الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 7042مزاجي : تاريخ التسجيل : 02/01/2010الابراج :
موضوع: الكتاب المقدس بين الحرفية والرمزية الثلاثاء 15 نوفمبر 2011 - 19:39
<P dir=rtl align=center> <P dir=rtl align=center>الكتاب المقدس بين الحرفية والرمزية <P dir=rtl align=center> <P dir=rtl align=center>الأب ايلي طوبجي <BLOCKQUOTE> <P dir=rtl align=center>حديثنا اليوم يتعلق بواحد من العلوم الكثيرة والمتنوعة المتعلقة بالكتاب المقدس وهو: <P dir=rtl align=center>علم تفسير الكتاب المقدس <P dir=rtl align=center>وهذا العلم يبحث في كيفية الوصول إلى الرسالة الإلهية المخبوءة في الكتاب المقدس وفهمها فهماً صحيحاً ومثمراً في حياة الكنيسة كجماعة أو في حياة المؤمنين كأفراد. <P dir=rtl align=center>إشكالية تفسير الكتاب المقدس <P dir=rtl align=center>و" ليست مسألة تفسير الكتاب المقدس اختراعاً حديثاً. فالكتاب المقدس ذاته يؤكد أن تفسيره لا يخلو من صعوبات، لأنه يتضمن، إلى جانب نصوص شفافة، نصوصاً غامضة. فدانيال، عند قراءته بعض كلمات نبوية من إرميا، تساءل مطولا عن معناها (دا 9/2). وبحسب أعمال الرسل، وَجَد أثيوبيٌ، من القرن الأول، نفسه في موقف دانيال ذاته، عندما قرأ مقطعا من أشعيا (أش 53/7-8)، واعترف بحاجته إلى من يفسر له معنى ذلك المقطع (رسل 8/30-35). <P dir=rtl align=center>المسألة إذاً قديمة، وقد ازدادت حدّة مع الوقت، وصار من الضروري الآن، أن يعود قُرّاء الكتاب المقدس عشرين أو ثلاثين قرناً إلى الوراء، لإدراك الأعمال والأقوال التي يتكلم الكتاب المقدس عنها، وهذا الأمر لا يخلو من صعوبات. ومن جهة أخرى، صارت مسائل التفسير أكثر تعقيداً في الأزمنة الحديثة، بسبب تقدم العلوم الإنسانية ". <P dir=rtl align=center>لذلك رأى البعض الاكتفاء بممارسة قراءة أكثر بساطة تحلّ محل العمل المضني في التفسير العلمي، بممارسة القراءة المسماة "روحية "، والمقصود منها قراءة مستندة على الوحي الشخصي. فالبعض يفتشون في الكتاب المقدس عن المسيح، كما يرونه هم، ليرضي تدينهم العفوي. والآخرون يزعمون أنهم يجدون في الكتاب المقدس أجوبة مباشرة على كل أنواع الأسئلة، أكانت فردية أم جماعية. وهناك بِدَع عديدة، تقترح وتفرض تفسيرها الخاص كتفسير وحيد لأنه أوحي به إليهم وحدهم. <P dir=rtl align=center>ولكي لا نقع في هذه المحظورات، فإننا في حديثنا اليوم، سنحاول الاقتراب من الكتاب المقدس بحيث نقرأ النصّ بوعي وانتباه لنفهم مضمونه أولاً، ولنتمكن من الإحاطة والاستماع إلى كلمة الله الموجودة فيه ثانياً. <P dir=rtl align=center>بعض النقاط الأساسية في تفسير الكتاب المقدس <P dir=rtl align=center>إن سَعيَنا في تفسير الكتاب المقدس يستند على إيماننا بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله، وعلى إيماننا بأن الوحي قد تمّ وانتهى وهو كاملٌ في الكتاب المقدس كما