الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :
موضوع: العـــــراق الى ايـــــن ؟؟؟ السبت 1 أكتوبر 2011 - 10:38
كاظم محمد الحوار المتمدن - العدد: 1474 - 2006 / 2 / 27 المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق ...........................................................
بعد ثلاث سنواتٍ من الغزو والأحتلال ، أتسم الوضع في العراق بمفارقاتٍ تأريخية ، اجتماعية واقتصادية وسياسية ، تكثف وتجمل تداعيات المتغيرات الدولية ما بعد انتهاء الحرب الباردة ، وطبيعة الترتيبات المطلوبة للنظام العالمي الجديد ، الذي تقوده طغمة الحرب الفاشية في البيت الابيض ، والتي كانت ولازالت منطقتنا هدفآ مركزيآ له ، حيث دشنت باحتلالها العراق مسلكها الهيمنوي الجديد عالميا . لقد تم تفكيك دولة الوطن العراقي وتحطيم مفاصلها وتشتيت مرافقها وضرب مؤسساتها وأطرها ، لخلق حالة الفوضى المطلوبة ، وللبدأ ببناء ركائز دولة (المؤسسات العصرية الجديدة) ، دولة الديمقراطية الامريكية ، مركز الاشعاع للمشروع الصهيوامريكي للشرق الاوسط الكبير! .
تفكيك الدولة وتقسيم الوطن
ان تفكيك الدولة العراقية والاطاحة بها ، بنظمها ومؤسساتها وهياكلها ، اريد له تفكيك الوطن العراقي معها لبناء دولة الاحتلال ومريديه من الاحزاب والجماعات المتعاونة والمتوافقة والمتناغمة مع المشروع الصهيوامريكي ، المشروع الذي تشابك مع الطموحات الفئوية في الفدرلة والاقلمة للقوى الطائفية والعنصرية ، لذلك استدعى هذا التناغم والتشابك في الاهداف والمصالح (عملية سياسية) تبناها المحتل ورسم وكتب عناوينها الاساسية ، فكان قانون بريمر لأدارة الدولة العراقية ، والذي اقره مجلس الحكم المشكل على ذات الاسس التي اسست لملامح ( الدولة الجديدة) ، دولة الديمقراطية والرفاه الموعودة ! . لقد كانت (العملية السياسية) والتي هيأت ادارة الاحتلال مستلزماتها ، داخليآ واقليميآ ودوليآ ،عملية تشريع وعرقنة الاحتلال قانونيآ وسياسيآ ، وعملت جاهدة ً على تمرير نتائج حلقات ومحطات هذه العملية ، عبر فوضى (خلاقة) شملت مرافق الحياة المختلفة الاجتماعية والسياسية والامنية . لقد اقترنت عمليتهم السياسية بغايات واهداف تكتيكية واستراتيجية ، تبغي الترسيم الجديد لخارطة العراق السياسية والدور المناط به اقليميآ كونه نقطة الانطلاق للمشروع الشرق اوسطي الكبير، ومن اجل التمهيد لأنجاز هذه الاهداف لابد من ضرب المقومات الوطنية واحداث الشرخ المطلوب وطنيآ واجتماعيآ ، وايصال المواطن الى (القناعة المطلوبة) بان يقبل مجبرآ ومضطرا بالفدرلة والتفتيت والتحاصص والتقسيم .
اقتصاد مدمر كان للحرب الامريكية على العراق واحتلاله نتائج كارثية على البنىالتحتية الاساسية والتي تضررت بشكل كبير ، وضمن توجهٍ مقصود تم قصف المؤسسات الانتاجية من مختلف القطاعات الصناعية ، حيث ان اكثر من 17 الف مصنع كبير ومتوسط وورشات العمل المؤسساتية قد تعرضت للتدمير والتخريب ، اضافة الى (قانون النهب) الغير معلن وتحت سمع وبصر الاحتلال في تفكيك المؤسسات الصناعية والانتاجية وبيعها كخردة الى الشركات الاسرائيلية ، وبنفس الطريقة تعاملوا مع اسلحة الجيش العراقي الثقيلة والتي تقدر بالمليارات من الدولارات ، اضافة الى سيطرة بعض المليشيات على جزء منها ، اما ما تبقى من مؤسسات الدولة فجرت عليها (الخصصة السرية ) اي بيعها او تاجيرها بابخس الاثمان للطفيليين الجدد والمرتبطين باحزاب الاحتلال وحاشياتهم ، ولازال النفط بوزارته ومؤسساته يخضع للرقابة الامريكية الصارمة في محاولة لأعادة (تأهيل) هيكلة الاستخراج والتصدير ووضع الدراسات والاتفاقات المطلوبة امريكيا لحقوق الاستثمار والبحث والتنقيب ، والتي تشير مؤسسات عديدة الى انه ينحو باتجاه الخصصة والمشاركة مع الكارتلات النفطية العالمية ، حيث لايعرف لحد الان حجم واردات العراق المالية واتجاهات صرفها ، وكما ان تقليص البطاقة التموينية ومحتوياتها ضغط الى حد كبير على فرص العوائل العراقية في المساعدة الحكومية للتغلب على مصاعب الحياة اليومية ، حسب نصائح البنك الدولي ، فأن الاستجابة لشروطه المجحفة بزيادة اسعار المحروقات بثلاث اضعاف ترك اثره الكبير على الفئات الشعبية التي تعاني العوز والفقراصلا .
