صلاح عمر العلي يروي قصة صدام حسين ويكشف الحقائق على خط الزلازل من القصر الى القبر
كاتب الموضوع
رسالة
Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 60603مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: صلاح عمر العلي يروي قصة صدام حسين ويكشف الحقائق على خط الزلازل من القصر الى القبر الأربعاء 30 نوفمبر 2011 - 1:49
مجموعةالعراق فوقخطاحمر
صلاح عمر العلي يروي قصة صدام حسين ويكشف الحقائق على خطالزلازل من القصر الى القبر
النخيل-في 1964 طلبت قيادة البعث من صلاح عمر العلي ان ينتظر تعليمات سينقلهااليه شاب اسمه محمد وفي الوقت المحدد حضر الشاب النحيل وقال انه محمد، لكن لهجتهفضحته فأقرّ انه صدام حسين.. بعد وقت قصير سيلتقي الرجلان في القيادة القطرية للحزبوسيكونان معاً بالثياب العسكرية في عملية اسقاط القصر الجمهوري وطرد الرئيسعبدالرحمن عارف في 17 تموز (يوليو) 1968.
وسيدخلان معاً بالرشاشات الى مكتب الرئيس احمد حسن البكر في 30 من الشهر نفسهلإرغام رئيس الوزراء عبدالرزاق النايف على التوجه مباشرة الى طائرة نقلته الىالمنفى وهكذا اكتملت سيطرة "البعث" على السلطة.
في هذه الحلقة يتحدث صلاح عمر العلي العضو السابق في مجلس قيادة الثورة والقيادةالقطرية عن مجريات عودة البعث الى السلطة.. كما سيتحدث عن شاب في "غاية الأدبواللياقة والاحترام… رجل جاد وانسان شجاع وحاذق" اسمه صدام حسين نجح في تلك الفترةفي اخفاء جوعه العميق الى السلطة.
وهنا الحلقة الثانية:
ماذا تعرف عن نشأة صدام حسين وبداياته في تكريت؟
- صدام حسين من مواليد قرية العوجة التي تبعد حوالى تسعة كيلومترات عن تكريت المدينةالتي ولدت فيها.. يقال انه من مواليد 1937.. ولا مبرر للاستغراب ان كان من الصعبتحديد الشهر واليوم.. ففي تلك المرحلة كانت العائلات تتأخر في تسجيل أبنائها فيالدوائر الرسمية ويضيع الموعد الدقيق للولادة.. أنا حاولت ان اسأل أمي عن تاريخولادتي بدقة فلم تستطع أن تتذكر على رغم انني من مواليد المدينة ومن عائلة كانتظروفها مقبولة.. هنا يجب أن أقول ان سيرة صدام تعرضت لأكثر من تشويه. فهناكالروايات الرسمية التي سعت الى تلميع بدايات الرجل ونسبت اليه ما لم يكن موجوداً.. وهناك روايات الخصوم التي حاولت أحياناً أن تلصق به ما لم يفعله أو ما لم يثبت أنهفعله.
ولد صدام في عائلة فقيرة.. والده كان شبه فلاح ويعمل حارساً في بعض الأوقات. منعرفوه يذكرون أنه كان انساناً بسيطاً.. توفي الرجل قبل أن يبلغ نجله الثالثة.. وهكذا رأت صبحة، والدة صدام، نفسها وحيدة مع نجلها.. امرأة شابة وتريد أن تعيلطفلها في ظروف من الفقر ووطأة التقاليد وتزوجت صبحة من ابراهيم الحسن وانجبت منه منعرفوا لاحقاً كاخوة غير أشقاء لصدام مثل برزان ووطبان وسبعاوي.
كيف تعامل ابراهيم الحسن مع الصغير؟.