تفسّره الكنيسة، وعلى إيماننا بأن الله الحاضر معنا وبيننا مازال يكلّمنا ويوجّهنا ويعلّمنا سبيل الحياة والخلاص، إذ يضيء طريقنا المملوءة صعوبات ليساعدنا على حل المشاكل الكبيرة منها والصغيرة التي تعرِضُ للبشر في أي مكانٍ وأي زمان. <P dir=rtl align=center>وللدخول إلى الكتاب المقدس وتفسيره هناك طريق مزدوج، وهو طريق إلهي-إنساني. فالبشر هم الذين دوّنوا الكتاب المقدس، وفيه سجّلوا أحداث مشاركتهم الله حياتهم، وهي أحداث بشرية عادية في كل جوانبها، فالمدخل الإنساني في عصرنا هذا يعتمد على الدراسات من النّوع التاريخي، الاجتماعي، اللغوي، الأدبي... بينما في القرون الأولى كان أقل تطوراً بحسب العلوم الأدبية والفلسفية في تلك الأزمان. <P dir=rtl align=center>أما المدخل الإلهي وهو ضروري دوماً ويتطلب الإيمان والتواضع قبل كل شيء، فهو درس وتشبّع وامتلاء من الكلمة المُلهَمة من الله، التي تحوي البشرى الحسنة للحياة الأبدية. <P dir=rtl align=center>وتفسير نصّ الكتاب المقدس يجب أن ينقلنا من الحرف المكتوب إلى الكلمة الإلهية التي فيه. <P dir=rtl align=center>ونستطيع القول إن على الحروف التي تشكّل النصّ الذي يُرى ويُقرأ فنفهم مغزاه المباشر، أن تنقلنا بعد ذلك إلى معانٍ وأمور لا ترى بالعين المجردة، بل تراها عيوننا الروحية ونفهمها بقلوبنا فتنير ضمائرنا وترشد أفكارنا في خلال مسيرة حياتنا ومواقفنا الإيمانية والأخلاقية... <P dir=rtl align=center>ولذلك نقول إنه علينا الانطلاق من القراءة الحرفية للنص، للوصول إلى القراءة الروحية، غايتنا في قراءة الكتاب المقدس. ولا نستطيع أن نَفصُل كلمات النص المكتوب عن محتواها ودلالاتها، لذلك من الضروري أن يكون المفسّر مهيأً بعلومٍ تؤهله لفهم النصّ وكلماته وأساليب تدوينه لمعرفة غاية كاتبه، كما وأيضا أن يكون مهيأً بالإيمان وتعاليم الكنيسة كي لا يستنتج أموراً لا يريد النص قولها وقد تؤدي أحياناً إلى فهمٍ يتضادّ والرغبة الإلهية، فيصبح الكتاب المقدس وكأنه كتاب يعلّم أموراً سيئة... خصوصاً في عهده القديم، أو قد يدعو إلى التعصب والانغلاق... الخ. <P dir=rtl align=center>دَوَّن نص الكتاب المقدس أناسٌ في أزمنة مختلفة وفي أمكنة مختلفة ومن خلفيات ثقافية مختلفة وكانت غاياتهم متنوعة. ونحن نعلم أن أيَّ كاتب عندما يريد كتابة نصٍّ ما، يختار الطريقة التي تناسبه ويقدّم ذلك بأسلوبه الشخصي، فيضع المعلومات التي يعطينا إياها بالشكل الذي يراه مناسباً. لذلك يمكن له أن يكتب ذلك بشكلٍ مباشر بسيط أو بشكلٍ مجازي أو رمزي تحت أنواع أدبيّة شتّى، والقارئ الجيد لن يفوته ذلك. <P dir=rtl align=center>وبما أن الكتاب المقدس هو كلمة الله، ففي أحيانٍ كثيرة فضّل الكتّاب استخدام الأسلوب المجازي وأحياناً الرمزي لأنه الطريق الأفضل لإيصال الرسالة الإلهية التي من الصعب أن تكون دوماً واضحة المعالم ومباشرة، لأن الله نفسه لا يمكن لأحد أن يراه بل إن ما