قيامة المسيح من بين الأموات
بقلم / آشور ياقو البازي
( المسيح قام _ حقاً قام )
هذه هي تحية عيد القيامة، التي اعتاد المؤمنون ترديدها منذ عصور المسيحية الأولى،
ففي مثل هذا اليوم، وفي فترة تقع عادة بين 22 آذار، و 21 نيسان من كل عام،
يحتفل العالم المسيحي بذكرى قيامة المسيح من بين الأموات، والمعروف ان
عيد القيامة يعتبر من أهم الأعياد المسيحية على الاطلاق.
لأنه على موت المسيح وقيامته ترتكز دعائم الديانة المسيحية. فالايمان المسيحي
يرتكز على الحقيقة الثابتة بأن المسيح الذي مات على الصليب فداء عن الخطأة،
قام من الموت ليمنحهم الحياة، وعلى هذا الأساس يشير الكتاب المقدس إلى ذلك قائلاً :
" إن لَم يَكُن المسيحُ قَد قام، فباطِلةٌ كرازَتُنا، وباطِلٌ أيضاً ايمانكم "
( 1 كور 15 : 14 )،
ولهذا نرى المؤمنين يستقبلون فجر القيامة بقلوب مشرقة، ويُحيّون بعضهم بالتحية المألوفة ،
" المسيح قام "، وجواب هذه التحية، " حقاً قام".
يا له من فجر مجيد، ذاك الذي تلى ظلمة تلك الأيام القاسية المليئة بالفشل واليأس.
كانت المحبة تبكي وهي ترى أوراق الرجاء تتساقط من حولها واحدة إثر الأخرى،
فسكتت كل أصوات أفراحها، وحلَّ بدلاً منها أنين خافت كما من طائر جريح يتوجع،
وبعد أن كانت تتوقع ربيعاً باسماً مشرقاً، إذا بالشتاء القارس يفاجئها بكل ظلمته وقسوته،
وبعد أن كانت تقف مرفوعة الرأس وقد ثبتت أنظارها في وجه المحب الأعظم مصدر
الحياة ونبع المحبة، إذا بهذا الصرح الشامخ يتداعى فوق رابية الجلجلة،
ومعه في القبر تُدفن كل آمالها وأمانيها، فيصير لسان حالها قول تلميذي عمواس :
" كنا نأمل أن يكون هو الذي يُخلص إسرائيل ... "
( لو 24 : 21 ).
هكذا كانت حالة جميع التلاميذ قبل فجر القيامة، فقد سادت عليهم ظلمة اليأس،
وامتلكهم شعور جارف بالضياع والفشل. فكان سمعان بطرس يقاسى الأمرين من
الحزن المفرط بسبب نقده لمعلمه، وتأنيب الضمير بسبب إنكاره لسيده، وكان تلميذي
عمواس يمشيان عابسين يتحدثان عن الأمور المحزنة، التي حدثت في تلك الأيام
والتي كانت سبباً في فقدانهم لكل رجاء.
مع مطلع الخيوط الأولى للفجر كانت مريم المجدلية تسرع إلى القبر ومعها الحنوط
والأطياب لتدهن بها جسد يسوع، وعلى طول الطريق كانت الدموع تنهمر على وجنتيها بغزارة،
ولعلها كانت تود ان تغسل بها جزءاً ولو يسيراً من الظلام الدامس الذي يخيم على روحها اليائسة
ولكن هيهات. وفجأة سمع الجميع صوت يهتف يصيح قائلاً : " قد قام " !
لقد تزلزل القبر، وتدحرج الحجر، وقام يسوع منتصراً على الموت، ناقضاً أوجاعه، كاسراً شوكته.
فكر في تلك الشعاعة الباهرة من النور التي بددت ظلام الموت، وفي تلك النغمات الموسيقية
العذبة التي صدحت، فأزالت سكون القبر، وكيف كان تأثير هذه وتلك على نفسيات
التلاميذ الخائرة البائسة، فأنمحى اليأس، وانتهى الفشل، وانقشع الظلام،
وحلَّ بدل هذه الأمور كلها نور عجيب أضاء القلوب.
لآن لنتأمل معاً في بعض المعاني المباركة التي تحملها لنا اليوم قيامة ربنا يسوع المسيح، فالقيامة تعني :
1 _ أن يسوع الناصري هو بالحقيقة ابن الله
فقبل ذلك الفجر المجيد كان التلاميذ فريسة للشك، وإذا بقيامة الفادي تضع حداً لشكوكهم ومخاوفهم،
وتزيل الضباب الكثيف الذي كان يخيم على أذهانهم كلما فكروا في حقيقة رب المجد،
وهكذا نجد الرسول بولس يتغنى بهذه الحقيقة قائلاً : " في شأن ابنهِ الذي جاءَ من نسل داود،
وفي الروح القدس ثبت أنهُ ابن الله في القدرةِ بقيامتهِ من بين الأموات، ربنا يسوع المسيح "
( رو 1 : 3 _ 4 ).
فقد كان في القيامة الإعلان القوي عن ( بنوءة ) بنوية المسيح لله، الذي فاق كل
الإعلانات النبوية، وترك في نفوس التلاميذ تأثيراً أقوى
من كل تأثيرات المعجزات التي أجراها المسيح مجتمعة.
