تناولنا في الجزء الأول من هذه المقالة او ورقة العمل المقترحة مدى التقدم الكبير الذي طرأ على النمو القومي الكلداني من خلال مقارنة عدد الأصوات الانتخابية التي حاز عليها القائمتين الكلدانيتين ومقارنتها بعدد الأصوات التي حاز عليها كل من الحركة الديمقراطية الاشورية والتي كانت الى فترة قريبة هي سيدة الموقف بلا منازع بل كانت هي المتسلطة على عموم ساحة شعبنا ولكننا نرى قيادتها واعضائها وانصارها اليوم يرقصون رقصة الديك المذبوح بعد تحجيم تلك السيادة شبه الكاملة وذلك التسلط المطلق الى نسبة الثلث وبعد أن امتلك الكيان القومي الكلداني زمام المبادرة وبدأ يخطو الى الأمام بحزم وثبات رغم بطء مسيرته بسبب امور تنظيمية داخلية وبسبب شراسة وتفوق المتآمرين عليهم في المجالات التنظيمية والاعلامية والامكانيات المادية والسلطوية، فبعد ان كانت نسبة اصطفاف شعبنا حول التنظيمات والقوائم الكلدانية قبل بضع سنوات تعانق الصفر عند مقارنتها بنسبة الاصطفاف حول الحركة الديمقراطية الاشورية نجد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ارتفعت تلك النسبة التي كانت بحدود الصفر الى نسبة 43.26% ، كذلك عند مقارنة نسبة الأصوات الكلدانية بتلك التي حصل عليها ما يسمى بالمجلس الشعبي فكانت بحدود 55.54% من مجموع الأصوات التي حصل عليها الأخير ،
فعلآ ان الأرقام التي حصل عليها الكلدان في الانتخابات البرلمانية الاخيرة تبعث البهجة في النفوس وتدل على انهم يسيرون نحو امتلاك زمام المبادرة وما هي إلا بداية الغيث الذي سيجرف كل الحاقدين المتآمرين على القومية الكلدانية ومعهم اقزامهم ومأجوريهم ومخططاتهم التآمرية الى مزبلة التاريخ والى الأبد .
كما بيننا ان الفائزين ضمن الكوتا المسيحية لا يمثلون أي مكون قومي لأن ترشيحهم كان ضمن التسمية الدينية التي اعطت حق المشاركة في الترشيح والتصويت لكل من ، المسيحي العربي والمسيحي الكردي والمسيحي الكلداني والمسيحي السرياني والمسيحي الاثوري بالاضافة الى مشاركة اخواننا الاكراد المسلمين للتصويت لقائمة ما يسمى بالمجلس الشعبي بناء على توجيهات حزبية ذكرناها في الجزء الأول ، من هذه العمومية لا يجوز لأي فائز بعد ان تسلق على ظهر المسيحية والمسيحيين بما فيهم العرب والاكراد والاكراد المسلمين الذين اوصلوه الى قبة البرلمان ان ينقلب عليهم وعلى المسيحية ويدعي انه يمثل المكونات القومية الكلدانية والسريانية والاشورية فقط ، حقآ سيكون عمل من اعمال الغدر والخيانة ونكران الجميل إذا تأكد ان احدهم حاول ذلك ..
في هذا الجزء من ورقة العمل المقترحة هذه نتطرق الى الآتي :-
الواقع الكلداني من المنظور الايجابي والسلبي لتجربة الانتخابات الاخيرة
لكي نستطيع قراءة الواقع الكلداني بماضيه القريب وحاضره الآني قراءة صحيحة وموضوعية ، علينا وقبل كل شيء التحلي بالجرأة لإقتحام كل الملفات الملغومة وخاصة تلك المحاطة بالهالة المقدسة المزيفة من اجل فضحها واعلانها بمسمياتها الحقيقية من دون مواربة او مجاملة على حساب القضية الكلدانية التي يجب ان تكون من أقدس القضايا وأنبلها بعد الايمان المسيحي والوطني لدى كل كلداني غيور على أصله ومنبته وكرامته .
لقد حان الوقت لإعادة ترتيب اولويات الانتماءات الكلدانية وهنا لا اقصد تغيير او تفتيت الانتماء الديني او الوطني او القومي بل اعادة ترتيبها لتنسجم مع الواقع المفروض علينا ولتصبح اكثر فاعلية وتأثيرآ على المدى الطويل ، خاصة ان المرحلة التاريخية التي يمر بها شعبنا الكلداني تتطلب الوعي والتنبيه لِما يحاك ضده من مؤامرات ومخططات من حوله ومن داخله وجميعها تستهدف اولآ هويته القومية الكلدانية ومن ثم انتماءه المذهبي الكاثوليكي .
