[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]دردشات عثمانية ـ 12 ـ نواصل الاطلاع على أوضاع النساطرة والأرمن في محافظة اذربيجان الفارسية، ومن مدينة تبريز حيث كان يتواجد فيها مجمعاً للارسالية التبشيرية (والخدماتية) التابعة للكنيسة المشيخية الاميريكية . ومن رسالة أحد المبشرين من الارسالية المشيخية الاميريكية في تبريز مؤرخة في 17 مارس آذار 1915 نختار بعض الأضواء على الاوضاع التي عاشها المسيحيون في بلاد فارس جراء المجازر الوحشية والاضطهاد الديني والقومي من قبل الاكراد والأتراك: في 1 نوفمبر تشرين الثاني 1914 ، أعلنت (تركيا) الجهاد أو الحرب المقدسة، ضد (الحلفاء)، وكان واضحاً من هذا الاعلان أن تركيا تحاول اثارة مشاعر الدول المسلمة. وفي ديسمبر كانون الثاني عبرت قوة صغيرة من القوات التركية الى بلاد فارس (ايران) الى صوج بولاق الواقعة في الجنوب من اورميا، ولم يثير هذا الشكوك في تفكيرنا، مع علمنا بوجود القوات الروسية هنا التي يمكنها التعامل معها. انسحاب الروس من تبريز في ليلة رأس السنة 1915 : لكن في اليوم الاخير من ديسمبر أصبح من الواضح لنا بأن القوات الروسية أصبحت على وشك الانسحاب من هنا، وهذا ادى الى حالة ذعر في وسط الأرمن والمسيحيين الآخرين مواطني هذه المنطقة. ففرّ الشعب الأرمني المسكين ليلاً ونهاراً باتجاه الحدود الروسية، فمن مجموع 700 عائلة فرت اكثر من 750 عائلة بقيت فقط حوالي 250 عائلة ، وأغلب هؤلاء هم من الأكثر فقراً، ومنذ البداية أصبحت أنظارهم تحدق نحونا (الارسالية المشيخية الاميريكية) ليتم السماح لهم باللجوء الينا والاحتماء بنا. كان لدينا السماح باستقبال الذي مرتبطين معنا، كما علينا ان نهيء كل الضروري من أجل أن نستقبل كل الاوربيين الذين ربما يحتاجون الى حماية. وكان قد تقرر أن يأتي جميع المرسلين الى مقرات مجمعنا ومدرستنا. ويمكن تخيل كم كان لدينا من عمل كثيف في الأيام الأولى من كانون الثاني يناير، حيث رتبنا كل الصفوف وافراغها من أجل أن تصبح مكاناً لاستقبال جمع كبير من الناس الذين كانوا قلقين بشأن ملجأ يحميهم، ولتنظيم طريقة استقبالهم وتوزيعهم، تم اعداد بيوت سكننا لتستقبل عوائل المرسلين، فبيتي مثلا الذي كنت أعيش فيه لوحدي لغاية يوم الجمعة، أصبح يوم السبت مليئا بخمسة عوائل بينهم سبعة اطفال، وبينما كنا نأكل أنا ودكتور فانمان لوحدنا يوميا أصبح كل الاميريكيين ياكلون في صالة طعام واحدة. وضع الاوربيين والفرس في تبريز: ان أغلب الاوربيين قد غادروا المدينة، من ضمنهم قناصل دول الحلفاء. البنوك أغلقت، دائرة التلغراف الهندو اوربية اغلقت تماما. عوائل اوربية التجأت الينا أيضا، عدا عائلة ايطالية وعوائل ألمانية وأخرى نمساوية وتركية الذين كانوا يظنون انهم سيكون في أمان، ولكن حتى هؤلاء طلبوا منا حجز مكان لهم كاحتياط للطواريء في حالة الحاجة، لانه لا أحد يعلم ما سيحدث حينما ستدخل حشود من الأكراد غير المنضبطين. وعدا هؤلاء، طلب عدد من عوائل المسلمين الفرس الوجهاء ملجأ لدينا ، مع أن أكثر العوائل الفرس المسلمين رحلوا الى طهران. الأكراد يغزون تبريز: في يوم الثلاثاء 5 يناير كانون الثاني، غادرت القوات الروسية المدينة الى مشارفها، وفي اليوم التالي توجهت شمالا باتجاه جولفا. ويوم الجمعة 8 كانون الثاني دخل الأكراد والأتراك. وبعد ثلاثة أسابيع أصبحت تبريز كلها تحت سيطرتهم. وانقطعنا نحن من العالم الخارجي من دون أخبار عما يحدث في الخارج في أماكن اخرى، عمليا أصبحنا في المجمع المغلق مع 400 لاجيء معنا. وكان لدينا ضيوفا أيضا معنا بلجيكيين من دائرة الكمارك والمالية، مع راهبات كاثوليكيات فرنسيان برفقة خمسين من تلاميذ مدرستهم الخاصة، وسيدتين المانيتين مريضتين لم يتمكنا من الذهاب الى المخيم الالماني، سيدة روسية، وامريكيان اثنان من مبشري كنيسة الادفنتست ـ السبتيين من (مراغا)، والباقين هم الاغلبين من الارمن والنساطرة. كما ترون فأن اللاجئين في مجمعنا كانوا من جميع الجنسيات والاديان، ولكنهم كانوا يعيشون هنا وبأعظم تجسيد للنيات الحسنة. والامور سارت على أحسن مايرام مع نقص واضح للمتاعب والاحتكاكات بينهم... ومع مرور الوقت نما أكثر فأكثر السلب والنهب والابتزاز من جانب الاكراد، وأصبح الناس أكثر قلقاً.
