامي' و'القوى الظلامية'، عن طريق الدعم المادي وادارة ورشات الديمقراطية وتمكين المرأة، مقابل عدم ذكر الاحتلال وجرائمه، كما يلاحظ بوضوح في موقف الحزب الشيوعي وبقاياه من منظمة للمرأة واخرى للشباب. ويشكل الموقف الثالث الوجه النيوليبرالي الذي من المتوقع نموه أكثر جنبا الى جنب مع 'البعثة الدبلوماسية' ذات القوة الناعمة المتمترسة خلف ما سيبقى من القوات العسكرية والمرتزقة. ويجدر بنا تذكر ما قاله الجنرال اوديرنو، قائد القوات الامريكية السابق، منبها الى ان انسحاب القوات لا يعني التخلي عن العراق لأن القيادة المركزية للقوات العسكرية الامريكية موجودة في قطر ولن يقتضيها وقت طويل للوصول الى العراق. ويرى البعض في الادارة الامريكية ان مشروع التقسيم الى اقاليم او فيدراليات، مهما كانت مسميات التقسيم، سيكون عبئا عليها لانه سيعني التعاون مع عدد من رؤساء الاقاليم بدلا من رئيس واحد بسلطة مركزية تضمن المصالح النفطية التي أصبحت حاسمة في عصر تدهور الامبراطورية الأمريكية، سلطة تسهل السيطرة عليه بسبل الابتزاز وتبادل المصالح والالتصاق بالكرسي والتخويف من الارهاب وغيره. غير ان الأدارة الأمريكية، ان اضطرها الحال ستجد صيغة ما للتعامل حتى مع 18 فيدرالية أو اقليم ما دامت غايتها هي البقاء حتى إن فشلت في التقسيم الثلاثي أو الرباعي للعراق والتحالف مع طبقات المقاولين والبرجوازية المرتزقة التي تعاملوا معها على أساس طائفي وعرقي، والتي ترى في العلاقة مع المركز الخارجي ضمانا لها أكثر من الدولة العراقية وإستعادة بغداد وطنيتها وحيويتها بعيدا عن الإحتلال. وهنا يأتي دور المقاومة بانواعها ومشروعها في تحرير العراق بمواجهة مشاريع التقسيم والهيمنة الاقتصادية تحت مظلة اعلامية تضليلية. هناك جانب المقاومة المسلحة وهي في ازدياد ملحوظ في الشهور الاخيرة، ويعتبر شهر حزيران الاسوأ بالنسبة الى العدو منذ عام 2008 حسب مؤشر استهداف القوات بشريا (سقط 14 من قوات الإحتلال خلال الشهر)، وليس المعسكرات والدوريات فحسب. كما تستمر المقاومة السلمية حيث الاعتصام والتظاهرات في كافة المدن، على الرغم من كثرة المعوقات والتحديات التي يواجهها المتظاهرون وبضمنها القتل والاعتقال والتعذيب وشل الحركة وغياب التغطية الاعلامية التي لعبت دورا حاسما في ثورتي تونس ومصر. ويلاحظ ارتفاع سقف المطالب الشعبية والنقابية من مطالب تحسين الخدمات وتحقيق الوعود الانتخابية واطلاق سراح المعتقلين، على اهميتها، الى المطالبة باسقاط الحكومة الناقصة الفاسدة وتحرير الوطن من المحتل. وبينما تشكل مثابرة المتظاهرين على التواجد كل يوم جمعة في ساحة التحرير في بغداد امتدادا للثورات الجماهيرية في البلدان العربية الاخرى، ترسخ في الوقت نفسه تميزها الجوهري في انها تتصدى لعدوين في آن واحد هما المحتل صاحب اكبر قوة عسكرية في العالم (حيث ترسانته العسكرية وسفارته على مبعدة ميل واحد) وبمواجهة 'حكومة' محلية متقلبة متلونة تحكم بالنيابة حسب الطلب. ويكفينا مثالا قيام سيارات ميليشيا المهدي، التابعة للتيار الصدري 'المقاوم'، بالدوران في شوارع مدينة الصدر محذرين السكان من المشاركة في تظاهرات واعتصامات الشباب في ساحة التحرير. ان حمى الدعوة الى التقسيم الطائفي والديني والعرقي كمحافظات وفيدراليات وأقاليم أو تحويل العراق كله الى 'مناطق متنازع عليها' تنبعث من ساسة العملية السياسية الخائفين على أنفسهم ومصالحهم، ضمن أجواء الانسحاب الجزئي لقوات الاحتلال، الذي سيمسهم بشكل او آخر.