- الذين عرفوا ابراهيم الحسن يقولون انهصاحب شخصية شريرة لا حدود لمشاعر القسوة فيها ولم يحمل ابراهيم أي مشاعر ود لابنصبحة. عامله بعداء مفرط وكان يضربه بلا رحمة على رغم صغر سنه. ربما هنا يمكن تفسيربعض ملامح صدام.. ولد في قرية يمتاز أهلها بالقسوة ويحتكمون الى القوة لتصفيةالخلافات بينهم.. قرية فقيرة، غياب الكهرباء يزيد ليلها قسوة.. وصبي يتيم يعاملهزوج والدته بالتهديد والضرب المبرح.
ولعل الصغير استنتج ان العالم لا يرحم وأن على المرء أن يكون قوياً ليدفع الأذىعنه أو أن يكون قوياً الى درجة مبادرة الآخرين بالأذى وثمة من يقول ان الصغار كانوايسخرون من الولد اليتيم ويضربونه الى حد انه اقتنع بأن عليه ان يقتني دائماً مايساعده على رد الهجمات، بدءاً من السكين وصولاً الى المسدس الذي جعله صدام رفيقهالدائم حتى اليوم.
وهذا ما دفع صدام الى الفرار الى بيت خاله خيرالله طلفاح؟
صدام في بيتخاله
- قد يكون اختار الفرار من جحيم ابراهيم الحسن وقد تكون صبحة شجعته على ذلكلتتفادى رؤية زوجها ينهال بالضرب على ابنها.. هنا لا بد من كلمة عن خيرالله طلفاحالذي لا يمكن فهم شخصية صدام من دون التوقف عنده وكان ضابطاً في الجيش واعتقل لدىحصول ثورة رشيد عالي الكيلاني لمدة أربع سنوات. وتختلف الروايات حول أسباباعتقاله.
وهناك من يقول انه اعتقل لأنه كان مشاركاً ويقول فريق آخر انه اعتقل لأنه ادعىانه صاحب دور وأنا أميل الى هذا الرأي بعد اطلاق سراحه سكن خيرالله طلفاح فترة فيتكريت وعيّن مديراً لمدرسة متوسطة أهلية مدة عامين ثم رجع الى بغداد ليمضي فيهاغالبية أيام حياته.
يقال ان صدام لجأ الى بيت خاله وكان في التاسعة ولم يدخل المدرسة بعد؟
- اعتقد بأنه كان أكبر من ذلك.. الأكيد ان صدام دخل المدرسة الابتدائية في تكريت. كانخالي سعيد عبدالفتاح مدرساً فيها وهو لا يزال حياً وسألته فقال ان اسم صدام موجودفي سجلات المدرسة وأكد انه كان من الطلاب الأذكياء ويعتبر من المتفوقين.
لماذا صدام حسين التكريتي وهو من العوجة؟
- تكريت من أقدم المدن العربية.. مدينة قديمة للغاية.. ابان الفتح الاسلامي كانت تسكن تكريت ثلاث قبائل :التغالبةوالنمر واياد، وهي قبائل عربية. في الوقت الحاضر تضم مدينة تكريت ثلاث عشائر هي :التكارتة وهم أهل المدينة، والبوناصر التي جاء منها أحمد حسن البكر وصدام حسينوخيرالله طلفاح، والحديثية الذين جاؤوا من مدينة حديثة القريبة من الحدود السورية.. صدام من عشيرة البوناصر وهم من ضاحية المدينة ومسكنهم الحقيقي في العوجة وفي الغالبلا ينطبق عليهم أصلاً لقب تكريتي.
متى التقيت صدام للمرة الأولى؟
- في 1964 وانقسم الحزب وكانت كل موجوداته تحتسيطرة المسؤول السابق علي صالح السعدي الذي راح يستخدمها ضد الحزب بما في ذلك اصداربيانات تهاجمنا وذات يوم أبلغني فاتك الصافي عضو القيادة القطرية ومسؤولي الحزبيالمباشر بالآتي :يجب أن تكون عند الخامسة مساء في اليوم الفلاني في المقهىالفلاني.. سيأتيك شاب نحيف أسمر يقود سيارة فولكسفاغن ويعرف على نفسه باسم محمد. المطلوب ان ترافقه في السيارة لأنه سينقل اليك توجيهات من الحزب.