يظهر منه هو يدل عليه، فكان على كلمته أيضاً أن تكون واضحةً ومستورةً في نفس الوقت وهذا يناسبه الأسلوب الرمزي. <P dir=rtl align=center>القراءة الحرفية للكتاب المقدس <P dir=rtl align=center>ننوّه في البدء، أن القراءة الحرفية للكتاب المقدس بمعنى القراءة الأصولية هي قراءةٌ مرفوضة.. لكن الاهتمام بقراءة حروف النصّ لفهم مستويات المعاني التي تحملها هو ما يهمّنا وما نريد أن نؤكد عليه. <P dir=rtl align=center>القراءة الأصولية – الحرفية
تنطلق القراءة الأصولية من مبدأ أن الكتاب المقدس كلمة الله الموحى بها، والمنزَّهة عن الضّلال، يجب قراءتها وتفسيرها حرفياً بكل تفاصيلها، فتلغي كل مجهودٍ لفهم الكتاب المقدس. نشأت القراءة الأصولية في البروتستانتية، في جو الاهتمام بالأمانة للمعنى الحرفي في الكتاب المقدس بعد القرن الثامن عشر المعروف بعصر الأنوار، أما كلمة أصولية فقد ظهرت في مؤتمر بروتستانتي عُقد في نيويورك-أميركا سنة 1895.
<P dir=rtl align=center>وبعد ذلك انتشرت القراءة الكتابية الأصولية، فبرزت أنواعُ أخرى من القراءات "الحرفية" في أوربا وآسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية. ويلاقي هذا النوع من القراءة مؤيدين له يوماً بعد يوم، وسط مجتمعات دينية وبِدع، وبين الكاثوليك أيضاً. <P dir=rtl align=center>ومع أن "الأصوليّة"، في قراءة الكتاب المقدس، مُحِقّة في إصرارها على الوحي الإلهي في الكتاب المقدس، وعصمة كلمة الله، لكن طريقة هذه القراءة تتجذّر في إيديولوجية، ليست كتابية. ذلك لأنها تفرض التزاماً قاطعاً بمواقف عقائدية جامدة، وبمرجعيّة وحيدة للتعليم المتعلق بالحياة المسيحية وبالخلاص، هي قراءة للكتاب المقدس رافضة لكل تساؤل وبحث نقدي. <P dir=rtl align=center>( أمثلة: أن يُقال مثلاً هذا الأمر لا يوجد في الإنجيل، أو يسوع المسيح لم يضحك لذا فالضحك مرفوض، أو لم يقل اقتنوا سيارات، أو يجب العيش كما عاش المسيحيون الأولون دون أدوات ورفاهية ليكون الإيمان قوياً وصحيحاً، أو هناك أمورٌ أخلاقيّة يسمحون بها لأنه لا يوجد في الإنجيل قول واضحٌ عنها والخ..) <P dir=rtl align=center>كما تصرّ على عصمة الأحداث التاريخية أو الحقائق العلمية المزعومة. وتعطي غالباً طابعاً تاريخياً لكل ما نُقل أو رُوي في زمنٍ ماض، دون التنبّه الضروري إلى إمكانية وجود معنىً رمزي أو تصوري. <P dir=rtl align=center>(أمثلة: بناء برج بابل وبلبلة الألسن كأنها الأساس التاريخي لتعددية اللغات (تك 11/1-9)، وقوف الشمس في السماء.) <P dir=rtl align=center>وتميل إلى تضييق مجال الرؤية، لأنها تعتبر علم الفلك القديم، وقد بلي، لا يزال مطابقا للواقع، إذ تجد تعبيراً عنه في الكتاب المقدس. <P dir=rtl align=center>(مثال: الأرض مسطحة والشمس تدور حولها، وهي مغمورة بالمياه فمنها مياه تحت الأرض تنبع وأخرى تنزل من فتحات السماء.) <P dir=rtl align=center>وتستند على قراءةٍ ترفض