لستُ أعلم كيفَ كنتَ تُصلِّي سابقًا، قبلَ أن تتعرَّف على الرب يسوع، ولستُ أعلم نظرتك للصلاة، ربما كنتَ تعتبرها واجب ينبغي أن تقوم بهِ، وربما كنتَ تعتبرها مُرهقة، مُملَّة وروتينية تُردِّد فيها الكلمات نفسها عدة مرات، وربما لم تكن تُصلِّي أبدًا.. لكنَّني اليوم أريد أن أُشاركك عن المعنى الحقيقي للصلاة، والصورة الصحيحة التي ينبغي أن ترتسم داخلك عن الصلاة وأهميتها وأنواعها وأهدافها، فكلمة صلاة بحد ذاتها تعني: " حديث مع الله، إتصال أرواحنا بالله ليس بطريقة تأمُّلية، بل بحوار مباشر معهُ "، فمن خلالها أتَّصل بمن أحبَّني وضحَّى بٱبنه الحبيب من أجل أن يستعيد الشركة والاتصال معي، أتحدَّث معهُ بطريقة مباشرة.
فتعالَ نقرأ معًا ما تُعلِّمنا إياه كلمة الله عن الصلاة، لنعرف لماذا نُصلِّي؟ وكيف ينبغي أن نُصلِّي ؟ أ – أُصلِّي لأنهُ يُحب أن يسمع صوتي ويُسمعني صوته: " ... دعينـي أرى وجهكِ. دعينـي أسمعُ صوتكِ... كلامُ فمكِ جميلٌ ... يا ساكنةَ الجنَّات، مع أصحابك المنتظرين، أسمعيني صوتكِ ". (سفر نشيد الأنشاد 2 : 14، 4 : 3، 8 : 13).
يقول العريس – والذي يرمز للرب يسوع – لعروسه – والتي ترمز لكل واحد منَّا وللكنيسة جمعاء – " دعينـي أسمع صوتكِ ... كلامُ فمكِ جميلٌ ... أسمعيني صوتكِ ". ولو تأمَّلنا بكلمة الله بكاملها وفهمنا معناها الروحي العميق لأدركنا أنَّ السبب الأساسي للخلق، كانَ محبة الله لأن يكون له شركة معنا، يتمتَّع بنا ونتمتَّع به، فهوَ الذي قال: " لذَّاتي مع بني آدم " (سفر الأمثال 8 : 31). وها نحنُ نسمع العريس يقول لعروسه ولأكثر من مرة: " أسمعيني صوتكِ ".
وبالمختصر المفيد، نفهم من هذا الكلام أن لذَّة الرب أن تكون لهُ شركة معنا، يلتقي بنا دومًا، يسمع أصواتنا لأنه يشتاق إليها، وهوَ يتنظرنا أن نصحو من النوم صباحًا لكي يتمتَّع بسماع صوتنا وإسماعنا صوتـه، هـذا ليسَ تحليلاً أو ٱستنتاجًا – إنها كلمة الرب الصادقة والواضحة – يُحب أن يسمعنا نرفع له صلوات الحمد وترانيم الشكر التي تُمجِّد ٱسمه وتُبهج قلبهُ، كما يُحب أن يُسمعنا صوتهُ، ويُعطينا توجيهاته، ويملأنا بروحه كل يوم بيومه، ويمدَّنا بالقوة والبركات التي نحتاجها لنُمضي يومًا رائعًا مُفعمًا بالخير والبركة والفرح والسلام والطمأنينة والنصرة... فهل صلاتك لله هي على هذه الصورة؟
إذا كنتَ تُصلِّي قبل أن تعرف يسوع، فهل كانت أو ما زالت صلواتك صلوات أوتوماتيكية؟ تُردِّد عبارات معيَّنة مجرَّد تِرداد؟ وكأنَّ الله آلة جامدة أمامك تُلقِّنه هذه الكلمات فيكتفي بها، وتنسى أنه الأب المُحب الذي يحسّ ويشعر ويتمتَّع بسماع صوتك ويحزن عندما تُعاملهُ بهذه الطريقة، فهل تعتقد أنَّ ترداد هذه العبارات تُفرح قلبه؟ بالطبع لا !! ببساطة فإنَّ ما ينقصنا هيَ العلاقة الحميمة معهُ، علاقة القلب المفتوح أمام من يستطيع إشباعه، فلنبدأ من الآن وصاعدًا ببناء علاقة حميمة مع من أحبَّنا حتى المنتهى، نأتي إليه كل يوم ونُسمعهُ صوتنا ونستمع إلى صوته المُحب.
