05/02/2012
يتجنب التجار العراقيون مؤخرا التعامل مع مئات الاف السياح الآتين من ايران بعملة بلادهم اثر تراجعها الكبير امام الدولار، الذي بات بدوره هدف التجار الايرانيين بعدما تجاهلوه لسنوات طويلة.
وفي منطقة الكاظمية في شمال بغداد التي تسكنها غالبية شيعية، تعج محلات الصاغة والالبسة والمطاعم المحيطة بمرقدي الامامين موسى الكاظم ومحمد الجواد، بزوار المكان المقدس لدى الشيعة.
وعادة ما تزدحم هذه المحلات والشوارع التي تحيط المرقدين بالزوار الايرانيين، الا ان المواكب التي تقل هؤلاء الى هذا الموقع اختفت تقريبا في نهاية الاسبوع الحالي.
وقال علي محمد (42 عاما) وهو صاحب مكتب للصيرفة، ان "سعر التومان (الريال الايراني) انخفض بشكل كبير جدا".
واضاف متحدثا من خلف حاجز زجاجي وهو يلوح بورقات مالية تحمل صورة آية الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية، ان "هذا الانخفاض سبب لنا خسارة كبيرة. فقبل شهر ونصف كنت اتعامل بقرابة عشرين الف دولار يوميا من التومان، والان اتعامل باقل من الف دولار".
وتابع "اعتقد اني ساتوقف عن شراء التومان بشكل تدريجي، واذا استمر بالانخفاض فساتوقف نهائيا عن التعامل به".
وادت العقوبات الدولية المصرفية المفروضة على ايران منذ 18 شهرا وعززها الاميركيون والاوروبيون في كانون الثاني/يناير، الى انهيار العملة الايرانية التي فقدت نحو نصف قيمتها خلال عام.
وذكر جاسم العاملي (55 عاما) الذي يملك بدوره محلا للصيرفة في الكاظمية ان سعر الريال الايراني انخفض الى 18000 للدولار الواحد "بعد ان كان الدولار يساوي حوالى عشرة آلاف قبل نحو شهرين".
ويتزايد انخفاض سعر الريال عند الحدود مع ايران، اذ وصل سعر الدولار الى 20 الف ريال عند معبر زرباطية الحدودي في محافظة واسط (جنوب شرق بغداد).
واكد احد المسؤولين في المعبر لوكالة فرانس برس ان "العشرات من التجار الايرانيين يعملون وبشكل يومي على شراء الدولار"، مشيرا الى انه قبل انخفاض قيمة عملة بلادهم "كانوا يتعاملون بالعملة الايرانية ولا يبحثون عن الدولار".
وظلت العملة الايرانية طويلا اعلى من سعرها الحقيقي قبل ان يرفع البنك المركزي الايراني في الاشهر الاخيرة الغطاء عنها، لتخفيف خسارة البلاد من العملات الاجنبية التي تاتي من تصدير النفط.
واكد العاملي الذي يعمل في الصيرفة بالكاظمية منذ اكثر من عشر سنوات انه تدارك "الامر منذ البداية، ولم اتعامل بمبالغ كبيرة لاني علمت بانه ستكون هناك ضغوط وعقوبات على الاقتصاد الايراني".
واعرب عن اسفه قائلا "تألمت كثيرا على الزوار الايرانيين لانهم اناس بسطاء جاؤوا للعراق يحملون مبالغ محدودة لاداء الزيارة، لكنهم فوجئوا بانخفاض عملتهم".
وفي مدينة النجف (150 كلم جنوب بغداد)، حيث مرقد الامام علي بن ابي طالب، التي يزورها اكثر من مليوني ايراني سنويا، يثير تراجع العملة الايرانية ايضا حفيظة اصحاب محال الصرافة ومالكي الفنادق التي تعتمد بشكل اساسي على هؤلاء الزوار.
وقال حسين اخوان (36 عاما) الذي يعمل في شركة صيرفة هناك، ان "سعر صرف التومان الايراني المتذبذب بات يشكل لنا مشكلة من جهة الفارق في سعر الصرف بالنسبة لعمليات البيع والشراء مع العملات الاخرى".
ومن جهته، اوضح عدي البهاش (35 عاما) الذي يملك محلا لبيع القماش في السوق الرئيسي في النجف ان "السلعة التي كنا نبيعها قبل الانخفاض بعشرين تومان، اصبحنا نبيعها باربعين تومان من دون ان نحقق اي ربح".
واكد وزير السياحة العراقي لواء سميسم في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية ان "هبوط العملة الايرانية اثر بشكل طفيف على السياحة الدينية، الا ان هذا الامر لم يؤثر على تدفق الزوار الايرانيين".
ورغم ذلك قال خالد ابو الجيج (40 عاما) وهو صاحب فندق وسط النجف ان "شركات السياحة بدات تسجل خسائر وتحاول تعويض هذه الخسائر من خلال الدفع لنا بالتومان الايراني بعد ان كانت تدفع بالدولار".
وتابع في اشارة الى رفض الحصول على المبالغ المستحقة بالعملة الايرانية "لم نستلم مستحقاتنا من الشركات السياحية منذ انخفاض العملة".
ويدفع النقص في العملات الصعبة لدى ايران التجار فيها الى محاولة شرائها من مصادر خارجية، لعل ابرزها العراق الذي يبلغ حجم تبادله التجاري مع ايران بين خمسة وسبعة مليارات دولار سنويا.
وفي ما بدا محاولة لقطع الطريق على هذه المسالة، بدأ البنك المركزي العراقي هذا الاسبوع تطبيق اجراءات جديدة حيال مبيعاته من الدولار تنص خصوصا على تعريف المشتري.
وتسببت هذه الاجراءات في انخفاض كبير بمعدلات بيع الدولار في المزاد الذي يقيمه البنك المركزي العراقي كل اسبوع بين يومي الاحد والخميس، فقد تراوحت هذا الاسبوع بين ثلاثة واربعة ملايين دولار، بعدما كانت تبلغ حوالى 200 مليون دولار.
وقال نائب محافظ البنك المركزي العراقي مظهر محمد صالح ان السبب وراء هذه الاجراءات يعود الى ان "الكثير من الشارين يتخفون خلف اشخاص آخرين، اي ان من يشتري ليس الشخص الحقيقي".
وتابع ان العراق الذي يملك حوالى 60 مليار دولار من احتياطات العملة الصعبة ويدفع ثمن الكهرباء والوقود اللذين يستوردهما من ايران بالدولار، شهد في الفترة الاخيرة "هبة في الطلب على الدولار".
وفيما رفض ربط هذه "الهبة" والاجراءات الجديدة التي رافقتها مباشرة بالعقوبات على ايران، قال انه "عندما راينا ان هناك طلبا اضافيا وسط تعقيدات اقليمية، اردنا التدقيق اكثر في المبيعات وطبيعة الزبائن".