الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 60555مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: زغب الطيور الهاربة للشاعر عبد الرزاق حسين الأربعاء 10 مارس 2010 - 2:21
زغب الطيور الهاربة للشاعر عبد الرزاق حسين نجاح عباس رحيم - يروق لقراء الشعر قراءته. ففيه نوع من المغامرة، تلك هي سبر غور روح الشاعر وما يرمي إليه سواء في الفلسفة أو منهج التعميم بنفس بدائي في بادئ الأمر. لكن بعد الانتهاء من القراءة تلعب الخيالات لعبة الاستشفاف لتعيين المناهج الواردة وما يصلح للتسفير والتنوير. وكذلك تعيين مواقع ومواقف الشاعر وأفكاره. فالشعر وجع من نوع رهيف. فهو يدجّن الروح فيصيّرها حكيمة تارة وثائرة متطلعة تارة أخري. في المجموعة الشعرية للشاعر عبد الرزاق حسين: زغب الطيور الهاربة. نجد القصائد كلها مقطعية قصيرة مكثفة تحمل وجعاً تارة وقنوطاً تارة أخري يبثها الشاعر بمفردات ذات سمات رمزية وإيحائية تتجدد فيها تراجيد يا الريح في العديد منها:- اكتب كلماتي فوق غبار الشارع وامضي، لتمر الريح 1 أطلق في بحر الأحلام زوارق من ورق، لكن نسي الريح 4 في بيت الذكري المهجور نافذة، تعبت فيها الريح 8 فبرغم أن شفافية اللغة في المقاطع الشعرية غير المرهقة، إلا أن روح الشاعر بدت في الكثير منها حزينة وبالغة الحس الإنساني ولكن لم نر مجابهة للخروج من التقوقع للنفاذ إلي مرحلة جديدة: يا نداء الشراع الغريق المحارة لاتستفيق من حلمها اللؤلؤي علي صوت شاعر 28 ûûû تحت شاهدة من ظلام القبور كان خيط من النمل اسود ينسل من ثقب أجرة ربما اقتطعت نملة من جسد ميت ذرة من غرور 27 يستمر الشاعر بهذه الرؤية الحزينة التراجيدية: بالأماني التي لا أبوح بها سوف أبدا صمتي الأخير 37 وأحيانا يتوقف فوق عتبة الفرح ليستأنف الحياة علي غرار دهشة زكريا: سمعت الأغاني تبشر حزني القديم بوعد إنا الشيخ في أخر العمر تأتي البشارة 40 ويعود ثانية إلي الحزن دون أن يصطدم بموقفه الإنساني وكأن شيئاً يمنعه من المغادرة. ربما هنا أراد أن يضيف وجوداً جديداً لروحه المتقلبة الأحاسيس: حين لاالتقي في الصباح فرحة اشتهيها والمح إحزاني المستبدة قادمة في المساء أعود إلي الذاكرة لأخذ من فرح الأمس لليلة 41 لحظة الكبرياء لكنه يبقي أسير الإحباط إذ لا انفلات من الحزن كما المطر لا انفلات منه: مرّت الريح مرّ الغبار عليه وفي ليلة من ليالي الشتاء المطيرة قبّله عابر قبلة الحزن في اللحظات الأخيرة 46 ûûû الريح تنفض لون الغبار عن شجر يرتدي للمواسم خضرته ويجيء المطر 49 ûûû وما بين خطي ليل آت ونهار مهزوم حد يشحذه برد الريح 62 ويدب الإحباط دبيبه ليصل منتهاه وبشكل عار كأنه يخفي تحت ثيابه الشاعر حسين عبد اللطيف في قصيدته " دون جدوي" : في سلة الفاكهة الفارغة قبضة ريح لم تهز الشجر 13 وهنا لا اقصد سوي أن العديد من الشعراء ساروا في نفس المنحي الذي يسير فيه شاعرنا مثلما يوجد آخرون في مسار الكثير من المذاهب كالرمزية وغيرها . وإنا لا اذهب أكثر من قولي أن الشاعر عبد الرزاق حسين يذكرني بالشاعر حسين عبد اللطيف بنفس كتابة المقاطع الشعرية، لكنهما- كما يبدو- ينهلان من نفس التأثيرات البيئية الواحدة. فهما يستخدمان صوراً واقعية ونفسية منسلّة من حياتهم اليومية وهذا ما دفع الاثنان لاستخدام مفردات متشابهة مثل: الريح. مرآة. الشجر. المطر. لكنهما نجحا- أيضا- في إقناعنا بتجربتيهما، إذ ينسل الأمل والإنسانية بإصرارهما علي مواصلة الحياة برغم الإقدام المنهوكة والصدور اللاهثة. فقد اصدقونا القول لأنهما ولدا من رحم واحد وعانا نفس الحزن والإحباط والعزلة: في عاصفة غادر عكس الريح صوتي 64 ûûû اكتب كلماتي فوق اسمي وأعود بوجهي للمرآة وحيداً 65 ûûû أطبقنا الأيدي وفتحنا الأيدي ما من شيء في الأيدي قادتنا الريح إلي الريح دون جدوي- الشاعر حسين عبد اللطيف- وهنا يتبادر سؤال اثر سؤال: هل الشاعر عبد الرزاق حسين يتكلم عن تجربة عالمة المخيب للآمال، خاصة في مدينته. وما هو الشكل الجديد للحياة- الذي يطرحه- لهذا الإنسان المحبط والحزين؟ تمر بنا الريح عابرة زهرة من بقايا الحدائق أو جمرة من بقايا الحرائق تمر، ونبقي للانتظار 147 ûûû قناطر من شجر ميت في قرانا آه لو نتذكره في أماكنه الخالية كيف كان؟ ونحن نواصل بين الضفاف خطانا 86 ûûû انظر من أية نافذة شئت البشري..