في الساعة المحددة انتظرت في مقهى الأعظمية.. أوقف الشاب النحيف السيارة، وقالانه محمد فرافقته.. وقال الشاب :أخي صلاح، تعرف ان موجودات الحزب هي الآن تحت سيطرةعلي صالح السعدي الذي يستخدمها ظلماً ضد الحزب الذي تسبب في انشقاقه ولم يترك لنامجالاً لخيار آخر.. يجب أن نسترجع موجودات الحزب.. القيادة تعتقد بأنها موجودة فيبيت رصدته ويرجح ان جماعة السعدي تستخدمه كمقر رئيسي وهناك المطابع وأشياء أخرىووقع الخيار عليك لاقتحام هذا البيت ووضع اليد على الموجودات واعادتها الىالحزب..وشرح لي الشاب التعليمات المرافقة للتنفيذ خصوصاً اننا في العمل السري.
وقال :يجب ان تضعوا خطة وتتأكدوا من خلو الدار عند اقتحامها واذا فوجئتم بوجودأحد في الدار يجب الانسحاب واذا حصل صدام بينكم وبين رجال داخل الدار الرجاء عدمإيذائهم وعليكم الانسحاب قبل أن تلقي الشرطة القبض عليكم وسنختار عدداً من الشبانليكونوا معك في التنفيذ.
ابلغت بالاسماء وتحركنا للتنفيذ ليلاً بعد مراقبة البيت.. حملنا معنا مجموعة منالمفاتيح لكنها لم تنجح في فتح الباب.. لم يكن أمامنا غير الاستعانة بعضلات أحدالمشاركين وهو أحد أبطال المصارعة المعروفين في بغداد.. ضرب الباب بقدمه فانفتح.. عثرنا على الطابعة وبعض قطع السلاح الصغيرة.. وفيما نحن داخل البيت حرك شخص مفتاحالباب ودخل فقبضنا عليه ووضعناه في غرفة وبعد عشر دقائق جاء شخص آخر من جماعةالسعدي فاعتقلناه.. أخذنا كل الموجودات وغادرنا.
هل كنت تعرف أصلاً ان محمد هو صدام حسين؟
- لا، لكن عندما راح يحدثني فيالسيارة ادركت ان لهجته تنتمي الى منطقتنا أي لهجة شمال بغداد.. خالجني شعور أنه قديكون صدام وكانت القاعدة تقضي ان لا نطالب الرفاق بكشف اسمائهم الحقيقية.. قررت اناسأله فأجابني انه صدام.. وكان هذا اللقاء الأول.
ألم تكن سمعت باسم صدام من قبل؟
- بلى.. كان اسم صدام تردد في الدوائرالحزبية وخارجها بعد مشاركته في محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم وفراره الى سوريةومنها الى مصر، وعودته الى البلاد بعد أيام قليلة من تولي الحزب السلطة في 8 شباط (فبراير) 1963 وقبل ذلك تردد اسم صدام في حادثة اغتيال في تكريت نفسها يمكن اننتحدث عنها لاحقاً.. كنت سمعت بصدام لكن لم أكن أعرفه شخصياً.
ماذا كان انطباعك عنه بعد هذا اللقاء؟
- ان موقفنا الراهن من صدام يجب ألايدفعنا الى التجني أو تزوير الانطباعات التي كانت.. سأحكي بصدق كامل.. الانطباعالأول هو أنه رجل جاد وانسان شجاع وحاذق. كان في غاية الأدب واللياقة والاحترام.. وتعزز هذا الانطباع لاحقاً عندما التقينا كأعضاء في القيادة القطرية وبعدما تعاملتمعه. انطباعي لم يتغير.. صدام ذكي وشجاع ومهذب ويوحي بالاحترام. هادئ ويستمع ويشعركبالاهتمام بما تقوله له. طبعاً أنا أتكلم هنا عن صدام الحزبي قبل تسلّم السلطة وماغيرته في الشخص وطباعه وممارساته.