دخول القوات الروسية من جديد لطرد الأكراد من تبريز : وفي الحقيقة كان يوماً رائعا وخبراً ساراً ، سماع أصوات القنابل والبنادق من ناحية الشمال، حيث انه يشير كما يبدو الى عودة الجيش الروسي للدخول الى المدينة. كان هذا في 30 يناير كانون الثاني، وسارت الحملة الروسية على ما يرام حيث أجبرت الأكراد على الهروب من المدينة، وتم خلاص تبريز منهم، وعبرنا نحن وجميع اللاجئين الفترة العصيبة حيث بقي الجميع في مأمن من أي أذى. عودة الأخبار حول مآسي الفرار: حينما انفتحت طرقات المدينة من جديد وطرقاتها مع باقي المدن والقرى، بدأت تصلنا الأخبار حول المعاناة والمحن التي حصلت ضد المسيحيين ولا سيما في اورميا وسلماس، الذين حين علموا بشكل مفاجيء من أن الروس بدأوا ينسحبون أدركوا بأن سلامتهم وأمنهم الوحيد من وحشية الأكراد هو الفرار، فانطلق فوراً الشعب المسيحي في هاتين المدينتين، نساء وأطفالا في جو الشتاء الشديد البرودة، الفرار سيرا على الاقدام، مع القليل من الطعام الذي تمكنوا من حمله معهم، وساروا في طرق مليئة بالثلوج غالب الأحيان وبالاوحال والطين أخرى، من اجل الوصول الى جولفا المنطقة الحدودية مع روسيا التي تبعد حوالي 150 ميلاً. من اورميا فرّ اكثر من 17000 نسطوري (و أرمني)، وحينما وصلوا سهل ساليناس، تضاعف عددهم بآلاف أخرى من المسيحيين الأرمن الذين كانوا لاجئين هناك. أخبرنا بعض الاشخاص الذين اختبروا رحلة الفرار بمتاعبها ومآسيها هذه بقصص وأحداث تفوق الوصف. فالجموع على حافة (سلماس) التي لم تتمكن من العثور على ماوى نامت تحت الثلوج، مات عدد منهم قبل أن يطلع الصباح، وخطفت الذئاب بعض الاطفال... وفي ظلمات مسير الفرار في جمع كبير، انفصل الاولاد عن ذويهم بسبب الزحمة، وكان املهم أن يعثروا عليهم لا حقا في اليوم التالي ! كانت الحاجيات المرمية على حافات الطريق كثيرة للتخفيف عن ثقل مهمة استمرار المسيىر، كما كان يلاحظ العديد من المرضى والعاجزين عن المسير على حافات الطريق، والعديد منهم لم يمكنهم النهوض ثانية فبقوا في اماكنهم ! أما الآخرين من الرجال فاصبحوا كالبهائم الهاربة من الخطر ولا ترجو سوى أن تنقذ حياتها... في (مراغا) أيضاً عانى الأرمن كثيراً، الكثير منهم اضطر للهروب، والباقين ضاعف أعباءهم نزوح اللاجئين الى مراغا من مياندوآب ومن قرى أخرى. وفي سلماس ماحدث هو أسوأ، فكل مسيحيي القرى هربوا، ومن بقي التجأ الى قرى مجاورة للمسلمين بحثا عن الأمان، ولكن قبل أيام من عودة الجيش الروسي الى سلماس، وحينما شعر الأتراك بانهم سيضطرون الى الفرار، قاموا بحيلة خبيثة، حيث طلبوا من المسيحيين تسجيل اسماءهم لغرض تأمين الحماية لهم جميعاً، فقاموا بجمع الرجال وأخذهم بمجموعة وتم رمي بعضهم بالرصاص ، وتم قطع رؤوس بعضهم الآخر، وتم تعذيب وتشويه آخرين قبل قتلهم. وعملياً تم قتل كل مسيحي بقي في سلماس، ويذكر بأنه تم قتل اكثر من 750 رجلاً.