للأسف نقولها ، ان التنظيمات الاشورية التي تمثل دور العدو للمعتقدات القومية الكلدانية لم يتركوا امام الكلدانيين خيار غير خيار الرد المباشر والكيل بنفس المكيال ، فعلى امتداد حوالي عقدين من الزمن والكلدانيون لم يوفروا جهدآ ولا وقتآ ولا فرصة ولا مناسبة ولا فعلآ ولا قلمآ ولا كلامآ ولا شيئآ مهما غلا او رخص بل وفي بعض الحالات وصلت مناشداتهم الى حدود التوسل من اجل اقناع الاشوريين بالتعامل الاخوي الحضاري المبني على الندية واحترام الثوابت القومية لكلا الطرفين ولكن طيلة تلك الفترة وفي كل مرة كانت العنجهية وسوء النية واثارة الفتن والتآمر على كل ما يسيء للخيارات الكلدانية ولرموزهم الدينية والقومية هي عنوان كتاباتهم وتصريحاتهم وممارساتهم العنصرية ، فهل يعقل بعد كل ذلك أن يبقى الكلدانيون اسرى الأوهام والمناورات والشعارات الاشورية المزيفة كشعار الوحدة والاتحاد ونحن شعب واحد وحرب التسميات وان يبقوا دائرين في معمعة هل الاشوريين من الكلدان أم العكس كتلك الجدلية العقيمة ( هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة وغيرها من الشعارات الكاذبة والمخادعة التي اخترعوها لإلهاء الكلدانيين والف خط تحت لإلهاء الكلدانيين بأمور جدلية عبثية تبعدهم عن ترتيب امورهم ومن امتلاك زمام المبادرة وممارسة دورهم السياسي والوطني والقومي على عموم الساحة العراقية .
لقد قيل وكتب الكثير عن الانتخابات الاخيرة وما اسفر عنها من نتائج ومواقف وتحاليل ، خاصة عن تلك المتعلقة بالقائمتين الكلدانيتين ، ويكاد يكون الجميع قد ركزوا على فكرة اساسية واحدة وهي ، ان الكلدانيين لم يفوزوا بأي مقعد في البرلمان ، صحيح ان احد اهداف دخول الانتخابات هو الفوز بالمقعد ، لكن عدم الفوز به لا يعني نهاية الطريق ، وإنما هي نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة ، ويجب النظر الى مرحلة الانتخابات بكونها تجربة تستحق التقييم ودراستها بشكل جدي من دون شخصنة او اسقاطات او القاء التهم واللوم على أي من الاطراف الكلدانية، وانا شخصيآ اعتقد انها كانت تجربة ناضجة وجريئة ومتقدمة في معظم جوانبها فمثلآ :-
1- قرار المشاركة في الانتخابات بحد ذاته يعد فوزآ .
2- قرار دخول الكلدان بقائمة او قائمتين كلدانيتين صرفة يعد تحدي شجاع وجريء لكافة القوى الشريرة المعادية للهوية القومية الكلدانية ، ويجب الاستمرار على هذا النهج مستقبلآ او بالتحالف فقط مع الافراد والقوائم التي تخلو من المعادين للهوية القومية الكلدانية .
3- الدخول بقائمتين كلدانيتين رغم كونه قرار غير حكيم لأنه جاء في الوقت الخاطيء ، إلا انه يحمل بين ثناياه معالم القدرة والثقة بالنفس وبالأمة ، وأنا متأكد في المستقبل ليس البعيد وبعد ترتيب وتوحيد البيت الكلداني سيكون بمقدور الكلدانيين دخول الانتخابات في اكثر من قائمة انتخابية واحدة وسيفوزون في اكثر من قائمتين انتخابيتين .
4- اعتماد الكلدانيين على النفس في كسب اصوات الناخبين من غير الاعتماد على خداع الناس بشعارات كاذبة او الاعتماد على بعض تنظيمات حزب السلطة في الأقليم او ما يقابلها في الجانب العربي تعد هذه الخصوصية فخرآ وفوزآ كبيرآ للكلدانيين في هذه التجربة .