وكذلك فأن العمليات العسكرية المستمرة في تدمير مدن غرب العراق ، تضيف اعباء جديدة على كاهل المواطن العراقي في حرمانه من المسكن ومستلزمات الحياة الاساسية ، وانها في نفس الوقت تحمل الاقتصاد المحلي ما لا طاقة له على تحمله ، مما يضفي على المشهد ماسي اجتماعية في الهجرة والتشرد لعوائل وايتام وثكالى ، لتزيد من واقع الفقرالذي ازداد بشكل مخيف في السنتين الاخيرتين ، حيث تشير بعض الدراسات الى النتائج الكارثية لاحتلال العراق على المستوى الاجتماعي حيث تفشت البطالة وعلى نطاق واسع وبنسبة تزيد على 60% ، وازدياد ونمو العنف الاجتماعي وارتفاع معدلات الجريمة كالسطو والسرقة والخطف والقتل والاغتصاب ، ان نسبة 40% من الشباب يرون في المستقبل كلمة لامعنى لها ، وهذا يؤكد ان اليأس الذي يسود مختلف الفئات الشعبية له اثاره الاجتماعية والسياسية اللاحقة . وبعد ان كان العراق من الدول المتقدمة في مجال الرعاية الصحية المجانية ، وامتيازه بوفرة كادره الصحي والطبي وبمستويات مختلفة وبكفاءاتٍ عالية مشهودة اصبح اليوم وبعد ثلاث سنوات من الاحتلال يعاني من تدهورٍ خطير في طبيعة النظام الصحي ونوعية الخدمات المقدمة ، حيث ضعف نظام الوقاية الصحي الى حدٍ كبير وتدهور نظام التطبيب لدرجة مخيفة ، من نتائجها ان الالاف من المواطنيين يطلبون العلاج خارج العراق رغم اعباءه الثقيلة على كاهلهم ، ان عودة انتشار بعض الأمراض مثل الكوليرا والملاريا اضافة الى وجود اكثر من 140000 حالة سرطان مسجلة ، كما اكد الدكتور عبد علي مهدي رئيس مستشفى الاشعاع والطب النووي ، لم يتلقوا العلاج المفروض ، يشير الى التراجع الخطير الذي اصاب القطاع الصحي في العراق ، كواحدٍ من مجمل قطاعات الدولة في العراق التي شهدت خرابآ شاملآ .