لم تأت إليك 150 في هذا الإطار يتمثل شعر عبد الرزاق حسين في العديد من المقاطع الشعرية في نوع من الصراع بين تراجع الحاضر إمام الماضي، لذلك فهو يضع متلقيه في ترقب وانتظار دائم وكان الماضي يتجدد في نفسه: هي تنتظر الباص فاتنة تخفق الريح في ثوبها هي تصعد في الباص كل المحطات في الانتظار 63 ûûû حين توقف نبض الساعة لم تتريث خطوات الزمن الغابر 113 ثم يكشف الشاعر عن مواقفه إزاء لحظات مقاطع الشعرية كما أوردنا، إلا انه في أحايين كثيرة يظهر شيئاً أخر هو الموت والضبابية. والموت عنده هنا هو الموت المعنوي برغم رنين كلمات الحب والأشواق ذات النزعة التفاؤلية والجمال اللفظي: لا أجيد الشعر في الحب وان كنت جميلة أن لي من قلقي ما يجعل الكلمة كالجرح الذي ينزف لااحتمل الشوق وأخشي مستحيله فاتركيني للهوي الأخر لا تكفيك أيامي القليلة 125 ويدرك اخيراً أن العالم تافه وان الحياة قصيرة ستذبل الزهرة لتبدأ البذرة نفس الهوي 143 لكن تتميز قصائد الشاعر عبد الرزاق حسين بوجه أخر لسمات الحزن والإحباط والعزلة يمتد من أول مقطوعة حتي أخرها، إذ يتبين أن الإحباط حالة مستديمة يشترك بها الكثير من شعراء جيله ولا فرار منها وهو لم يحقق انتصاره علي تلك السمات برغم تباعد خطواته عنها تارة واستبدال مفرداته بما يقاربها للتعبير عنها تارة أخري وكأنه في أتم الرضا والقناعة من أزمته هذه: انظر من أية نافذة شئت البشري.. لم تأت إليك 150 ولا عجب لان درجة الظلم الذي وقع عليه جعله مثل مرفأ لا ترسو عنده سوي مفردات الإحزان و الإحباط والعزلة،لهذا فهو يتشابه مع شعراء جيله لان هذه الطائفة من الشعراء عجزت عن الهرب من هذا الواقع ولم تجد غير هذا الشكل من الشعر للتعبير عن تعقيد الحياة وتناقضات الانتماء واللانتماء أي- بعبارة أخري- أنهم خضعوا لحكم الضرورة وليس الانفعال لأنهم في هذا الشكل من الشعر اختارو من العالم ما يحيط بهم من مفردات الاستسلام للحزن، العاصفة، البحر، الريح.. وهم يرون أنهم خضعوا لهذا الترتيب من الحكم مما أعطتهم الحقيقة التي يرونها فتفوقوا بهذا في طبع بصماتهم علي حركة الشعر العراقي الحديث ويجدر أن يكونوا نماذج للأجيال. إما بالنسبة للقاري فأما أن يري ذلك بنفسه ويقتنع بهذا الترتيب أو يري غير ذلك لأنه بالنهاية يبحث عن الجمال المخبأ خلف هذا الإقرار.
حبيب حنا حبيب عضو فعال جداً
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :
موضوع: زغب الطيور الهاربة ... الجمعة 19 مارس 2010 - 21:50