لابد من التأكيد ابتداءً على ضرورة ان يطلّع المواطن على بعض الأرقام والحقائق عن الفساد المالي في مؤسسات ودوائر الدولة،
لكي يكون مطلعاً بدرجة كافية على هذا الواقع السيئ، الذي تجاوز إطار القياسات التقليدية. وللأسف فان عوامل كثيرة تغذي هذا الانفلات وتطور أساليبه وتمنحه فرصاً جدية للانتشار والتوسع. ولعل من أهم تلك العوامل وأخطرها، ما تمنحه معظم الكتل السياسية والأحزاب من دعم قوي للمفسدين مقابل ولاءاتهم الحزبية والطائفية والقومية. ومن الملفت للنظر ان أهم الحقائق المتعلقة بالفساد المالي تشير الى اتهام وزراء ومدراء عامين وموظفين كبار وهم صفوة العاملين في الدولة وقدوتهم.وكل ذلك يحدث وراء ستار حديدي من التستر توفره في أحيان معينة الكتل السياسية والأحزاب المتنفذة وفي أحيان أخرى شخصيات مهمة في الدولة، والمواطن في كل يوم امام حدث جديد في هذا المسلسل الذي لا ينتهي ولن ينتهي. ولتسليط مزيد من الضوء على هذا الموضوع نستعين بتقرير هيئة النزاهة لعام 2008، كي نقف على حجم هذه الكارثة وتأشيرة حقائق تفسرها الارقام التي لا تختلف عما في عامي 2009 و2010 موضوعياً، إلا بالزيادة لا بالنقصان. المهم ان المؤثرات الاحصائية تؤكد ان عدد حالات الإخبار عن الفساد في عام 2008 كان بحدود (5031) اخباراً، عرض منها على قاضي التحقيق (3027) دعوى جزائية، وحكم على (97) متهماً في قضايا الفساد وبموجب (79) حكم إدانة. كما بلغ عدد أوامر القبض الصادرة ذلك العام (630) مذكرة قبض، في حين بلغ عدد الموقوفين على ذمة محققي الهيئة بتهم فساد (417) موقوفاً. أما عدد الاضبارات التي تلقتها الهيئة منذ تأسيسها لغاية 31/12/2008 فقد بلغ (17620) إخباراً، عرض منها على قاضي التحقيق (12975) دعوى وأحيل منها الى محكمة الجنايات (937) دعوى، بلغ عدد المحكومين فيها بقضايا الفساد (396) محكوماً، منذ تأسيس الهيئة، بينهم خمسة وزراء سابقون. كما اكتشفت الهيئة (317) شهادة مزورة مقدمة من مرشحي انتخابات مجالس المحافظات الى المفوضية المستقلة للانتخابات. وفي نفس الاتجاه سجلت ثلاث جهات رسمية أكبر عدد من الاضبارات ضدها خلال عام 2008، وهي وزارة الداخلية التي وصل عدد الاضبارات المتعلقة بها (788) إخباراً تلتها وزارة الصحة وبرصيد (269) إخباراً، وقد صنفت هذه الاضبارات وفق نوع الجريمة وكما هي: الرشوة (294) إخباراً التزوير (704) إخباراإ الاختلاس (454) إخباراً تجاوز الموظفين حدود وظائفهم (795) إخباراً اخرى (2784) إخباراً ومن الملفت للنظر ان وزارة الداخلية كانت في مقدمة الوزارات من حيث إخبارات الرشوة والاختلاس، حيث سجلت (75) إخباراً و(120) إخباراً على التوالي، في حين تصدرت وزارة العدل جميع الوزارات في ما يخص التزوير، حيث شهدت (344) إخباراً. ومن جانب آخر، فأن عدد القضايا الجزائية المغلقة خلال الفترة منذ تأسيس الهيئة الى نهاية عام 2008 وصل الى (1927) قضية، كان عدد المتهمين فيها