حملات تفتيش أوروبية تداهم مكاتب "غاز بروم" الروسية لخرقها قواعد المنافسة

موسكو - مازن عباس
شهدت مكاتب شركة "غاز بروم" الروسية والشركات المتعاقدة معها حملات تفتيش قام بها مفتشو المفوضية الأوروبية فى 10 دول أوروبية، للكشف عن مخالفات "غاز بروم" لقواعد المنافسة في توريد الغاز.

ونقلت مصادر من المفوضية الأوروبية أن حملات مفتشي المفوضية لم تقتصر فقط علي مكاتب شركة "غاز بروم"، وإنما شملت ايضاً مكاتب شركات E.ON Ruhrgas, RWE, OMV, PGNiG.، ومقر شركة Vemex فى براغ.

وذلك لدراسة وثائق هذه الشركات وعقودها مع شركة "غاز بروم" وتقييم التزامها بقواعد المنافسة في الاتحاد الأوروبي.




وفيما تعيش مكاتب عملاق الغاز الروسي فى العواصم الأوروبية حالة طوارئ، كشفت مصادر في المفوضية الأوروبية عن توفر معلومات لديها، تفيد بأن شركة "غاز بروم" قامت بانتهاك قواعد المنافسة الحرة وقوانين مكافحة الاحتكار في دول وسط وشرق أوروبا، وذلك عبر تقسيم الأسواق بين الشركات الكبرى، أو اساليب اخرى تمكن الشركة الروسية من التحكم في أسواق هذه البلدان.

وبعد أن اثارت حملات التفتيش الأوروبية قلقاً في أوساط مستوردي الغاز الروسي الأوروبيين، أعلنت المفوضية الأوروبية أن هذه التحقيقات لا تعني إدانة لشركة "غاز بروم" الروسية، وإنما هي مجرد تحقيقات، إذا ما كشفت انتهاك الشركة لقوانين المنافسة الحرة فسيكون عقابها غرامة مالية تحدد المفوضية الأوروبية حجمها وفق حجم الخسائر الناجمة عن مخالفة قوانين مكافحة الاحتكار.

كما اصدرت إدارة شركة "غاز بروم" بياناً اعتبرت فيها أن حملات التفتيش مجرد إجراء وقائي، ولا يعني توجيه اتهام لشركة "غاز بروم" بمخالفة قواعد المنافسة الحرة، وان إدارة الشركة كانت ولاتزال تحرص على الالتزام بقواعد العمل في السواق العالمية وقوانين مختلف البلدان التي تعمل فيها.

واعتبر العديد من المراقبين أن حملات التفتيش الواسعة على مكاتب شركة "غاز بروم" الروسية ومكاتب شركائها في 10 عواصم أوروبية بداية لحرب غاز جديدة بين روسيا والاتحاد الأوروبي. بعد أن بدأت أوروبا تمارس ضغوطاً على الشركات المشاركة في مشروع (التيار الجنوبي) لتمديد أنابيب لنقل الغاز الذي سيبدأ بنقل الغاز الروسي عام 2016 إلي بلغاريا وإيطاليا واليونان وصربيا والنمسا، وتبلغ تكاليف تشييده نحو 12 مليار دولار، فيما تقدر طاقة الأنبوب بأكثر من 60 مليار متر مكعب.

ويرى المراقبون أن هذه الحملات تستهدف إفشال المشروع الروسي لحساب خط أنابيب (نابوكو) الذي تقدر كلفته بمبلغ 6.14 مليار دولار. ويفترض أن يبدأ بنقل الغاز من منطقة بحر قزوين عبر الأراضي التركية إلى النمسا دون المرور بأراضي روسيا في أواخر هذا العام.

وتشترك في تنفيذ هذا المشروع تركيا وبلغاريا ورومانيا والمجر والنمسا. وتبلغ طاقة الأنبوب "نابوكو" 31 مليار متر مكعب من الغاز.

