الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :
موضوع: /// المدارس اليهوديّـة في العراق /// الأحد 26 فبراير 2012 - 18:30
الشيخ عبدالله الصالح العثيمين المدارس اليهودية في العراق - ...........................
هذه الكتابة معتمــدة كبيرة على كتاب للدكتور فاضل البراك عنوانه : المدارس اليهودية والإيرانية في العراق : دراسة مقارنة ، وقد صدرت طبعته الثانية في بغداد عام 1985م .
ومن الواضح أن نشره جاء والعراق في حرب مع جارتها إيران ، تلك الحرب التي كبَّدت البلدين المسلمين الجارين خسائر بشرية ومادية فادحة ، كما ألحقت بدول الخليج العربية ، التي وجدت نفسها منساقة إلى اتخاذ المواقف التي اتخذتها ، خسائر مالية عظيمة . وكان يغذِّي تلك الحرب، بدءاً واستمراراً ، من لا يضمرون للأمة الإسلامية إلا الشر والحقد .
على أن دراسة الدكتور البراك - رغم الجو الذي نشرت فيه - موثقة توثيقاً جيداً ومستخدمة لمصادر ومراجع متنوِّعة .
ويتكوَّن كتابه هذا من 351 صفحة مشتملة على مقدِّمة وثلاثة أبواب : كل منها ينقسم إلى عدة فصول، وخاتمة ، وملاحق .
وقد خصَّ الباب الأول للحديث عن المدارس اليهودية ، والثاني عن الإيرانية ، والثالث عن المقارنة بينهما .
ولقد أشار الدكتور البراك في مقدِّمة كتابه إلى ما تقوم به المدارس الأجنبية كافة من دور يهدف إلى خلق حالة انفصام بين المواطن العراقي وذاته ، لكنه رأى أن أخطر تلك المدارس هي المدارس اليهودية والإيرانية . ولذلك قصر دراسته عليهما، مفصِّلاً الحديث عنهما ، ومؤكداً في مقارنته بينهما ما تشتركان فيه من أهداف ترمي إلى خدمة الصهاينة والإيرانيين . وقد رأى كاتب هذه السطور - بدوره - أن الاقتصار في الحديث على المدارس اليهودية في العراق أكثر مناسبة في ظلِّ الظروف الحاضرة .
وقبل أن يتكلَّم البراك عن المدارس رأى مناسبة الحديث بإيجاز عن اليهود في العراق ، فذكر أن عددهم كان في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي حوالي خمسة آلاف أسرة ، نصفهم تقريباً في بغداد ، وكانوا يعملون في أخطر الأعمال التجارية والمصرفية ، ومنهم من تولَّى مراكز مالية مرموقة رسمية في العاصمة .
وفي أواخر ذلك القرن انتخب ساسون حسقيل عضواً في ( مجلس المبعوثان ) العثماني ، ثم عضواً في جمعية الاتحاد والترقي . وقد عُرِف اليهود بتعاونهم مع بريطانيا . ولما احتلت بغداد، عام 1917م ، احتفلوا بتكريم محتلّها الجنرال مود في إحدى مدارسهم - وفي عام 1920م أمر المندوب السامي البريطاني ، بيرسي كوكس ، السيد عبدالرحمن الكيلاني باختيار أعضاء الحكومة ، فاختير ساسون حسقيل وزيراً للمالية، وصحب هذا كوكس والمس بيل ، والكيلاني وجعفر العسكري إلى مؤتمر القاهرة عام 1921م ، وهو المؤتمر الذي حضره وزير المستعمرات البريطاني حينذاك ، ونستون تشرشل ، ومستشاره لورانس ، واتُّفق فيه على إنشاء حكومة عراقية يرأسها فيصل بن الحسين .
وبعد تبوء فيصل عرش العراق ألِّفت لجنة لوضع مسوَّدة دستور للبلاد كان حسقيل أحد أعضائها الثلاثة ، كما كان وزيراً للمالية حتى عام 1924م .
وما أشبه ظروف وضع ذلك الدستور بظروف وضع الدستور الأخير في ظل الاحتلال الأمريكي !