نقد بعض نصوص الكتاب المقدس وذلك لتدعم أفكاراً سياسية معينة ومواقف اجتماعية متسمة بآراءٍ مسبقة، عرقية مثلا، تناقض بساطة الإنجيل المسيحي. <P dir=rtl align=center>(أمثلة: اليهود يعتبرون ما جاء في العهد القديم شريعة إلهية دائمة وبالتالي هم شعب الله المختار على مرّ الزمان، أو تحريض الفقراء على الأغنياء واستعمال العنف باسم الإنجيل.) <P dir=rtl align=center>وأخيراً، فإن الأصولية، بتعلقها بالمبدأ القائل: "مرجعنا الكتاب المقدس وحده" sola scriptura تفصل التفسير الكتابي عن التقليد الذي يوجهه الروح القدس، والذي ينمو في اتصال وثيق بالكتاب المقدس وسط الجماعة المؤمنة. <P dir=rtl align=center>ويفوت الأصوليّة التصور أن العهد الجديد اتخذ شكله داخل الكنيسة، وانه كتاب هذه الكنيسة التي وُجِدت قبل تدوين نصوصه. ولهذا السبب تناهض الأصولية غالباً الكنيسة، ولا تُعير الاهتمام لأفعال الإيمان والعلوم العقائدية والممارسات الليتورجية التي صارت جزءاً من التقليد الكنسي، كما تناهض أيضاً مهمة الكنيسة التعليمية ذاتها. <P dir=rtl align=center>( أمثلة: لا مكان لأسرار الكنيسة في فهم الكتاب المقدس كما تعودنا في كنائسنا الكاثوليكية والأرثوذكسية، الفرد حرّ في عبادته ضمن الجماعة ولا ضرورة لتنظيم الصلوات والعبادة، لا يمكن لتعليم الكنيسة الاجتهاد لإيجاد حلول معاصرة بل تبقى الأمور ثابتة كما جاءت في الإنجيل.) <P dir=rtl align=center>المقاربة الأصولية خطيرة لأنها تجذب الذين يفتشون عن أجوبةٍ كتابيةٍ على مشاكلهم الحياتية. فهي قادرة أن تخدعهم إذ تقدّم لهم تفاسير تقويّة ولكنها وهميّة. عِوَضاً عن القول لهؤلاء بأن الكتاب المقدس لا يملك جواباً مباشراً على كل من هذه المشاكل . <P dir=rtl align=center>أهمية المعنى الحرفي <P dir=rtl align=center>ما نسميه " المعنى الحرفي" هنا، هو السعي لتحديد المعنى الدّقيق للنصوص، كما وضعها مؤلفوها في الأصل، وهذا الأمر مشروع وضروري لفهم الكتاب المقدس. <P dir=rtl align=center>لا يجب الالتباس بين المعنى الحرفي و"حرفية النص" التي يتمسك بها الأصوليون. <P dir=rtl align=center>فالترجمة الحرفية، كلمة كلمة، ليست كافية لفهم المعنى الحرفي لكل نص، إذ يجب فهم النص على ضوء المصطلحات الأدبية الرائجة في عصره. إذا كان النصّ مجازياً، فمعناه الحرفي ليس الذي نحصل عليه إذا ترجمنا النصّ كلمة كلمة، بل الذي يوافق الاستعمال المجازي للكلمات. <P dir=rtl align=center>(مثلاً: "لتكن أوساطكم مشدودة" (لو 12/35)، لا يعني شد الأوساط بل يريد القول: "كونوا على استعداد"). <P dir=rtl align=center>وإذا كان النصّ المقصود قصة، فالمعنى الحرفي لا يحمل بالضرورة تأكيداً على أن أحداث القصة قد حصلت بالفعل، إذ من الممكن أن تكون القصة من النوع الخيالي، لا من النوع التاريخي. <P dir=rtl align=center>(مثلاً: يونان النبي وذهابه إلى نينوى في بطن الحوت، هو حدث تاريخي لكنه