ويشكك الخبراء الروس في جدوى هذا المشروع نظراً لعدم توفر كميات الغاز اللازمة لتشغيله. وكان المفوض الأوروبي جونتر ايتينجر قد حذر موسكو من محاولة تعطيل مشروع انابيب (نابوكو) لصالح مشروع (التيار الجنوبي)، ما دفع نائب رئيس مجلس إدارة شركة "غاز بروم" الروسية الكسندر مدفيدف لأعتبار هذه التصريحات مجرد ادعاءات ليس لها اساس من الصحة، نظراً إلى أن مشروعي (نابوكو) و(التيار الجنوبي) مجرد سبل متنوعة لنقل الغاز الروسي، ولها أهداف مختلفة.

ولا تعتبر حملة المفوضية الأوروبية على مكاتب "غاز بروم" المرة الأولى في الصراع بين احتكار الغاز الروسي والاتحاد الأوروبي، اذ سبق أن وجهت الإدارة الأمريكية اتهامات إلى شركة "غاز بروم" بأنها تسعى لأن تصبح احتكاراً متعدد الجنسية، ودعت لإعادة النظر في جدوى التعامل معها بعقود طويلة الأجل.

وأعرب ماثيو برايز نائب رئيس إدارة أوروبا في الخارجية الأمريكية آنذاك عن قلقه من محاولات "غاز بروم" لشراء شركات أوروبية وشبكات نقل الغاز الأوروبية. وتوسعت الانتقادات والتحذيرات من نشاط شركة (غاز بروم) في أوروبا لتشارك فيها مؤسسات أوروبية، اعتبرت ان تنامي نفوذ "غاز بروم" في مجال توفير الطاقة للمستهلك الأوروبي خطراً يهدد سيادة الدول الأوروبية، ما دفع الحكومة البريطانية عام 2002 لتعديل قانون بيع الشركات الصادر، وإضافة مواد تمنحها حق إلغاء أو تجميد صفقات بيع الشركات في قطاع الطاقة، التي قد ترى فيها مخاطر أو تهديداً لمصالح بريطانيا. وذلك عندما قررت شركة "غاز بروم" توسيع أعمالها في أوروبا الغربية، عبر شراء شركة (سنريكا)البريطانية التي تزود 6.1 ملايين مستهلك، وتبلغ حصتها في أسواق تسويق الغاز للمستهلكين حوالي 60 بالمائة، وتغطى 15 بالمائة من احتياجات المؤسسات الصناعية والتجارية البريطانية، إضافة لامتلاكها نحو مليون منشأة صناعية بالطاقة ومحطات كهرباء في بريطانيا وبلدان أوروبية أخرى.

وفي هذا السياق أثارت خطط (غاز بروم) لتوريد الغاز للمؤسسات الطبية البريطانية قلق بعض السياسيين، حيث قال حزب المحافظين إن روسيا لا يمكن أن تكون مورداً مضموناً للمؤسسات الطبية البريطانية واعتبروا أن هذا الاتفاق يهدد مصير المؤسسة العلاجية وحياة المرضى.

وتعارض واشنطن بشكل صريح سيطرة الشركة الروسية على شبكة أنابيب نقل الغاز من وسط آسيا، باعتبار أنها تمكن روسيا من تحقيق أرباح تصل إلى 200 بالمائة من تكاليف الغاز، وتدعو الدول الأوروبية لإقامة صلات مباشرة مع تركمانستان وبقية الدول الآسيوية المنتجة للغاز ومساعدتها على التخلص من تبعيتها إلى روسيا في تصدير منتجاتها من الطاقة.

لذا لم يستبعد العديد من المحللين أن تؤدي المعركة الحالية بين "غاز بروم" والمفوضية الأوروبية إلى عقوبات قاسية بحق احتكار الغاز الروسي، وإغلاق بعض مكاتبه في عدد من العواصم الأوروبية.