الحلقـــة ( 24 والأخيرة )
........................
لقد عُبِّر عن سرّ الصليب في موت المسيح على الجلجثة، كسرّ لمحبة
الله الأبدية للجنس البشري . لكن علينا أن لا نبقى فقط في هذا الوجه الخارجي
والتاريخي للموضوع . علينا أن نتابع إلى المشاركة في سرّ الصليب
من خلال الحياة الأسرارية والنسكية . بالمعمودية ، على ما يقول الرسول بولس ،
نعتمد بموت المسيح ، لكي نخرج من الجرن لنُقام ونشترك بقيامة المسيح .
لهذا السبب ، كانت تُبنى أجران المعمودية الأولى على شكل صليب .
في كل الأسرار تُعطى البركة برسم الصليب .
لكن الأسرار تفترض مُسبَقاً جو الحياة النسكية وتتمّ فيه .
يقول القديس مكسيموس المعترف بأنّه ينبغي صلب كل المظاهر،
أي ينبغي الامتناع عن الخطيئة في الممارسة والعمل، كما خرج المصريون
من مصر وعبروا إلى الجانب الآخر عبر البحر الأحمر.
لكن ينبغي أيضاً دفن الإدراك الحسي ، أي علينا أن ننتبه إلى الحركات
الشهوانية لأفكارنا وأهوائنا .
هذا يتمّ من خلال الحياة النسكية الهدوئية .
عندها فقط يقوم كلمة الله فينا .
يأخذ القديس مكسيموس المعترف مثالاً من يوسف الرامي ونيقوديموس
اللذين دفنا المسيح ، فيقول بأن قبر المسيح هو إمّا العالم أو قلب كلٍ من المؤمنين .
على كلّ الذين يدفنون السيّد بإجلال أن يلفّوه بالكتان الذي هو كلمات الفضيلة وأعمالها ،
لكن عليهم أيضاً أن يضعوا الأقمشة المصنوعة باليد في مكانها ،
وهي معرفة اللاهوت الثابتة . وحدهم الذين يعيشون بالممارسة وبمعاينة الله ،
كما يظهر من الفضائل ومعرفة اللاهوت ، يمكنهم أن يروا المسيح القائم ،
فيما المسيح غير منظور لكل الباقين الذين لا يحيون على هذا المنوال .
لهذا السبب قلنا سابقاً أن المصالحة التي تمّت بحدث الصلب التاريخي ليست نفس
الأمر كما الاشتراك في سر المصالحة الذي يجري ضمن الحياة الأسرارية والنسكية للكنيسة .
آلام المسيح وصليبه لا يقدّمان لأفكار عاطفية إنسانية المركز،
بل لرحلة من إعادة الولادة والتجدد والتمجيد والتألّه .
هناك حاجة لمقاربة وجودية شخصية لهذه الأحداث السيدية العظيمة .
يقول القديس مكسيموس المعترف بأنّ عندنا إمكانيتان :
إمّا أن نصلب المسيح مجدداً ، بخطيئتنا في أجسادنا التي صارت أعضاء المسيح بالمعمودية ،
أو أن نُصلَب مع المسيح . جوهرياً ، إنها مسألة الإمكانيتين اللتين كانتا للصَّين
المصلوبَين مع المسيح على الجلجثة . الأوّل تحوّل إلى لاهوتي عظيم، بينما
الآخر إلى مجدّف . لا أحد ينجح في أن يكون أخاً في الإنسانية للمسيح المصلوب ،
بل يمكن للإنسان أن يُصلَب مع المسيح، بخلعه " الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ " ،
وبلبسه " الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ "
(كولوسي 9:3-10) .
>> منقول >>
29 ـ 12 ـ 11