ب – أُصلِّي لكي أطلب من الله كل ما أحتاجهُ: " في ذلكَ اليوم (أي بعدَ صعود يسوع إلى السماء) لا تطلبون منِّي شيئًا. الحقَّ الحقَّ أقولُ لكم: كل ما تطلبونه من الآب بٱسمي تنالونهُ. وما طلبتم شيئًا بٱسمي حتى الآن. أُطلبوا تنالوا، فيكتمل فرحكم " (إنجيل يوحنا 16 : 23 – 24).
" لا تقلقوا أبدًا، بل ٱطلبوا حاجتكم من الله بالصلاة والابتهال والحمد، وسلام الله الذي يفوق كل إدراك يحفظ قلوبكم وعقولكم في المسيح يسوع ". (رسالة فيلبي 4 : 6 – 7).
من منَّا ليسَ لديه طلبات وٱحتياجات على كل الصُعُد؟ كلنَّا لدينا، والرب يسوع المُحب يعرف ذلكَ مُسبقًا، ولذلكَ قالَ لنا، أطلبوا تنالوا ليكون فرحكم كاملاً، أطلبوا حاجتكم من الآب السماوي بالصلاة، كما قالَ لنا في إنجيل متى: " ٱسألوا تعطوا، ٱطلبوا تجدوا، دقوا الباب يُفتح لكم. فمن يسأل ينل، ومن يطلب يجد، ومن يدق الباب يُفتح له. من منكم إذا سألهُ ٱبنهُ رغيفًا أعطـاه حجـرًا، أو سألـهُ سمكـةً أعطـاه حيَّة؟ فـإذا كنتـم أنتـم الأشـرار تعرفـون كيـفَ تُحسنـون العطـاء لأبنائكـم، فكـم يُحسـن أبوكـم السماوي العطاء للذين يسألونه؟ (إنجيل متى 7 : 7 – 11)، إنهُ يُحبَّك محبة عملية وليسَ محبة نظرية، يُحب أن يُعطيك مهما سألتهُ، لا تقارنهُ بأي أب أرضي ربما كان يبخل عليك بالعطاء أو يُهمل طلباتك أو لا يسمعها، لأنهُ أب محب ومحبتهُ غير مشروطة، لا تعتمد على ٱستحقاقك مهما كانت حالتك، بل هيَ محبة لن يستطيع عقلك أن يُدرك نوعها وعمقها، محبة النعمة الغنية المجانية، فتعالَ إليه دومًا بدالة البنين، أطلب منهُ كل ٱحتياجاتك، وثق أنهُ سيعطيك بفيض، لكي تنال كل ما طلبتهُ منهُ.
وإن تأخَّر الجواب، فما أجملها فرصة لكي تُصلِّي إلى الله بلجاجة وكلَّ حين ودون ملل، فهكذا تُعلِّمنا كلمته: " ثم قالَ لهم: من مُنكم يكون له صديق ويمضي إليه نصف الليل ويقول لهُ: يا صديق أقرضني ثلاثة أرغفة، لأنَّ صديقًا لي جاءَني من سفر وليسَ لي ما أُقدِّم لهُ، فيُجيب ذلكَ من داخل ويقول لا تُزعجني، الباب مُغلق الآن وأولادي معي في الفراش، لا أقدر أن أقوم وأعطيك، أقول لكم وإن كانَ لا يقوم ويُعطيه لكونِهِ صديقه فإنَّه من أجل لجاجته يقوم ويُعطيه قدر ما يحتاج " (إنجيل لوقا 11 : 5 – 8).
" فكانَ بطرس محروسًا في السجن، وأمَّا الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة الى الله من أجله " (سفر أعمال الرسل 12 : 5).
" وإذ كانَ في جهاد كان يُصلِّي بأشدّ لجاجة وصارَ عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض " (إنجيل لوقا 22 : 44). نعم اللجاجة في الصلاة، تجعل الله يستجيب، ويستجيب بسرعة لم تتوقعها، وهل تعرف لماذا؟ لأنَّ اللجاجة في الصلاة ما هيَ إلاَّ وجه من أوجه الإيمان الذي بدونه لن نستطيع إرضاء الله !!! ومن يوكَّد لنا أنَّ اللجاجة والصلاة كلَّ حين دون ملل، هيَ إيمان وليست العكس، أي عدم إيمان؟ كلمة الله تؤكِّد لنا ذلك: " وقالَ لهم أيضًا مثلاً في أنهُ ينبغي أن يُصلَّى كلَّ حين ولا يُمَلّ، قائلاً: كانَ في مدينة قاضٍ لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا، وكانَ في تلكَ المدينة أرملة، وكانت تأتي إليه قائلة أنصفني من خصمي، وكان لا يشاء إلى زمان، ولكن بعد ذلكَ قالَ في نفسه وإن كنتُ لا أخاف الله ولا أهابُ إنسانًا، فإني لأجل أنَّ هذه الأرملة تُزعجني أُنصفها لئلاَّ تأتي دائما فتقمعني، وقال الرب ٱسمعوا ما يقول قاضي الظلم، أفلا يُنصف الله مختاريه الصارخين إليه نهارًا وليلاً وهوَ مُتمهِّل عليهم، أقولُ لكم إنه يُنصفهم سريعًا، ولكن متى جاء ٱبن الإنسان ألعلَّهُ يجد الإيمان على الأرض " (إنجيل لوقا 18 : 1 – 8).
