الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :
موضوع: +++ آلام المسيح وصلبــــهِ ( الحلقـة 23 ) الثلاثاء 27 ديسمبر 2011 - 23:24
( الحلقــــة 23 ) ................ بتجسده وتضحيته على الصليب، أظهر المسيح محبّة الله العظيمة للجنس البشري. لهذا هو يوصف "ختن (عريس) الكنيسة". خدم الأيام الأولى من الأسبوع العظيم هي خدم الخَتَن. حتى عندما يُحمَل المصلوب في الزياح، يهتف الكاهن "ختن البيعة سُمِّر بالمسامير". يقول القديس مكسيموس المعترف بأن الله هو محبة ومحبوب، وبأنّه يحرّك ويشدّ إلى نفسه مَن يتقبّل المحبة. القديس إغناطيوس المتوشّح بالله يناديه بالحبيب قائلاً: "حبيبي مصلوب". من المثير للاهتمام عند هذه النقطة التوقف عند فكرة القديس نيكولا كاباسيلاس حول محبة المسيح العظيمة للإنسان. كما أن المحبة تحمل المحبوبين إلى الوجد، كذلك محبة الله للبشر حملته إلى مواضعة نفسه إي إلى أن يصبح إنساناً. لم يكتفِ بدعوة الذين يحبهم بل هو ينزل وحيداً ويأتي إلى آلامه ويسعى إلى الاستجابة. كيف يُشرَح إفراغ الذات (kenosis) هذا من قبَل المسيح؟ هناك صفتان تميّزان المحب الحقيقي بالنسبة لمَن يحب. الأولى هي أنّه يريد أن يصنع حسناً للمحبوب، والثانية هي أنّه يريد أن يتألّم عنه. الصفة الثانية أكثر رفعة من الأولى بشكل واضح. لكن كون الله غير مجرَّب ولا يمكن أن يتألّم من أجل الإنسان فقد "ابتكر إفراغ الذات"، فتألّم بجسده ليظهر عظم محبته للبشر. لكن المسيح صنع أكثر من ذلك، بعد قيامته بجسده الروحي، فقد ترك عليه جراح الصليب، تباهى بها، اعتبرها زينة وعَرَضها على الملائكة فرحاً بأنّه تألّم من أجل البشر. إذاً، هو لم ينبذ الجراح التي من الصليب، بل يحتفظ بآثار السفك على جسده. ما من أحد عنده هذه المحبة الجنونية مثل المسيح، فهو ليس فقط يحتمل الضرب، وليس فقط يخلّص العاقّ، بل هو يثمّن جراحه. وبهذه الجراح يجلس على العرش الملوكي ويستدعي الكلّ إلى تاجه. وهو لا يثمّن جراحه وحسب بل ويقدّم ذاته لأنّ أعضاءنا من خلال حياة الكنيسة الأسرارية هي أعضاء المسيح. من ناحية ثانية، محبة المسيح، جوهر المحبة الحقيقية، يحسّ بها الذين يحبون المسيح كثيراً وهم متطهرون داخلياً. هذه المحبة ليست حالة عاطفية، ولا هي محبة انفعالية من غير جلال، بل هي ثمرة اللاهوى. من المميز أنّ كلمات القديس أغناطيوس الأنطاكي التي ذكرناها سابقاً مرتبطة باللاهوى. لهذا هو يكتب إلى أهل روما: "حبيبي مصلوب وليس في داخلي نار محبة الأمور المادية". إنه يريد أن يموت كشهيد للمسيح الذي يحب، ويسميه حبيبه، وروح الشهادة هذه ترتبط بحقيقة أن ليس فيه محبة لمادة العالم. ويتابع القديس إغناطوس: "الماء الحي المتكلّم فيّ الناطق من داخلي: تعالى إلى الآب. أنا لا أستمتع بمأكل الفساد، ولا بلذات هذه الحياة". إذاً كل الذين صُلِبوا داخلياً وكل السائرين على درب الشهادة والصليب، الذين ينزعون إلى الاستشهاد، يمكنهم أن يحسّوا بمحبة الله للبشر. إلى هذا، يكرّر القديس نيكولا كاباسيلاس، أنّ المحبة مرتبطة بالمعرفة بشدة. الإنسان يحب الآخر بقدر ما يعرفه. وكما أن إحدى درجات المعرفة تأتي من السماع والأخرى من النظر، كذلك أيضاً هناك درجات في الشعور والمحبة. القديسون يحسّون بمحبة الله ويحبّونه فعلياً.