حي باشاوات البصرة: مئات المنازل التراثية مهددة بالاندثار وديوان المحافظة يوزع المساكن على الموظفين

جريدة صوت البصرة:

كان حي "نظران" الحارة المخصصة لاقامة الخواجات والباشوات والتجار في بصرة القرن التاسع عشر. شيدت مبانيه العتيقة على ارقى طرز الشناشيل، كما يشاهد المرء فيه المعمار الحديث الذي دخل العراق في العقد الاول من القرن العشرين. واقيمت في هذا الحي عشرات الجسور الخشبية او تلك المبنية من الاجر والتي تظهر كلوحة تراثية، على جدول مائي يقطع الحي من نهر العشار وصولا الى سور البصرة القديم.

كل منزل فخم امامه جسر. اما النهر فكانت تمر عبره زوارق الاثرياء تنقلهم عبره الى اطراف المدينة. لكن حي الباشوات اليوم يعد الاقذر في البصرة، ويمتلئ نهره العريق باوساخ تنبعث منها الروائح النتنة. وتعرض الحي الفخم الى تشويه متواصل عبر البناء العشوائي والترقيعي الذي اتى على الطابع التراثي الذي يعد من اهم ما تبقى من طراز الشناشيل التي عرفها العراق وبلاد الشام والخليج في القرون الماضية.

البصرة التي تعتبر من "اثرى" المحافظات بسبب قانون البترودولار، والذي اتاح لها نحو مليار دولار سنويا، تعززها شركات النفط العملاقة التي يملأ موظفوها صالات الفنادق الراقية هناك، لم تتحرك بعد لفعل شيء كما يبدو، ازاء هذا الواقع المزري لابرز احيائها التأريخية.

"العالم" التقت سعد حمزة زغير، معاون مدير دائرة التراث العامة في البصرة، الذي قال ان "من اولويات الحفاظ على الابنية التراثية، وليس صيانتها فقط، هو توثيقها وادراجها ضمن كشوفات ومسوحات الدائرة، وتقييدها ضمن السجل الوطني في بغداد، ومن ثم وضع الخطط حسب الاسبقية لصيانتها والحفاظ عليها حسب ما يتاح من تخصيصات".

واضاف "هذا العام، وبالتعاون مع مكتب الاستشارات الهندسية في جامعة بغداد، باشرنا بوضع مرتسمات معمارية وتوثيق فني دقيق وفق مخططات ومقاطع لنحو 130 مبنى تراثي مميز في البصرة، واطلعنا على خطط بهذا الصدد ودراسات لاستثمار هذه الاماكن التراثية".

ويبفت الى ان "بيوتات حي نظران من ضمن مجموعة الـ 130، لانه يضم مباني تراثية متميزة ومصنفة وفق ثلاث درجات بحسب العناصر المعمارية التي تحويها والعناصر الزخرفية والتخطيطية، لانها السمة المميزة للتراث العراقي".

ويشكف الخبير الاثاري ان "موازنة البصرة لهذا العام لم تخصص اي مبالغ للاثار، لكنا لجأنا الى خطة تنمية الاقاليم، ونتمنى ان تخصص لنا مبالغ من هذا البند"، لكنه يقول "نلمس جدية من قبل المعنيين في المحافظة لتوفير الاموال اللازمة لاعادة ترميم دور حي نظران وهم متعاونون بشكل كبير مع هيئة التراث".

ويضيف معاون مدير دائرة التراث ان "البصرة واحدة من اهم المدن التي تضم التراث العراقي، وفيها نحو 250 منزلا تراثيا مسجلا بشكل رسمي لدينا والعدد مرشح للزيادة".

ويتابع بالقول "لايمكن ان ننظر لموضوع الحفاظ على المباني التراثية من دون النظر للاوضاع التي تمر على العراق، والبصرة ليست بمعزل عن الوضع العام للبلد وكلنا ثقة ان تشهد السنوات المقبلة اهتماما واسعا في مجال احياء تراث العراق وهناك نوايا حقيقية للمضي قدما بهذا الموضوع".