هل سمعت ما قالهُ الرب؟ لقد ربطَ بين الصلاة كلَّ حين دون ملل وبلجاجة وبينَ الإيمان، فلا تخف إذًا، صلِّ بلجاجة، صلَّ كلَّ حين دون ملل، وسوفَ ترى أنَّ الله سيُنصفك سريعًا !!! وكن مُحدَّدًا بصلاتك، لا تُصلِّي صلوات عامة وواسعة، بل حدِّد طلباتك من الله، لأنه إله يهتم بأصغر ٱحتياجاتك، فإن كنتَ تحتاج وظيفة مُعيَّنة، حدِّد لهُ هذه الوظيفة، مكانها والراتب الذي تحتاجه.. وإن كنتَ تحتاج سيارة، حدِّد لهُ نوعها ولونها وكل التفاصيل.. وإن كنتَ تحتاج تحريرًا من عادة سيئة معيَّنة، حدِّد لهُ هذه العادة. لا تُصلِّ صلوات عامة: " باركني، حررني، أطلقني...". بل كُن محدَّدًا، هكذا يُحب الله أن تكون نوعية صلواتك.
وهنا أريد أن ألفت انتباهك إلى ما تُعلِّمنا إياه الآيات التي قرأناها، أنهُ ينبغي أن نصلِّي دومًا إلى الآب السماوي، بٱسم الرب يسوع المسيح، (كل ما تطلبونه من الآب بٱسمي تنالونهُ) هذا الاسم الذي من أجله فُتحت لنا أبواب السماء وأصبحنا أبناء، نتقدَّم إلى الآب السماوي من خلال هذا الاسم فتُستجاب كل طلباتنا، لأن الكلمة تُعلمنَّا أيضًا قائلة: " لأنهُ لا يوجد وسيط ولا يوجد شفيع بينَ الله والناس سوى واحد فقط، المسيح يسوع " (رسالة تيموثاوس الأولى 2 : 1 – 6). فلا تطلب أي شيء من الآب بأي ٱسم آخر، أو شفيع آخر سوى ٱسم يسوع، لكي تُستجاب صلواتك وطلباتك.
ج – أُصلَّي لكي لا أقع في التجارب: " إسهروا وصلُّوا لئلاَّ تقعوا في التجربة. الروح راغبة ولكنَّ الجسد ضعيف " (إنجيل متى 26 : 36). لقد نبَّهَ الرب تلاميذهُ قبلَ أن يذهب إلى الصليب مباشرةً، بأن يسهروا ويُصلّوا لئلاَّ يقعوا في التجربة، لأنَّ عدونا إبليس سيحاول ما دمنا في هذا الجسد أن يوقعنا في التجارب والمحن والضيقات، لأنهُ يكرهنا، لذا ينبغي علينا أن نُصلِّي لله، لكي نكون دومًا متيقِّظين ومحميين من أن نقع في تجارب إبليس المتنوعة التي سيأتي بها علينا.
د – أُصلِّي من أجل الحماية، من أجل الشفاء من الأمراض، لا سيَّما عندما أكون مهدَّدًا: " فٱنظر الآن يا رب إلى تهديداتهم وٱمنحنا نحنُ عبيدك أن نُعلن كلمتك بكلِّ جرأةٍ. مدَّ يدك لتأتي بالشفاء والآيات والعجائب بٱسم فتاك القدوس يسوع ". (سفر أعمال الرسل 4 : 29 – 30).