ولم يكن يهود العراق - بطبيعة الحال - بمنأى عن توجيهات الصهيونية العالمية ، إذ قرَّروا عام 1919م إنشاء جمعية صهيونية من مهماتها مساعدة الراغبين في الذهاب إلى فلسطين ، وإحياء اللغة العبرية . وفي العامين التاليين اشترى عدد من أثريائهم أراضي في فلسطين، كما أسسوا ( الجمعية الأدبية العبرية ) .
على أن الحكومة العراقية - انسجاماً مع الرأي العام العراقي - رفضت تجديد رخصة سبق أن منحت لليهود لإنشاء منظمة صهيونية ، فواصل اليهود نشاطهم الصهيوني ، مؤيّدين من المسؤولين البريطانيين ، تحت ستار المحافل الماسونية سرا ، وكان حسقيل من أوائل الماسونيين الصهاينة، كما كان تأسيس أول محفل ماسوني في العراق سنة 1918م .
وقد اهتم الماسونيون بالمدارس ، جاعلين منها إحدى قنوات نشاطهم المهَّمة .
ومن الثابت أن تكوين مدارس لليهود في العراق بدأ في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي ، لكن أول مدرسة يهودية أنشأتها جمعية يهودية تحمل توجهاً صهيونياً واضح المعالم كانت تلك التي أنشئت عام 1865م ، واسمها ( مدارس تلمود وتوراة ) .
وقد اعتنت بتعليم الدين اليهودي واللغة العربية بحيث خصَّصت نصف الساعات التدريسية لذلك التعليم .
وكان المتفوقون فيها يختارون في العطلة الصيفية لتعلُّم الفرنسية ، ثم يلتحقون بمدرستين تدرِّسان منهجاً فرنسياً .
وتوالى إنشاء المدارس اليهودية في العراق لتعليم البنين والبنات حتى بلغ عددها في العهد العثماني إحدى عشرة مدرسة .
أما في عهد الانتداب البريطاني على العراق فقد تمَّ - عبر التعاون السياسي والاقتصادي البريطاني واليهودي - وضع مناهج للمدارس اليهودية تخدم أهداف الحركة الصهيونية .
وكانت أول مدرسة يهودية في عهد ذلك الانتداب تلك التي أُسست عام 1923م باسم المدرسة الوطنية الابتدائية للبنين .
وبعد ذلك بعام أنشئت مدرسة ابتدائية للبنات ، ثم افتتحت ثلاث مدارس أخرى كانت الأخيرة منها مدرسة مسعودة سلمان ، التي أنشئت عام 1930م .
وأما في العهد الملكي ، الذي أطيح به سنة 1958م ، فقد أُسِست عشر مدارس يهودية أولاها مدرسة منشي صالح الابتدائية ، التي أُنشئت عام 1935م ، وبلغ عدد طلابها، سنة 1949م، 1171 طالباً ، وآخر تلك المدارس مدرسة حسقيل مناحيم المهنية ، التي أُسِست عام 1947م .
وأغلب المدارس اليهودية في العراق شيَّدها يهود أثرياء ، وقَّفوا أملاكاً لتصرف وارداتها على شؤونها ، وكان الدافع الديني ، وانتظام سير الدراسة ، وتدريس اللغات الأوروبية والمحاسبة ، وتعليم المهن ، والمساعدات المالية الوافية ، عوامل مهمَّة هيَّأت للطائفة اليهودية مجالات التعلُّم والتعليم ودخول الكليات العراقية والجامعات الغربية .
وعندما افتتحت كلية الطب في بغداد سنة 1927م اختير للدراسة فيها عشرون طالباً ، سبعة منهم مسلمون ، وثمانية يهود وخمسة مسيحيون .
وفي الفترة من 1941م إلى 1950م تخرجت ستون فتاة يهودية من كليات الطب والهندسة والحقوق .