5- ان عدد الاصوات التي حصلت عليها القائمتين الكلدانيتين في ظل الامكانات والخبرات والظروف المحيطة المعادية لهما دخلت حيز المنافسة مع مَن كانا الى عهد قريب المتسيدين على الساحة فتعتبر بداية النهوض وامتلاك زمام الأمور والمبادرة وهذا يعتبر انجازآ آخر أفرزته نتيجة الانتخابات الأخيرة .
6- ان عدد الأصوات التي حصلت عليها القائمتين الكلدانيتين تحت ظل الظروف الحالية تشير بكل وضوح على نهوض الوعي القومي الكلداني وبداية الانطلاق المسؤول والواعي تجاه القضايا السياسية والقومية .
فبالرغم من ان تلك الايجابيات المشجعة تشعرنا بالفخر والتفاؤل وتدعونا للثبات على مبادئنا والاصرار على حماية ثوابتنا الوطنية والقومية إلا اننا لا يجوز ان نتجاهل او ننسى الاشكالات والسلبيات التي سبقت ورافقت الانتخابات ، بل يجب استخلاص العبر منها من خلال دراستها بهدوء وعقلانية من غير شخصنة او تخندق أو محاولة تبرير النفس لأن الجميع مقصرين واخطأوا من اعلى الهرم الى آخر تسلسل في القاعدة ، نعم الجميع مطالبين بمراجعة الذات ونقد الذات بكل صراحة وجرأة وصدقية ومن ثم العمل على تجاوزها مستقبلآ ، ان اشكالية دخول الانتخابات بقائمتين ليست هي الاشكالية الوحيدة التي عانينا منها بل هي واحدة من عشرات المسائل التي يجب الوقوف عندها ، فهناك اشكالية اللامبالاة واشكالية عدم تكليف النفس عناء الذهاب الى مراكز الاقتراع واشكالية عدم التشجيع وتقديم الدعم المادي والمعنوي والنفسي واشكالية التخطيط العشوائي وعدم الالتزام بالقرارات الصادرة واشكالية عدم استنهاض الوعي القومي لدى الكلدانيين واشكاليةعدم قدرتنا على تجاوز الفكر الفردي وجعله جماعيآ واشكاليات اعلامية وادارية وتنظيمية واشكالية استغلال طيبة الكلدانيين وحسن نيتهم بالاخرين واعتبارها من الطرف الآخر سذاجة وضعف الشخصية بالاضافة الى الظروف المحيطة المعادية للتوجه القومي الكلداني ، كلها اسباب يجب دراستها والعمل على تجاوزها او التخفيف من تأثيرها على سلوكياتنا وعلى عملنا السياسي والقومي ، وكلها اشكاليات وعثرات عانينا منها كثيرآ ليس فقط في الانتخابات الأخيرة بل قبلها لسنوات كثيرة ، ومع ذلك لم تستطع تلك الاشكاليات ان توقف اتجاه سير الخط البياني في الصعود لعمل الوعي القومي الكلداني ، وخير مَن عبّر عن مدى التقدم الذي تحرزه التنظيمات الكلدانية في ساحة شعبنا هو الاخ د . عامر ملوكا في مقالته التي جاءت بعنوان ( الكلدان فائزون ) " الرابط ادناه " ويسرني أن اقتبس الفقرة التالية مما جاء في تلك المقالة ،
( ان الخط البياني لنتائج المكون الكلداني في تصاعد بياني مستمر فبعد ان كانت في الانتخابات السابقة 5% و9% على التوالي وفي الانتخابات الاخيرة حازت على 16.6% وهذه النتائج تشير الى التقدم الواضح والذي يشير بلغة الارقام وتحليل المنحنيات البيانية الى العلاقة الطردية بين الزمن والنسبة المئوية للناخبين وبالاعتماد على هذه العلاقة والتي تقترب من كونها تمثل في علم الرياضيات علاقة الخط المستقيم فالنسبة المتوقعة للانتخابات القادمة سوف تقترب من الـ 30% ...)
فليس من الظلم والسذاجة أن نغفل عن تلك الايجابيات وان نتجاهل ذلك الصعود المستمر لمؤشر الخط البياني والمتضاعف في كل مرة عن سابقتها في مسيرتنا القومية وأن ننهك قوانا وامكاناتنا وان يصيب بعضنا بالاحباط بسبب عدم حصولنا على الكرسي في انتخابات لن تكون الأخيرة و بلغت الطعونات القانونية المقدمة ضدها 182 ، لا لن نسامح قيادتنا إذا ظهرت عليها بوادر الضعف والهوان لمجرد كبوة هنا او عثرة هناك أو إذا اهتزت بسبب اشاعة او اكذوبة أو حدث او مقالة كما يريده الشامتون وصغارهم من ناكري اصولهم الكلدانية .
