يقول الباحث العراقي الدكتور دهام محمد العزاوي في كتاب صدر له اخيراً ان ضرب المسيحيين العراقيين وقتلهم وتشريدهم انما يأتي في نطاق ضرب لحمة العراقيين وتفكيك العراق.
وقال ان استقرار المسيحيين في العراق واندماجهم في مشروع الدولة قد شكل ابرز دعائم وحدة العراق الوطنية ومن هنا فان ضربهم يهدف الى ضرب هذه الوحدة.
وكان دهام محمد العزاوي يتحدث في كتابه "مسيحيو العراق..محنة الحاضر وقلق المستقبل" الذي صدر عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت وجاء في 223 صفحة متوسطة القطع.
والمؤلف هو استاذ وباحث في قسم السياسة والسياسات العامة في كلية العلوم السياسية بجامعة النهرين في بغداد وله عدد من المؤلفات في الموضوع العراقي.
جاء الكتاب في خمسة فصول كل منها توزع على عدة عناوين فرعية كما انتهى بخاتمة.
المدخل حمل عنوان "الهوية المسيحية..الخصائص والانقسام" وحمل الفصل الاول عنوان "اطلالة تاريخية على الوجود المسيحي في العراق".
عنوان الفصل الثاني كان "المسيحيون العراقيون والحضارة الاسلامية" وحمل الفصل الثالث عنوان "المسيحيون وسقوط بغداد".
اما الفصل الرابع فحمل عنواناً هو "المسيحيون في ظل الحكم الوطني العراقي".
وكان عنوان الفصل الخامس "مسيحيو العراق في ظل الاحتلال الاميركي".
وقال الباحث مقدماً كتابه "اذا كانت مطالب الاكراد والشيعة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة مطلع عشرينات القرن الماضي قد شكلت احدى معوقات الوحدة الوطنية للعراق فان استقرار المسيحيين في العراق ـ تاريخياً ـ واندماجهم بمشروع الدولة العراقية الحديثة قد شكل ابرز دعائم وحدة العراق الوطنية وركيزة استند اليها اغلب الحكومات العراقية في تشكيل معالم هوية وطنية يتعايش في ظلها الجميع".
وأضاف "وبغض النظر عن انتماءاتهم الاثنية...اندفع المسيحيون للمشاركة بكل فعاليات المجتمع العراقي الرسمية والشعبية فشاركوا في ممارسة الحكم وزراء ودبلوماسيين ومستشارين وانخرطوا في الجيش ومؤسسات العراق الامنية والاقتصادية والثقافية والفنية والرياضية وسكنوا معظم محافظات العراق وأحيائه متجاورين مع المسلمين ومشاركين لهم في افراحهم وأتراحهم".
وانتقل الى القول انه "من المؤسف ان يتعرض المسيحيون في العراق وفي ظل الاحتلال الاميركي للعراق 2003 لعملية تصفية واقتلاع من ارضهم واماكن عيشهم وعبادتهم بعد ان طالتهم يد القتل والترحيل والتهجير القسري على يد جماعات ارهابية وتكفيرية وتحت ادعاءات متنوعة تهدف بالنتيجة الى افراغ العراق من وجودهم التاريخي والاخلال بالتركيبة الاجتماعية العراقية القائمة على التعايش والاندماج".
وتابع "وقد اثار الاحتلال الاميركي للعراق وما نجم عنه من تدمير لمعالم الدولة العراقية ومؤسساتها وتفكيك لبنيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية واشعال الحرب الاهلية بين مكوناتها الاثنية وما رافقه من قتل للعلماء وتهجير للمدنيين وبناء عملية سياسية مشوهة تقوم على المحاصصة الطائفية والعرقية تساؤلات مشروعة حول واقع ومستقبل الوجود المسيحي في العراق".
وتساءل "فهل ما حصل من عمليات استهداف منظم للمسيحيين...كان يستهدف المسيحيين دون غيرهم؟ ام ان هذه الاعمال كنت تطول جميع فئات المجتمع العراقي بغض النظر عن انتماءات العرق والطائفة والدين؟".
وقال "لقد كان واضحاً ان الولايات المتحدة التي جاءت باستراتيجية التفكيك الاثني والتقسيم الطائفي وأنتجت سياسة شرذمة العراق على اساس العرق والدين والمذهب لم تكن حريصة على وحدة الشعب العراقي...كما انها لم تكن حريصة على ممارسة ادنى مسؤولياتها كدولة احتلال وفق قواعد القانون الدولي الذي حدد بموجب اتفاقيات جنيف 1949 مسؤوليات الدولة المحتلة في الحفاظ على هوية البلد المحتل وتراثه ومنع تقسيمه".
اما في "الخاتمة" فقال العزاوي "رغم التراجع النسبي في عمليات استهداف المسيحيين وأماكن عبادتهم وسكنهم فانه وفي ظل بقاء الاوضاع السياسية والامنية المنفلتة في العراق من المرجح ان يعود ذلك الاستهداف في اي لحظة تتقاطع فيها مصالح فرقاء العملية السياسية في العراق".
وأوضح "ولذلك من الواضح ان مستقبل المسيحيين في العراق سيبقى تكتنفه الكثير من المخاطر وسيظل عرضة للتقلبات ما لم تحدد عوامل الاستقرار في المشهد العراقي فضلا عن ان ذلك المستقبل يظل مرهونا بتغير او تطور عوامل متعددة".
وقال ان اول هذه العوامل هو "موقف القوى السياسية والدينية المسيحية نفسها من حيث قدرتها على توحيد خطابها السياسي والسعي الجاد لنبذ مشروع المحاصصة الطائفية والدينية".
واضاف ان ثاني هذه العوامل هو "الذي يرتبط بارادة القوى الخارجية المتحكمة او المتداخلة في الساحة العراقية. فمتى ما غيرت تلك القوى وفي مقدمتها الولايات المتحدة من سياستها الداعمة لنظام المحاصصة وسعت الى سياسة عقلانية تقوم على المشاركة الاستراتيجية التي تحقق مصالحها في العراق وفق اسس السيادة والاحترام المتبادل فان ذلك سيؤدي الى تحقيق قدر من الاستقرار السياسي والاقتصادي في العراق وبما ينعكس بالنتيجة على استقرار المسيحيين وعودة اندماجهم في الحياة السياسية والاجتماعية العراقية".
وتحدث عن عامل ثالث يتعلق "بموقف القوى السياسية المحلية بشقيها الشعبي والرسمي. اما فيما يتعلق بموقف القوى الشعبية فيتمثل في تبني الاليات والاجراءات التي تساعد على زيادة اندماج المسيحيين بمحيطهم الاجتماعي".
وأكد "اما على المستوى الرسمي فيتوجب على الحكومة العراقية والقوى السياسية المشتركة فيها تبني السياسات العملية لتوفير الحماية لاماكن العبادة للمسيحيين.كما من واجب الحكومة ملاحقة مرتكبي جرائم القتل والتهجير التي مورست بحق المسيحيين وتقديمهم للمحاكمة".
واختتم بالقول "وأخيراً لا بد من سياسات حكومية فاعلة لترشيد الخطاب الاعلامي ودفعه ليكون خطاباً ذا رسالة وطنية غايته بناء ثقافة وطنية جامعة".