*** بغـــــدادُ يارائعتـــــــي ***

بغداد يا رائعتي
..............

بقلم : زكريـا النوايســـــة

آتيكِ - يا بغداد- نورساً تاه عن شواطئه
آتيكِ صوتاً استفاق بعد أن باع لسانه أوتار حنجرته
آتيكِ – يا رائعتي – مركباً يبحث عن آخر مرافئه
أتيتك والنهار يلملم ضياءه ، والقمر يمسح دمعة حرّى لونت وجنته
أتيتك لا أحمل الا صمتي وهل أُجيد غيره
يا قديسة المدن صِغارُكِ في بابك لا عذرَ لنا فنعتذرُ ، والدمع – يا أُمنا –
لا يطاوعنا فأنتِ لم تعلمينا غير لغة العشق ، فيـا ليتك زرعتِ فينا
مآقٍ تنفجرُ دمعاً لنغسل فيه صدرك المحترق .
بغداد يا حبيبتنا يا عشقنا افتحي لنا روحك معبدا نتبتل فيه ، وندعو الله
لدمع عينك أن يغدو نهراً يهدهد نوم صغيريْك ، فهما منذ أن عاد هولاكو
جافاهما نومهما فعينهما في الصباح يصدمها التيه والذهول ،
وحين تعلن شمسك بالأفول تسرقها جحافل المغول .

مُدّي بساطي واملئـي أكوابـي وانسي العتاب فقد نسيت عتابـي
عينـاك يا بغداد منذ طفولتــي شمسان نائمتان في أهدابـــي
لا تنكري وجهي فأنت حبيبتــي وورود مائدتي وكأس شرابــي
بغداد كالسفينـــة مُتعبـــا أخفي جراحاتي وراء ثيابـــي
ورميت صدري فوق صدر أميرتي وتلاقت الشفتــان بعد غيــاب
أنــا البحار ينــفق عمــره في البحث عن حب وعن أحباب .

كنت يا بغداد ملاذنا حين كان يرمينا الزمان بهمومه وأنوائه ،
وكنا نصرخ – يا بغداد – أغيثينا
وقبل أن ننهي ترحل إلينا بغداد تحمل شمسها صافية ، وتعلق في ليلنا قمرها الرائع ،
وعلى الباب يقف ابنها مفتول الساعد يرد عنا العيون المتوحشة ، وكنا – يا بغداد –
إذا ما نزل قطرة من دمنا مددتِ لنا شرايينك فيتدفق دمك دافئا إلى قلوبنا ،
فنصحو ونعيد رسم أنفسنا من جديد ونمارس جنوننا وأنت تخيطين جروحك
وتلملمين شرايينك وتكتمين الألم ، ونحن يا ويحنا لا نأبهُ بكِ ونرمي بوجهك
انكسارنا وزيف بطولاتنا فتبتسمين وتعودين علينا بذات الكرم وذات الفرح .

يظمأ الفتــى لكن لــدمِّ أخيه ويحُك كيف يظمأ ؟!
قلبي عليك وأنت دائـــي يا بضعة من كبريائـي
يـا صاريــاً ما كان أروع لو شددتُ بـه لوائـي
وأنــا أقاتــل حــاسرا عريان إلا من دمائــي ( 2 )

يا نار كوني بردا وسلاما على بغداد ، يا نار هذي سيدة المدن التي في عينيها ألق
الدنيا وعلى وجنتيها نام العشاق ، يا نار كوني بردا وسلاما على حبيبتنا التي تغف
و على موت وتصحو على دمٍ مراق ، يا نار أطفئي جذوتك واعتذري لبغداد وانفخي
في جوفك بركان غضبك وصُبِّيه على الأفعى العلقمية وعلى شجر الشيطان ، وكوني
دمارا على من باع وجه أمه ، ومزق سترها ، وعلى صدور البغايا نيشاناً علَّق ضفيرتها .

يا بغداد هزي بجذع نخلتك يتساقط غضبا وكِسفا من العذاب على رأس الشيطان ،
وابحثي – يا غالية – عن سيف سعد أو خالد أو ذوالفقار ، وابتري بعزم رأس أفعاهم ،
وارشقي في وجه ليلهم من روحك نورا يبدد زيفهم ، ويغسل من وجه دجلة والفرات أثارهم ،
ودوسي بقدم كبريائك عباءتهم السوداء ،وانشري على كتفيك عباءة الرشيد ،
وليرفع النعمان النداء بصوته الشجي، وعودي كما كنت كعبة للنصر والمجد والخلود .

> منقول <