في الحقيقة قصّة تحمل مضموناً تعليمياً عامّاً وهو أن الله يهتمّ حتى بخلاص الناس الذين لا يعرفوه.) <P dir=rtl align=center>إن معنى الكتاب المقدس الحرفيّ هو ما عبّر عنه الكتّاب الملهمون مباشرةً. وبما أن هذا المعنى هو ثمرة الإلهام، فهو إذاً عمل يريده الله، المؤلف الأساسي. ونحن نميز هذا المعنى عن طريق التحليل الدقيق والواضح للنص الموضوع في إطاره الأدبي والتاريخي. إن دراسة الأنواع الأدبية ضرورية جداً. <P dir=rtl align=center>(فالذي يكتب أمراً تاريخياً يختلف تدوينه عن كتابته لنبوءةٍ أو لحكمةٍ أو لرسالة...) <P dir=rtl align=center>ومن ضمن المعنى الحرفي أيضاً، أنه يستطيع كاتب بشري الاستناد في الوقت ذاته على عدّة مستويات من الواقع، وهذه الحالة رائجة في الشعر. والإنجيل الرابع يقدّم نماذج عديدة من هذا النوع. ومن ناحيةٍ أخرى، حتى وإن أوحى تعبيرٌ بشريّ بأن ليس له سوى معنى واحد، يستطيع الإلهام الإلهي توجيه هذا التعبير بطريقة تجعله ذا معنى مزدوج. <P dir=rtl align=center>(مثلاً: كلمة قيافا في ( يو 11/50): "خير لكم أن يموت رجلٌ واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة بأسرها ". إنها تعبّر عن حساباتٍ سياسية لا أخلاقية، وعن وحي إلهي في الوقت ذاته.) <P dir=rtl align=center>من المناسب خاصةً، التنبّه إلى المظهر الديناميكي لكثير من النصوص. فالمعنى الذي تحمله المزامير الملوكية (مثلاً مز 2: " لماذا تضج الأمم، وتلهج الشعوب بالباطل؟ ملوك الأرض يثورون وحكامها يتآمرون معاً على الرب، وعلى الملك الذي مسحه الرب. قال لي أنت ابني وأنا اليوم ولدتك...")، لا يجب حصره في إطارِ ظروفه التاريخية الضيقة . <P dir=rtl align=center>هذا ما يخص المعنى الحرفي، وكيف نقرأ النص ونفهم مضمونه بمعرفة تقنيات كتابته وإمكانياته الأدبية. وننتقل الآن إلى القراءة الرمزية للكتاب المقدس. <P dir=rtl align=center>القراءة الرمزيّة للكتاب المقدس <P dir=rtl align=center>إن نصّ الكتاب المقدس يحملُ كلمة الله، كما أوضحنا أعلاه، ومهمّة المفسّر الصعبة هي أن يصل إلى المعنى الروحي في الكتاب المقدس وأن يفهمه بشكلٍ صحيح دون أن يتعارض ما فهمه مع تعليم الكنيسة وعقائدها. وهذا خطر يجب تجنبه أثناء اتّباع القراءة الرمزية للكتاب المقدس. <P dir=rtl align=center>الفهم "الرمزي" المخطئ للنص الكتابي <P dir=rtl align=center>لا يجب الوقوع في التباس بين المعنى الروحي وبين التأويلات الذاتية التي يمليها الخيال أو التصورات ؛ أُوردُ هنا بعض الأخطاء: <P dir=rtl align=center>- من أهم المخاطر التي قد يقع فيها المفسّر معرفته المسبقة للنص، فلا يتكلّف أعباء البحث في معنى النصّ الحرفي والتأكد من المعنى الذي يحمله، وإذا لم يكن مؤهلاً بشكلٍ كافٍ، يُسقِط عليه ما يريد أن يراه في النص معتقداً أنه يدلّ على ذلك بشكلٍ "رمزي"، فلا يفهم ما يريد النص أن يقوله ولا يستفيد شيئاً منه لأنه رأى