الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 7038مزاجي : تاريخ التسجيل : 02/01/2010الابراج :
موضوع: ميلاد المسيح ـ ملحمةٌ إلهية رائعة الأربعاء 21 ديسمبر 2011 - 22:46
ميلاد المسيح ـ ملحمةٌ إلهية رائعة
بقلم : وليد شماس ساوا
موضوع الميلاد طريف دائماً، وبالغ الأهمية بمكان، فضلاً عن أنه كبير الفوائد الروحية للقلوب التواقة إلى الحق والخير والجمال، إنه يبقى جديداً مع تجديد السنين، وعلى كر الأيام والزمان، لا يشيخ أبداً، ولا ينضب له معين، فيظل الأنشودة الخالدة التي تدب الحماس في الناس، وتلهبُ العواطف، وتوحي بالتأملات البناءة والأفكار الخلاقة داعية إلى تجديد الحياة على أسمى القيم.
ان ميلاد المسيح هو حدث الأحداث، في سجلات الإنسانية، وله ميزة خاصة، ألا وهي أنه جاء في الوقت المعين المحدود، وفي الزمان المناسب والمنتظر، على غير ما نعهد في كل الأحداث العالمية الهامة. أجل أنه جاء تتميماً لعهود الله ووعوده للبشر وتحقيقاً لنبؤات الأنبياء، المسيح لم يظهر على وجه البسيطة فجأةً، ولم يطأ أرضنا ويدخل التاريخ خلسة أو صدفة، بل جاء بعد أن أعد لمجيئه منذ آلاف السنين وهذا أمر لم يحدث لسواه على الإطلاق، يقول بولس الرسول الملهم: "فلما بلغ ملء الزمان، أرسل الله إبنه مولوداً من إمرأة، مولوداً تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني."
ومما يلفت الأنتباه ويسترعي الأهتمام أنّ ميلاد المسيح هو الحدث التاريخي الفريد والمدهش في طبيعته وكل وقائع ظروفه. فأي كائن بشري، مهما سما وعلا، ولد من أم بتول عذراء بطريقة عذرية عجائبية مذهلة، غريبة من نوعها، لامثيل لها على الإطلاق ــ إنه المسيح وحده، بوصفه ابن الله الوحيد هو الذي تميز بين العالمين بهذا الأنعام العجيب، فأزهر وردة من وردة، وزنبقة فواحة من زنبقة فواحة.
وهنا يتبادر إلى ذهني سؤال منطقي، هل من حبَل يضاهي هذا الحبَل العجيب وهل من ولادة تحاكي هذه الولادة الفريدة؟ هنا نخر ساجدين مدهوشين مصعوقين ولكن غبطة واعتزاز.
إنّ هذا يسمو بنا فوق كل قوى الطبيعة، نعم عندما تتكلم السماء، فليخشع الإنسان، وليطأطئ الرأس إجلالا.
وهناك تساؤل يُطرح: في أي إطار ولد المسيح؟ هل نزل في مدينة كبيرة؟ وحل في قصرمنيف، محاطاً بالخدم والحشم؟ أم أنه يرقد في سرير من عاج، وعلى فراش وثير ناعم؟ لا وألف لا، فمدينته، بيت لحم، صغيرة، وقصره، مغارة عارية في منتهى الحقارة، وسريره مذوَد حقير وفراشه قليل من تبن الأرض في سكون هذه الليلة المباركة، وفي قلب الفقر والضعة ولد يسوع. ولولا تدّخل السماء لما فطن العالم لمجيء المخلص. لقد صمتت الأرض اللاهية العربيدة، وخّيم فوقها ظلامٌ فتكلمت السماء منذرة ومخبرة: ألا أفيقوا من سباتكم العميق أيها الناس، وهلمّ استقبلوا المولود من مريم بما ينبغي له من الحفاوة والإكرام والإيمان. الميلاد مدعاةٌ لفرحٍ عظيم دائم وفاتحة خلاص الإنسانية.
فالمسيح الوليد حياة متدفقة ظهرت بيننا، وأنجيل حي يؤدبنا ويرشدنا، والميلاد نشيد أبدي يتغنى بعناق السماء والأرض، ويقيم سلام الله مع البشر في مولد يسوع راحت أصوات الملائكة تجلجل في الفضاء متهللة، وتبشر بالخلاص الوشيك، بالترنيمة الخالدة: "المجد لله في العلى،وعلى الأرض السلام ، وفي الناس المسرة". أيها الأحباء: الميلاد دعوة مُلحة لتقارب الانسان مع خالقه، ولا سيما أننا بحاجة دائمة وماسة إليه تعالى، ولا غنى عنه قطعاً، فهو المحبة والخير والعطاء، وهو غاية كل شيء، من عاصمة الدين، أورشليم، لم نرى أحد يتحرك، ليلة ميلاد المسيح، لملاقاة الإله المتأنس في بيت لحم المجاورة، كم في هذا الموقف اللامبالي من الخشونة والبرودة والغرابة، ما أصعبها خيبة الأ مل هذه، إنه تصرف غير مقبول على الإطلاق.
ولكن السماء تحركت ولا عجب فالخالق هو دائماً السّباق الى الخير والمحبة والعطاء ولد يسوع في دجنة الليل، ولم يأتي للتبرك منه إنسان ولم يجد حول سريره، بعض الأقارب والجيران.غير أنّ الله ورّداً على هذا التناسي الأثيم، أرسل من عنده من يذيع النبأ العجيب، البشرى السعيدة، إلى الرعاة البسطاء، الساهرين في الليل على مواشيهم، فأتاهم الملاك مرفرفاً فوق رؤوسهم، وأنبأهم بالخبر المفرح. وقبل الرعاة البشرى وآمنوا بالرؤيا و جدوا في طلب الصبي. فرصة نادرة سنحت للرعاة، فاغتنموها نعمة وتقبلوها، واندفعوا يفتشون عن المسيح الوليدالجديد، فأصابوا من النعم ما أصابوا، هذا هو نصيب الإنسان الذي يتقبل المبادرات الإلهية، ويذعن للإلهامات السماوية، وما أن بزغ فجر الميلاد حتى هبط الوحي على ما دعي بالمجوس، فدفع الله بعظا ً منهم، بقيادة نجم عجائبي، وهم الخبراء في علم النجوم، وهذا دليل قاطع على أنهم كانوا قادمين من بلاد الكلدان، لزيارة الطفل يسوع، حيث وضعوا على قدميه هداياهم الثمينة التي ترمز إلى عظمة المولود كما هي العادة عند بني المشرق، فيكونوا هكذا شهود حال لولادة مخلص العالم وباكورة الأمم ومن أجمل ما نقوله في الميلاد أنه روضة نعيم في أرض قاحلة، وينبوع ماء حي للعطاش الى البر، وشجرة حياة للجياع الى القداسة، إنه شلة من نور ساطع يبدد دياجير العصور والدهور إلى غير رجعة.
فهنيئاً العيد لأهل العيد ولكل البشر وهنيئاً الميلاد لأهل الأرض، لكي نولد فيه جميعاً ولادة جديدة في الحق والخير والقداسة، فيتحاب الناس ويتسالموا ويتعاونوا ويتقاسموا الخيرات والمسرات.
"المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر"
اليوم، البتول تلد الفائق الجوهر ــــ والأرض تقدم المغارة لمن يدنى منه الملائكة مع الرعاة يمجدون، والمجوس مع الكوكب يسيرون، لأنه من أجلنا ولد طفلٌ جديد، وهو عطية السماء، للمحبة والسلام.