يقولون انه كان قليل الكلام في الاجتماعات الحزبية؟
- لا، لم يكن قليلالكلام.. كان يتدخل حين يعتبر ان لديه ما يقوله ويتحدث بتهذيب واحترامومسؤولية.
هل حصلت صدامات بينك وبينه في الاجتماعات؟
- لم يصطدم لا بي ولا بغيري.. كانصدام شخصاً نموذجياً في تلك الأيام. شاب متفرغ كرس جهده للحزب.. لا أذكر انه وجه فيتلك الأيام كلمة نابية الى عضو آخر أو تسبب له بازعاج.. وكان التزامه كاملاً.
بعض الكتابات تقول ان افتقاره الى الثقافة ولد عقدة لديه؟
- هذا الكلام غيرصحيح.. يعرف عم يريد أن يتحدث.. يتكلم بانسياب وهدوء ودقة ووضوح ويصغي جيداً ويتحدثجيداً وهو قارئ جيد أيضاً.
ما هي العوامل التي سهّلت عودة البعث الى السلطة في بغداد في تموز (يوليو( 1968؟
- طبيعي ان يسعى الحزب الى العودة الى السلطة لتنفيذ برنامجه وتطلعاته. بهذا المعنى لم نكن نحتاج الى قرار لأنه موجود دائماً وانما العبرة في التنفيذ،والفرص.
هزت هزيمة 1967 المنطقة وفي ضوء حصولها وذيولها عقد مؤتمر قومي للحزب في لبنانشارك فيه ممثلون عن الحزب من الأقطار العربية المختلفة.. وهو مؤتمر مهم.. لم أشاركفيه لأن الذهاب الى لبنان كان يحتاج الى تأشيرة.. ولم يحضره أحمد حسن البكر أو صدامحسين وشارك الرفاق العراقيون الموجودون في سورية.
واعتبر المشاركون هزيمة 1967 هزيمة للأنظمة وتركز البحث حول سبل تمكين الشعوب منالرد عليها وكان الاستنتاج ضرورة اقامة جبهات في كل الأقطار العربية تمهيداً لاقامةجبهة قومية شعبية واسعة وشاملة تتبنى خيار الرد على الهزيمة وأبلغت فروع الحزببالمقررات هذه وكان علينا أن نسعى الى اقامة جبهة في العراق ولم تكن المسألة سهلة.. فقصة البعث مع الشيوعيين معروفة، وتخللتها فصول دامية تركت جروحاً لدى الجانبين. وهناك صراعات أخرى مع قوى أخرى.. بعد نقاشات تبين ان علينا ان نحاول وبدأ حوار معالشيوعيين والقوى الكردية وأطراف أخرى.
كان الحزب الشيوعي منقسماً بين القيادة التقليدية وهي اللجنة المركزية برئاسةعزيز محمد والقيادة المركزية بزعامة عزيز الحاج الذي انشق عن الحزب.. بدأنا حواراًمع اللجنة المركزية ونظمنا لقاءات دورية وحاولنا الاتصال بمجموعة عزيز الحاج فرفضواباعتبار انهم ثوار ويؤيدون الكفاح المسلح الى ما هناك من هذا الكلام وبدأنا أيضاًالاتصال بكل من الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.. كانالغرض من الحوار اعادة بناء جسور الثقة وبناء جبهة اذا أمكن وضمان عدم تكرار مأساة 1963 في حال حصول عملية تغيير وقد أدت هذه الحوارات غرضها.