" هـل فيكـم مريـضٌ؟ فليستدعِ شيـوخَ الكنيسـة ليُصلّوا عليـه ويدهنـوه بالزيـت بٱسـم الـرب... وليصلِّ بعضكـم لأجـلِ بعـض حتـى تنالـوا الشفاء. صلاة الأبرار لها قوة عظيمة " (رسالة يعقوب 5 : 14 – 16). هل أنتَ مُعرَّض لتهديد معيَّن؟ هل عائلتك الصغيرة أم الكبيرة مُعرَّضة لتهديد معيَّن؟ هل أنتَ أم عائلتك أم أحد معارفك مرضى؟
هذه الكلمات هيَ لكَ، فعندما تشعر بالتهديد عليك وعلى عائلتك، أو عندما تتعرَّض لأمراض معيَّنة أنتَ أو عائلتك أو معارفك، تعالَ إلى الآب السماوي، وصلِّ لله كما فعلَ قبلك الرسل، أخبرهُ عن كل التهديدات والأمراض التي تتعرَّض لها أنت وعائلتك، وٱصرخ إليه وٱطلب منه الإنقاذ والشفاء والعجائب والمعجزات التي تحتاجاها، وسوف تراه يستجيب ويُنقذ ويشفي ويصنع لكَ المستحيل الذي لا تتوقعهُ.
نعم، يشفيكَ من كل مرض مهما كان صعبًا، فالرب يسوع المسيح الذي شفى المرضى عندما كانَ على أرضنا، ما زال يشفي اليوم أيضًا، من خلال حضوره في وسطنا بالروح، فكلمة الله تقول: " يسوع المسيح، هوَ هوَ أمسًا واليوم وإلى الأبد " (رسالة العبرانيين 13 : 8). فقط، آمن بأنهُ الإله الشافي، وسوف ترى الأمراض تبتعد عنك، صرخَ إليه داود النبي قائلاً: " يا رب إلهي، ٱستغثتُ بكَ فشفيتني " (مزمور 30 : 2)، وهوَ سيشفيك بالطبع عندما تصرخ إليه وتستغيث بهِ، لأنهُ يُحبَّك !!!
هـ - أصلِّي من أجل الحكّام، من أجل وطني ومن أجل خلاص النفوس: " فأطلب قبلَ كل شيء أن تُقيموا الدعاء والصلاة والابتهال والحمد من أجل جميع الناس، ومن أجل الملوك وأصحاب السلطة، حتى نحيا حياة مطمئنة هادئة بكل تقوى وكرامة. فهذا حسنٌ ومقبولٌ عند الله مخلِّصنا الذي يُريد أن يخلص جميع الناس ويبلغوا إلى معرفة الحق " (رسالة تيموثاوس الأولى 2 : 1 – 4). هل تريد أن تحيا حياة مطمئنَّة وهادئة في البلد الذي تعيش فيه؟ صلِّ كما تُعلِّمنا هذه الآيات، للحكام وللمسؤولين ولبلدك، لأن الله مهتم أن يجعلك تعيش في بلد آمن وكل أمورك تسير بنجاح وبهدوء، وهل أنتَ مهتم أن ترى الناس من حولك، أهلك وأقاربك ومعارفك والناس المحيطين بكَ يتعرَّفون على يسوع وينالون الخلاص كما حصلَ معك؟
صلِّ أيضًا كما تُعلِّمنا هذه الآيات، تضرَّع إلى الله من أجل خلاص الناس الذين تُحبُّهم، صلِّ من أجل أولادك أو أهلك أو معارفك الذين لم يختبروا خلاص الرب بعد، لأنَّ الله يريد أنَّ الجميع يخلصون، لكنَّ إبليس يمنعهم ويستر على عيونهم لكي لا يتعرَّفوا على يسوع، كما فعلَ معكَ من قبل، لكنكَ بصلاتك هذه ستُعطِّل عمل إبليس وتجعل الله يتدخَّل لكي يُخلِّص هؤلاء الناس الذين تُحبُّهم، هكذا يُحبك الله أن تُصلِّي.
و – أُصلِّي بلا ٱنقطاع: " صلّوا بلا ٱنقطاع " (رسالة تسالونيكي الأولى 5 : 17). ماذا يعني هذا الكلام؟ هل أستطيع الصلاة لمدة أربع وعشرين ساعة في اليوم؟ كلا ليسَ هذا ما قصدهُ الرسول بولس، بل هوَ طلب منَّا أن تكون لدينا الحياة المُصلِّية، أن نكون بصورة دائمة على صلة وٱتصال بالله، نتكلَّم معهُ كل حين، إن كنتَ في الطريق كلّمه، شاركه قلبك وأفكارك ومتاعبك، إن كنت في العمل أو في البيت أو في كل محطات يومك، كن على ٱتصال دائم معهُ، ٱجعلهُ رفيقك الدائم وٱطلعه على كل أمورك وٱهتماماتك، تواصل معهُ دومًا، وكما ستتعلَّم أن تكلّمه بصورة دائمة، تعلَّم أيضًا وبالأهمية نفسها أن تجلس دائمًا في محضره لكي تسمع منهُ هوَ أيضًا ما يريد أن يقوله لكَ عن كل المواضيع، أعطه فرصة لكي يُشاركك أفكاره وقلبه وما يريدك أن تقوم به، فالصلاة هي عملية تواصل متبادلة تُسمع من خلالها صوتك وطلباتك لله وتسمع صوته وطلباته منكَ.