قرع طبول الحرب الاهلية
لقد كان لدوائرالتخطيط السياسي ومجاميع ومنظمات القتل والارهاب المرتبطة بالاحتلال والمليشيات ، وكذلك للقمع والتكميم السلطوي ، وشيوع الخطاب السياس الطائفي ، الذي يعزف على الاوتار المذهبية والمظلومية ، والذي استعار من قاموسها اسوأ عبارات الكراهية والاستعداء ، ومن قاموس السياسة اتعس مصطلحات التظليل والأستغباء ، مترافقآ ومدعمآ بماكنة اعلامية واقلام صفراء واصواتٍ نابحةٍ ، مهمتها التظليل وشحن النفوس ، ابلغ الاثر في احداث الشرخ المطلوب امريكيآ ، ليوجد حالة وطنية متصدعة ، تكرس التخندق المناطقي والطائفي وتضعف روح الانتماء الوطني ولتؤشر لأصطفافات ذات عواقب وخيمة على النسيج الاجتماعي . لقد جسدت السياسات اليومية للاحتلال والمتعاونين معه من العراقيين ومن بعض المليشيات الطائفية في تدمير المدن والاغارات الليلية والقتل على الهوية والاعتقالات التي طالت الألوف ، وكذلك التوصيف الطائفي والمناطقي لبعض المدن والبلدات المحيطة ببغداد بحجة فك الحصار المضروب حول بغداد ، جسدت طبيعة الخطاب السياسي الذي يبغي تكريس مضمونه الانفصالي والعنصري على الارض ، والذي يهيأ لحالة من الاستلاب والشلل مقرونةً بفقدان المقومات الحياتية ، اضافة الى فقدان الامن والامان . ان جرائم جسر اللأئمة في الكاظمية والتي راح ضحيتها اكثر من الف عراقي وجريمة تفجير مرقد الامام الهادي في سامراء ، تدخل في سياق الجرائم الكبرى التي يراد لها تكريس الشرخ الاجتماعي والطائفي والمناطقي ، عبر الغور عميقآ في الجرح العراقي النازف ، لأغراق العراق بدم ابناءه ، وعبرضرب المقدسات لتكون الشرارة التي تشعل الحرب الاهلية ، وها هي البدايات تنذر بحريقٍ اجتماعي دبر ويدبر له في الغرف المظلمة التي يعلم مكامنها المحتل والمسترخين من اتباعه . ان اللوحة القاتمة للمشهد العراقي ترتبط عضويآ بوجود الاحتلال واهدافه السياسية والعسكرية وكذلك بمأزقه الذي بدأ يلقي بضلاله على الادارة الامريكية في واشنطن وعلى طبيعة سياساتها اليومية المتخبطة في اتجاهاتها لجهة التعامل مع عقد الخريطة السياسية والاجتماعية العراقية ، ان تعثرمشروع طغمة الحرب الامبريالية وانسداد افق عمليتهم السياسية والاندحار التام لأدعاءات التحرير والديمقراطية وطبيعة اعباء وضعهم السياسي الداخلي مع ازدياد الخسائراليومية للاحتلال ، عمق من مأزق المحتل وامتد الى الخيارات والبدائل والخطط الهادفة الى دفع العجلة الى امام وانقاذ ادارة الحرب الامريكية من الفشل الاستراتيجي . ان مأزق هذه الخيارات والبدائل والخطط تجسد عقلية الاحتلال في حل ما تعتقده على نفس الاسس التي تضمن الدوران في فلك الاهداف السياسية والعسكرية للمحتل ، فضرب المدن المقاومة وتدميرها وعمليات التظليل والخلط بين الارهاب والمقاومة ، ومحاولة عزل المقاومة واظهارها كحركة معزولة خاصة بمناطق معينة ولطائفة بعينها ، واستخدام نفس اسلوبهم في حرب فيتنام بقتل وارهاب المدنيين ليشكل ضغطآ نفسيآ وجماهيريآ على فصائل المقاومة لأجبارها على القبول بالحلول الوسط ، اضافة الى نجاحهم في جر بعض الاطراف السنية للمشاركة بالعملية السياسية في محاولة لتضييق وعزل الحاضنة الشعبية للمقاومة المسلحة ، خاصة في المناطق الشمالية والغربية من العراق . ان الشارع المحكوم من قبل المليشيات ذات اللبوس الرسمي للجيش والشرطة والتابعة للقوى الطائفية والعنصرية والملغومة من جهات استخباراتية اقليمية ، والمرصودة امريكيآ ، جعل الواقع العراقي مشحونآ وموتورآ وقابلآ للتفجر في اللحظة التي يرى فيها المحتل ان ذلك التفجر يخلط الاوراق ويعيد زمام المبادرة له .
