أعلن البيت الأبيض الاثنين أن الرئيس باراك أوباما أبدى "قلقه العميق" حيال أعمال العنف الطائفية الدامية التي وقعت الأحد في مصر، داعيا كل الأطراف إلى "ضبط النفس" ليتمكن المصريون من التقدم في صنع مصر قوية وموحدة.
وقال جاي كارني المتحدث باسم أوباما "في وقت يحدد المصريون مستقبلهم، لا تزال الولايات المتحدة تعتقد أنه ينبغي احترام حقوق الأقليات وبينهم الأقباط، وأنه من حق جميع الناس التظاهر سلميا وممارسة ديانتهم بحرية".
وتابع أن "هذه الأحداث المأساوية ينبغي ألا تمنع إجراء الانتخابات في موعدها والاستمرار في عملية انتقالية نحو الديموقراطية تكون سلمية وعادلة".
جاء ذلك فيما كلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر مجلس الوزراء بتشكيل لجنة تقصي حقائق في ملابسات أحداث الأحد التي راح ضحيتها 24 شخصا على الأقل، إثر اشتباكات بين قوات الأمن والشرطة العسكرية من جانب والمتظاهرين الأقباط من جانب أخر أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون في وسط القاهرة.
ودعا المجلس إلى اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد المتورطين في أحداث العنف والى التصدي لما سماها "كل محاولات الوقيعة بين الشعب والقوات المسلحة". الانتخابات البرلمانية لن تتأثر وأكد المجلس العسكري في الوقت ذاته على أن أحداث الأحد لن تؤثر على الانتخابات البرلمانية القادمة المقررة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم، معلنا التزامه بإجرائها في مواعيدها المحددة من أجل تسليم السلطة إلى جهة منتخبة.
من جانبه قال وزير العدل المصري المستشار محمد عبد العزيز الجندي إن النيابة العسكرية هي من ستتولى التحقيق في الأحداث الدامية التي وقعت الأحد. وبرر ذلك بأن الأحداث "وقعت في منطقة تعد مسرحاً للقوات المسلحة، وبالتالي فإن النيابة العسكرية هي الجهة المنوط بها التحقيق وفقاً للقانون رقم 25 لسنة 1966 الخاص بالأحكام العسكرية".
وأشار الجندي إلى أن قرار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي عدم إحالة المدنيين إلى محاكم عسكرية لن يسري على تلك الأحداث، وذلك لاستخدام المتورطين فيها الأسلحة النارية ضد أفراد القوات المسلحة والمدنيين العزل.
القوى السياسية
وقد أثارت تداعيات الأحداث جدلا كبيرا في الشارع المصري ووسط الفعاليات السياسية والدينية والاجتماعية المصرية التي سارعت إلى عقد لقاءات واجتماعات لبلورة موقفها إزاء ما وقع من أعمال عنف.
وفشل اجتماع للقوى السياسية المصرية في التوصل إلى بيان مشترك بشأن تداعيات الأحداث الأخيرة. وحضر الاجتماع الذي عقد في ساقية الصاوي بالقاهرة ظهر الاثنين عدد من مرشحي الرئاسة المصرية ومن بينهم عمرو موسى و أيمن نور فضلا عن رموز المجتمع المدني ورؤساء الأحزاب وممثلي جمعيات حقوق الإنسان.
وحمل المشاركون في الاجتماع الحكومة المصرية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة مسؤولية تداعيات الأحداث وسقوط القتلى والجرحى وطالبوا بتشكيل مجلس رئاسي مدني لإدارة الفترة الانتقالية في البلاد.
وانتقد المشاركون ما وصفوه بالأداء الهزيل والخطاب التحريضي للإعلام المصري الذي يرون أنه أذكى نيران الفتنة الطائفية ويحرض على كراهية الآخر ودعوا إلى تطهير الإعلام المصري من فلول نظام الرئيس السابق حسني مبارك.
المطالبة بإقالة شرف
كما دعا المجتمعون إلى خارطة طريق لخروج مصر من أزمتها الراهنة تتضمن إقالة حكومة الدكتور عصام شرف لفشلها في إدارة الأزمة و احتواء تداعياتها وتشكيل مجلس رئاسي مدني لإدارة الفترة الانتقالية.
وطالب المجتمعون بضرورة محاسبة من تسببوا في مواجهات الأحد وإصدار قانون بناء دور العبادة الموحد وقوانين مكافحة التمييز وإعطاء المزيد من الحرية للإعلام الوطني وتطهيره من رموز النظام السابق وحظر التقييد على وسائل الإعلام و القنوات الفضائية من خلال منعها من البث الحي المباشر.