الذين توقفت بحقهم الإجراءات القضائية بسبب عدم موافقة المرجع الإداري خلال الفترة من 2005 ولغاية 2008 بحدود (211) متهماً. ومن اللافت ان أغلب الجهات الحكومية التي تدعي حرصها على مواجهة الفساد وملاحقة المفسدين هي ذاتها التي مارست هذه الصلاحية ومنها جهات عليا ووزارات الدفاع والنقل والرياضة والشباب والكهرباء، ديوان الوقف الشيعي، ووزارات النفط، الإسكان والأعمار، البلديات والأشغال، الداخلية، الصناعة والمعادن، الاتصالات، الزراعة، التعليم العالي والبحث العلمي، البنك المركزي العراقي، وأمانة بغداد. ألا يحق بعد هذا ان يقلق المواطن من هذه الأرقام التي تمس أخلاق الوظيفة في مناصب حساسة؟! ألا تشير هذه المعطيات الى حجم الخطورة التي تنجم عن هذه الجرائم التي اتسعت لتشمل كل الوزارات وتمركز في وزارات حيوية مثل الداخلية التي ينبغي ان يتمتع منتسبوها اكثر من غيرهم بحصانة عالية، وكذلك وزارة البلديات والاشغال التي تتسم أعمالها بالأهمية، لأنها تتعامل مع تنفيذ مشاريع ولها التزامات تعاقد مع شركات وأشخاص ويمكن ان يؤدي الفساد فيها الى التجاوز على حقوق الدولة في تنفيذ تلك المشاريع. ويبدو ان جميع الوزارات ورئاسة مجلس الوزراء استخدمت صلاحية ايقاف الاجراءات القضائية بحق متهمين بالفساد وهذا امر لا بد من التأكيد عليه لانه بالغ الاهمية ويثير الدهشة والاستغراب، ولان هناك محكومين في هذه القضايا ذوي مناصب حساسة ومهمة، من بينهم وزراء ومدراء عامون ورؤساء مجالس محافظات واعضاء مجالس محافظات وعقيد واستاذ جامعي ولواء ركن وامراء افواج ومستشار ومدراء حسابات وغيرهم. فكيف بالموظف الصغير الذي يجد امامه متسعا من المجال للاختلاس والرشوة وغيرها من جرائم الفساد، في مقابل ضغوط الحياة المعيشية الصعبة؟!. لقد بلغت قيمة حصاد الفساد في القضايا المشمولة بقانون العفو في بغداد والمحافظات لغاية 31/12/2008 حوالي (675,124) مليار دينار. ويزيد هذا المبلغ باضافة تقديرات الفساد في قضايا كثيرة لم تحسب الجهات الرسمية لها حسابا في الجرائم الخاصة بها.ورغم جسامة هذه الجرائم فان الواقع يشير الى ان الدولة بكافة اجهزتها، قد اصابها بدرجة او باخرى هذا المرض الخبيث، الذي ما زال مستشريا في جسد الحكومة. --------- وان الحاجة ماسة لدراسة انظمة الدولة المحاسبية والمالية والتعاقدية، لمعالجة الثغرات التي تغري الموظف بالفساد وكذلك اهتمام الوزارات والمؤسسات باجهزة الرقابة فيها وتنشيط دور الرقابة المفاجئة وتنمية مهارات العاملين فيها ليكونوا بمستوى يمكنهم من الاكتشاف المبكر لجرائم الفساد. ويبقى المواطن ينتظر الاصلاح الذي يسير ببطء شديد ودون جدوى وكأن الجميع استسلم للمرض واصبح الفساد واقعا لا بد ان يتعامل معه المواطن لانجاز اعماله بصورة سريعة وسهلة. فهو يضطر في هذه الحالة الى ان يدفع الرشاوى فيكون بذلك ورغم انفه جزءا من الفساد. (عن موقع الحزب الشيوعي العراقي ) الجيران