المحور: الارهاب ــ الحرب والسلام ................................
إن الأعمال الإرهابية التي يرتكبها أعضاء التنظيمات المتطرفة ، ليست أعمالا إجرامية عادية يكون دافعها الفقر وغايتها سد الرمق . إذ لو كان الأمر كذلك لظلت محدودة في الزمان ومحصورة في المكان ومألوفة في الأدوات ، مما يسهل التعامل معها والتحكم في امتداداتها . لكن الأعمال التي يقترفها أتباع التنظيمات المتطرفة تختلف في دوافعها وأهدافها ووسائلها عن كل الأفعال الإجرامية ، من حيث كونها تجسيد "لأحكام فقهية" أفتى بها شيوخ التطرف وأنزلوها منزلة الفريضة الدينية التي تلزم المؤمنين بتنفيذها . وليس كل فقيه هو عالم مُعتبَر عند المتشددين ، بل لهم شيوخهم الذين يدينون لهم بالطاعة ولا يخالفون لهم أمرا . فهؤلاء الشيوخ هم من يتحكم في أفعال الأتباع ويحدد موقفهم من المجتمع ومؤسسات الدولة ، بل ويعيد تشكيل وجدانهم بما يتناسب مع عقائد التكفير وفقه القتل والتدمير اللذين يشيعهما أمراء الدم . بالتأكيد لا واحدا من هؤلاء الشيوخ امتلك القدرة على التمنطق بحزام ناسف واستهداف الضحايا ممن تشملهم فتاوى التكفير والتفجير . إنهم يجبنون أمام الموت ويفضلون نعيم الدنيا عن نعيم الجنان ومتع الحور العين . ولا يجدون غير الشباب الغفل حيث يسهل خداعه وتجنيده "للشهادة" نيابة عن شيوخ الكراهية وأمراء الدم . ومن هؤلاء محمد الفيزازي الذي يقضي عقوبة بالسن لمدة 30 سنة على خلفية الأحداث الإرهابية التي وقعت في الدار البيضاء ليلة 16 مايو 2003 . فقد سبق لجريدة "لوس أنجلوس تايمز" أن أوضحت في مقال لها أن الفيزازي كان يقدم مواعظ على نحو شبه دائم بمسجد"القدس" بهامبورغ، وذلك في الوقت الذي كان فيه ثلاثة من الانتحاريين يعيشون بالمدينة، ويرتادون المسجد وينزعون رويدا نحو التطرف . كما أكدت نفس المجلة أن الفيزازي نشط عدة اجتماعات خاصة مع منفذي هجوم 11 شتنبر 2001 . لقد ذهب هؤلاء ضحية فتاوى أصدرها الفيزازي وغيره ، فقَتلوا وقُتلوا ، لكن مصدر الفتوى ظل حيا يرزق باحثا عن نعيم الدنيا وعاشقا لزينتها . ونفس الخدعة كان ضحيتها "علي العلام" الذي لم يتجاوز مستواه الدراسي السادسة ثانوي ، واعترف بها كالتالي (( درست علم الشرع في الحرم على يد أبو قتادة وأبو الوليد الفلسطينيين ، أخذت بعض القواعد عن محمد الفيزازي في طنجة .. في تلك الفترة ( لما كان عمره 20 سنة ) كان الفكر الجهادي بيننا عقب تأكد قناعات في عدم جدوى الحلول الترقيعية ، وعن طريق بعض الدعاة ترسخت لدينا ضرورة القيام بمبادرات بمنهجنا السلفي الجهادي .. حيث اقتنعنا أنه إما أن يطبق شرع الله أو القتال وكنا ننبذ الحلول الترقيعية ، شخصيا كان لدي طموح للمشاركة في الجهاد الأفغاني وتكوين نواة جهادية هنا في المغرب بعد العودة ، وبالفعل عملت في ذلك عن طرق نسخ الأشرطة والأنترنيت إلى غير ذلك ، وانتشرت الدعوة الجهادية في مدن الدار البيضاء وفاس والرباط وغيرها من المدن .. كان أساس الدعوة الجهادية هو أنه على الأقل إذا لم يصبح المدعوون معي فعلى الأقل تتزعزع قناعاتهم بخصوص شعارات الديمقراطية وأنصاف الحلول ) . إن الخطورة الحقيقية لا تكمن في العبوات الناسفة ، وإنما في الفتاوى المحرضة على الكراهية والتكفير والقتل التي تستحوذ على عقول ووجدان الأتباع فتحولهم إلى قنابل بشرية تكره الحياة وتعشق الدم والأشلاء والدمار . أي الفتاوى التي تكفر فئات واسعة من المجتمع وتحرض على القتل الفردي والجماعي ؛ ومنها فتاوى الفيزازي التي أنتجت انتحاريين داخل المغرب وخارجه . فهو يصور المغرب بلاد كفر وزندقة وصراع بين الإيمان والكفر كقوله ( ما يجري على الساحة المغربية اليوم إنما هو صراع مبادئ أولا وأخيرا، طرفاه الأساسيان ليست الحكومة والسلفية، بل التيارات الملحدة على رأسها اليسار المغربي على لسان محاور الشر "الاتحاد الاشتراكي" و"الأخباث المغربية" و"ليبراسيون"؛ فالصراع إذن بين أيديولوجية الزندقة والإلحاد والردة من جهة وبين عقيدة الإسلام عقيدة أهل المغرب وعقيدة المسلمين في أنحاء العالم من جهة ثانية) . وإذا كان الفيزازي ينكر في بياناته أنه يكفر الحكومة ، ففتاواه دليل إدانته ، ومنها أجوبته عن أسئلة ضمن حوار نشره موقع إسلام أون لاين كالتالي : ـ "السؤال: سيدي الشيخ، إذا كانت القضية بين تيار الكفر والزندقة والإلحاد.. فهل أنتم تكفرون الحكومة الحالية؟ ـ الإجابة: نعم. مما اضطر محرر الموقع إلى التبرؤ من فتوى الفيزازي بالتنبيه التالي: "تعتبر شبكة إسلام أون لاين نفسها ضد منهج تكفير الآخر، أيا كان هذا الآخر.. وأقوال الشيخ قد تلزمه وجماعته فقط، ولذا لزم التنويه." وعن سؤال حول رأيه في حرية الاعتقاد أجاب ( ليس عندنا في ديننا شيء اسمه حرية الاعتقاد، إنما عندنا في ديننا ما قاله الرسول الكريم في صحيح البخاري: "من بدل دينه فاقتلوه" .. وعليه فحرية الاعتقاد تضمنها المادة الثامنة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقتل المرتدين يضمنه حديث رسول الله السالف الذكر، فهل أنت مع إعلان اليهود والنصارى؟ أم مع شريعة رب العالمين؟) . وهذه الفتاوى وغيرها هي المحرض المباشر على قتل الأبرياء وزعزعة استقرار الوطن . فهل شيوخ التطرف أهل للعفو والحوار ؟ قضية نعالجها في مناسبة قادمة إن شاء الله .