هل نشهد قريباً المرحلة الثانية من مؤامرة سايكس بيكو التي قسَّمت الوطن العربي إلى دول ومناطق نفوذ بحدود مصطنعة؟ هذا هو التساؤل التي تحاول المقالة التالية للدكتور فوزي الأسمر الإجابة عليه.
فوزي الأسمر أدى الإتفاق السري في عام 1916 بين الدبلوماسي الفرنسي فرنسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس إلى تقسيم منطقة الهلال الخصيب لدول تستطيع من خلاله الدولتين العظمتين السيطرة عليها وإخضاعها لمناطق نفوذهما. وبقيت الإتفاقية سرية حتى عام 1917 عندما وصل الشيوعيون إلى سدة الحكم في روسيا وكشفوا النقاب عنها. وكان الهدف الأول من وراء ذلك هو إحراج كل من فرنسا وبريطانيا أمام الشعوب التي يمسها الإتفاق، الشيء الذي أدى إلى إندلاع ثورات وتمردات ومقاومة، ولكن معظمها لم تنجح، وكرست هذه الإتفاقية التقسيم وغذته ولا تزال تفعل ذلك حتى يومنا هذا. واليوم نشاهد نفس اللعبة من جانب الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، وللأسف بمساعدة بعض الدول العربية، حيث تجري عملية تقسيم دول عربية إلى إمارات طائفية وإثنية، تمشيا مع مصالح هذه الدول ومصلحة إسرائيل. والصورة الأكثر وضوحا لغاية الآن هو ما يدور في العراق، رغم أن هذا العمل تواجهه مقاومة شعبية لأنه يتناقض مع تطلعات وأماني الشعب العراقي الذي يحاول جاهدا التخلص من النفوذ الأجنبي . لهذا السبب، نرى ان إتجاه سير دول المصالح في تعاملها مع المنطقة يسير في تجاه ليس إسقاط الأنظمة فقط، كما تحاول بعض قوى المعارضة تحقيقه، بل في تجاه تبديل الأنظمة كليا. فإسقاط النظام لا يعني بالضرورة تغييره، بل في الإمكان أن يستمر بنفس الروح والعقيدة عن طريق وجوه أخرى تقوم بإدخال تصليحات جذرية في بنية النظام وطريقة تعامله مع المجتمع ككل، وفي مقدمة ذلك القضاء على الفساد والدكتاتورية. أما إستبدال النظام بنظام جديد فإنه يعني بوضوح وصراحة في هذه الحالة وصول مجموعة من الذين يعتنقون أفكارا تتماشى مع تفكير دول المصالح، حتى لو كان ذلك يتناقض مع أماني وتطلعات شعوب المنطقة. فطبعا لا يمكن الجزم في هذه الأموربشكل مطلق، فهناك ثورات نابعة من صميم الشعب هدفها إستبدال النظام بنظام يخدم الشعب وتطلبات الوطن القومية والإقتصادية ومحاربة الفساد. وتغيير الوجوه فيها لا يكفي. وهذا الهدف يكون واضحا منذ البداية، على غرار ما حدث بثورة 1952، وثورة 25 يناير 2011 في مصر. وتظهر هذه الصورة واضحة في التناقضات القائمة لدى المعارضة السورية، حيث تطالب المعارضة في الداخل بإدخال تصليحات جذرية على النظام القائم وعلى بنيته تؤدي إلى إصلاحات داخلية وإنفتاح على الأحزاب والقوى الأخرى وإمكانية تغييره دون المساس بالأبعاد القومية والوطنية (خصوصا السياسة الخارجية ومكانه كمعسكر للمقاومة)، في حين نرى ما يسمى بالمعارضة الخارجية تعمل من أجل إسقاط وتبديل النظام وهي مدعومة من قوى أجنبية، ووصلت هذه المجموعة إلى حد المطالبة بتدخل أجنبي، وبلا شك سيكون هناك ثمن تدفعه إذا ما نجحت في مساعيها. فموقف المعارضة الداخلية إنعكس أيضا على صفوف التيار القومي والحركات الوطنية في العالم العربي بشكل لم يسبق له مثيل، وتسرب هذا التيار إلى صفوف الجماهير العربية. ولكنه بقي رافضا للتدخل الأجنبي ومتمسكا بوحدة الوطن ومحاربة الطائفية. والغرب غير مرتاح من التطورات الأخيرة في بعض الدول العربية، ولا من فكرة وجود "ربيع عربي". وقـــد أعربــــت عن ذلك صحيفة "الغارديان" البريطانية (27/1/2012) حيث قالت في مقال لها أن "الثورات العربية المتصاعدة تشكل تهديدا فعليا للنظام الإستراتيجي العالمي". واكد كاتب المقال بأن: "الغرب لن يكل ولن يمل أبدا في سعيه للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط مهما كانت العقبات". وأضافت الغارديان أن الولايات المتحدة وحلفاءها: "يحاولون ترويض الحركات والأحزاب الإسلامية الصاعدة إلى الحكم في بعض الدول العربية، على السياسة الأجنبية، والإقتصادية بدلا من تفسيرات