ولقد أدَّى الاهتمام بتدريس اللغة العبرية إلى الاستعانة بيهود يجيدونها بينهم من كانوا يأتون من فلسطين أو أقطار أوروبية ، وكان أغلب أولئك - إن لم يكن جميعهم - من دعاة الصهيونية المتحمِّسين لإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين . وفي العقد الثالث من القرن العشرين عندما كان ساطع الحصري معاوناً لوزير المعارف أصدر قراراً بقطع المساعدات المالية عن المدارس الأجنبية لإدراكه لخطرها ، وعندئذ تدخل مجلس الوزراء - بتأثير من وزير المالية ساسون حسقيل - وحاول إيقاف ذلك القرار عن شمول المدارس اليهودية، لكن الحصري فنَّد تبرير ذلك التدخُّل ، ونجح في تفنيده ، ومن هنا لجأ معارضوه إلى حيلة هي إلغاء بعض الوظائف بحجة العجز في ميزانية الدولة . ومن ضمن هذه الوظائف وظيفة معاون وزير المعارف ، وبذلك تُخلّص من الحصري ، الذي كان يشغل تلك الوظيفة .
ولقد سبقت الإشارة إلى أن يهود العراق لم يكونوا بمنأى عن نشاط الحركة الصهيونية العالمية ، وكان من نتائج ذلك الارتباط أن اتَّضح نشاطهم في عدة جوانب، أولها توجيه مناهج المدارس اليهودية إلى ما يخدم أهداف الصهيونية ، ويسهم في تحقيقها، وذلك بتأجيج مشاعر الشباب بالذات لترسيخ فكرة الذهاب إلى فلسطين للإسهام بإقامة الكيان الصهيوني فيها .
وثانيها إنشاء فروع ( لصندوق تأسيس فلسطين ) في مدن العراق دعماً لذلك الصندوق ، وكان في طليعة المتحمِّسين في هذا المجال إبراهيم ساسون نسيم .
وثالثها إنشاء جمعيات ومنظمات صهيونية، بينها : ( الجمعية الصهيونية ليهود الرافدين ) ، و ( الجمعية الأدبية العبرية ) ، و ( جمعية شبان بني يهود ) .
وكل هذه الثلاث أسست عام 1924م ، أما المنظمات الإرهابية، التي أسست بعد عام 1941م ، فمنها حالوتس ( الطلائع ) و( تنوعة ) ، وهي لم تتورّع عن استهداف المنشآت اليهودية إذا رأت في ذلك مصلحة عليا للصهيونية العالمية الموجهة لها .
ويوثّق ديفيد هيرست الصحفي المشهور - وهو يهودي - في كتابه البندقية وغصن الزيتون أن ما حدث من تفجيرات في بغداد ، سنة 1950م ، ضد منشآت يهود كان من عمل الصهاينة منهم وعدم تورّع الصهاينة عن استهداف اليهود وحلفائهم لتحقيق أهدافهم الشرِّيرة سياسة معروفة ، ومن ذلك إغراقهم سفينة تحمل يهوداً قرب ساحل فلسطين قبل قيام دولتهم وسيلة للضغط على بريطانيا لتسمح بدخول جماعي لهم إلى الأراضي الفلسطينية .
ومنه استهدافهم، عام 1955م ، منشآت أمريكية في القاهرة لتتّهم مصر، وبالتالي تسوء علاقة أمريكا بها .
ومما ذكره الدكتور البراك أن ( قانون الطائفة اليهودية ) ، الذي صدر عام 1931م ، قد أعطاها شخصية مستقلة عن الشخصية العراقية ، ومنحها امتيازات قانونية ومالية خاصة ، فأصبحت لها سلطة كاملة في تنظيم شؤونها .
وأورد ذلك القانون ، الذي يؤكد ما ذكره ضمن ملاحق كتابه ، ومما ذكره ، أيض اً، انتساب عدد كبير من يهود العراق إلى الحزب الشيوعي .
وقد أورد في الملحق الثالث من كتابه أسماء 245 منهم .
وغالبيتهم ممن درسوا في المدارس اليهودية، وتركوا العراق ، إما إلى فلسطين المحتلة أو إلى أوروبا وأمريكا وغيرها .
والخلاصة أن كتاب الدكتور فاضل البراك عن المدارس اليهودية والإيرانية في العراق جدير بالقراءة ، وبخاصة من يريدون أن يعرفوا ما اتّبعه أعداء أمتنا من وسائل للنيل منها .