إن صلب المسيح، كما كلّ تجسده، يسمّى إفراغاً للذات "kenosis"، أي تنازل ابن الله وكلمته. لكن هذا الإفراغ متطابق مع الملء، لأن ابن الله وكلمته ألّه الإنسان. وعليه، الصليب هو رمز للغلبة والنصر. المسيح المصلوب أظهر أيضاً الطريقة التي بها حرّر الجنس البشري من عبودية الشر والموت، كما وأسلوب سلطانه على البشر. لهذا السبب، استبدل رسامو الأيقونات الحروف الأولى للكلمات التي وضعها بيلاطس على الصليب "يسوع المسيح ملك اليهود (I.N.B.I.)" بالحروف الأولى لعبارة "ملك المجد". تشير هذه العبارة إلى أن المسيح بالصليب هو ملك المجد والنصر فعلياً. يكتب الرسول بولس إلى الكورنثيين أن أيّاً من عظماء هذا الدهر لم يعرف المسيح، لأَنْ "لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ" (1كورنثوس 8:2). إن الذي صُلب ُسمّي ملك المجد، ليس لأن الطبيعة الإلهية تألّمت، لكن على ما ذكرنا سابقاً، بسبب الاتحاد الأقنومي للطبيعتين الإلهية والبشرية فالكلمات غالباً ما تُستعمل في موضع بعضها، فيُسَمّى الاسم الإلهي بشرياً والبشري إلهياً. وهذا لأن المسيح واحد، أقنوم الإله-الإنسان واحد. ولهذا السبب يُسمّى المصلوب ملك المجد (غريغوريوس النيصّي). بما أن المصلوب هو ملك المجد يعني أيضاً أن الصليب هو عرش ملك المجد. تماماً كما كان لملوك الماضي عروشهم، ومن عليها كانوا يحكمون رعاياهم، أيضاً الصليب هو عرش المسيح. وبالواقع، يشير الموت الملوكي على الصليب إلى طريقة المسيح الغريبة بالحكم والمُلك، كما يفسّرها القديس نيكولا كاباسيلاس. لم يبقَ المسيح حيث كان، ولم يرسل الملائكة لدعوة البشر وتخليصهم، بل "هو بنفسه راح يسعى إليهم". لقد نزل إلى السجن وحرّر الإنسان مفتدياً إياه بدمه الكريم. هذا ما يظهر اتّضاعه. لقد أظهر محبته العظيمة، إذ لم يكتفِ فقط بتعليم البشر، ولم يحتجزهم بالخوف، كما يفعل حكّام العالم، ولم يخضعهم بالمال، بل بسلطته كإله، أتحَد ذاته بالذين يسود عليهم. هو ذاته صار صديقاً للبشر وأباً وقلباً. لقد قادهم "بفرح يفوق فرح الأصدقاء، وببراعة تفوق براعة الطغاة، وبحنان يفوق حنان الأب، وبطبيعية تفوق طبيعية الأعضاء، وبملازمة تفوق ملازمة القلب". لقد ساس المسيح شعبه بالمحبة، فهو صاحب سلطان لم يأخذه من أحد، لكنّه في الوقت عينه لا يحكم بالرعب والحقد، لأن هذه الأعمال لا تكوّن السلطة الحقيقية. ترتبط الحرية أيضاً بالتواضع والمحبة. بالرغم من أنّه يحبّ البشر، إلا أنّه لا يوجّههم من دون إرادتهم الحرّة. لم يكن فقط رب أجسادهم وسيدها، بل أيضاً رب نفوسهم وإراداتهم. إنّه يقود شعبه، تماماً كما تقود النفس الجسد والرأس الأعضاء. يظهر الرب المصلوب طريق السلطة الحقيقية. إنّ الحكم الفعلي يتميز بالتواضع والمحبة واحترام الحرية. وبهذه الطريقة "حكم المسيح مملكته الخالصة الحقيقية".