الشريعة. إن الأحزاب الإسلامية التي ستخضع لذلك سيعتبرها الغرب أحزابا معتدلة، أما الباقية فستظل من المتعصبين". واستطاعت الدول الإستعمارية، وربيباتها العربية، من توسيع الحلقة لتشمل إيران أيضا، كل لمصلحته. الدول الغربية ترى في النظام القائم في طهران تهديدا لمصالحها خصوصا في منطقة الخليج ومضيق الهرموز ومساعدتها للقوى الثورية. أما الأنظمة العربية فترى في إيران تهديدا لها بسبب دعمها للمقاومة، وبسبب صراع طائفي مفتعل غذته عناصر معنية بإبقاء التوتر قائم في منطقة الشرق الأوسط وفي مقدمتها إسرائيل. وأصبحت إيران الهدف الرئيسي خصوصا عندما تبين أن لديها مشاريع نووية. فالتحرك الأساسي جاء من إسرائيل التي تريد أن تحافظ على هيمنتها على المنطقة بسبب الترسانة النووية التي تملكها. ووجدت إيران أن إسرائيل غير معنية بالتنازل عن هذه الترسانة من أجل السلام والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ونزولا لرغبة المجتمع الدولي في ذلك، والذي عبرعنه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3623 (29/12/2012) الداعي إلى: "إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط" تقدمت به مصر وإيران. وكان رد الفعل تبني إيران لمشروع نووي. فالدول الكبرى والمجتمع الدولي غير معنيين في أن تضاف إلى قائمة الدول المالكة للسلاح الفتاك دولة إضافية، ولكن في نفس الوقت لم تقم الدول الكبرى بوضع ضغط على إسرائيل للتخلص من ترسانتها النووية. ففي الوقت الذي تضع فيه هذه الدول العقوبات على إيران، تحاول إسرائيل جر الولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية مع طهران. إلا أن الرئيس الأمريكي بارك أوباما حسم الموقف في مقابلة مع شبكة التلفزيون الأمريكية "إن. بي. سي" (5/12/2012) عندما قال أنه يفهم تخوفات إسرائيل، إلا أنه: "لا يعتقد أن الحكومة الإسرائيلية قررت شن هجوم عسكري على إيران". وأضاف أن الولايات المتحدة ستبذل كل ما في وسعها لمنع إيران من إمتلاك أسلحة نووية مؤكدا أن العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها تؤثر في الإتجاه الصحيح .ولكن يبدو أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي سيزور واشنطن في بداية الشهر آذار/ مارس القادم لإلقاء كلمة في مؤتمر منظمة "إيباك" الصهيونية، سيحمل معه تخوفا آخر هذه المرة وهو تصريح نقلته وكالة أنباء "إيه.بي" (5/12/2012) عن دبلوماسي أوروبي في أسلام باد قوله أن باكستان كدولة إسلامية ستقدم الدعم لإيران في حالة شن هجوم عسكري إسرائيلي عليها. كل هذه العوامل تُستغل من أجل القضاء، أو على الأقل إحتواء الربيع العربي، ووقف مده الثوري الذي أخذ يزعج ليس الدول الغربية فحسب، بل أنظمة عربية والتي أخذت تلعب دورا مكشوفا لدرجة أن يهدد رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها حمد بن جاسم روسيا بقوله لمندوبها في جلسة مجلس الأمن (30/1/2012) فيتالي تــشــوركــيــن: "أحذرك من إتخاذ اي فيتو بخصوص الأزمة في سوريا فعلى روسيا أن توافق على القرار وإلا ستخسر كل الدول العربية". فرد عليه المندوب الروسي: "أنت ضيف على مجلس الأمن فاحترم نفسك وعد إلى حجمك وأنا أساسا لا أتحدث معك، أنا أتحدث بإسم روسيا العظمى مع الكبار فقط". (بثت الحوار القناة الفرنسية الثانية ونقلته صحيفة أمجاد العرب). ويبقى التساؤل: هل سنشهد تنفيذ مخطط سايكس ـــ بيكو جديد في القرن الواحد والعشرين مثلما حدث في القرن العشرين؟
حبيب حنا حبيب عضو فعال جداً
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :
موضوع: رد: الهدف .. سايكس بيكو 2 ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ السبت 3 مارس 2012 - 23:27
هذا ماتخطّط له امريكا وربيبتها اسرائيل من أعــوام مضت !
وهو تقسيم منطقة الشرق الأوسط الى مناطق نفوذ !
لمـا فيها من ثروات لا تقدّر بثمــن !
والحكّـام العرب غافلون عن هذا الواقــــع المر ! دون انْ يحسبوا له عواقب وخيمـة !