شفق نيوز/ بعيد سقوط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس نهار التاسع من نيسان عام 2003، أدرك العالم وفي طليعته العراقيون، أن حقبة النظام السابق أنتهت ولن تعود.
غير ان الأمر الذي اثأر جدلا كثيرا في المدة التي تلت التغيير، هي الإرث المتبقي عن النظام السابق ومنها العلم والنشيد الوطني، وكذلك النصب التي أقيمت له في أثناء حكمه والتي ازيل بعضها في حين بقي البعض الآخر.
ولعل من ابرز الأمور التي انفرد بها صدام عن غيره من الحكام، هي كتابته القرآن باستعمال دمه، وحفظه لتلك النسخة، التي لم تزل موجودة لدى الوقف السني، ومنذ ثمانية اعوام، ظلت تلك النسخة بعيدة عن الأنظار وراء أقفال، لا يعرف ماذا يفعل بها الحكم الجديد.
ويقول رئيس الوقف السني احمد السامرائي إن "ما فعله صدام كان خطأ، وكان حراما من الناحية الدينية".
الا ان السامرائي يقول انه عمل على حماية هذه النسخة في اثناء مدة السلب والنهب والفوضى التي عمت أجزاء واسعة من البلاد في الاسابيع التي تلت سقوط صدام، وانه خبأ تلك النسخة في أجزاء من بيته وبيوت أقاربه.
وبحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية فأن "تلك النسخة كتبت بدم صدام حسين، واحتاجت لنحو 27 لترا من دمه لانجازها، واستغرقت من ممرضة وخطاط نحو عامين لسحب الدم ونسخها".
وبحسب المصادر فأن نسخة القرآن المكتوبة بدم صدام محفوظة في مسجد ام القرى بالعاصمة بغداد لما يقرب من ثلاثة اعوام، في وقت تحاول الإدارة السياسية الحالية في العراق التخلص، من ميراث طويل من حكم صدام وحزب البعث الذي استمر لنحو 35 عاما.
وتقول الصحيفة إن "هناك خشية من انتقام الحكومة، من المسؤولين عن حفظ النسخة، ان هم فتحوا ابواب الخزينة التي حفظت فيها نسخة هذا القرآن".
غير ان المتحدث باسم رئيس الوزراء نوري المالكي، علي الموسوي، يقول انه يجب الإبقاء عليها "على انها شاهد على بشاعة صدام، ولا يوجد عراقي يريد رؤيتها، وربما في المستقبل يمكن إيداعها في متحف خاص كما هو حال الرموز التذكارية من عهود هتلر او ستالين او غيرهم".
ويضيف أنه "ليس كل ما بناه هذا النظام يجب أن يزول، فهناك تماثيل فيها اشارات إلى الدكتاتورية والمعارك والحروب، وبعضها ذات دلالات طائفية وعرقية، وهذه يجب ازالتها".
وتقول الصحيفة البريطانية إن "عددا من الشخصيات السياسية العراقية البارزة التي عارضت صدام، ومنهم زعيم المؤتمر الوطني العراقي احمد الجلبي، يريدون التخلص تماما من رموز النظام السابق".
اما الآخر الذي عارض صدام، ولعب دورا مهما في الاطاحة بنظامه فقد كان موفق الربيعي، المستشار السابق للأمن الوطني، والذي رافق صدام في لحظاته الاخيرة إلى حبل المشنقة، الذي تنقل عنه الصحيفة قوله انه "برغم ان حكم صدام وتأثيره على العالم اصبح جزءا من تاريخنا، وصحيح انه جزء سيء، لكنه صنع مع ذلك فرقا كبيرا، سواء احببنا ذلك ام كرهناه، وعلينا ان لا نعمل على دفن ميراث تلك الحقبة، بل تذكرها وتعلم الدروس منها، واهمها عدم عودة الدكتاتورية الى العراق مجددا".
وتقول الصحيفة إن "الحكومة العراقية الحالية، باتت حساسة جداً من قضية عودة الرموز التي يمكن ان تحفز او تنشط ما تبقى من البعثيين، الذين ما زالوا يزرعون المتفجرات ويقومون بعمليات اغتيال كل عدة ايام". من جانبه يقول الخطاط عباس جودي إن صدام أمره بكتابة القرآن بدمه بعد تعرض ابنه عدي لمحاولة اغتيال "وفاء لنذر كان قد قطعه على نفسه". ويروي جودي "لقد استدعاني صدام حسين إلى مستشفى ابن سيناء في بغداد حيث كان يزور ابنه عدي الذي تعرض لمحاولة اغتيال قبل أيام وطلب مني أن اخط القرآن بدمه وكان الأمر عبارة عن نذر" بالنسبة إليه. ويقول بدأ مباشرة العمل لكتابة السور آل 114 من القرآن في مهمة استغرقت سنتين وقد عرض العمل بقياس 35*35 سم بعد الانتهاء منه في متحف "آم المعارك" آنذاك في بغداد. ويعترف الخطاط بأنه ساورته شكوك حول الشرعية الدينية لعمله لكنه يقول "لم يكن لدي الخيار أن القول لا لصدام يعني الحكم بالإعدام". ويقول جودي أنه تلقى مقابل خطه القرآن اقل من ثلاثة ألاف دولار وقتها.
وتشير إلى أن "الحكومة لم تجد صعوبة في التعامل مع رموز اخرى من ميراث العهد السابق، مثل تماثيل صدام، ومن ابرزها التمثال الذي اسقطته دبابة امريكية في نيسان من عام 2003".
وكانت الحكومة العراقية قد شكّلت في عام 2005 لجنة للإشراف على التخلص من كل الرموز المرتبطة بصدام حسين وعهده.
لكن ومع تشكيل الحكومة الرابعة بعد سقوط صدام، يتحول الانتباه في هذا الشأن الى أمور أكثر تعقيدا وأهمية، فهناك رموز لم يجر التخلص منها، مثل السيفين المتقاطعين الضخمين القائمين في ساحة الاحتفالات وسط بغداد.
ويبدو أن وجهة النظر التي تقول بإرسال نسخة القرآن، التي يقال إن صداما كتبها بدمه، الى متحف خاص كرمز تذكاري لممارسات الحكام الدكتاتوريين ستكون هي السائدة، ويقول متابعون للشأن العراقي؛ ان ما تبقى من رموز لحكم صدام حسين لم تعد تثير أي جدل في الشارع العراقي ولم تعد تنطوي على أي أهمية في ظل انشغال العراقيين بقضايا اهم من قبيل اعادة اعمار البلد، وسلوك افضل الطرق لبناء حياة سليمة بعيدا عن الخوف والدماء.