ما هي الأسس التي اعتمدت في الإعداد لـ17 تموز؟
- ناقشنا في اطار القيادةالقطرية القضايا التي ستواجهنا في حال نجاحنا في العودة الى السلطة وكان واضحاً انالقضية الأولى التي سنجد أنفسنا أمامها هي القضية الكردية المطروحة باستمرار أمامالنظام العراقي منذ العهد الملكي وحتى الآن وظهرت قناعة بأن لا حل عسكرياً للقضيةالكردية وأن الحل يجب أن يتم بالتفاوض والتفاهم والاتفاق وبحثنا أيضاً في علاقاتنابالحركات السياسية العراقية واتخذنا قراراً بالسعي، بعد نجاح الثورة، الى تشكيلحكومة ائتلاف وطني تضم كل القوى السياسية العراقية أو على الأقل القوى السياسيةالمستعدة للتعاون والقراران مهمان جداً.
والاستعدادات لانجاح عملية اطاحة النظام ميدانياً ؟
- اضافة الى عملنا الحزبيوالتنظيمي على الجانبين المدني والعسكري، سعينا الى تحالفات داخل المؤسسة العسكريةخصوصاً مع الضباط الذين يشغلون مواقع حساسة داخل بغداد. كنا نقوم في اجتماعاتنابعملية جرد لأسماء الضباط المؤثرين داخل المؤسسة العسكرية في بغداد.
ونطرح الاسم ونستمع الى المعلومات المتوافرة عنه.. ما هي ميوله؟ وهل يمكنالتعاون معه؟ ومن يستطيع التأثير عليه؟ أم ان الأفضل عدم مفاتحته؟ وعندما كنا نتفقعلى العمل لاجتذاب ضابط نكلف من يستطيع الاتصال به، واستغرق العمل شهوراً.
هل يمكن اعطاء أمثلة محددة؟
- نعم. كان سعدون غيدان مسؤولاً عن قوة عسكريةمتمركزة في القصر الجمهوري وحوله.. موقعه هذا يجعله مهماً لنجاح العملية. ومن دونمشاركته يمكن أن تحصل مواجهة.. كلفنا أحد الضباط البعثيين بمفاتحته بالتدريج، ووافقفي النهاية.. كان هناك ضابط آخر مسؤول عن حماية القصر واسمه ابراهيم عبدالرحمنالداوود.. هذا الضابط قوي وشجاع وقومي الاتجاه ولديه ميول دينية واضحة. نقطة ضعفهتأثره الشديد والمفرط بمعاون مدير الاستخبارات العسكرية عبدالرزاق النايف.. كانالداوود ينقاد بشكل أعمى للنايف.. وقعنا في اشكال. مشاركته ضرورية لنجاح الخطة، لكنتسرب الخطة الى النايف خطير.. ناقشنا الأمر طويلاً وفي النهاية قررنا مفاتحته.
تحدث البكر الى الداوود في محاولة لضمان عدم تسرب الموضوع وقال له ان هذهالعملية ترتب مسؤوليات ومخاطر كثيرة علينا وعليك وعلى آخرين ودعنا نضمن بقاء هذاالموضوع سراً بيننا وبينك.. أنت رجل متدين، فلنقسم على القرآن ان هذا الكلام الذيأحدثك به لن يخرج الى شخص ثالث، وطبعاً كان البكر يقصد النايف.. اقسم الداوود في 15تموز لكنه لم يتردد في ابلاغ النايف.. الرجل لا يزال حياً ويقيم في السعوديةوباستطاعته التعليق على الواقعة اذا شاء.
لننتقل الى عملية التنفيذ؟
- صباح 16 تموز أبلغنا زمر التنفيذ المدنيةوالعسكرية بالصيغة النهائية لمهامها.. فكرنا في البداية بتنفيذ العملية في 14 تموزلقيمته الرمزية، ثم فكرنا في اليوم التالي لكن اعتبارات عملية اضطرتنا الىالتأخير.. في 16 أخرجنا الأسلحة المخبأة في الأوكار الحزبية ومعها كمية من الملابسالعسكرية للتمويه وفي الثامنة مساء التقينا في بيت البكر في حي علي الصالح على شارع 14 رمضان.. كان علينا ان نضع اللمسات النهائية بانتظار ساعة التنفيذ عند الثانيةوالنصف بعد منتصف الليل.. وهنا وقعت المفاجأة.