وأخيرًا، ولأنَّ كلمة الله كُتبَت لنا لكي تُعلِّمنا، وها هي قد علَّمتنا لماذا نُصلِّي، وكيفَ نُصلِّي، أدعوك أن تملأ صلواتك كلها من هذه الكلمة، ومن وعود الله لكَ، المدوَّنة في كلمته، فإن كنتَ تُصلِّي من أجل الشفاء، استند على الآيات التي تعدك بالشفاء، وإن كنتَ تُصلِّي من أجل تسديد ٱحتياجات معيَّنة، استند على الآيات التي تعدك بتسديد الإحتياجات، وإن كنتَ تُصلِّي من أجل خلاص النفوس، استند على الآيات التي تعد بخلاص النفوس، فهذه الصلاة هيَ التي ستأتي بنتائج حتمية: لأنَّ الله ساهر على كلمته ليُجريها (سفر إرميا 1 : 12).
وقبلَ أن أختِم، فقد قادني الروح القدس أن أُشاركك بهذا التأمُّل البسيط، الذي سيُلقي الضوء على ما ٱتَّبعهُ يسوع نفسه في ما خصَّ الصلاة، وما علَّمهُ لتلاميذه عن موضوع الصلاة، فلو تأمَّلتَ في الأناجيل الأربعة، لاكتشفتَ أن الرب يسوع كانَ يُصلِّي كل الليل، وفي الصباح كان يتجوَّل بين الناس، يشفي مرضى، يُطلق أسرى، يُحرِّر مقيدين، يطرد شياطين، يكرز ببشارة الإنجيل، ويربح النفوس، وكأنَّهُ كانَ يحصد خلال النهار نتائج وثمار صلاته في الليل، فتعلَّم منهُ، لا سيَّما عندما يكون لديكَ مشاكل هامة أو مهمات كبيرة، لكي ترى أثناء النهار، كيف سيفتح الرب الأبواب أمامك وكيفَ ستحصد نتائج وثمار صلاتك، وتعلَّم أيضًا ما علَّمهُ الرب لتلاميذه، أنَّ الأمور التي قد تذهب بعيدًا لكي تحصل عليها، وتتعب وتعاني وتسهر الليل كلَّهُ دون جدوى، ستجدها عند قدمي الرب، أي عندما تتعلَّم الجلوس عند قدميه، كما فعلت مريم أخت مرتى ولعازر، تتمتَّع بالشركة معهُ، تستمع إلى دقَّات قلبهُ التي لا تتوقَّف لحظة واحدة عن القول لكَ " أُحبَّك "، تستمع إلى توجيهاته التي وحدها ستُنجح طريقك، وتأتي لكَ بكل ما تحتاجهُ، إن على صعيدك الشخصي أو على صعيد عائلتك، أو على صعيد خدمتك، تأمَّل معي: " كانَ سمعان بطرس وتوما الذي يُقال لهُ التوأم ونثنائيل الذي من قانا الجليل وٱبنا زبدي وٱثنان آخران من تلاميذه مع بعضهم، قالَ لهم سمعان بطرس أنا أذهب لأتصيَّد، قالوا لهُ نذهب نحنُ أيضًا معك، فخرجوا ودخلوا السفينة للوقت وفي تلك الليلة لم يُمسكوا شيئا، ولمَّا كانَ الصبح وقفَ يسوع على الشاطئ، ولكنَّ التلاميذ لم يكونوا يعلمون أنَّه يسوع، فقالَ لهم يسوع: يا غلمان ألعلَّ عندكم إداما، أجابوه: لا، فقالَ لهم: إلقوا الشبكة الى جانب السفينة الأيمن فتجدوا، فألقوا ولم يعودوا يقدرون أن يجذبوها من كثرة السمك. فقالَ ذلكَ التلميذ الذي كانَ يسوع يُحبُّهُ لبطرس هوَ الرب... فلمَّا خرجوا إلى الأرض نظروا جمرًا موضوعًا وسمكًا موضوعًا عليه وخبزًا... قالَ لهم يسوع هلمُّوا تغدُّوا... ثم جاء يسوع وأخذَ الخبز وأعطاهم وكذلك السمك ". (إنجيل يوحنا 21 : 2 – 13).