وفي سياق متصل، عقد في مشيخة الأزهر بالقاهرة اجتماع أخر لأعضاء مبادرة بيت العائلة المصرية التي تضم رجال دين مسيحيين ومسلمين لمناقشة تداعيات أحداث الأحد. "
"غرباء مندسون في المسيرة"
فى هذه الأثناء ، قال البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الاثنين إن "غرباء اندسوا" في مسيرة الأقباط الأحد هم الذين أشعلوا المواجهات التي بين هؤلاء المتظاهرين وقوات الأمن مخلفة 24 قتيلا على الأقل وأكثر من 300 جريح معظمهم من الأقباط. وجاء في بيان للمجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية الذي عقد الاثنين برئاسة البابا شنودة، أوردته وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، أن البابا "المح إلى أن غرباء اندسوا في المسيرة وارتكبوا هذه الجرائم التي ألصقت بالأقباط".
وأكد المجمع المقدس في بيانه أن "الكنيسة روعت بما حدث أمام مبنى ماسبيرو والذي تسبب في استشهاد 24 شخصا خرجوا في مسيرة سلمية للتعبير عن مشكلاتهم".
وأوضح البيان أن "الأقباط لهم مشاكل تتكرر دون محاسبة المعتدين ودون إعمال القانون أو وضع حلول جذرية لتلك المشاكل".
وطلب بيان المجمع من الأقباط "الصوم ثلاثة أيام اعتبارا من الثلاثاء من أجل أن يحل السلام في مصر".
وقد شيعت جنازات الضحايا بعد أن رأس البابا شنودة الثالث الصلاة التي أقيمت عليهم في مقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.
ويشكو الأقباط الذين يمثلون ما بين 6 إلى 10% من سكان مصر من تعرضهم للتمييز والتهميش ومن القيود المفروضة على بناء الكنائس.
وقد تعرضوا لعدة اعتداءات مؤخرا أكبرها الاعتداء الذي استهدف كنيسة القديسين في الإسكندرية ليلة رأس السنة الميلادية الحالية.
إجراءات أمنية مشددة
إلى ذلك، كثفت قوات الأمن المصرية وجودها حول المقار الحكومية والبرلمان والمتحف المصري وذلك في أعقاب اشتباكات ماسبيرو.
واعتقلت قوات الأمن والجيش العشرات من المتظاهرين ويجرى التحقيق معهم كما دفعت السلطات بتعزيزات أمنية وعسكرية إلى منطقة ماسبيرو فى محاولة منها للسيطرة على الموقف وإعادة الهدوء إلى هذه المنطقة.
وأكد قائد الشرطة العسكرية اللواء حمدي بدين أن الهدوء عاد إلى القاهرة.
وقال إن الوضع في الشوارع مستقر. وقد تم رفع الركام من الشوارع الواقعة قرب مبنى
التلفزيون الحكومية بصورة كبيرة لكن ما زالت هناك سيارات محطمة ومحترقة تقف في المنطقة الواقعة قرب المستشفى القبطي الذي شهد أيضا أحداث عنف مساء الأحد.
وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط إن ألاف الأقباط تظاهروا أمام المستشفى القبطي يوم الاثنين احتجاجا على ما حدث. وأضافت الوكالة أن المتظاهرين رددوا هتافات مناهضة للمجلس العسكري.
الجماعة السلفية تنفي تورطها
في غضون ذلك نفت الجماعة السلفية في مصر ما تردد عن نزول الجماعة السلفية لمواجهة الأقباط في الاشتباكات بوسط القاهرة.
وشددت على أنها تشجب تلك الأحداث، وتأسف لوقوع قتلى وجرحى ولإثارة البلبلة في الشارع المصري.
يأتي ذلك فيما خرجت مظاهرة في ميدان طلعت حرب بوسط العاصمة تنادي بوحدة الشعب المصري أقباطا ومسلمين.
يذكر أن أحداث العنف هذه التي تعد الأسوأ من نوعها منذ تنحى الرئيس المصري السابق حسنى مبارك عن السلطة في فبراير / شباط الماضي تلقي بظلالها على الانتخابات البرلمانية المصرية الوشيكة حيث من المقرر أن يبدأ التصويت في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني حيث سيبدأ المرشحون التقدم بأوراق ترشحهم اعتبارا من يوم الأربعاء القادم ولمدة أسبوع.
كما زادت الاشتباكات من إحباط متزايد بشأن الجيش الذي يشك العديد من المصريين في انه يرغب في التمسك بمقاليد السلطة من وراء الكواليس حتى مع تسليمه إدارة الحكومة وهو ما ينفيه الجيش مرارا وتكرارا.