ماذا كانت؟
- كنا كأعضاء في القيادة القطرية نتداول في آخر الاستعدادات حينطرق الباب.. ذهب البكر، فتح ثم عاد حاملاً ورقة صغيرة.. فجأة قال البكر انها رسالةمن المقدم عبدالرزاق النايف يقول فيها: لدي معلومات أنكم ستقومون بهذه العملية.. أضم صوتي الى صوتكم.. أنا معكم وجاهز لتنفيذ أي مهمة وتوكلوا على الله.
وقال البكر :هذه الرسالة بين أيديكم اريدكم الآن ان تبحثوا في الأمر وتتخذواالقرار المناسب.. كان للرسالة التي حملها ضابط برتبة ملازم يعمل مرافقاً للنايف وقعالقنبلة.. ناقل الرسالة بعثي من دون أن يدري رئيسه، لكن ذلك لا يقلل من حجمالمشكلة.. حصل تشاور مع شيء من الارتباك.. النايف ضابط قوي وشديد الذكاء وطموح مايجعل دوره يفوق موقعه.. قلبنا الأمر على مختلف الجهات.. إذا الغينا العملية من يضمنان النايف لن يغتنم المناسبة لكشفها وذبحنا تماماً، فهو سيعتبر اننا تحركنا من دوناقتراح باشراكه والغينا العملية لأنه علم بها.. بدا واضحاً ان الالغاء سيعني كارثةللحزب.. من جهة أخرى ان اشراك النايف يعتبر مغامرة بدوره. كان واضحاً ان الداوود لميلتزم اليمين الذي اقسمه وادخلنا في ورطة سيدفع ثمنها.
في النهاية قررنا السير في التنفيذ وبعثنا الى عبدالرزاق النايف بالجواب الآتي :تعمدنا عن قصد ودراية عدم ابلاغك والسبب وجودك في موقع حساس وخوفنا عليك. انناأبلغنا الاخ ابراهيم الداوود كي لا نبلغك مباشرة تجنباً للاحراج واعتبرنا ان هذهالطريقة الأجدى والأنفع وكنا نعرف انه سيبلغك. لقد اتخذنا قرارنا بالسير في العمليةوستكون رئيساً لوزراء العراق إذا وفقنا الله.
الواقع اننا اتخذنا قرارين متلازمين: الأول اغراء عبدالرزاق النايف بالمشاركة عنطريق عرض رئاسة الوزراء عليه. القرار الثاني وجوب التخلص من النايف والداوود فيأقرب فرصة. ونفذنا العملية.
ماذا جرى في الساعات الأخيرة؟
- لا بد أولاً من الاشارة الى أن نظامعبدالرحمن عارف كان معزولاً وبلا قاعدة شعبية.. نظام بسيط وهش ومفصول حتى عنالأجهزة الأمنية. على سبيل المثال أقول ان المسؤول عن شرطة النجدة في بغداد كانبعثياً.. عبدالرحمن عارف شخص وطني لا غبار عليه لكنه شخص ضعيف ولهذا كانت الحركاتالسياسية تتسابق ليلاً نهاراً للسيطرة على السلطة.. لو كان الرئيس قوياً وممسكاًبالأجهزة الأمنية بقوة لزادت صعوبة التغيير.
وهناك مسألة أخذت في الاعتبار في إعداد الخطة وهي اضطلاع الحزب بدور كبير عبرقيادته كي لا نقع في ما حصل في 1963 حين كان التنظيم العسكري أقوى من القيادةالمدنية واعتبر انه صاحب الفضل الأكبر في الوصول الى السلطة.. وزعنا المسؤولياتوالمهمات تبعاً للأماكن المستهدفة.. وقررنا ان يكون اقتحام القصر الجمهوري منمسؤولية اعضاء القيادة القطرية.