أبحروا بعيدًا، وتعبوا كلَّ الليل ولم يصطادوا شيئًا، وعندما نزلوا إلى الأرض وجدوا السمك عند قدمي يسوع. لا تفعل مثلهم، بل تعالَ دائمًا وٱجلس عندَ قدمي الرب، هناك ستجد السمك، وهناكَ ستجد كل ما تحتاجهُ، وإن كان لزامًا علينا أن نخرج ونكرز ونعمل، لكن بعدَ الجلوس يوميًا عندَ قدميه، فتعب الليل كلَّهُ، لم يُفِدِ التلاميذ شيئًا، ولكنَّ عبارة واحدة منهُ قالها للتلاميذ: " إلقوا الشبكة الى جانب السفينة الأيمن فتجدوا "، جعلت شباكهم تتمزَّق من كثرة السمك، وكلمة واحدة منهُ يقولها لكَ كلَّ يوم، سوف تجعل نهارك يمتلىء بالنجاح والثمر والسمك الكثير !!! هكذا تعلَّم ان تُصلِّي.
نتغذَّى بالكلمة... لقد تعلّمنا معًا، لماذا نُصلَّي.. وكيفَ نُصلِّي.. وتعلمنا حقائق كثيرة عن هذا الموضوع... وسؤالي لكَ الآن من أينَ يا تُرى تعلَّمنا هذا؟ وكيف عرفت برأيك الطريق التي رسمها الله لخلاص البشرية؟ وعلى أساسها فتحتَ قلبك للرب؟ لقد تعلَّمنا كل هذا من كلمة الله المُدوَّنة لنا في الكتاب المقدس، ولولا هذه الكلمة ومعرفتنا لها، لكنَّا هلكنا جميعنا !!! وهذا الكلام تؤكِّدهُ لنا كلمة الله أيضًا، لقد قال الله لشعبه: " هَلِكَ شعبي من عدم المعرفة " (سفر هوشع 4 : 6).
نعم، فالله يُدرك تمامًا أهمية كلمته، ويعرف نتيجة جهل هذه الكلمة، أنهُ لن يكون سوى الهلاك الأبدي للذين لا يعرفون ما تُعلِّمهُ هذه الكلمة عن موضوع الخلاص، والهزيمة والضعف وفقدان ٱمتيازات كثيرة للمؤمنين الذين يجهلون ما تُعلِّمهم إياه هذه الكلمة من كافة النواحي. ولا عذرَ لأي إنسان أن يجهل هذه الكلمة، فهي مُتاحة للجميع، وموجودة بين أيدينا، ولا تستطيع التحجّج بعدم معرفتك لها، فهذا لن يعفيك كإنسان لم تختبر بعد خلاص الرب، من الذهاب إلى النار الأبدية إن بقيتَ على حالكَ عندما تموت، ولن يعفينا نحنُ المؤمنين أيضًا من التهرب من تبعات جهلنا لكلمة الله، فإنجيل لوقا يقول لنا: " فالخادم الذي يعرف ما يُريدهُ سيدهُ ولا يستعد ولا يعمـل بإرادة سيـده، يلقـى قصاصًا شديدًا. وأمَّا الـذي لا يعـرف مـا يُريده سيدهُ ويعمل ما يستحق القصاص. فيلقى قصاصًا خفيفًا " (إنجيل لوقا 12 : 47 – 48).
إذًا كما نلاحظ من هذه الآية، فإنَّ عدم معرفتي كمؤمن لما يُريدهُ سيدي، لن يعفيني من القصاص أبدًا، حتى ولو كانَ خفيفًا !!! لقد أدركَ رجالات الله الذين سبقونا أهمية كلمة الله، وسوفَ نستعرض معًا بعض هذه القصص المدوَّنة لنا لكي نُدرك نحنُ أيضًا أهمية هذه الكلمة، فنُقبِلُ إليها بجوع وشغف، ولا نتركها تفارقنا يومًا واحدًا، هذا إن قرَّرنا أن نحيا الحياة الفيَّاضة التي أعدَّها الله لكل واحد منَّا.
أحبائي: تُخبرنا كلمة الله، أنَّ الروح القدس جاءَ لكي يُعلِّمنا أمورًا كثيرة، لكنني أريد هنا أن أؤكِّد لكَ بأنَّ هذا الروح سوف يُعلِّمك كل هذه الأمور من مصدر واحد فقط، وهوَ كلمة الله، لأنَّهُ هوَ من أوحى بها لرجالات الله الذين دوَّنوها لنا في الكتاب المقدس، فلا تتوقَّع أبدًا، أن يأتيك الروح القدس بتعليم أو بأفكار من خارج هذه الكلمة !!!
