كانت جريدة (القبس) الكويتية أول من حمل لنا هذا الخبر، بعددها الصادر في 25/4/2010، وهي التي تباهت وتفاخرت بهذا المشروع، الذي يستهدف جر نهر دجلة نحو الهضاب والوديان السورية (وشهد شاهد من أهلها)، وبإمكانكم الاطلاع على الخبر الذي نشرته (القبس) تحت عنوان:
(دمشق تشيد بدعم الكويت في مشروع جر مياه نهر دجلة)
في الصفحة التاسعة (المحليات)، العدد 13256، ولا مجال بعد الآن للمتحذلقين واللوقية والحفلكية والحنقبازية في تكذيب الخبر والدفاع عن الأقطار، التي كرست أموالها وطاقاتها للانتقام من العراق وشعبه، وقد جاءت عبارة (جر) في محلها للتعبير عن الأبعاد الخبيثة لهذا المشروع التآمري، لأن نهر دجلة لا يدخل الأراضي السورية بسهولة، وإنما يمس حدودها، ويجري بمحاذاتها لمسافة قليلة جداً، لبضعة كيلومترات فقط، في منطقة جبلية ضيقة، شديدة الوعورة، محصورة في المثلث العراقي السوري التركي، ويحتاج لطاقات استثنائية، وجهود جبارة لجره وسحبه واستدراجه بالقوة، بهدف تغيير مساره، والاستحواذ على مياهه، فتبرعت دولة الكويت للقيام بهذه المهمة الشاقة، وسارعت لتنفيذها على نفقتها الخاصة، ففتحت مغاليق كنوزها، وسخرت أموالها لتغطية نفقات المشروع، واستلت سيوفها وخناجرها لقطع شرايين هذا النهر، الذي يرتوي منه النصف الشرقي من العراق كله، من شماله إلى جنوبه.
أما أولئك الذين يصفون الآثار التدميرية لهذا التصرف الاستفزازي بأنها لا تعدو عن كونها (ضجة مفتعلة) يراد منها التكسب السياسي، فنقول لهم: أن سوريا نفسها هي التي اعترفت عبر وسائلها الإعلامية بأن مياه الري ستُسحب من حصة العراق، في هذا المشروع الذي تبنته الكويت، وذلك عن طريق تحويل مسار نهر دجلة، وجره عنوة إلى الأراضي السورية عبر قناة (عين ديوار)، وهي قناة صناعية بطول (29) كيلومتراً، ثم تندفع المياه بقوة في نفق طوله (20) كيلومتراً يخترق جبل (كراتشوك)، وتواصل تدفقها بسعات تصريفية هائلة في قناة صندوقية بطول (30) كيلومتراً، تتفرع بعدها إلى قناتين مفتوحتين متباعدتين، الأولى بطول (132) كيلومتراً، تنتهي عند سد (الثامن من آذار)، والثانية بطول (124) كيلومتراً، تنتهي عند سد (باسل الأسد)، وتتوسط المشروع مضخة عملاقة عند سد (السابع من نيسان)، وستتراكم الآثار الكارثية لهذا المشروع فوق الآثار التدميرية لمشروع سد (أليصو) الذي أقامته تركيا على نهر دجلة، ضمن سلسة السدود التي باشرت بتنفيذها، في إطار مشاريع (الغاب)، والتي تشتمل على بناء (22) سدا عملاقا على نهري دجلة والفرات، في خطوات هندسية غير مسبوقة، ولا تتماشى أبداً مع أحكام القانون الدولي، وتتعارض مع قواعد العدل والإنصاف، ولا تقبلها الأعراف الحضارية، فجاءت تسميتها متطابقة تماماً مع مبادئ شريعة (الغاب)، ما دفع جمعيات (أنصار البيئة)، وجمعيات (الدفاع عن حقوق الإنسان) في القارة الأوربية لتبني مواقف شجاعة وحازمة في توجيه الانتقادات اللاذعة للحكومات، التي تنوي تجفيف العراق وحرمانه من موارده المائية، وكان لتلك المواقف الإنسانية أثر واضح في التطورات التي أدت إلى انسحاب الشركات البريطانية والايطالية والسويدية، التي عولت عليها تركيا في تنفيذ السدود العملاقة على دجلة والفرات، في حين لم تنسحب الشركات الإسرائيلية، وواصلت نشاطاتها المعادية للعراق، وقامت حكومة (تل أبيب) بتمويل معظم مشاريع (الغاب)، وقدمت لها التسهيلات السخية، وساندتها بالخبرات التقنية، وزجت بأكثر من (75) شركة إسرائيلية، في مشاريع بناء السدود الضخمة لقطع مسارات دجلة والفرات، وتحويلها إلى نهر (مناوغات)، الذي تتطلع إسرائيل لشراء مياهه من تركيا لتلبية احتياجات مستوطناتها، وربما تسعى من وراء مشاركتها في (الغاب) إلى تأكيد حلمها الصهيوني القديم، وتوسيع نفوذها على الأرض من النيل إلى الفرات.
وفي الوقت الذي يشهد فيه العراق أزمات حادة في المياه العذبة، تجلت صورها البشعة بجفاف العشرات من الروافد والجداول والسواقي والأنهار بقرارات جائرة ومشاريع متعمدة تبنتها الحكومات الإيرانية والتركية والسورية، جاءت الكويت لتشترك معهم في الحرب المائية المعلنة ضد العراق، وتستخدم ثقلها المالي كله لتزيد الطين بلة، وتشغل الفراغ الذي تركته الشركات الأوربية، التي استحت من نفسها، وأعلنت الانسحاب من المشاريع التركية المكرسة لتعطيش العراق وتجويعه، فهل صارت الشركات الأوربية أرحم من جيراننا وأشقائنا وأبناء عمومتنا؟، أم أن دول الجوار تخطط لإيذاء الشعب العراقي المنكوب؟، ثم ما الذي ستجنيه الكويت من وراء تمويلها لمشاريع تستهدف إصابة العراق بأضرار كارثية؟. وما الفائدة التي ستحققها سوريا باستحواذها على حصة العراق المائية وتبذيرها في الكهوف والوديان الوعرة؟. ترى هل سيكون العراق بهذا الحال، وتحت ضغط هذه الأوضاع التآمرية المتواصلة لو كان جيرانه من الهنود والمكسيكيين والفيتناميين واليابانيين والسريلانكيين والأرجنتينيين؟. وهل سيتعاملون معنا من دون رحمة، ويقطعوا علينا الأنهار والروافد، ويفرضوا علينا الحصار المائي بعشرات السدود والنواظم، ويحرمونا من مياه الشرب والري؟، وهل سيستمر الحال على ما هو عليه، وتمضي دول الجوار في تنفيذ مخططاتها وبرامجها المائية العدائية، من دون رادع ولا وازع؟، وهل ستتحقق نبوءة المنظمات الاروائية العالمية بزوال دجلة والفرات بحلول عام 2040؟.. الجواب تجدونه عند وزارة الموارد المائية...