2 _ إن في إمكان جميع الناس أن يتمتعوا بالنصرة على الخطيئة والموت إن آمنوا بيسوع المقام المنتصر
فقد صارت حقيقة القيامة أساساً لإيمان التلاميذ، وموضوعاً للبشارة المفرحة التي حملوها إلى
كل أركان الأرض، فكما انتصر الرب على القبر، وبسلطانه أبطل سلطان الموت،
فلا بد أنه يستطيع أن ينتصر على كل القبور، وأن يغلب كل أنواع الموت، موت الجسد
والنفس والروح، ففي المسيح يستطيع كل إنسان أن يقوم من قبر خطاياه، وبدلاً من الموت
الروحي يتمتع بالحياة المجيدة المنتصرة، " ألا تعلمون أننا حين تعمدنا لنتحد بالمسيح يسوع
تعمدنا لنموت معه، فدفنا معه بالمعمودية وشاركناه في موته، حتى كما أقامه الآب بقدرته
المجيدة من بين الأموات، نسلك نحن أيضاً في حياة جديدة, فإذا كنا اتحدنا به في موت يُشبهُ موته،
فكذلك نتحد به في قيامته. ونحن نعلم أن الانسان القديم فينا صُلبَ مع المسيح حتى
يزول سلطان الخطيئة في جسدنا فلا نبقى عبيداً للخطيئة، لأن الذي مات تحرر من الخطيئة،
فإذا كنا متنا مع المسيح، فنحن نؤمن بأننا سنحيا معه. ونعلم أن المسيح بعدما
أقامه الله من بين الأموات لن يموت ثانية ولن يكون للموت سلطان عليه،
لأنه بموته مات عن الخطيئة مرة واحدة، وفي حياته يحيا لله "
( رو 6 : 3 _ 10).
ففي القيامة قوة محيية تكفي لإقامة كل الموتى بالخطيئة في كل أنحاء الأرض في جميع العصور والأجيال.
هذا هو الحق الإلهي الواضح الذي يعلنه الله يومياً بواسطة النفوس التي تنتقل
من موت الخطيئة إلى الحياة المباركة المجيدة مع شخص الرب يسوع.
فهذا يجعلنا اليوم أن نحيا باستمرار في روح القيامة وقوتها، فتنتعش صلواتنا،
ونتعمق شركتنا معاً، ويتقوى إيماننا يوم بعد يوم، ويلمع رجاؤنا، بل ليت قوة
القيامة تفيض على عواطفنا الباردة فتلهبها حرارة، وعلى ضمائرنا الميتة فتحييها من جديد،
وعلى عقولنا الجامدة فتحركها من السكون، وعلى قلوبنا المتحجرة فتلينها، فحيث توجد
القيامة توجد الحياة بكل مظاهرها، لأنه " تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع
الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون "
3 _ إن الحق، لا بد وأن ينتصر
عندما وضُع يسوع في القبر خُيل للتلاميذ أن الحق قد هُزم، وأن الشر قد ساد وانتصر،
لكن في فجر القيامة استعاد الحق نصرته وسيادته، فوسط ضحكات العدو وصخبه وفرحته
المزيفة بالنصر، قام ابن الله فأسكت هذه الضحكات إلى الأبد، وأعلن نصرة الحق
على قوات الشر والشرير، كل قوات الجحيم لم تستطيع أن تمسك يسوع وتبقيه داخل القبر،
الحجر والأختام والحراس لم تكن إلا وسيلة أعلنت مدى قوته وسلطانه على الموت،
وهكذا الحق أيضاً فأن كل قوى الشر لا تستطيع أن تقيده.
في وقت ما ظن البعض أن الحق قد هُزم، لكن سرعان ما أتى فجر القيامة فأعاد الأمور إلى نصابها.
هكذا الحال في أيامنا هذه، فقد يصلب الناس الحق، ويدفنونه في القبر،
ويضعون عليه الحجر والأختام والحراس، لكن لا بد وأن يأتي الوقت الذي
يُعلن فيه الحق بكل قوة وسلطان، فيدين كل أعمال شر الإنسان.
لذلك نجد الرسول بولس في ختام أصحاحه المبارك عن القيامة يوجه
هذه الكلمات المشجعة إلى أهل كورنثوس قائلاً :
" فكونوا، يا إخوتي الأحباء، ثابتين راسخين، مجتهدين في عمل الرب
كل حين، عالمين أن جهدكم في الرب لا يضيع. "
( 1 كور 15 : 58 ).
وهو بهذا يود أن يؤكد لنا أنه كما ان كل قوى العالم والشر لم تستطيع أن تبقي إلهنا وربنا في القبر،
هكذا فإن هذه القوى ذاتها لن تستطيع يوماً ما تعيق نجاح خدمتنا،
أو تعطل تقدم عمل الرب بواسطتنا لذلك فلنستمر في قول الحق،
وننادي بالحق،ونشهد للحق بحياتنا، عالمين أن تعبنا ليس باطلاً في الرب.
>> منقول >>