فيه ما كان يراه دوماً. <P dir=rtl align=center>- مِن المفسّرين مَن هو متأثرٌ بما يعيش من أمورٍ سلبيّة كانت أم إيجابية، فعندما يقرأ الكتاب المقدس يُسقط على نصوصه رؤيته الحالية مفسراً النصّ وكأنه "يرمز" إلى الحقيقة التي يراها هو، فيصبح هو نفسه "الله" المتكلم في الإنجيل. <P dir=rtl align=center>- منهم مَن لا يعرف العهد القديم أو هو ضدّ قراءته ويرفضه، فعندما يقرأ مقاطع من العهد الجديد (من الأناجيل أو الرسائل) وتكون مرجعيتها العهد القديم، لن يفهم منها شيئا لأنها نابعة من أساسِ العهد القديم، فيعتبرها أموراً "رمزية" يعرفها الله فقط ولا يفهم حقيقتها. <P dir=rtl align=center>- وقد يتعرض التفسير الكاثوليكي، لخطر تحميل النصوص الكتابية معنى لا تقصده، بل يكون ثمرة تطور لاحق في التقليد . <P dir=rtl align=center>(مثال: في نهاية إنجيل متى 28/16-20، تراءى يسوع لتلاميذه الأحد عشر وأرسلهم إلى العالم ليتلمذوا جميع الأمم ويعلّموهم، فإذا فسّرنا ذلك بأنها الكنيسة الرسولية تنتشر تحت قيادة البابا والبطاركة والأساقفة نكون قد حمّلنا النصّ أكثر من اللازم). <P dir=rtl align=center>استخدام الرمزيّة في تفسير الكتاب المقدس <P dir=rtl align=center>إنّ كنائسنا الشرقية فهمت الكتاب المقدس وفسرته بواسطة الآباء، وإن مساهمتهم الخاصة في التفسير الكتابي، أعطت التقليد العقائدي الكنسي شكله، كما وفّرت تعليماً لاهوتياً غنياً لثقافةِ المؤمنين وغذائهم الروحي. <P dir=rtl align=center>والكنيسة هي المكان المألوف لقراءة الكتاب المقدس، خلال الاحتفال بالليتورجيا. لهذا، يرتدي تفسير الآباء طابعاً لاهوتياً وراعوياً، ليكون في خدمة الجماعات، والأفراد المؤمنين. <P dir=rtl align=center>استعمل الآباء غالباً الأسلوب الرمزي، ونادراً ما ارتكزوا على حرفية النصوص وتاريخها. إن الرمزية تأتي من الاقتناع بان الكتاب المقدس، كتاب الله، أعطاه لشعبه، أي للكنيسة، فلا يجوز مبدئيا، إبعاد أي مقطع منه، على انه لم يعد مجارياً للعصر أو باطلاً نهائياً. فالله يوجه لشعبه المسيحي رسالة لها آنيتها الدائمة. فكل "ما هو مكتوب ليكون عبرة لنا" (1قور 10/11). <P dir=rtl align=center>وإن قناعة الآباء أن الكتاب المقدس هو كتاب الله الذي لا ينضب، جعلتهم يفسرون أيّ مقطعٍ منه برمزية معينة. ولكنهم يفضّلون أن يبقى كلُّ مفسّرٍ حراً في اقتراح تفسيرٍ آخر، شرط أن يحترم وحدة الإيمان. <P dir=rtl align=center>إذاً، يعلّم الآباء قراءة لاهوت الكتاب المقدس، وسط تقليد حيّ، وبروح مسيحية حقّة . <P dir=rtl align=center>لا تجتذب طريقة الآباء في شرح الكتاب المقدس، عالِم الكتاب المقدس العصري الذي ينصبُّ اهتمامه الأساسي على الحقيقة التاريخية، لأن الآباء يهتمون بمفهومٍ مختلف تماماً، فموضوع البحث عندهم ليس الحقيقة التاريخية بل الواقع الروحي، وهي حقيقةٌ من نوعٍ آخر، شكلها الموضوعي يختلف عن شكل الحقيقة التاريخية.