بديل المحتل والبديل الوطني
لازال البديل العربي ، بأرسال جيوش عربية الى العراق هو المفضل لادارة الحرب الامريكية ، لتحل محل القوات الامريكية والبريطانية ، ولتسمح باعادة الانتشار الامريكي في بعض القواعد الثابتة وعودة الجزء الاخر من القوات الى موطنها او الى القواعد المحيطة في بلدان الجوار والتحكم عسكريآ وسياسيآ بمفاتيح الوضع العراقي ، لكن هذا الخيار لازال يصطدم بمعارضة من بعض الاطراف العراقية وبتردد عربي خجول نتيجة للحرج الداخلي للانظمة المعنية في إرسال هكذا قوات ، لذلك فأن الدفع باتجاه التعجيل لتنفيذ هكذا خياريزيح حرج الانظمة ويخفف وطأة المعارضة الداخلية ، يتطلب (حدثآ ) جلل يستصرخ المساعدة العربية بجيوشها ( لفك الاشتباك ودرء الحرب الاهلية ) ، وبهذا تكون ادارة الاحتلال قد قفزت على نتائج الانتخابات وقزمت الاحزاب الموالية لايران مع رسالة ذات مغزى عربي للجارة الشرقية . ان فشل هذا الخيار يعني من الجانب الاخراستمرار التلويح به حتى ينال خليل زادة موافقة الطرف الشيعي على ترشيداته (الحكيمة) على نتائج الانتخابات . بنفس الوقت لازالت ادارة الحرب الامريكية تصر على التفرد بالملف العراقي وتهمل الاصوات الداعية الى المشاركة الاممية في ادارة هذا الملف ، من منطلق اجندة مشروعها المعروفة ، وتاثير ذلك استراتيجيآ على مكانة امريكا العالمية ، ولنفس هذه الاسباب فأنها تنظر الى المقترح الروسي الداعي لعقد مؤتمر دولي حول العراق ، نظرة مزاحمةً لقطب مغمور يبغي اضعاف الدور الريادي الامريكي واظهار فشله الصارخ في العراق ، رغم ان الادارة الامريكية تلجأ للمنظمة الدولية المأسورة حين تفرض حاجتها السياسية وجود غطاءا شرعيآ اوقانونيآ ، او لأستخدامها كأداة ضغط وابتزاز ضد دولٍ بعينها .
اذا كان الموقف الأمريكي المأزوم في العراق يؤشر لنذر خسارةٍ استراتيجية نتيجة لمأزقه وخياراته وبدائله وخططه ، التي لازالت تعكس نهج الهروب الى امام في التعامل مع عقدة الوضع العراقي وتأثيراته الاقليمية ، فأن عناصر الجهد الوطني المناهض للأحتلال والمقاوم له لازالت قاصرة في ايصال المحتل الى القناعة اللازمة في الدخول بمفاوضاتٍ جدية لترتيب انسحابه وفرض الحقوق القانونية والاعتبارية للشعب العراقي .
ان هذا الجهد الوطني وحركته المناهضة للاحتلال ، رغم كونه يواجه اوضاعآ معقدة وصعبة في ظل قمعٍ وارهابٍ مزدوجين ، وفي ظل ترتيبات سياسية تشترك فيها قوى وكتل وجماعات متعاونة ومتناغمة مع المحتل وقوى دينية استفادت الى حد كبير من التاثير المعنوي للمرجعيات الدينية والمدعومة من اطرافٍ اقليمية ، لتفرض هيمنتها على الشارع السياسي ، إلا انه قادرعلى استنهاض حركة شعبية الى جانب تيارات وهيئات جربت بنفسها بعض التكتيكاتٍ السياسية القاصرة من خلال الاندماج في عملية المحتل السياسية ، وهذه بالذات مطالبة اكثر من غيرها بتكريس وطنية نهجها بخطاب سياسي يعبأ الشارع العراقي بوطنية معركته ويعري ويفضح الاحتلال وازلامه من العراقيين الذين يقفون وراء الاحداث الاخيرة . ان التيار الصدري الى جانب المؤتمر الوطني التأسيسي وهيئة علماء المسلمين وجميع القوى والهيئات المناهضة للاحتلال ، مطالبة اليوم بجهدٍ مضاعف برفع الاصوات الرافضة لبقاء لاحتلال ، ومطالبون جميعآ بان يحولوا فاجعة تفجير مرقد الامام علي الهاي الى نقطة تحول في الكفاح من اجل ازالة الاحتلال . ان العراق سائر نحو الكارثة الشاملة اذا لم يدرك ابناءه ما يحاك لهم ، فالخلاص من الاحتلال وانتزاع السيادة الكاملة والحقيقية وبناء عراق ديمقراطي مستقل حر وموحد يتطلب تعبئة الشارع العراقي حول عناوين وطنية مقاومة تتجاوز حالة الاستقطابات الطائفية والمناطقية والعرقية الحادة وتستند على هدف اني ملح بخروج المحتل واعادة ترتيب البيت العراقي ببرنامج وطني فاعل تلتف حوله القوى الوطنية على اساس المواطنة الواحدة بحكم تداولي منتخب من الشعب دون ضغوط او ابتزاز او تزوير .