أوصى الله يشوع قائلاً لهُ: " لا يثبت أحد أمامك طول أيام حياتك. كما كنتُ مع موسى أكون معك، لا أخذلك ولا أُهملك. تشدَّد وتشجَّع، فأنتَ تُملِّك هؤلاء الشعب الأرض التي أقسمتُ لآبائهم أن أعطيها لهم. إنَّما تشدَّد وتشجَّع لتحفظ جميع أحكام الشريعة التي أمركَ بها موسى عبدي وتعمل بها. لا تحد عنها يمينًا ولا شمالاً، فتنجح حيثما توجهت. لا يغب كتاب هذه الشريعة عن فكرك، بل تأمَّل فيه نهارًا وليلاً لتحفظهُ وتعمل بكل ما هوَ مكتوب فيه، فتستقيم حياتك وتنجح ". (سفر يشوع 1 : 5 – 8).
لاحظ بدايةً معي هذه: الإنَّما... لقد وعدَ الله يشوع بأنه لن يثبت أحد من أعدائه في وجهه طول أيام حياته، كما وعدهُ بأنهُ لن يخذلهُ ولن يهمله، لكن هذه الوعود كانت مشروطة، بالإنَّما... التي تؤكِّد ضرورة حفظ كلمة الله كلّها، والتأمُّل فيها نهارًا وليلاً، وبالأهمية نفسها العمل فيها كلها، لكي تتحقَّق وعود الله، ولكي تستقيم حياة يشوع وتنجح !!! وهذا ما ينبغي علينا فعلهُ إن أردنا أن نهزم أعداءَنا، وتستقيم حياتنا وتنجح، نتأمَّل بالكلمة نهارًا وليلاً، لا ندعها تغيب عنَّا، ندرسها، والأهم من ذلكَ كلهِ، نعمل فيها، وهذا ما تؤكِّدهُ لنا أيضًا رسالة يعقوب عندما تقول: " ولكن لا تكتفوا بسماع (أو بقراءة) كلام الله من دون العمل بهِ فتخدعوا أنفسكم. فمن يسمع (أو يقرأ) الكلام ولا يعمل بهِ، يكُنْ كالناظر في المرآة صورة وجهه، فهوَ ينظر نفسهُ ويمضي، ثمَّ ينسى في الحال كيفَ كان " (رسالة يعقوب 1 : 22 – 24).
نعم لسنا مدعوين لقراءة الكلمة كواجب، لكي نملأ أذهاننا بالمعرفة فقط، أو لكي نبدو أمام الله أننا نطيع وصاياه طاعة عمياء، لكنَّ المطلوب منَّا أن نتامَّل بهذه الكلمة وندرسها بقيادة الروح القدس لكي يأخذ منها ويعلِّمنا، ومن ثمَّ نطلب منهُ المعونة لكي نُطبِّق ما تُعلِّمنا إياه هذه الكلمة فنسلك في ما تعلّمناه فتستقيم حياتنا وتنجح.
قال الرسول بولس: " فالكتاب (الكتاب المقدس) كلَّهُ من وحي الله، يُفيد في التعليم والتوبيخ والتقويم والتأديب في البرّ، ليكون رجلَ الله كاملاً مستعدًا لكل عمل صالح ". (رسالة تيموثاوس الثانية 3 : 16 – 17).
نعم هذا هوَ هدف قراءة الكلمة والعمل بها، أن نتعلَّم، ونستقيم ونتأدَّب، ونكون في النهاية كاملين مستعدين لكل عمل صالح، لأنَّ الكلمة وكما يقول بولس، كلها من وحي الروح القدس، وسوف تكتشف لاحقًا عندما تدرس الكتاب المقدس بكامله، أنهُ لا يوجد موضوع واحد قد تحتاجه في علاقتك مع الله أو علاقتك مع الناس أو في ما خصَّ حياتك اليومية العملية، إلاَّ وقد عالجهُ هذا الكتاب، فكل ما يعترضك من مشاكل له حل، كل ما تحتاجه لكي تتخذ قرارات مُعيَّنة على كل الصعد ستجد الإجابة عنهُ، إنها كلمة الله الكاملة !!!
وأيضًا لماذا الكلمة؟ إقرأ معي: " لتحلّ في قلوبكم كلمة المسيح بكل غناها لتُعلِّموا وتُنبِّهوا بعضكم بعضًا بكل حكمة... " (رسالة كولوسي 3 : 16). نعم فالكلمة، وليسَ أي كلمة، بل الكلمة التي تحلّ في قلوبنا بكل غناها، سوفَ تُعلِّمنا ماذا يجب أن نفعل، وكيفَ ينبغي أن نسلك، وكيف نُعلِّم ونُنبِّه بعضنا البعض بكل حكمة، كيفَ نُعلِّم أولادنا وعائلاتنا ومعارفنا... لكي تنجح وتستقيم حياتهم، نعم هذا هوَ هدف الكلمة، كلمة الله.