بدورها تقول زهرة البجاري، رئيس لجنة السياحة والاثار في مجلس محافظة البصرة، في لقاء مع "العالم"، "حتى فترة ليست بالبعيدة كانت هذه الدور تحت اشراف دائرة الاثار والتراث في البصرة ومفتشية الاثار، اما الان فهذه البيوت تملكها ديوان محافظة البصرة والذي وزعها بدوره على منتسبيه".

وتؤكد ان "هذا اثر كثيرا على حالة هذا الحي لان الذي سكنها لم يلتزم بضوابط المحافظة على الدور الاثرية والتراثية".

وتشير البجاري الى "وجود مشروع في ديوان المحافظة لاعداد دراسة عن هذه البيوت واعادتها الى سابق عهدها، وهو مشروع لم يقدم منذ ثلاثة سنوات ويشكل اخفاقا واضحا من قبل الدوائر المعنية"، تلفت الى "تقديم مشروع لترميم هذه الدور على الاقل وننتظر استكمال الدراسة".

وبشأن المسوغات القانونية والاخلاقية لتوزيع اماكن تاريخية على موظفين لاغراض السكن، تقول البجاري "ديوان المحافظة له الحق بتوزيع املاكه على منتسبيه، وله في حي نظران 40 بيتا من اصل نحو 60، وهذه البيوت خصص بعضها لمنتسبي الديوان بشكل رسمي، ومنها ما تم استيطانه بشكل غير شرعي من قبل موظفين اخرين من ذات المؤسسة واحدها مقر لادباء البصرة واخر تم تحويله الى متحف للشهداء".

وتضيف "لم يتمكن موظفو الديوان من المحافظة على هذه الدور الآيلة للسقوط اصلا رغم تحذيرات مفتشية الاثار لهم بضرورة الالتزام لكن لا احد يأبه لذلك" وتؤكد عضو مجلس محافظة البصرة ان "اعادة تأهيل هذه الدور يكلف مبالغ طائلة ويجب ان تقدم الدائرة المستفيدة من المشروع طلبا لتخصيص الاموال الكافية لاعادة تأهيل هذا الحي، ولكن الدائرة الوحيدة المستفيدة وهي ديوان المحافظة لم تتقدم بطلب لتنفيذ مشروع اعادة ترميم الحي، فكيف سيبدأ المشروع؟".

وبشأن الواقع الراهن للمباني التراثية لحي الباشاوات، تقول البجاري "بعض دور حي نظران آيلة للسقوط وبعضها سقط فعلا والبعض الاخر تم تحويله الى محال تجارية، ولكن هناك 19 دارا ما تزال مسجلة كشناشيل ويجب المحافظة عليها".

وتنوه الى "وجود تخصيصات مالية جيدة لاعادة تأهيل هذه البيوت ولكن لا توجد جهة تطلب البدء بتنفيذ المشروع، وحتى اذا اخلينا مسؤولية ديوان المحافظة فاصحاب الدور المتبقية غير متواجدين في العراق اصلا، او قد لا يهمهم احياء المنطقة ومن الصعوبة السيطرة على ارث موجود وهي لا تعود لشخص واحد وعملية البحث عنهم مضنية لانهم منتشرون في كل بلدان العالم".

وعما اذا كانت حكومة البصرة ستقف مكتوفة الايدي امام اندثار معالمها التاريخية، تشدد البجاري بلهجة قاطعة "اذا اضطررنا سنقترح على مجلس المحافظة مفاتحة مالكي هذه الدور وطرح عدة خيارات امامهم كما حصل من قبل امانة بغداد في مفاتحتها لملاك ابنية شارع الرشيد، وسنقدم عدة مقترحات مناسبة لهم للبدء بمشروع اعادة التأهيل". وبشأن نهر الباشوات الذي يقاوم الاندثار والتلوث بسبب اطنان النفايات، اشارت البجاري الى "ابرام عقد مع شركة جفرة التركية لتنظيف هذا النهر وباقي انهار المحافظة بالاتفاق مع بلدية البصرة" في مشهد يشبه عودة العثمانيين الاتراك لترميم نهر يعود الى العراق العثماني