وينحصر اهتمام الآباء كليّاً تقريباً في الطريقة الثانية، أي البحث عن الواقع الروحي. وهذه الطريقة تنطلق حصراً من نقطةِ بدايةٍ هي الإيمان. إن المعنى الروحي الباطني، موجودٌ بصورةٍ محسوسةٍ في الكتاب المقدس كما هو الحال في المعنى التاريخي الظاهري. أمّا رؤيته فعلاً مِن قِبَل القارئ وسامع الكتاب المقدس فمسألةٌ أخرى، لأن هذا المعنى الروحي الباطني يمكن رؤيته فقط بالعين الباطنية الروحية، والضوء الذي ترى به تلك العين هو الإيمان.
<P dir=rtl align=center>يتوقف المدى الذي يستطيع الإنسان أن يراه بالعين الداخلية هذه على مدى انفتاحه نحو إلهام الروح القدس المستمر. ولكي يقدّر الإنسان وحيَ نصّ الكتاب المقدس حقّ تقدير ينبغي أن يكون هو بنفسه منفتحاً نحو إلهام الروح . <P dir=rtl align=center>(أمثلة: كتب الآباء في مواضيع كثيرة تهم الإيمان المسيحي وتوضح عقائده، ففي الثالوث الأقدس يقول ايريناوس إنَّ: الابن والروح القدس هما يدا الآب السماوي في خلقه وحفظه للعالم؛ في سر العماد يقول كيرللس الاورشليمي: عندما غمرتكم المياه ثلاثة مرات ثم صعدتم منها، متّم وأيضاً ولدتم، هذه المياه المقدسة كانت لكم قبراً وأمّاً؛ في سر الافخارستيا يقول يوحنا الذهبي الفم: نصير جسد المسيح بالحقيقة، يمتزج بنا ويندمج فينا، لنصير معه كياناً واحداً؛ وفي سر الكهنوت يقول: إني لأرى الابن يسلم سلطانه بكامله إلى الكهنة. إنهم يشفون النفس المريضة المشرفة على الهلاك وبإمكانهم أن يخففوا أيضاً العقاب المفروض وأن يستدركوا السقوط بالتعليم والإرشاد والصلوات المسعفة.) <P dir=rtl align=center>الخاتمة
للكتاب المقدس مستويان من المعنى، المعنى التاريخي الظاهري، والمعنى الروحي الباطني، وهذان يتعايشان صميمياً كما يتعايش اللاهوت والناسوت في المسيح المتجسد.فلنتعامل معه بمحبة واحترام لكل ما فيه في عهديه القديم والجديد، ولنتأنّ في قراءة حروفه ولنبحث لفهم معانيها بشكل صحيح.. ثم لنفتح عيون بصيرتنا وقلوبنا المؤمنة لندخل إلى الله ونلتقي به من خلال قدرتنا الروحية التي أنعم علينا بها، فالروح القدس الذي يسكن فينا يهيئنا لاستقبال المسيح العروس في خدر قلوبنا، إذا أحسنّا الاستماع إلى صوته الهامس الذي ينادينا في أثناء قراءتنا كلمة الله، هكذا نصبح هياكل يسكن فيها الرب يسوع، فيعطينا أن نرى مثله ونريد مثله ونعمل مثله ونحب مثله فنكون أبناء للآب السماوي مؤلّهين مثله.