قبل التنفيذ التقينا في بيت عبدالكريم الندى شقيق زوجة احمد حسن البكر.. كانعبدالكريم موظفاً في السكة الحديد ويقيم في مبان مخصصة لها قرب الاذاعة في منطقةالصالحية. طبعاً لا داعي الى وصف المشاعر في تلك الساعات الحاسمة.. جلسنا في الشقةأعضاء القيادة التسعة، وبينهم البكر وصدام، اضافة الى عدد من الأشخاص بينهم حردانالتكريتي على ما أذكر.. أي ان رقم الموجودين في الشقة كان أقل من عشرين وكانت الخطةتقتضي ان يكون الداوود وغيدان في انتظارنا.
كيف تحركتم؟
- ارتدينا ملابس عسكرية وشارات ضباط وفي التوقيت المحدد حضرتشاحنة عسكرية فصعدنا اليها واستقل القسم الآخر سيارتين مدنيتين.. ووصلنا الى مدخلالقصر بثيابنا العسكرية ورشاشاتنا وعند مدخل كتيبة الدبابات كان سعدون غيدان فيانتظارنا وفتح باب الكتيبة.. انضم إلينا أيضاً عدد من الشبان الحزبيين كنا ارسلناهمسراً للتدرب على استخدام الدبابات.. فوجئنا ان الدبابات المرابطة حول القصر حديثةولم يتمكن هؤلاء الشباب من تشغيلها.. صدفة نجح شاب في تشغيل دبابة وراح ينتقل منواحدة الى أخرى فاستكملنا محاصرة القصر.
في مقر كتيبة الدبابات أقمنا مقر قيادتنا وبادر البكر في الاتصال بعبدالرحمنعارف الذي كان نائماً وبين الرجلين صداقة وزمالة ولقاءات عدة.. فوجئ عارف وقالللبكر، وكنا الى جانبه، خير أبو هيثم ما القصة؟ فرد عليه :يا أبو قيس ان قيادةالثورة انجزت مهمتها وسيطرت على كل البلد.. باسم قيادة الثورة ندعوك ان تكون عاقلاًومدركاً للأمور وأن تتحاشى أي محاولة.. انصحك ان تسلم نفسك لقيادة الثورة، وفيالمقابل لك الأمان الكامل والمطلق والأمر نفسه بالنسبة الى عائلتك.. العملية لاتستهدف شخصك.. الهدف انقاذ البلاد من مشاكل ربما تترتب على استمرار حكمكم الضعيفوربما تدخل البلاد مجدداً في حمام دم.. ارجوك ارجوك ارجوك سلم نفسك ولا تقم بأيمحاولة.. كل شيء انتهى وأنت تعرف ماذا أعني.
ليس من السهل على رئيس دولة التجاوب مع دعوة من هذا النوع.. حاول عبدالرحمن عارفاستكشاف الأجواء فاتصل بعدد من قادة الفرق في معسكرات خارج بغداد ووجد الأبوابمقفلة.. بعد نحو عشر دقائق طلبه البكر ثانية وألح عليه أن يسلّم نفسه وبعد دقائقأجرى معه اتصالاً أخيراً حازماً وقال له :إذا لم تسلّم نفسك فأنت الذي سيتحملالمسؤولية.. مسؤولية حياتك ومسؤولية حياة عائلتك.. عندها أوعزنا الى أحد الضباط بأنيطلق فوق القصر بضع طلقات مدفعية. عندما سمع عارف دوي القذائف أدرك ان لا مجالللمساومة فبادر الى الاتصال هذه المرة للتفاوض على عملية التسليم.. عندها ذهبت أناوأنور عبدالقادر الحديثي الى الباب الرئيسي للقصر. خرج عارف فاصطحبناه في سيارة
صلاح عمر العلي يروي قصة صدام حسين ويكشف الحقائق على خط الزلازل من القصر الى القبر