سبق وان فاز ثلاثة مرشحين لما يسمى بالمجلس الشعبي ومرشحين اثنين من الحركة الاشورية في انتخابات برلمان كوردستان التي جرت في 25 تموز 2009 ، عشنا وشفنا وسمعنا وقرأنا التطبيل والتزمير والرقصات البهلوانية وبرقيات التهنئة وقطع البث التلفزيوني لقناة عشتار الفضائية لاعلان بشرى النصر والفوز العظيم ، فهل يستطيع احد من اولئك المطبلين ان يذكر لنا ماذا قدموا لنا وماهي انجازات اولئك النواب من تاريخ اعلان فوزهم والى يوم كتابة هذا المقال والتي تتجاوز فترة الـ 250 يومآ ، فقط اريد انجازآ واحدآ لا غير عدا ما يتقاضوه من رواتب ومخصصات وهدايا ، بل ماذا كان تأثير او تأخير اختفاء وهروب ممثل ما يسمى بالمجلس الشعبي السيد طانيوس ججي من اداء مهامه في مجلس محافظة نينوى التي أحوج ما يكون لنا فيها وجود وتمثيل مسيحي ، أليس من المنطق والتفكير العقلاني ان يتم محاسبة هذين التنظيمين الفاشلين في برلمان الأقليم وفي مجلس محافظة نينوى وذلك بعدم التصويت لهما في أي انتخابات لاحقة ، ولنا ايضآعلى مستوى الوطن مثال الحزب الشيوعي العراقي المعروف بتاريخه ونضاله ومواقفه وتضحياته التي لا تحصى ولا تعد ، لماذا لم يفز في الانتخابات او لم يحصل على مقاعد تناسب تاريخة ونضالاته ، بينما هناك من الاحزاب المعروفة بتخلفها وطائفيتها وفسادها قد فازت بمقاعد كثيرة ؟، انني إذ اسوق هذين المثلين لكي أوضح انه من الممكن للفاشل والفاسد والطائفي والعشائري أن يفوز في الانتخابات وان يحصل على المقاعد البرلمانية إذا امتلك مقومات الفوز مثل الامكانات المادية والاعلامية ودعم السلطة ومهارات ذاتية اخرى كمهارة الاقناع والمخادعة ، لذلك نقول ان الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها بل هي وسيلة لتحقيق الغايات تحت قبة البرلمان ، وأنا متأكد لدى الكلدان بدل تلك الوسيلة عشرات الوسائل التي توصلهم ليس فقط الى البرلمان العراقي بل الى جميع مراكز أخذ القرار في عموم العراق إذا استطاعوا ان يتجاوزوا تلك الاشكاليات والمعوقات والعثرات سواء الطبيعية منها او تلك التي يصنعها او يقف وراءها الحاقدون وذيولهم الصغار ، ولن يتم لهم ذلك إلا من خلال تدشين انطلاقة حقيقية جديدة لمرحلة جديدة في التضامن القومي من غير تعصب او تحامل او انتقاص او توجيه لوم او تكتل لأننا وكما ذكرت الجميع ملام ومقصر والكل مطالب للعمل بعقلانية وارتياح ومن روح المسؤولية القومية وعلى مستوى عال من نكران الذات على خلق مناخ ملائم للتواصل والتشاور لغرض تنشيط اللقاءات والاجتماعات بين الأفراد والتنظيمات والمؤسسات السياسية والقومية الكلدانية من اجل مواكبة التطورات الجديدة وتفعيل العمل السياسي والقومي لمواجهة التحديات والمخططات المشبوهة ، ومهمة الشروع في عملية تهيئة تلك الأجواء الملائمة تقع على عاتق الجميع وخاصة الخيرين من المهتمين والحريصين على ثوابت الأمة وعلى حماية وتطور العلاقة السليمة بين ابناءها ، وأي موقف لا مبالي ومتفرج لمن يقدر أن يعمل شيء ايجابي في هذا الشأن ، يعني التخاذل وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه معتقدات ومصلحة واهتمامات اخوانه وابناءه ، حان وقت امتحان معدن الرجال والرعاة .
يتبع في الجزء الثالث
رابط مقال د.عامر ملوكا
منصور توما ياقو
11 نيسان 2010