لقد أدركَ داود النبي، كاتب سفر المزامير أهمية كلمة الله، فكتب لنا كلمات مُعبِّرة وعميقة فتعالَ نتعلَّم منهُ: " هنيئًا لمن لا يسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخاطئين لا يقف وفي مجلس المستهزئين لا يجلس، بل في شريعة الرب مسرَّته وبها يلهج نهارًا وليلاً، فيكون كشجرة مغروسة على مجاري المياه، تُعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل، وكل ما يعملهُ صالحٌ " (مزمور 1 : 1 – 3).
إنَّهُ أوَّل المزامير، ولهذا دلالة كبيرة، أول شيء تكلَّم عنهُ داود كانَ كلمة الله، التأمُّل فيها والعمل بها، واللذين سيؤديان إلى الانتعاش والثمر الكثير والنضارة الدائمة والأعمال الصالحة.
والآن سأترك لكَ هذه الآيات من المزمور 119 لتتأمَّل فيها وتجني منها غذاءً لروحك، ودفعًا يُحثَّك على قراءة كلمة الله والعمل بها: " خبأتُ كلامك في قلبي لئلاَّ أُخطﺊ إليك... فرائضك نور لي، وهيَ مصدر مشورتي...أُراعي شريعتك كلَّ حينٍ، مدى الدهر وإلى الأبد. أسيرُ منشرحَ الصدر لأني طلبت أوامرك... تعزيتي في عنائي أنَّ كلمتك تُحييني... ضللتُ قبلَ أن تُعينني، والآن أسهر على كلمتك... شريعتك نورٌ لي لولاها هلكتُ في شقائي... أنا أعقل ممَّن علَّموني، لأنِّي أتأمَّل فرائضك، وأكثر من الشيوخ فهمًا، لأنِّي أحفظ أوامرك... ثبِّتْ خطواتي في كلمتك، فلا يتسلَّط عليَّ إثمٌ... يَسلَمْ الذين يُحبُّونَ شريعتك، لأنَّ لا شيء بهِ يعثرون ".
وأخيرًا، ليكُن لكلمة الله سلطان مُطلق على حياتك، من خلالها تحكم على كل قول وكل فكر وكل تصرف، ليكن الأبيض أبيض في عينيك، وليكن الأسوَد أسوَد في عينيك، ولا تترك مكانًا للون الرمادي، قلْ عن كل ما يتطابق مع كلمة الله إنهُ حقّ، وقلْ عن كل ما يتناقض مع كلمة الله إنه باطل، ولا تُميِّع الأمور أبدًا، حتى وإن كنتَ في مواقف معيَّنة ما زلتَ لا تستطيع أن تطبق ما تطلبه منكَ هذه الكلمة، لا بأس.. فالروح القدس سيُدرِّبك وسيساعدك، لكن قلْ، كلمة الله حقيقية وصحيحة وأنا من يتصرَّف بطريقة خاطئة وسوف أُصحِّح، ولا تُبرِّر ضعفك بأن تُحرِّف كلمة الله لتُغطي هذا الضعف، بل ٱعترف بهِ كما هوَ ولتبقى كلمة الله صادقة !!!
ليكن لكَ خلوة يومية مع الرب، وأكرِّر يومية، تجلس فيها عند قدميه، تُسمعهُ صوتك الذي يشتاق إليه، وتفتح لهُ قلبك وتشاركه بكل ما يزعجك ويُتعبك، لا تُردِّد صلوات سبقَ وتعلَّمتها، بل لتكن لكَ صلاتك الخاصة بكَ، صلاة جديدة، حوار قلبي مع الآب السماوي الذي أحبَّكَ، تأمَّل في كلمته، ٱدرسها، نهارًا وليلاً، ودعهُ يتكلَّم إليك من خلالها، ويُعطيك توجيهاته وإرشاداته، لكي ينجح يومك، ولكي تستقيم حياتك وتنجح حيثما توجَّهت.
ولتكن صلاتك وقراءَتك للكلمة بقيادة الروح القدس، الأقنوم الثالث، الذي تستطيع أن تتكلَّم إليه ساعةَ تشاء، فهوَ ليس مُجرَّد مشاعر وأحاسيس، وليسَ مُجرَّد حمامة وديعة كما نرى صورتهُ في أغلب الأماكن، بل هوَ شخص حيّ، ينبغي أن تطلب منه أن يُعلِّمك ويُرشدك ويُقوِّيك ويُعزِّيك، فهوَ جاءَ إلى أرضنا من أجلك، ٱجعلهُ صديقك الحميم ولا تفارقهُ طيلة يومك لأنهُ يُثبِّت كل خطواتك ويمنع قدميكَ من الزلل، وهكذا تنمو يومًا بعدَ يوم..